العنوان المواجهة بين الإسلام والغرب من منظور فرنسي
الكاتب د. محمد الغمقي
تاريخ النشر الثلاثاء 25-يونيو-1996
مشاهدات 700
نشر في العدد 1205
نشر في الصفحة 42

الثلاثاء 25-يونيو-1996
فلورانس أسولين: إسرائيل هي جسر غربي في أرض الشرق وتتمحور حولها كل التناقضات بين الإسلام والغرب
توماس هوفينغ يحذر من المد الإسلامي في البوسنة وعودة المسلمين للهوية الإسلامية كرد فعل على القومية الصربية والكرواتية
قدمت مجلة (L'Evenement du Jeudi) (حدث الخميس) الأسبوعية الفرنسية في عددها قبل الأخير ملفا عن علاقة الإسلام بالغرب تحت عنوان كبير ومثير "المجابهة بين الإسلام والغرب لماذا توشك الديمقراطيات أن تنجر إلى الحرب؟"، وتقوم المجتمع باستعراض أهم ما جاء في هذا التحقيق المطول للاقتراب من فهم العقلية التي تطرح بها بعض وسائل الإعلام الغربية القضايا ذات العلاقة بالإسلام وبالعمل الإسلامي والصحوة الإسلامية عمومًا.
ففي المقال الافتتاحي لهذا الموضوع انطلقت الصحفية "فلورنس اسولين" من الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة مشيرة إلى أن الليكود من جهة وحماس وحزب الله من جهة أخرى استفادا من بعضهما الأول بالفوز في الانتخابات وتعطيل مسار السلام والآخران بإضعاف وضع عرفات والتمتع بحرية العمل واعتبرت أن القلق الناجم عن نتائج هذه الانتخابات ليس مصدره أن الضمائر الغربية متخوفة على مستقبل الدولة العبرية ومستقبل الفلسطينيين فحسب، وإنما باعتبار إسرائيل مخبرًا مثاليًا لمن يريد فهم علاقات الصراع واعترفت الكاتبة أن إسرائيل هي جسر غربي في أرض الشرق، وأنها تمثل عقدة الصراع الخفي حيث تتمحور حولها كل التناقضات بين الإسلام والغرب.
وتناولت الكاتبة التحول الذي حدث في العالم بعد سقوط جدار برلين وتمركز الصراع بين الإسلام والغرب واستدلت على ذلك بمواقف من الطرفين مثل: "صمويل هنتجتون"، و"برنارد لويس" من جهة والكاتب الهندي أكبر من جهة أخرى وجاء في التحليل أن العرب يعتمدون على الأساطير من أجل التوصل إلى الوحدة المستحيلة هذا التوجه يقوم على الصراع الأبدي بين أمة عربية روحانية بطبيعتها وخصومها الماديين. كما يرى صاحب كتاب "الأساطير السياسية" العربية إيمانوال سيفان.
وتبنت الصحفية موقفاً لكاتب يدعى جون كريستوف ريفان تحت غطاء الاستدلال بموقفه الذي جاء فيه: صحيح أن الإسلام يحمل سمات العدو شبه المعقول للديمقراطيات، فلديه نظرية عقائدية – القرآن، ويجمع جماهير واسعة ويتسرب إلى كل العالم حتى الولايات المتحدة، فهو بمثابة العدو الداخلي والخارجي، بالرغم من أن هذه الفكرة ليست ناضجة في الغرب، والمنظومة العالمية الوحيدة القائمة التي تخيفنا هي المنظومة الدوليةالإرهابية، والخطر يأتي بالفعل من كونها غير منظمة، إذ لا توجد حاليا كومنتارن إسلامية (إشارة إلى الجهاز التنفيذي للدولة الشيوعية الثالثة التي أنشأها لينين في مارس "آذار" ١٩١٩م).
ورأت الصحفية أن الغربيين يتناسوا هذا الموضوع "الإرهاب الإسلامي الدولي"، بحجة أن العرب يغلب عليهم طابع الاختلاف، كما أثبتت ذلك حرب الخليج، وأكدت على تنوع هذا "العدو" وطبيعته وأساليبه، لكن لا يعني ذلك نفي أي خطر، ودعت إلى التعرف على هذا الخطر عن قرب من أجل فهمه.
