; المسلمون في زنجبار.. لماذا نسيناهم؟؟ | مجلة المجتمع

العنوان المسلمون في زنجبار.. لماذا نسيناهم؟؟

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 29-ديسمبر-1970

مشاهدات 23

نشر في العدد 41

نشر في الصفحة 20

الثلاثاء 29-ديسمبر-1970

جزيرة القرنفل والجوز

جزيرة صغيرة على بعد 40 كيلومترًا من ساحل شرق أفريقيا جزيرة استوائية يحوطها من كل جانب شواطئ ذات رمال بيضاء ناعمة مزينة بآلاف أشجار الجوز جزيرة خصبة إنتاجها الأساسي القرنفل ثم الجوز وقد قيل عن خصوبة أرضها: «لو وضعت حطبًا في الأرض لأنبت».

تجاور هذه الجزيرة، جزيرة أخرى أصغر منها مليئة بالجبال والمرتفعات والأنهار الصغيرة.

مدينة واحدة في الجزيرة الأولى وهي الميناء والعاصمة معًا وهي صغيرة بالطبع تأتيها البواخر من جنوب الجزيرة العربية والهند للتجارة والزيارة خاصة في شهر رمضان.

تسير الحياة ببطء في الجزيرتين ويمتاز أهلهما بالمرح والكرم وهدوء الطباع، أحب وسائل الترفيه لديهم هي السباحة أو الصيد أو الاستماع إلى الموسيقى العربية في المنازل، أو في إحدى النوادي الموسيقية التي تملأ العاصمة والقرى الصغيرة المجاورة لا أنها ليست قصة من قصص ألف ليلة بل إنه وصف لجزء من العالم الإسلامي في سنة ١٩٦٤ وقبل ذلك.

أما بعد سنة ١٩٦٤ حتى الوقت الحالي فهذه قصة أخرى ما زالت الجزيرة وما زالت الرمال البيضاء وما زال شجر الجوز والقرنفل والجبال الخضراء، أما السفن فهي لا تأتي لأنها تمنعها الزوارق الصينية المزودة بالمدافع الرشاشة التي تقوم بدوريات دائمة حول الجزيرة الخضراء لتحولها إلى سجن كبير لا يستطيع أحد الخروج منها أو الدخول إليها إلا بإذن الحاكم بأمره عبيد كرومي.

نعم إنها قصة جزيرتين، جزيرة زنجبار والجزيرة الصغيرة المجاورة لها جزيرة بمبا.

الوضع السياسي في زنجبار

كانت زنجبار تحت الحماية البريطانية حتى ديسمبر سنة ١٩٦٣، وقد أقيمت قبل ذلك بستة أشهر انتخابات لتقرير الحكم الذاتي، وبعد ذلك أقيمت انتخابات للاستقلال التام وكان رئيس الوزراء وقتئذ الشيخ محمد شمتي حمادي وكان برنامج حزبه - الحزب الوطني - هو إقامة وتدعيم حكم ديموقراطي والوقوف بجانب الدول العربية في السياسة والأهداف، ذلك إلى جانب نقطة أخرى مهمة وهي محو أي شعور بالتفرقة بين أهالي البلاد من العنصر الأفريقي وأهالي البلاد من العنصر العربي وغيرهم الذين اختلط دمهم بأهل البلاد من الأفريقيين. والجدير بالذكر أن الشيخ محمد شمتي حمادي الذي أصبح رئيسًا للوزراء بعد فوز حزبه هو من أصل أفريقي.

 أقيمت الوزارة ووضع الدستور على أساس ديموقراطية ملكية، أما السلطان فلا دخل له في الحكم وكان على سنة سلاطين زنجبار منذ الأزل، محبوبًا لدى شعبه غير طامع في المزيد من الحكم أو الجاه سعيدًا بأن يرى بلاده وقد فازت بالاستقلال التام وبدأت في السير قدمًا.

زنجبار وقضية فلسطين

أما من ناحية السياسة الخارجية فلم تختلف زنجبار كثيرًا عن أية دولة عربية أخرى فكانت غير معترفة بإسرائيل مؤيدة لحقوق أهل فلسطين معتبرة نفسها جزءًا لا يتجزأ من العالم العربي.

إلا أن زنجبار بحكم موضعها الجغرافي كانت لها ظروف خاصة فكانت مركزًا لنشر الدعوة الإسلامية في شرق قارة إفريقيا وجنوبها وكانت تناهض المبشرين للمسيحية؛ حتى أن أحد الأساقفة في شرق إفريقيا صرّح في إحدى خطبه «إن الخطورة الأساسية في أفريقيا ليست الشيوعية بل الإسلام».

