; المشهد السياسي في العراق.. بعد ٣٠ يونيو المقبل | مجلة المجتمع

العنوان المشهد السياسي في العراق.. بعد ٣٠ يونيو المقبل

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر السبت 28-فبراير-2004

مشاهدات 19

نشر في العدد 1590

نشر في الصفحة 22

السبت 28-فبراير-2004

تشهد الساحة السياسية العراقية حراكًا متسارعًا. فالقوى السياسية منهمكة في واحدة من أكثف عمليات الاستقطاب في التاريخ السياسي الحديث للعراق، بينما تفرض المعادلة الطائفية والعرقية والمناطقة ذاتها على السطح، وفق نظام يحمل لافتة «التعددية»، أو بمعنى أدق يقوم على تقاسم مفترض للكعكة وفق توزيعات طائفية وعرقية ومناطقة.

لم تسمع الحالة الراهنة التي وضع العراق في أتونها منذ قرابة السنة على الأقل بتبلور عامل داخلي مشترك قادر على فرض ذاته على معادلة يمسك بزمامها صانعو القرار الأمريكيون في الوقت الذي يرى بعضهم أن بول بريمر، رئيس سلطة الاحتلال هو القاسم المشترك بين القوى المنخرطة في تشكيل مجلس الحكم بمعنى أن التشكيلة الراهنة هي دلالة على حالة التجزئة العراقية، التي هي الجانب الآخر من عملة فرق تسده التي يعاد إنتاجها أمريكيًا، بعد أقل من قرن على تجريب بريطانيا لها في الساحة العراقية كما في غيرها.

 التجاذبات العراقية الداخلية التي تحاول اطرافها شغل مواقع لائقة من الساحة الشاعرة بعد إسقاط نظام شمولي تحمل في طياتها، كما تحذر بعض الأصوات الكثير من الإشكاليات والتعقيدات المؤهلة شيئًا فشيئًا، لأن تنهي الكيان العراقي الموحد الأمد المنظور. وإذا كان الأمر يتعلق بأزمة عامة تحكم الساحة السياسية العراقية بتركيبتها المعقدة فإن مراكز القوى في مواقع التمترس الطائفي والعرقي والمناطقي المنشغلة بعمليات الحشد وتعزيز الشرعية الشعبية ترقبًا لحصة مرضية من الكعكة المنتظر تقاسمها كان عليها – كأحد استحقاقات هذا الموقف، أن توازن بين أولويات الذات الحزبية ومقتضيات المصلحة الوطنية. ولم يكن مستغربًا في ظل أزمة سياسية معقدة كالتي يشهدها العراق أن يجري تقديم البند الأول على الثاني مع الحرص على تقديم الأجندة الخاصة في هيئة صالح عام يرجى تحقيقه. 

غني عن القول إن المشهد العراقي موحد في كثير من الشعارات لكنه منقسم على ذاته في كثير من المضامين والتفاصيل كما تبين مؤخرًا من قضية الانتخابات التي يؤيدها معظمهم بصيغة تقترب من دعم أي ترحيب بالفكرة مع طرح الاشتراطات التي من شأنها أن تحول دون خروجها إلى حيز التطبيق وإذا أمكن استثناء ورقة المقاومة من هذه التنازعات السياسية فإن المشهد العراقي سيكون على ما يبدو على موعد مع اختبار العراق الجديد الذي يريده الاحتلال.

إذ لا يمكن فهم قرار الإدارة الأمريكية الخاص بعزمها على إنهاء احتلال العراق بحلول ٣٠ يونيو القادم بمنأى عن التطورات التي شهدتها الساحة العراقية بشكل خاص والساحة الفلسطينية والدولية بشكل عام وتأثير ذلك على الرأي العام الأمريكي الذي يشهد تعاملًا جراء الأوضاع المعيشية المتردية واستفحال الأزمة التي يواجهها الاقتصاد الأمريكي فالتراجع في شعبية الرئيس بوش، ونجاح منافسيه وخصومه في الحزب الديمقراطي في إحراجه مستفيدين من إخفاقات منيت بها حكومته على الصعيدين الداخلي والخارجي جعل من مطلب تغيير السياسة الأمريكية تجاه العراق أمرًا بالغ الحيوية بالنسبة لفرص نجاح الرئيس بوش السياسي لفترة ثانية.

ولهذا تحولت واشنطن عن مخططها السابق.. الخاص بالعراق إلى خيار يرمي إلى معالجة أساس.. الداء وتجاوز محور التحدي، بطريقة براجماتية.. فحسب ما یرى الباحث السياسي زاهر بيراوي يكمن هذا الاستحقاق في معالجة تحدي الموت المستمر للجنود الأمريكيين في العراق والعجز عن السيطرة على الأوضاع الأمنية، والإخفاق في تنفيذ أي من الوعود البراقة المتعلقة بعراق زاهر ومستقل.. ومتطور يكون نموذجًا للدول العربية والإسلامية ولذا لجأت واشنطن إلى خيار نقل السلطة مكرهة.