وضربت أمثلة على ذلك ببعض الظواهر الغريبة، أحياناً كالإرهاب والسباق نحو التسلح النووي، ومن بين هذه الظواهر أيضاً عودة النخب في البلاد الإسلامية إلى أصولها في الوقت الذي يتبنى فيه عموم الناس النظم الثقافية الغربية تحت تأثير القنوات الفضائية، وبقدر ما يفرض الغرب نموذجه بقدر ما يتصاعد الحقد على الغرب حتى في صفوف الذين يتبنون ثقافته.
هنتجتون والترابي وفارا خان:
ومن الشخصيات الغربية والإسلامية التي تم التوقف عندها صمويل هنتجتون، وحسن الترابي، ولويس فراخان، فقد قدم برنارد بولاي هنتجتون على أنه متبني الحرب القادمة، وعرج على دراسته حول صدام الحضارات الذي استغله المتطرفون من المسلمين - حسب صاحب المقال – لإعلان جهادهم ضد الغرب، وفي هذه الدراسة رصد المفكر الأمريكي تطور الصراعات من الصراع القبلي إلى الصراع الأيديولوجي مرورًا بصراع الملوك والشعوب واعتبر أن الحروب السابقة هي حروب مدنية غربية، وأن الحرب القادمة هي حرب حضارات، وبين أهمها أي سبع أو ثماني حضارات، وبصفة أخص بين الغرب من ناحية والعالمين الإسلامي والكنفشيوسي من جهة أخرى.
وتحدث عن محور إسلامي - كونفشيوسي من أجل الحصول على الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية، بهدف التصدي للقوة العسكرية الغربية.
ويرى هذا المفكر أن القيم الغربية ليست ذات صفة عالمية لأن الشعوب الأخرى تريد أن تتمدن دون أن تتغرب، وعلق الصحفي على أطروحات هذا المفكر بأن هذه النبوة تثير الصراع من حيث إنها تريد التنبيه إليه.
وتناولت مارتين غزلان شخصية الترابي التي وصفته بـ"مكيافال الصغير للسودان"، وركزت على ازدواجية خطابه مع الغرب، فهو من ناحية النبي الجديد للإسلام على الصعيد العالمي، لكنه الأصولي الأكثر امتلاكاً لفن الخطاب المزدوج، وشككت فيما يدعو إليه من تنمية وتعايش مع الآخر لوجود تناقض بين مثل هذه الأهداف ومساندته حماس في فلسطين، واجتماعات المؤتمر الشعبي الإسلامي.
وفي استعراضها لمساره السياسي عرجت على نهاية مرحلة النميري الدكتاتورية، وكيف استطاع الترابي أن يرجع إلى الساحة السياسية بقوة بعد أن كان وزيراً للعدل في عهد النميري، وكيف وصل إلى رئاسة البرلمان حاليا في منصب قريب من سماء الله، حيث يحلم بتطبيق قوانينه على الأرض، إشارة إلى إعداد الدستور الإسلامي، وترى هذه الصحفية أن الترابي خطير ليس فحسب لكونه أصوليًا ولكن لأنه أيضاً يبحث عن قيمة فكرية عبر طاقته على إقناع الغرب بقدرته على أن يكون وسيطًا بين الغربيين وما أسمتهم بـ "مجانين الله"، وبالتالي يفرض نفسه كزعيم للموجة الإسلامية (مشيرة إلى تسليم كارلوس إلى فرنسا)، ومنافساً لإيران في هذه الزعامة.
من ناحيتها كتبت باتريس بيكار عن لويس فاراخان – زعيم أمة الإسلام في أمريكا – تحت عنوان: "إعلان الحرب ضد أمريكا البيضاء" وتطرقت صاحبة المقال إلى أطروحات فاراخان التي تحمل الكراهية للعنصر الأبيض حسب رأيها، وإلى التقدير والشعبية اللتين يجدهما في داخل أمريكا لدى الجالية السوداء خصوصاً وخارج أمريكا، كما أثبتت جولته الأخيرة في بعض البلاد الإسلامية.
الإرهاب والقنبلة النووية وإيران:
وجاء في ملف الأسبوعية الفرنسية أيضاً أن ثلاثة فتائل يمكنها إشعال الصراع بين الغرب والإسلام وهي الإرهاب الإسلامي» و«القنبلة النووية: قوة الضرب الخضراء»، و«إيران: رجال الدين أو إنهاك الدولة الإرهابية".