لغة البلاد

أما الظرف الآخر الخاص بزنجبار دون باقي العالم العربي هو أن اللغة المحلية وهي السواحلية دامت هناك بجانب اللغة العربية والإنجليزية، وكانت الوسيلة الأساسية في الحديث والتعامل بين أفراد الشعب ذلك بالرغم من المجهودات الضخمة التي كانت تقام قبل الاستقلال لنشر اللغة العربية وتدعيمها فكانت هناك المدرسة العربية وكانت تتولى تعليم الأولاد والبنات من مرحلة الروضة حتى مستوى دخول الجامعة، إما في زنجبار أو في أية دولة عربية أو حتى في الخارج إذا شاء الطالب، ولم تقتصر المدرسة على العرب بل فتحت أبوابها للجميع عربًا كانوا أو أفارقة أو غيرهم.

وإذا نسينا هذا كله فلا ينبغي أن ننسى المعهد الإسلامي الزنجباري الذي كان يأتيه الطلبة من كافة أنحاء شرق أفريقيا وجنوبها، حتى إن المعهد لم يسعهم جميعًا فيكتفي بعضهم بالمبيت في المساجد حيث يحضرون الدروس في الإسلام، وقبل الاستقلال بسنتين وضعت خطة لإنشاء جامعة إسلامية ضخمة تتولى أمر نحو ألف طالب وطالبة.

القضاء على كل معالم الإسلام

أتدري ماذا تم في أمر الجامعة؟

ألغي المشروع، أما في أمر المعهد فقد أغلق كمعهد إسلامي وحُوّل إلى ملجأ للأولاد غير الشرعيين يأتي الفرد سرًّا ويلقي بالطفل على الباب ثم يطرق جرسًا ثم يهرب. أما المدرسة العربية فقد أغلقت أيضًا كما ألغي تعليم اللغة العربية في المدارس، هل سمعت هذه الأسماء من قبل؟ الشيخ عبد الله صالح الفارسي والشيخ أحمد حامد منصب والشيخ عمر عبد الله والشيخ جمعة المزروعي؟  كانوا جميعًا من المسئولين عن إدارة المعهد وكلهم الآن هاربون من زنجبار.

إذا سرت في شوارع زنجبار الآن لن ترى العلماء من الدول الإسلامية بل سترى الجنود والمستشارين من الصين الشيوعية يؤيدون الحاكم بأمره عبيد كرومي وعصابته، وبلغ الأمر بهم أن حرّموا الجلوس في المساجد بعد الانتهاء من الصلاة حتى إن الأشخاص يخشون الذهاب إلى المسجد، وهل تلومهم في هذا إذ يصبح الشخص موضع شبهة لأنه يصلي في المسجد، وقد حدث أن أشخاصًا قتلوا رميًا بالرصاص في قلب المسجد.

زنجبار بعد الثورة

هذه هي صورة زنجبار من بعد ثورة ١٩٦٤، قام بها شخص يدعى جون أوكيلا من أوغندا ومن حيث لا يدري أحد.

 توافد جنود أفريقيون من النصارى من تنجانيقا وأماكن مختلفة ليؤيدوا الحزب «الأفرو شيرازي» في قلب نظام الحكم الديموقراطي، وبعد هروب السلطان «السيد جامشید» وآلاف من الأهالي من البلاد أعلنت الوحدة بين زنجبار وتنجانيقا وحول الاسم إلى تانزانيا وأخيرًا استقر الأمر على تعيين عبيد كرومي حاكمًا لزنجبار وأصبح «جوليوس نيريري» رئيس جمهورية البلدين، ويدّعي الحزب الأفرو شيرازي بأن الحكومة السابقة في زنجبار أو بالأصح الحكومات السابقة في زنجبار كانت تقيم التفرقة بين العرب والأفريقيين وكانت تضطهد الأفريقيين، فعالج هذا عبيد كرومي بإقامة ديكتاتورية شيوعية وسلب أموال الأفراد وتحويل الجزيرة إلى سجن يعمل فيه الأطفال والنساء في الحقول تحت سياط الجنود.

وإذا مشيت في شوارع زنجبار الآن فلن تسمع الأذان الذي كان ينبعث من فوق منائرها وتلاوة القرآن من مساجدها بل سترى وجوهًا يائسة تنتظر من ينقذها، ولن ترى المعهد الإسلامي أو أي معهد إسلامي بل سترى سفارة إسرائيل التي اعترفت بها حكومة «الشيخ» عبيد كرومي.

فلماذا إذًا نسينا زنجبار؟ لماذا نسينا الشعب الهارب من وطنه؟ لماذا نسينا الآباء والأمهات الذين لا يستطيعون زيارة أولادهم وبناتهم والأزواج الذين لا يستطيعون زيارة زوجاتهم؟

لماذا نسينا المعهد الإسلامي الذي انتهى والجامعة التي لم يتم إنشاؤها؟

ابن زنجبار

الرابط المختصر :