; النساء والدعوة.. طريق الداعية المؤمنة | مجلة المجتمع

العنوان النساء والدعوة.. طريق الداعية المؤمنة

الكاتب صبيحة الشطي

تاريخ النشر الثلاثاء 17-أكتوبر-1972

مشاهدات 16

نشر في العدد 122

نشر في الصفحة 16

الثلاثاء 17-أكتوبر-1972

أختي المؤمنة الداعية: المؤمنة! ما أجمله من لفظ فهو يحمل معاني كثيرة، فالإيمان أختي الكريمة ليس مجرد عمل لساني ولا بدني أو ذهني إن الإيمان في حقيقته عمل نفسي يبلغ أغوار النفس ويحيط بجوانبها كلها من إدراك وإرادة ووجدان، فلا بد من إدراك ذهني تنكشف به حقائق الوجود على ما هي عليه في الواقع، ولا بد أن يبلغ هذا الإدراك العقلي حد الجزم الموقن واليقين الجازم الذي لا يزلزله شك وكما قال الشهيد سيد قطب:

«الإيمان تصديق القلب بالله وبرسوله التصديق الذي لا يرد عليه شك ولا ارتياب، التصديق المطمئن الثابت المستيقن الذي لا يتزعزع ولا يضطرب ولا تهجس فيه الهواجس ولا يتلجلج فيه القلب والشعور والذي ينبثق منه الجهاد بالمال والنفس في سبيل الله، فالقلب متى تذوق حلاوة هذا الإيمان واطمأن إليه وثبت عليه لا بد مندفع لتحقيق حقيقته في خارج القلب في واقع الحياة، في دنيا الناس، يريد أن يوحد بين ما يستشعره في باطنه من حقيقة الإيمان وما يحيط به في ظاهره من مجربات الأمور وواقع الحياة، ولا يطيق الصبر على المفارقة بين الصورة الإيمانية التي في حسه والصورة الواقعية من حوله لأن هذه المفارقة تؤذيه وتصدمه في كل لحظة ومن هنا هذا الانطلاق إلى الجهاد في سبيل الله بالمال والنفس.

من هذا نستخلص أن حقيقة الإيمان لا بد لها من مجاهدة الناس والمعاناة من مكابدة أهوائهم ومشاعرهم وتصوراتهم بمشاعرك وتصوراتك وإن من سارت في هذا الطريق ستشعر يقينًا بالمعاناة من الأهل والأقارب والمدرسة والمجتمع، ستحس وتشعر بهذه المعاناة لأنها تريد أن تحقق هذا الإيمان وسط هذا المجتمع، ستحس بمفارقتها لهذا المجتمع وغربتها عنه لاختلاف التصورات والمشاعر ورغبتها في تحويله وتغييره وإن هذا الشعور هو لذة الإيمان ومن هنا يبدأ الطريق.

 كيف تدعين إلى الإسلام؟

أختي المسلمة إن هذا الطريق طريق الدعوة إلى الله سلكه إخوتنا الدعاة متبعين سير النبي صلى الله عليه وسلم والدعاة من بعده وهم أساتذتنا في الطريق من تجربتهم نستفيد ومن كتاباتهم نستأنس.

 وسنتناول نقاط هذه الفترة مع شيء من التصرف مما كتبه الأستاذ فتحي يكن:

قال الله العالي: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ أن رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ( النحل: 125).

إن من طبيعة هذه الدعوة الإسلامية أنها موجهة للناس -كل الناس- على اختلاف أعمارهم وبيئاتهم وميولهم واتجاهاتهم، والداعية الموفقة الناجحة هي التي تعطي كل أخت ما يلزمها من أفكار وتوجيهات وتمهد لترسيخ العقيدة في نفسها وهي مفتاح الدعوة الأول وهذه مراحل العمل:

۱ - تعرفي إلى الأخت قبل دعوتها، تعرفي إلى أفكارها ومفاهيمها وتصوراتها واكشفي من عللها ومشاكلها حتى تصلي إلى معرفة المنافذ التي يمكن أن تنفذي منها.

٢ - من أين نبدأ وكيف؟؟ بعض الأفراد يبدأ من حيث ينبغي أن ينتهي أو ينتهي من حيث ينبغي أن يبدأ وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال «ما أحد يحدث قومًا بحديث لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة على بعضهم».

٣- لذلك يجب وضع مشروع منهج قياسي، وكان لا بد من منهج قياسي واضح تحددين بواسطته نقطة البداية عن طريق:

أ - طور بناء العقيدة:

     أي إيجاد الفكر الصحيح من الكون والإنسان والحياة ومن شرائطه أن تحقق الإيمان بالله وسائر أركان الإسلام الخمسة، وهذا الطور يعتبر الطور الأساسي في تكوين الشخصية الإسلامية لأنه القاعدة التي تتمخض عنها سائر الأطوار ولأنه العقدة الكبرى التي بحلها تحل سائر العقد.

ومن شرائط هذا الطور كذلك تحقق الإيمان بالإسلام وأنه من لدن عليم خبير وأنه المنهج الشامل المتكامل المنبثق عن نظرة كونية أصيلة مستقلة الجذور وأن المناهج الأخرى باطلة أساسًا لأنها بشرية المصدر.

ب - والطور الثاني الذي ينبغي نقل العنصر الجديد إليه إذا حسن إيمان الأخت ورسخت عقيدتها وتكامل فهمها عن الإسلام هو طور التطبيق أي طور تجسيد المفاهيم الإيمانية سلوكًا إسلاميًا صحيحًا.