في المسألة الأولى ذكر المقال أن شبكات عالمية للإرهاب الإسلامي تتسع ولكنها تشهد تغيراً من الصفة الشيعية التي كانت تطبع العشرية الماضية إلى الطابع السني الذي بدأ يتبلور في السنوات الأخيرة، وتوقف المقال عند شخصية رمزي يوسف - مهندس التفجيرات في المركز التجاري الأمريكي - حسب المقال.
وربطت بين هذه الشبكات من الفلبين إلى البوسنة إلى الشيشان إلى إثيوبيا ... أما بخصوص القنبلة النووية فقد اعتبر المقال امتلاكها حلماً يراود الإسلاميين دائمًا، وتم ذكر بعض الأمثلة على هذا التوجه في كل من ليبيا وباكستان وإيران، وختم جون لوي ديفور مقاله بالترهيب من وجود تهديد إسلامي نووي حقيقي وخفي لا يخضع لأي قانون أو نظرية معروفة واستعمال أسلحة الدمار الشامل من طرف الإسلاميين – في نظره – ممكن دون أن يكون بالضرورة متوقعًا، وأكد على أن الحرب الجديدة ستكون مختلفة، وبالتالي فإن صمامات الأمان ضد الاتحاد السوفييتي لن تكون كافية لرد هذه الحرب حسب رأيه.
أما كريم يازدي فقد كتب عن "إيران رجال الدين"، وأثار ظاهرة تآكل السلطة وتعمق الهوة بين رجال الدين والشعب وتراجع الزخم الثوري.
خطوط المواجهة:
وبعد استعراض أهم الحركات الإسلامية ذات الطابع الجهادي وتقديم خريطة للعالم الإسلامي تحت عنوان مليار من المؤمنين، مع الإشارة إلى الانقسامات الداخلية، قدّم الملف خطوط الجبهة حيث يمكن أن تشتعل الحرب»، وهذه الخطوط تتمحور في خمس مناطق وهي دول تركيا، والبوسنة والجزائر، وفلسطين، ومصر.
عن المقال الخاص بتركيا بعنوان «القرآن في صناديق الاقتراع، كتب ألكسندر بوساجون عن سيطرة حزب الرفاه على مدينة إسطنبول العريقة حتى وإن لم يحكم في أنقرة، وعرج الكاتب على الاحتفال بذكرى سقوط قسطنطينية في أيدي المسلمين، وتعرض إلى محاولة تصدي أنصار أتاتورك إلى التوسع الإسلامي عبر البرلمان ووقوف المؤسسة العسكرية في مفترق طرق بين حماية القوانين العلمانية والقانون الإسلامي، ودعا الكاتب مسؤولي البرلمان الأوروبي إلى التفكير جيدًا في مسألة علاقة تركيا بأوروبا.
أما البوسنة فقد وصفها توماس هوفنيغ بأنها جسر لأوروبا، واعتبر الكاتب أن البوسنة مجال مفتوح للمتطوعين من المسلمين الذين بقي تأثيرهم ضعيفًا على مجتمع علماني ما قبل الحرب، وحذر الكاتب من احتمال تجذر إسلامي في البوسنة مشيراً إلى الموقف الغامض للرئيس بيجوفيتش وفسر العودة إلى الهوية الإسلامية إلى الشعب بعد الحرب كرد فعل على القومية الصربية والكرواتية.
وكتبت مارتين غزلان مقالاً عن الجزائر بعنوان الإسلام ضد فرنسا تقول فيه إن الحرب بمثابة السرطان الذي يعود إلى سياسة الكراهية التي غرستها جبهة التحرير الوطني في نفوس الجزائريين منذ الاستقلال ضد كل ما هو غير عربي وغير مسلم، ووصفت جبهة الإنقاذ بأنها تشخيص واضح للتصدع الداخلي، كما وصفت الأصولية بأنها مبنية على التصفية القسرية لآثار الاستعمار الفرنسي، بالرغم من أن الشخصية الجزائرية كانت متأثرة إلى حد كبير بالنمط الغربي وكانت مزدوجة بين الإسلام والعلمانية وأشارت الصحفية إلى آثار التعريب السريع وغير المدروس، مثل تعمق الهوة بين جيل الآباء وجيل الأبناء، وبالتالي ففي نظرها أن النظام وقع في الفخ الذي نصبه بنفسه، وأن فرنسا تدفع ثمن ٣٤ سنة من الحرب الأيديولوجية ضد ما تبقى من روحها في الروح الجزائرية".