 غير أن هذا التحول، وفق رؤية بيراوي، مدير مركز المنظور السياسي للدراسات والاستشارات ببريطانيا لا يعني بحال اعتراف البيت الأبيض بعجزه التام وعودته إلى أوضاع ما قبل سقوط بغددا أو أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ولا يعني هذا التراجع عن مخطط صقور الإدارة الحالية في العراق ومخطط الهيمنة على المنطقة وإخضاع إرادتها السياسية والسيطرة على مواردها الاقتصادية واختراق بنيتها الثقافية، بل هو من قبيل التحول إلى تكتيك آخر يضمن تحقيق الأهداف المرسومة بتكلفة أقل من الدم والمال الأمريكيين على حد تقديره.

 ولهذا فإن التخطيط الأمريكي يتجه إلى نقل السلطة للعراقيين بشكل صوري، ظاهره حكم العراق من قبل عراقيين، وباطنه احتلال مقنع تتحكم فيه واشنطن في القرار العراقي من خلال دمى تكون مؤهلة لتوقيع اتفاقيات بينها وبين الإدارة الأمريكية تبقى بناءً عليها القوات الأمريكية في قواعد عسكرية هدفها المعلن حماية العراق وضمان أمنه وباطنها تكريس الوجود الأمريكي للهيمنة على المنطقة وفق ما قرر في خطط البنتاجون ومجلس الأمن القومي.

 فالاتفاق الذي وقع في الخامس عشر من نوفمبر الماضي ينص على حل السلطة المؤقتة للاحتلال ومجلس الحكم الانتقالي لدى قيام إدارة عراقية جديدة. 

كما ينص أيضًا على قيام الاحتلال ومجلس الحكم بالتوقيع قبل أواخر مارس ٢٠٠٤ على اتفاقات أمنية من أجل تحديد وضعية قوات الاحتلال في العراق، أما القوات الأجنبية فإنها ستوجد اعتبارًا من الأول من يوليو ٢٠٠٤ بناءً على دعوة من العراقيين، ليترك الاتفاق لها حرية تصرف. واسعة من أجل ضمان الأمن للشعب العراقي وفق ما يرد في الاتفاق.

ويحذر الباحث زاهر بيراوي من أنَّ هذا الاتفاق سيدفع بالحالة العراقية إلى مرحلة جديدة من مراحل الصراع، وسيأخذ بعدًا داخليًا بصورة أكبر، بمعنى صراع بين القوى والتيارات السياسية والدينية التي تشكل النسيج السياسي للعراق واعتبار أن أطرافًا من هذه القوى ربما ستنخرط في الوضع الجديد وفق ما رسمه صانع القرار أمريكي، بينما ستقف قوى أخرى على النقيض من ذلك رافضة هذا الوضع باعتباره احتلالًا مقنعًا ترتهن بموجبه الإرادة السياسية والقرار الاقتصادي للمحتل عبر ممثليه العراقيين، وتجعل من العراق رأس حربة في المشروع الأمريكي الصهيوني للسيطرة على كامل المنطقة.

أما الفارق المهم بين مجلس الحكم الانتقالي في شكل الحكم ما بعد الثلاثين من يونيو القادم فهو اعتماد تركيبة المجلس على ألوان الطيف السياسي على الساحة، بغض النظر عن موقفها التاريخي من الأمريكيين ورؤيتها للوجود الأمريكي، إذ لم يكن ذلك يعني الشيء الكثير للإدارة الأمريكية وهي تمسك بزمام الأمور بصورة مباشرة، باعتبار أن هناك سفارة أمريكية مدنية حاكمة، لها مطلق الصلاحية في استدراك أو الفيتو على المجلس المعين صراحة من أجلها، أما وضع ما بعد الثلاثين من يونيو فيُراد له أن يكون محكومًا أمريكيًّا من خلف الكواليس، وتقوم عناصر عراقية بتنفيذ المطالب الأمريكية على مسرح أحداث. 

ولهذا فإن العلاقة مع الأمريكيين «ستكون مختلفة تمامًا فيما بعد موعد نقل السلطة المقرر لها أيام مجلس الحكم الانتقالي، إذ لن تقبل الإدارة الأمريكية إلا بمن يرضى بلعب دور الأداة المباشرة التي تخدم أول ما تخدم المصالح الأمريكية فهي ليست مجرد مصالح آنية تتمحور حول امتيازات عقود النفط أو تفضيلات في منح عقود الإعمار، بل تتجاوز ذلك إلى القبول بأن يكون المرشحون طوع المشروع الأمريكي لتنفيذ مخطط الهيمنة بكل أبعادها».

ويخلص بيراوي إلى أن مجلس الحكم العراقي سيواجه تحديًا كبيرًا متمثلًا في التورط في المشاركة في إقرار إجراءات نقل السلطة المزعومة، والتصديق على ما ترسمه الإدارة الأمريكية من صيغة جديدة لاحتلال مقنع لا مكان فيه لغير المتواطئين مع مخططات الهيمنة الأمريكية الصهيونية». 

الرابط المختصر :