 

ج - من التطبيق إلى النظام:

٤ - والطور الثالث الذي ينبغي أن توجه من رسخت عقيدتها وتكامل فهمها وحسن عملها هو طور الانخراط في العمل للإسلام، ومن شرائطه تأدية أركان الإسلام وتحري السند الصحيح والتورع عن الشبهات واجتناب المحرمات ومراقبة الله عز وجل في كل صغيرة وكبيرة.

ومن شرائط هذا الطور قيام الأخت بواجب إصلاح أهلها وزميلاتها والمقربين منها وقد تفهم الكثيرات أن الدعوة تفرض على من تريد أن تتصدى لها أن تكون على جانب كبير من العلم والمعرفة وأن هذا يقتضيها التعمق في دراسة علوم القرآن وتفسيره وعلوم الحديث ومصطلحه وعلوم الشريعة وأصولها وفروعها عدا الثقافات الاقتصادية والسياسية وغيرها.

وهذا فهم خاطئ جدا، وفي اعتقادنا أن الأمر أبسط بكثير وأن الأخت المسلمة إذا تكاملت جوانب فهمها للإسلام وأصبح بمقدورها التعبير بوضوح وبساطة عن هذا الفهم وجب عليها القيام بمسئوليتها كداعية، ولكن ضمن ثلاثة شروط:

١ - أن تعرف حدها من العلم والمعرفة فتعمل في نطاقه وعلى مستواه.

٢ - أن تكون في سلوكها منسجمة مع المبادئ التي تدعو الناس إليها.

٣ - أن تعمل على تنمية ثقافتها الإسلامية والبلوغ بها على الزمن المستوي الحسن الذي يمنحها مزيدًا من الانفتاح والإنتاج،

هذه أختي المسلمة أبرز النقاط التي تبينها إخوتنا الدعاة وتحتاجين إليها في طريقك الشاق المريح.

 

أختي المسلمة الغافلة:

أما أنت أيتها الأخت المسلمة الغافلة فإني موجهة كلامي إليك من قلب جرب طريق حياتك وعاش ألمها وطريق المؤمنات وذاق سعادتها، إن نساء عصرنا استهترن بأحكام الله وسرن في تيار المدنية الجارف دون تفريق بين خيره، وشره، وحلوه ومره، وتشبهت أخواتنا الغافلات بمن لسن على دينهن وسرن على نهجهن.

ألا تعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال.

وقال عليه الصلاة والسلام «لا يكن أحدكم إمعة يقول أنا مع الناس، إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساءوا أسأت، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم».

فهل ترضين أن تكوني شبيهة بالقوم الكافرين وإمعة تسيرين وراء كل نداء إن الإسلام يأبى لك هذا وينهاك عنه ويرتفع بك منه.

- احتشمي لا تتبذلي لقد شرفك الإسلام بآدابه وهديه وجعل الاحتشام صفة ولباسًا للمؤمنات فلِمَ تخجلين مما يشرف ويبجل ولا تخجلين -بل وتفخرين- بما يحقر ويبتذل؟ أتبتذلين مع من ابتذل لتكوني مثلهن فلا يسخرن منك؟!

كيف تتجنبين الاحتشام، أتخشين نظرات الساخرات والساخرين ولا تخجلين من استلفات الأنظار إلى تبرجك وامتهانك، إن كنت لا تعلمين أمرًا فسأبينه لك:

إن الحجاب فرض واجب على كل مسلمة، قال تعالی موجهًا خطابه لنبيه رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (الأحزاب: 59).

إن الله سبحانه وتعالى يحيط المرأة المؤمنة في هذه الآية بسياج الإجلال والاحترام وإكليل الاحتشام لتصون الأخت المسلمة جسدها الطاهر من اعتداء الأعين الزانية، فليست الشريفة الطاهرة من لا تسمح لرجل أن يتمتع ببدنها ويلامسه، بل الطاهرة الحقة التي لا تسمح لعين تقع على جسمها الطاهر فتدنسه، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يلزم نساءه ونساء المؤمنين أن يتسترن بثيابهن الواسعة ليعرفن بالحصانة والتقوى والعفاف ولا يبدو منهن إلا الوجه والكفان.

إذا فقهت هذا فإنه بداية الطريق إلى الله.

أختي المؤمنة:

- تمسكي بالقرآن الكريم والسنة المطهرة يزيدك الله تقى ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (البقرة: 197).

- اثبتي على مبادئ الإسلام، وجاهدي بكلمة الحق فهو السبيل ولا سبيل غيره ﴿وَإنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (الأنعام: 153).

- وسعي مداركك وآفاقك بالثقافة الإسلامية حتى تستطيعي مواجهة مجتمعك، واعلمي تمام العلم أن الله معك في كل خطوة أو كلمة في سبيله ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إن اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (الحج: 40).

أختي المسلمة:

- سارعي في اتخاذ أقرب السبل لتكوني في صف المؤمنات في معية الله ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (آل عمران: 133).

- حاولي -وإن فشلت- لأن الفشل سيقودك للنجاح في إصلاح نفسك ﴿إن اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ (الرعد: 11).

- توكلي على الله وخذي بالأسباب تصلي الغاية والهدف،  ﴿فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (يونس: 85).

ولقد جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فترك ناقته بباب المسجـد سائبة بلا عقال وزعم بذلك أنه يتوكل على الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أعقلها وتوكل».

وفي الختام ندعو بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم:

  «اللهم ارزقني حبك وحب من يحبك واجعل حبك أحب إليّ من الماء البارد»

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

الأسرة - العدد 6

نشر في العدد 6

25

الثلاثاء 21-أبريل-1970

الاحتشام سر الجمال

نشر في العدد 8

59

الثلاثاء 05-مايو-1970