; المصارف وبيوت التمويل الإسلامية وإسهامها في التصحيح الإسلامي للمسار الاقتصادي | مجلة المجتمع

العنوان المصارف وبيوت التمويل الإسلامية وإسهامها في التصحيح الإسلامي للمسار الاقتصادي

الكاتب غريب الجمال

تاريخ النشر الثلاثاء 07-فبراير-1978

مشاهدات 11

نشر في العدد 385

نشر في الصفحة 18

الثلاثاء 07-فبراير-1978

من المتيقن أن المصارف وبيوت التمويل الإسلامية- بعد أن تستكمل إقامة مجموعتها على مستوى العالم الإسلامي ككل في مكنتها تخليص الدول الإسلامية من التبعية الاقتصادية التكتلات المتحكمة والمسيطرة على عالمنا المعاصر. 

كما أن في مقدور المصارف وبيوت التمويل الإسلامية تدبير سبل خدمة المال واستثماره في أرجاء العالم الإسلامي ولمنفعته.

وكل ذلك خليق بأن يحقق التصحيح الإسلامي لمسار أمتنا الاقتصادي. 

فلقد عانت الدول الإسلامية -بوصفها من الدول النامية- نتائج العديد من المشاكل الاقتصادية كأثر من آثار تبعية اقتصادياتها لاقتصاديات الدول الصناعية خلال حقبة طويلة من الزمن.

وكانت الدول الإسلامية خلال عصر التبعية ذاك يتخصص أغلبها في إنتاج المواد الأولية، ويعتمد دخلها القومي على عائد محصول رئيسي واحد يصدر الدول الصناعية الكبرى. 

وكان لهذه الأخيرة -عبر سنوات طوال مظلمة- مصالح استعمارية واسعة في العالم الإسلامي ولذلك عملت دومًا على أن تظل البلاد العربية والإسلامية مصدرًا لإنتاج المواد الخام دون الدخول إلى ميدان الإنتاج الصناعي، وذلك تأمينًا لتغذية صناعاتها بما تحتاجه من خامات.

وقد ساندت هذه التبعية الاقتصادية الظروف القائمة في مجال المعاملات المصرفية، وشئون النقد، واستثمار رؤوس الأموال.

أ‌-    ففيما يتعلق بالمعاملات المصرفية ظلت المصارف العاملة في البلاد العربية والإسلامية خلال القرن التاسع عشر مصارف غير وطنية وكان السبب الرئيسي في ذلك يرجع إلى عدم توفر رؤوس الأموال المحلية نتيجة الحالة الاقتصادية وركودها. 

وكانت المصارف العاملة في ربوع العالم الإسلامي إذا ما أصبغ عليها أي شكل وطني لا تنفك أن تكون في حقيقة أمرها أجنبية لحمًا ودمًا، ولقد كان النشاط الأساسي لهذه المصارف الأجنبية -داخل البلاد العربية والإسلامية- ينحصر في تمويل عمليات التجارة الخارجية فيما بين هذه الأخيرة وبين الدول التي تتبعها تلك المصارف ولذلك لم تهتم الدول الأجنبية بأوجه النشاط الاقتصادي المحلية كالصناعة والزراعة إلا ما كان لحاجة مصانعها. 

يضاف إلى ذلك أن المصارف الأجنبية بالبلاد العربية والإسلامية لم تكن تخضع لأي نوع من الرقابة المحلية على الائتمان، أما لعدم وجود مصارف مركزية وطنية أصلًا، أو لكون المصارف المركزية -إذا ما وجدت- تدار في الغالب بمعرفة عناصر أجنبية مما جعل إشراف هذه المصارف المركزية -الوطنية شكلًا- على المصارف التجارية المحلية، وهي أجنبية بطبيعتها على ما ذكرنا، متعذرًا أو رمزيًا إذا تم.

وعلاوة على هذه المساوئ كانت المصارف التجارية الأجنبية القائمة في البلاد العربية والإسلامية تعتمد في سيولتها على مراكزها الأجنبية في الخارج، ولضعف الرقابة النقدية، سهلت هذه المصارف تحويل أرباح الشركات الأجنبية المعاملة في العالم العربي والإسلامي إلى خارجه، بل سهلت في كثير من الأوقات تهريب الأموال إلى خارج العالم العربي والإسلامي سواء كانت أموالًا لأجانب أو أموالًا لمواطنين غير أوفياء لبلادهم وكل ذلك كان من نتيجته الحتمية إضعاف اقتصادیات الدول العربية والإسلامية ويمضي الوقت وباحساس بضرورة التحرر من التبعية الاقتصادية، بدأت هذه الدول تنشئ المصارف الوطنية وبذلك أخذت حدة التبعية تخف.

