; المودودي في ذكراه المئوية مجدد مسلم وشخصية مجاهدة | مجلة المجتمع

العنوان المودودي في ذكراه المئوية مجدد مسلم وشخصية مجاهدة

الكاتب د. عصام العريان

تاريخ النشر السبت 20-ديسمبر-2003

مشاهدات 12

نشر في العدد 1581

نشر في الصفحة 42

السبت 20-ديسمبر-2003

■ تحدى دكتاتورية العسكر مطالبًا برد السلطة للشعب فدخل السجن ٤ مرات وحكم عليه بالإعدام لكن ردود الفعل الشديدة تسببت في تخفيف الحكم.

■ واجه طغيان الحضارة الغربية على مفاهيم المسلمين وفضح أساليبها الاستعمارية وعمل في نفس الوقت على بناء الشخصية المسلمة المتميزة بلباسها ولغتها ومفاهيمها.

■ لم يكتف بالفكر والتأليف فأسس الجماعة الإسلامية التي أصبحت من أكبر الحركات ولها امتدادات في ست دول وأصبحت رقمًا صعبًا في المعادلة السياسية.

احتفلت الجماعة الإسلامية بباكستان منذ أيام بالذكرى المئوية لمولد الإمام أبو الأعلى المودودي -رحمه الله- (۱۹۰۳) - (۱۹۷۹م). شارك بالحضور جمع غفير من كل أنحاء العالم يمثلون معظم الحركات الإسلامية في أركان المعمورة، ونقلت الوكالات والفضائيات أجزاء من الحفل الذي وصف بأنه لم تشهد باكستان مثله من زمن بعيد، ولا غرو، فالرجل شارك بجهاده في تأسيس باكستان وانتقلت أفكاره وحركته لتصبح ذات تأثير بالغ في العالم الإسلامي كافة، وترجمت مؤلفاته التي بلغت المائة إلى نحو ٣٥ لغة، وقد غطت معظم جوانب الثقافة الإسلامية، وتناولت معظم القضايا التي كانت ومازالت مطروحة على العقل الإسلامي، ورسمت خطة عمل لتجديد الدين وإحيائه في نفوس المسلمين.

لذلك إذا عددنا بضعة أشخاص أثروا في العالم الإسلامي وساهموا في صياغة الفكر الإسلامي في القرن العشرين الميلادي، فإننا سنجد الإمام أبو الأعلى المودودي في مقدمتهم. ولم يحظ أحد بالهجوم أو تشويه مواقفه ونسبته إلى «التطرف والغلو مثلما نسب إلى هذا الإمام المجدد، بينما هو أبعد ما يكون عن ذلك. تعرف جيلي إلى المودودي في السبعينيات بعد أن رفع الحظر عن نشر كتبه خلال العهد الناصري عقب محنة الإخوان في الستينيات وكان للشهيد سيد قطب فضل التنبيه إلى أهمية كتابات المودودي، ولقد تأثر هو شخصيًا بها، خاصة كتابه المصطلحات الأربعة في القرآن الكريم، ونسب البعض إلى أفكار المودودي ما طرأ من تغيير على أفكار قطب، واتهم الرجلان بأنهما وراء كل الجماعات العنيفة والمتشددة والمتطرفة، وألحق غير ذلك، فالجماعتان اللتان انتسب لهما الرجلان مازالتا تعملان بقوة، وهما في مربع الاعتدال وتشكلان مركز الثقل والوسطية بين الحركات الإسلامية قاطبة.

ولد المودودي في 25/9/1903في أورنك آباد بمدينة حيدر آباد في الهند وأسس في 26/8/1941مع ٧٥ فردًا الجماعة الإسلامية، ثم انتقل إلى باكستان عام ١٩٤٧م عقب الانفصال، وشارك بجهد كبير في تأسيس الدولة الحديثة، وجاهد من أجل أن تصبح نموذجًا إسلاميًا، في الرأي والفكر والعمل السياسي، وتحدى دكتاتورية العسكريين، مطالبًا برد السلطة إلى الشعب، ودخل السجن بسبب ذلك أربع مرات، بل حكم عليه بالإعدام في 11/5/53، مما أدى إلى غضب شدید اجتاح العالم الإسلامي فخفف الحكم إلى السجن مدى الحياة، ويسبب توالي الاحتجاجات صدر حكم المحكمة العليا بالعفو عنه في ١٩٥٥م، وعمل من أجل إصدار دستور إسلامي وتطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد، وفي 4/11/1972م، قدم طلبًا لأعضاء الجماعة الإسلامية لإعفائه من موقعه كأمير للجماعة، واستمر في ممارسة نشاطه الفكري البحثي، وفي ٢٢ سبتمبر

