; المديونيات الصعبة . نظرات أخيرة | مجلة المجتمع

العنوان المديونيات الصعبة . نظرات أخيرة

الكاتب جزاع العدواني

تاريخ النشر الثلاثاء 27-أبريل-1993

مشاهدات 94

نشر في العدد 1047

نشر في الصفحة 8

الثلاثاء 27-أبريل-1993

هذه الأيام هي الأيام الأخيرة لإقفال ملف المديونيات الصعبة، وتزاول اللجنة المالية في مجلس الأمة عملها بنشاط وانعقاد دائم العرض وتقليب الآراء حول التقرير الذي قدم المجلس الأمة يوم الثلاثاء 20/4/93 وتم الاستماع في هذه الجلسة إلى كثير من الآراء وتم الاتفاق على إكمال النقاش في جلسة يوم السبت 24/4/1993.

وفي رأيي أنه يجب التريث قليلًا قبل إقرار مشروع القانون الجديد؛ لأن حجم آثار هذا القانون تمس الشعب جميعه لما له من آثار مالية هائلة على ميزانية الدولة في هذه المرحلة الحرجة من الزمن التي انخفض فيها سعر برميل النفط إلى أدنى مستوى له.

والملاحظ أن التوجه العام لمجلس الأمة والحلول المطروحة في الساحة هو تقديم اقتراحات وحلول ضمن وعاء قانون المديونيات الصعبة رقم 32 لسنة 1992 أي جعلوا الأساس هذا القانون وحاولوا التعديل عليه بأقصى قدر ممكن من التشدد.

لكن ما نريد أن نقوله لماذا لا يتم التفكير في رفض هذا القانون جملة وتفصيلًا بأية طريقة ممكنة فلا يجب أن تكون القوانين حجر عثرة أمام مصلحة البلد والمواطنين التي تستلزم المحافظة على المال العام وعدم مسه في هذه الفترة العصيبة التي نقوم بصرف أكثر مما نجمع من أموال ثم نأتي بقانون تزيد فيه تكاليف الميزانية السنوية للدولة فلنرفض هذا القانون، ولا نخضع لأية ضغوطات سواء من الحكومة أو التجار والمتنفذين في هذا البلد.

فمبدأ التعويض يجب عند إقراره عدم التفريق فيه فالذي حدث أنه حصل هناك تمييز في التطبيق وهذا لا يرضاه أحد.

فكيف نعوض لأرباب عمل قد خسروا جزءًا أو كل تجارتهم ونتجاهل أرباب الأسر الذين خسروا ممتلكاتهم وأموالهم كذلك. فالمسألة نسبية فمقدار الآثار المترتبة علي رب الأسرة مساوية نسبيا الآثار المترتبة على رب الأسرة؛ فهناك أسر سرقت ونهبت ممتلكاتها من الغزو العراقي الغاشم، وكذلك هناك أسر تضررت بيوتها من أثر السيول والأمطار، وكذلك هناك أسر بيوتها غير صالحة للسكن ومتضررة لأي سبب من الأسباب ولم يلتفت إليها أحد ولم يطبق مبدأ التعويض عن الخسائر مع أنها تمس أعدادًا كبيرة جدًّا من المواطنين وهناك أيضًا أسر مدينة بأقساط سيارات نهبها العراقيون.

فدائمًا التمييز يولد المشاكل والخلافات والحقد بين أفراد الشعب. فلذلك نقول إنه لا زال هناك خط رجعة ممكن أن يسلك ويرفض هذا القانون جميعه مهما كانت الجهات التي تحميه وتقف خلفه.

فكان الأسلم أن يترك الأمر للبنوك نفسها لعمل تسويات مع المدينين بدون تدخل الحكومة ودعمها؛ فالبنوك تتحمل خطأها بأن منحت قروضًا بدون ضمانات كافية فهذه مسئولية مجالس إدارات هذه البنوك، هم الذين يجب أن يحاسبوا لا أن يقفوا الآن متفرجين وينتظرون حلولًا جاهزة ترضيهم وتستر على أخطائهم، فليقم الآن مجلس إدارة البنك الذي منح القرض بتحمل مسئولياتهم ومحاولة حل الأمر مباشرة مع المدين بالطريقة التي تناسبهم وتناسب المدين بدون إصدار أية فرمانات من الدولة لإعفاء وتسهيل أمور المدينين.

فالجهة التي قامت بالاقتراض عليها مسئولية كبيرة ويجب عليها أن تستشعر الخوف من الله سبحانه وعدم أكل أموال الناس بالباطل، فعليها طواعية من نفسها المبادرة بالسداد أو ترتيب أوضاعها بشكل جيد وليس فيه أي هدر للمال العام الذي هو ملك الجميع، وسوف يحاسبهم الله يوم القيامة عن كل فلس تمتعوا فيه بدون وجه حق؛ فليس شرطًا إذا صدر قانون واستطاعوا التهرب من السداد في الحياة فسيكون السداد يوم القيامة عسيرًا.

