العنوان المغرب: «العدالة والتنمية».. وجدل الولاية الثالثة
الكاتب عبدالغني بلوط
تاريخ النشر الثلاثاء 01-أغسطس-2017
مشاهدات 44
نشر في العدد 2110
نشر في الصفحة 34

الثلاثاء 01-أغسطس-2017
استطاع عبدالإله بن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي، ذي المرجعية الإسلامية، أن يضع بصمته الخاصة وهو يرأس الحكومة المغربية لخمس سنوات (2011 – 2016م)؛ حيث اتخذ قرارات صعبة في ملفات شائكة لم يستطع أحد قبله الاقتراب منها؛ أبرزها مواجهة الفساد، وإصلاح صندوق المقاصة، وملف التقاعد بالنسبة للموظفين، وقد باتت شعبيته في ازدياد أقلق جميع خصومه السياسيين، بل أصبح «مشكلة» في نظر الدولة نفسها؛ نظراً لمنهجيته الواضحة التي كرّست نظرة الناس بأن الحزب إضافة نوعية بل ومتميزة في الحقل السياسي.
توقع محللون سياسيون أن يتم استعمال جميع الوسائل من أجل هزيمة عبدالإله بن كيران في انتخابات 7 أكتوبر 2016م، لكن حزبه فاز وبمقاعد أكبر من التي كانت لديه، وتم تكليفه من قبل الملك لتشكيل حكومته الثانية، إلا أن باقي الحلفاء وضعوا شروطاً مجحفة حاولت أن تفرغ مكانته في الحكومة، إلى أن تم إعفاؤه بعد ستة أشهر من صموده، ومن التعثر في المفاوضات كان سمتها الأساسية هي وضع «العصا في العجلة».
لقد كان لإعفاء ابن كيران تأويلات سلبية، حسب محللين، حول المسار الديمقراطي الذي خطه المغرب ما بعد دستور عام 2011م، أو ما بات يعرف بدستور ما بعد الحراك العربي، الذي بنى عليه المغاربة آمالاً عريضة لما تضمن من بنود جد متقدمة.
وكل ذلك دفع محمد الغلوسي، الحقوقي اليساري، إلى أن يقول: الاختلاف السياسي والأيديولوجي مع حزب العدالة والتنمية لا يمكنه أن يحجب كون هذا الحزب يختلف عن الأحزاب المتحالفة معه ضمن التشكيلة الحكومية؛ ذلك أنه حزب له قواعد وأنصار ومتعاطفون وامتدادات داخل الحقل الجمعوي، وأبان عن قدرة كبيرة في التواصل والتعبئة، كما أن العديد من مناضليه يتمتعون بمصداقية وأيادٍ نظيفة لم تسعَ على كل حال إلى توظيف المرفق العمومي من أجل الاغتناء وتراكم الثروة بطرق غير مشروعة.
وقد اقتضى كل ذلك فتح نقاش سياسي واسع داخل مؤسسات الحزب، وكذلك في الفضاء العمومي، باعتبار مكانة الحزب في المشهد الحزبي، وبحكم العرض السياسي الذي توجه به الحزب للناخبين في المحطات الانتخابية الأخيرة، الذي أصبح بعد النتائج المحققة بمثابة تعاقد بين الحزب والناخبين.
سؤال التمديد
ومن بين الأمور التي طرحت بقوة في هذا النقاش؛ هل سيختار الحزب الحفاظ على قوانينه الداخلية التي تنص حالياً على السماح للأمين العام بولايتين فقط حفاظاً على «ماء وجه» ديمقراطيته الداخلية التي تميز بها وأصبحت سمة ملتصقة به، أم أنه سيختار التعديل ويفتح إمكانية التمديد لابن كيران لولاية ثالثة؛ لأن الوضع يحتم ذلك، ولأن تعديل القوانين في الأجهزة التنظيمية لا تخدش هذه الديمقراطية الداخلية؟
وفي هذا الصدد، يقول المهندس والقيادي الشاب إبراهيم بوحنش، في تصريح لـ”المجتمع”: إن سؤال التمديد لعبدالإله بن كيران يفرض نفسه بقوة خلال هذه المرحلة؛ نظراً لما عرفه الحقل السياسي من ارتدادات خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة والبلوكاج (عرقلة المفوضات) الذي عرفه تشكيل الحكومة والتطورات التي يعرفها المجتمع بالخصوص مع اندلاع الاحتجاجات بالريف.
فيما يرى د. عبدالعالي حور، أستاذ العلوم السياسية، في تصريح لـ”المجتمع” أن هذا النقاش يعكس اختلاف الرؤى والتقدير حول المرحلة بين من يرى أن الحزب قد حاد عن الطريق وبين من كان يرى أنه ليس في الإمكان أحسن مما كان.
وأضاف أن هذا النقاش صحي مهما كانت حدته؛ لأنه بدون نقاش لا يمكن أن يحدث تطور، مبرزاً أن مسألة ولاية ثالثة لابن كيران على رأس الأمانة العامة للحزب ترتبط بتقدير ما يمكن أن يكسبه الحزب من ذلك؛ لأن الرهان هو تماسك الحزب ووحدته، وبما أن القرار سيكون نتاج نقاش داخلي سواء في اتجاه التمديد أو اختيار شخصية أخرى، فالمهم هو احترام الديمقراطية الداخلية والحفاظ على قوة ووحدة الحزب.