۱۹۷۹م، انتقل المودودي إلى الرفيق الأعلى، عاش المودودي عصرًا حافلًا بالتحديات الكبرى، وكان من أولي العزم الذين نذروا أنفسهم المهمة كبرى ووطدوا العزم على التضحية في سبيل إنجازها، لقد واجه الاحتلال الإنجليزي لشبه القارة الهندية، كما أدرك منذ البداي خطورة ذوبان المسلمين الهنود في القومية الهندوكية التي ستسحق شخصيتهم المستقلة وهم الذين حكموا الهند قبل الاحتلال العقود طويلة، ومن هنا نستطيع أن نفهم موقفه الحاد من فكرة القومية، ولا نستطيع أن ننقل -كما فعل آخرون- هذا الموقف إلى قوميات أخرى، أو نسحبه على فكرة القومية ككل، ولعل موقف حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين أقرب إلى الاعتدال في هذه النقطة - لأن العرب هم حملة رسالة الإسلام إلى العالمين.

طغيان الحضارة الغربية

وواجه المودودي - بكل قوة - طغيان الحضارة الغربية على مفاهيم المسلمين، وعمل جهده على تفنيد الأسس المادية والعلمانية التي قامت عليها هذه الحضارة، كما فضح أساليبها الاستعمارية وعمل بكل قوة على بناء الشخصية المسلمة المتميزة في لباسها وتقاليدها ولغتها ومفاهيمها. ولم يكتف بالفكر والتأليف، ولكنه أسس حركة إسلامية لتربية المنتمين إليها على الأخلاق والأفكار الإسلامية، وأصبحت حركته بعد تأسيس باكستان أكبر الحركات الإسلامية ولها امتدادات في ست دول الآن باكستان والهند وسريلانكا ونيبال وبورما وبنجلاديش، كما تعمل في كشمير، وساهم المغتربون من أعضاء الجماعة الإسلامية في النشاط الحركي الإسلامي في أوروبا وأمريكا.

الجماعة الإسلامية الآن هي العمود الفقري له مجلس العمل الموحد الذي يقود المعارضة الحالية للحكم العسكري في باكستان، وقد أصبحت رقمًا صعبًا في المعادلة السياسيةوانتقلت إلى العمل الجبهوي والشعبي بعد أن كانت تنتقد من قبل بأنها نخبوية اصطفائية ولعل هذه تهمة غير دقيقة عند التأمل في مسيرة حياة المودودي والتحديات التي واجهها . لقد واجه عقبات عديدة واستطاع أن يتجاوزها بكل اقتدار: الاحتلال الإنجليزي

القومية الهندوكية بزعامة شخص مثل غاندي» العلمانيون المسلمون من أعضاء حزب المؤتمر حزب الرابطة الإسلامية الذي أراد أن يتخذ الإسلام شعارًا دون تنزيل أحكامه في الحياة العلماء المسلمون المتشددون الذين عارضوا كل جديد حتى أفتوا بحرمة مكبر الصوت، والذين غالوا في تكفير معارضيهم حتى في الفروع.

وعندما نتأمل في مسيرة حياة هذا الإمام المجدد فإننا نعجب كيف تجاوز معظم هذه العقبات وكيف ساهم بفكر ثاقب، وجهد عظيم في إنجاز استقلال الهند وتأسيس باكستان، والعمل على إقامة دستور إسلامي وبناء دولة عصرية ديمقراطية تأخذ بأساليب العمل البرلماني، ونشر الفكرة الإسلامية الصافية، وتربية آلاف من أعضاء الجماعة على السلوك الإسلامي، لقد نجح في بعض هذه المهام، ومازال أبناء جماعته يجاهدون من أجل استكمال مهمة وضع باكستان على الطريق السليم ضد استبداد العسكر الذي بدأ مبكرًا مع ولادة الدولة، ولعل خوف الاحتلال الإنجليزي -الذي سلم الهند لحزب المؤتمر العلماني- من بناء نموذج إسلامي حقيقي يستقطب ملايين المسلمين في آسيا هو الذي شجع وأيد العسكريين - كما فعل في بلاد أخرى . الخطف ثمار جهاد المسلمين الهنود وتحويل باكستان إلى نموذج للدولة العسكرية الاستبدادية مقارنة بالهند الديمقراطية رغم التحول إلى الأصولية الهندوسية الآن التي تهدد صورة الهند. كانت القواعد التي قام عليها برنامج الجماعة الإسلامية في الهند ثم باكستان هي:

  • استئصال الصراع الطبقي.