لكن في حالة الإصرار على تدخل الدولة في حل أزمة المديونيات الصعبة من الخزينة العامة فيجب تقليل التكلفة بأقل قدر ممكن وإقرار  الحل الذي يحفظ المال العام من الهدر، ولنا هنا ملاحظات على الحلول المطروحة، وهي:

1- سرية الأسماء:

يرفض البنك المركزي تزويد المجلس بأسماء المدينين بحجة وجود مواد في قانون البنك لا تجيز ذلك، وقد أحال المجلس الأمر إلى الفتوى والتشريع للاستفسار حول ذلك. فيجب عدم إقرار أي حل وإيقاف العمل قبل معرفة الأسماء جميعها؛ فالأمر ليس فيه داعي السرية وهو أدنى حق للدائنين الذين هم الشعب الكويتي لمعرفة لمن سوف تسدد هذه الأموال، وهذا من حقه فليس هناك داع للتخفي والعمل في سرية، فالقدر المستهلك من المال العام قدر هائل من الضرورة فيه معرفة إلى من سوف تعود هذه الأموال؟ ويجب أن تنشر المراكز المالية للمدينين في الصحف اليومية مثلما عمل في أزمة المناخ نشرت المراكز المالية للمتورطين في هذه الأزمة.

2- اللجنة المحايدة:

يجب وضع لوائح وضوابط لعمل اللجنة المحايدة التي سوف تشكل لدراسة كل حالة على حدة وعمل جدولة لكل حالة حسب ظروفها، فطبيعة الشعب الكويتي وصغر البلد تجعل هناك إمكانية لتعرض أفراد هذه اللجنة لإحراجات أو ضغوطات من أية شكل لعمل حلول ترضي بعض المدينين فيكون في هذه الحالة لا فائدة من القانون بأكمله لأن التطبيق شابته شائبة، فبلدنا هنا لديها الكثير من القوانين الممتازة لكنها تعرقل عند التطبيق.

3-بيوت الخبرة:

لم يتم استشارة بيوت خبرة محلية أو أجنبية لمحاولة التوصل إلى حل فني يكون فيه أقل قدر ممكن من التكلفة. فالواجب طرح الموضوع في ممارسة للمهتمين من مكاتب محاسبية محلية وخارجية وأخذ حلول مختلفة يمكن في النهاية دمج بعض الحلول في بعض للوصول إلى حل شبه کامل.

4- المديونيات الصعبة ومديونيات المناخ

يجب الفصل بين الاثنين، فمديونيات المناخ لها برنامج وجهة تقوم به، وهو مكتب تصفية المعاملات التي تمت بالأجل، ويوجد له جهاز فني يعمل لإنهاء الأزمة فلا يجب مقاطعة عمله؛ لذلك يجب أن يفصل عن مديونيات آثار الغزو فلا يجب أن يخلط الحابل بالنابل.

5- علاقة التنشيط الاقتصادي بحل أزمة المديونيات

 يجب التفريق بين تحرك عجلة الاقتصاد وبين حل المديونيات الصعبة فلا توجد علاقة مباشرة متكاملة، فحل المديونيات الصعبة حلقة صغيرة ضمن حلقات كثيرة لتنشيط الاقتصاد، فالحلقة الأهم هي دور الحكومة لتنشيط الاقتصاد بضخ الأموال وإرساء المشاريع وأدوار أخرى مهمة. 

وفي النهاية يجب أن نشير إلى دور الإعلام المتخاذل نحو هذه، الأزمة فالطرح الأكثر كان بجانب حل هذه الأزمة لصالح المدينين، وكذلك لم يتم فيه التفاعل مع الجمهور وتبيان الأضرار الناجمة عن حل المديونية على المال العام للدولة.

فمواضيع أخرى طرحت في الصحف أقل أهمية من المال العام وضخمت وشغلت مساحات كبيرة في الصحف اليومية، وهذا لم يحدث بالنسبة لهذه الأزمة بل العكس تم طرح ترويج للحلول وتهوين الأمر على المال العام، وكذلك بالنسبة للتلفزيون والإذاعة لم تتطرق للموضوع بشكل فعال جدًّا، ولم تؤخذ فيه آراء المواطنين ولا عرض الأضرار بصراحة على المواطنين.

فلذلك يجب على وسائل الإعلام بجميع أنواعها عرض الموضوع وبصراحة وبتكثيف على المواطنين الذين لهم الرأي الأخير نحو الإقرار أو عدمه.

 

الرابط المختصر :