جدلية التعديل
ويقول حسن حمورو، الإعلامي المخضرم، في تصريح لـ»المجتمع»: إن المطروح داخل الحزب هو مقترحات تعديل النظام الأساسي بإلغاء المادة التي تنص على تحديد المسؤولية في ولايتين فقط أو إلغائها بالنسبة للأمين العام فقط، وإذا اعتمد هذا التعديل فهذا لا يعني أن ابن كيران سيضمن ولاية أخرى؛ لأن المؤتمر سيد نفسه، وأضاف أن هذا المعطى لا يتعارض مع الديمقراطية الداخلية؛ لأن الأصل في هذه الديمقراطية هو الحفاظ على استقلالية القرار الحزبي.
وأوضح أن القوانين الداخلية تحكمها فلسفة مرتبطة بتحقيق مصلحة الحزب، وتسهل تنفيذ وتنزيل عقيدته وهويته السياسية والمتعلقة بمواجهة الفساد والاستبداد ومقاومة التحكم والسلطوية.
وارتفعت الأصوات القائلة بأن هذا النقاش لا يستحق أن يلتفت إليه، ويمكن أن يصب في خلق نوع من التجاذب، لكن الحور يبرز أن الوضع يستحق بحكم أن القوانين الحالية لا تسمح بالتمديد، كما أن ديمقراطية العدالة والتنمية ظلت نموذجاً يحتذي به، وطالما اعترض الحزب على منطق الزعامات الأبدية.
وأشار الحور إلى أن التجاذب موجود، وهو الذي أدى إلى هذا النقاش وليس العكس؛ لأن هناك داخل الحزب من لا يرغب في استمرار ابن كيران على رأس الحزب، خاصة أنه خلال الفترة التي ظل على رأسه استطاع بكاريزميته الخاصة أن يقوي الحزب لدرجة تماهيه مع شخصيته، ولدرجة أن الكثير من قواعد الحزب وحتى خارجه لا يتصورون العدالة والتنمية بدون ابن كيران، أضف إلى ذلك أن الأحداث التي تلت 7 أكتوبر إلى اليوم بما فيها أحداث الحسيمة والتضييق على الحريات تستدعي ضرورة وأهمية استمرار زعامة ابن كيران؛ باعتبار قدراته التواصلية وصراحته وقدرته على المواجهة.
وفي هذا الصدد، يؤكد الحقوقي اليساري محمد الغلوسي أن زعيم حزب العدالة والتنمية استطاع أن يخلق من شخصه وسلوكه وخطابه السياسيين شخصية متفردة؛ حتى أصبح اسمه أقوى بكثير من بريق وإشعاع الحزب؛ مما جعل شبيبة الحزب في بيانها الأخير تعتبر أن استمرار الإصلاح يتوقف على ترشح ابن كيران لولاية ثالثة، وهو ما يعد مخالفة للنظام الأساسي للحزب، وما يروج له الحزب من ضرورة التداول على المسؤوليات.
في مصلحة الدولة
ويرى محللون سياسيون أن الاستغناء عن خدمات ابن كيران من صميم عمل الدولة التي تبحث دائماً على التوازن من أجل الاستمرار حيث تتقوى بالأحزاب القوية ثم تتخلى عنها عندما تشعر أنها يمكن أن تكون منافساً لها، وهو ديدنها منذ الاستقلال، لذا يأسف عبدالعالي الحور لكون الدولة أو أطراف فيها لم تستطع الخروج من لعبة التوازنات هذه وتترك المشهد السياسي لينمو بشكل طبيعي ويتطور في اتجاه تكريس قيم المنافسة الشريفة والديمقراطية والحرية.
وأضاف أن مسألة توظيف الأحزاب في حل الأزمات التي يتعرض لها النظام كان شعور الكثيرين منذ عام 2011م، وهو شعور عبرت عنه الكثير من الأصوات خاصة بعد الردة التي عرفها ما يسمى بـ”الربيع العربي” في تونس ومصر، وما آلت إليه الأوضاع في كل من سورية وليبيا واليمن، حيث شعرت الدولة أو بعض الأطراف في الدولة أنها أصبحت متحررة من الذهاب في الخيار الديمقراطي خطوة أخرى.
وفي هذا الصدد، يقول حمورو: إن هناك جهات طبعاً تسعى إلى إنهاك الحزب واستنزافه على اعتبار أنه يمثل اليوم “خميرة” المجتمع إذا شئنا التعبير؛ وبالتالي فهي تعتقد أن تدجين الحزب سيمكنها من السيطرة والهيمنة على المجتمع، وهي خاطئة في هذا الربط؛ لأن المجتمع أصلاً ليس كتلة جامدة، وأضاف: الحزب ما يزال يقاوم وسيستمر في المقاومة لكي يظل على سيرته الأولى وعلى عقيدته وهويته السياسية مناهضاً للفساد والاستبداد.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