  • إصلاح المجتمع الإسلامي.

  • مواجهة النزعات الهدامة

  • العمل على رفع قدرات الأفراد والدعاة لنشر الدعوة الإسلامية

كما كان البرنامج الإصلاحي للمودودي يتكون من نقاط أربع

  • تزكية الأفكار وتطهيرها.

  • إصلاح ذات الفرد.

  • إصلاح المجتمع.

  • إصلاح نطاق الحكم.

من العجيب أن يتهم المودودي بأنه يقف خلف دعاوى التشدد والغلو، وهو الذي وقف ضد فتنة التكفير بقوة وقال: إن من يلعن مؤمنًا، كان وكأنه قتله، وإن من يكفر مؤمنًا، كان وكأنه قتله إن التكفير ليس حقًا لكل فرد، والتكفير جرم اجتماعي أيضًا، إنه ضد المجتمع الإسلامي كله. ويضر كثيراً بالمسلمين ككل.

ويقول أيضًا: يجب ملاحظة قضية تكفير المسلم والاحتياط في هذه المسألة احتياطًا كاملًا.

احتياطًا يتساوى مع الاحتياط في إصدار فتوى بقتل شخص ما، وعلينا أن نلاحظ أن في قلب كل مسلم يؤمن بالتوحيد ولا إله إلا الله إيمانًا. فإذا صدر عنه شائبة من شوائب الكفر فيجب أن نحسن الظن ونعتبر هذا مجرد جهل منه وعدم فهم، وأنه لا يقصد بهذا التحول عن الإيمان إلى الكفر أبو الأعلى المودودي - فكره ودعوته د سمير عبد الحميد دار الأنصار - القاهرة - «۱۹۷۹م». والأعجب من ذلك أن يتهم المودودي أن أفكاره هي التي خلقت جماعات العنف، رغم أن الجماعة التي أسسها مازالت تعمل حتى يومنا هذا بالوسائل السلمية وتسلك الطريق القانوني رغم وجود جماعات عنف عديدة في باكستان تتباين في مواقفها مع الجماعة الإسلامية، وهذه هي نفس التهم التي توجه إلى الإخوان المسلمين في العالم العربي.

لقد نجح المودودي -رحمه الله- في تقديم دعوة حية، نقلت المسلمين من المفاهيم الجامدة الخاملة إلى حركة ثورية وفكرية أيقظت مشاعر ملايين المسلمين، وأشعرتهم بتميزهم واستقلالهم الحضاري وأن الإسلام قادر على صياغة الحياة العصرية وأن له نظامًا متكاملًا في كل جوانب الحياة وأن السياسة جزء من أقسام الإسلام، وأن الحرية ركن ركين في الإسلام.

الصحفي والمفكر والأديب

لقد ساهمت نشأة المودودي في صياغة شخصيته، فقد تعلم علوم الدين ومنذ نعومة أظفاره، وفي مقتبل شبابه عمل بالصحافة، وكان مفكرًا وأديبًا ينظم وقته بين التأليف والنشر والحركة والجهاد، فأخرج لنا أكثر من مائة مصنف في مختلف فروع الفكر، ترجمت إلى نحو ٣٥ لغة، ومن أهمها تفسير تفهيم القرآن الذي أنجزه في ٣٠ سنة، وكان ينشره في مجلته ترجمان القرآن، وختم حياته بشرح سيرة النبي ﷺ في مجلدين، كما كتب عن الحجاب» وحركة تحديد النسل، والحكومة الإسلامية ومن كتاباته التي أثرت في جيلنا رسائل صغيرة مثل النظرية السياسية الإسلامية»، و«شهادة الحق، والأسس الأخلاقية للحركة الإسلامية. كما كان لكتابه الشهير المصطلحات الأربعة في القرآن الكريم الله - الرب - الدين - العبادة، أثر كبير في توضيح المفاهيم رغم خطأ ما استنتج البعض من هذا الكتاب، وقام الإخوان بتوضيحه في كتاب دعاة لا قضاة، مما وضع الأمور في نصابها السليم.

لقد شهد معاصرو المودودي له بالفضل والتقدير مثل الشيخ أبو الحسن الندوي، وعمر التلمساني رحمهما الله، والأستاذ محمد قطب وغيرهم كثير، ومازالت الشهادات تتوالى التوضيح فكر الراحل العظيم ودرء الشبهات عن دعوته التي مازال يحملها أتباعه ويجاهدون في سبيل إنجاز مراميها وأهدافها. 

الرابط المختصر :