ب‌-    وفيما يتعلق بشئون النقد أخذت المنظم النقدية في البلاد العربية والإسلامية إلى وقت ليس ببعيد صورًا مكنت من أحكام التبعية الاقتصادية للدول الأجنبية المسيطرة ومن مظاهر هذه المصور تداول نقد هذه الدول الأخيرة والعمل على أن يكون غطاء الإصدار المحلي من عملتها أو من مسندات على خزائنها وأن تتم عملية التحويل بين العملتين في حرية كاملة وعلى أساس سعر صرف ثابت.

ومن مظاهر التبعية النقدية أيضًا وجود المناطق النقدية التي تسيطر عليها تمامًا دول أجنبية معينة مع الضغط على البلاد العربية والإسلامية للبقاء في عضوية تلك المناطق، وبذلك ترضخ وتلتزم بكل ما يفرضه اقتصاد الدول الأجنبية المسيطرة وتتحمل بالتالي كافة النتائج النقدية المترتبة على ذلك.

ج- وفيما يتعلق باستثمارات رؤوس الأموال 
بدأ منذ منتصف القرن التاسع عشر تدفق رؤوس الأموال الأجنبية على الدول العربية والإسلامية نتيجة الظروف غير الطبيعية السائدة وقتئذٍ إذ كانت هذه الأخيرة -كما ذكرناها- موردًا خصبًا لإنتاج المواد الخام التي تحتاجها صناعات الدول الأجنبية ترتب على ذلك أن أصبحت الدول العربية والاسلامية -وما زال بعضها حتى الآن- سوقًا رائجة لتصريف منتجات الصناعات الأجنبية مما حقق أعلى الأرباح للمستثمر الأجنبي الذي كان يتمتع في الوقت ذاته بامتيازات واعفاءات ضريبية. 

وبمرور السنين ومنذ اكتشاف البترول في المنطقة العربية بدأت الدول الصناعية الكبرى تركز اهتمامها على المنطقة وتدفع مؤسساتها لتتدفق بغزارة لاستغلال مشروعاتها.

ونتيجة لكل هذه الأوضاع غير المؤاتية اصطبغت اقتصادیات كثير من دول العالم الإسلامي خلال حقبة طويلة بالتبعية للاقتصاديات الأجنبية وأضحت المشروعات في هذه الدول تدار وتتحرك من مراكز أجنبية لا تخضع للسلطة الاقتصادية الوطنية وزاد الطين بلة أن أثرت هذه المشروعات -المدارة من قبل الأجانب- على الحالة العامة في العالم الإسلامي واستعملت كأداة ضغط وترغيب في نفس الوقت على الحكومات الوطنية لتحقيق أهداف معينة تتجاوز المصالح القومية سياسيًا واقتصاديًا بل وثقافيًا.

والنتيجة النهائية أن كل هذه الأوضاع التبعية أدت إلى تقلص وانكماش حجم التبادل التجاري فيما بين الدول الإسلامية وإلى ضالة النصيب الذي تحققه من مجموع حجم التجارة الدولية. 

وخلاص الدول الإسلامية من مساوئ هذه الأوضاع التبعية تتوقف على إقامة مجموعة من المصارف وبيوت التمويل الإسلامية -على مستوى العالم الاسلامي- تتبع في مباشرتها لأعمالها أسلوبًا قائمًا على التعاون الوثيق فيما بينها، مستهدفة توسعة المبادلات التجارية المباشرة فيما بين أرجاء العالم الإسلامي دون وساطة العواصم الأجنبية وتدخلها، ومحققة توفير التمويل الذي تحتاجه المشروعات التنموية بالبلاد الإسلامية بالأفضلية عن سواها من مشروعات البلاد الأخرى وبتكاليف وأعباء مناسبة دون استغلال.

ومن المعلوم أن المصرف أو بيت التمويل الإسلامي إنما ينطلق في مزاولة نشاطه من تصور الإسلام ومنهجه الخاص في الحياة. ومن ثم يقوم هذا النشاط أساسًا على عدم الفصل بين النواحي المادية والنواحي الروحية وما بين النواحي الاقتصادية والنواحي الاجتماعية باعتبار أن التوجيهات الإسلامية ترعى هذه النواحي متكاملة معًا كمقومات أساسية للمجتمع الإسلامي.

وعلى ذلك فإن المصرف أو بيت التمويل الإسلامي بالإضافة إلى تحقيقه منافع ملموسة في مجال الخدمات المصرفية يحقق أيضًا منافع كبيرة في مجال توفير وسائل تجميع فوائض الأموال واستثمارها استثمارًا شرعيًا كما يحقق مصالح الشعوب الإسلامية في استغلال مواردها الطبيعية وقبل كل ذلك يعني بالنواحي الاجتماعية التي توفر للأفراد مقومات حياة كريمة لها أثرها الفعال في مستوى وفي حجم ما يقومون بإنتاجه من ثروات للمجتمع.

الرابط المختصر :