سلطة عرفات في الميزان:
أما بخصوص فلسطين، فقد صرح المحلل السياسي غسان سلامة في مقابلة مع الأسبوعية الفرنسية بأن العواصم العربية التي التزمت بمسار السلام تشعر اليوم بحرج على عكس معارضي هذا المسار مثل الإسلاميين الذين يرون أن الصراع العربي الإسلامي قائم على أسس دينية قبل أن تكون قومية واعتبر أن الخطر الإسلامي ليس هو الأكثر خطورة وإنما المزعج هو تهديد استقرار السلطة الفلسطينية، لكن استدرك بأن عرفات يجد السند الكامل من المجموعة الدولية مع استمرار خطر تهمیشه بعد صعود الليكود إلى الحكم، ويرى أن الإسرائيليين يمكن أن يحصدوا الثمار السيئة لاختيارهم، فبحرصهم على مزيد من الأمن سيحصلون على انعدام أمن... أكبر.
وكتب غارانس لوكان عن مصر بعنوان "مشاهد موت على النيل"، واستعرض في تحقيق من مدينة أسيوط مدى انتشار البؤس المولد للانفجار ونشاط الجماعة الإسلامية، ووضع حقوق الإنسان في البلاد ووجود أكثر من ١٦,٧۰۰ سجين – حسب تقرير منظمة حقوق الإنسان في مصر، وتمت الإشارة أيضاً إلى دور الأزهر، وإلى «عودة الأمل» و« هبوب نسيم على مصر والإسلام السني»، بعد تعيين الشيخ الطنطاوي خلفا للشيخ جاد الحق على رئاسة الأزهر في هذه المؤسسة العريقة.
وإلى جانب مقال عن الأمراء الذين يمولون الجهاد بعد أن كانت الدول تموله، اختتم الملف بمقال عن فرنسا كتبه لخضر بلعيد جاء فيه أن أجهزة الأمن الفرنسية تتعقب شبكات الإسلاميين، وتحدث عن التعبئة الأمنية ضد العمل الإسلامي وإلى بعض النتائج أكثر من ٥٠٠ حالة إيقاف واعتقال 250 من الإسلاميين وعناصر الشبكات المهمة التي لها علاقة بالجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر، كما تحدث عن مراقبة بعض المساجد الحساسة، من حيث نوعية الخطباء فيها، بالإضافة إلى شباب الأحياء الذين يستهويهم الجهاد في الشيشان بعد البوسنة والذين أسماهم بـ«الأفغان» على الطريقة الفرنسية، وأشار إلى التعاون على المستوى الأوروبي في هذا المجال وإلى الحذر من تداعيات فوز الليكود في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة على الساحة الفرنسية، وكان المقال قد بدأ بموضوع الحجاب الذي أثار جدلاً كبيراً في السنوات الأخيرة.
ومن خلال ما تقدم يتبين الانحياز غير الموضوعي لبعض وسائل الإعلام الغربية في تطرقها للظاهرة الإسلامية، ويبدأ هذا الانحياز من اختيار العنوان ذلك أن وضع الإسلام وجهًا لوجه مع الغرب فيه إساءة كبيرة إلى الدين الإسلامي نفسه، لأن المقارنة غير متوازنة بين دين سماوي من جهة وحضارة بشرية من جهة أخرى، ثم إن الغرب مفهوم مطاط إذ إن ما يسمى الغرب فضاء واسع يحتضن داخله جاليات إسلامية كبيرة، وهي جزء من المجتمعات الغربية، بالإضافة إلى الخلط المتعمد بين الإسلام كدين وبين مظاهر الصحوة الإسلامية التي تقوم في جزء منها على الاجتهاد البشري، وإهمال التحدث عن التيارات المعتدلة التي تركز في منهج عملها وطرحها على التعايش بين الحضارات بعيداً عن كل مواجهة وصراع في إطار الاحترام المتبادل، وفي ظل تنوع ثقافي مثري ومفيد للبشرية.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

