; الهاجس الإسلامي أوقع الغرب في الفخ الصربي | مجلة المجتمع

العنوان الهاجس الإسلامي أوقع الغرب في الفخ الصربي

الكاتب د. محمد الغمقي

تاريخ النشر الثلاثاء 06-يونيو-1995

مشاهدات 11

نشر في العدد 1152

نشر في الصفحة 28

الثلاثاء 06-يونيو-1995

  • الأحداث الأخيرة فرصة للصرب لرد جميل الروس بتمكينهم من أداء دور رئيس في الأزمة
  • للمرة الأولى.. رئيس حكومة غربية ينتقد قصف قوات الأطلسي للصرب!
  • هل يصدُق وزير الدفاع البريطاني في تهديده بإنزال العقاب بالصرب؟

اتجهت أنظار العالم في نهاية الأسبوع الماضي إلى البوسنة والهرسك، حيث شكل الإجرام الصربي تحديًا جديدًا في سلسلة التصعيد على كل الجبهات بما في ذلك اتخاذ عناصر قوات الأمم كرهائن و«دروع بشرية»، الشيء الذي دفع الدول الغربية المعنية إلى التحرك على المستوى الدبلوماسي والقيام باستعراض عسكري للحفاظ على ماء الوجه. 

ما هي أبعاد دخول هذا المعطى الجديد في الحرب في يوغسلافيا السابقة.. باستهداف الصرب لقوات ومراقبي المنظمة الأممية التي لم تقف الدول المهيمنة عليها موقفًا عادلًا في الحرب، وإنما ساعدت على التعنت الصربي الذي تجني ثمرته اليوم؟ وما هو مستقبل الوضع في منطقة البلقان على ضوء التطورات الحالية للحرب في البوسنة والهرسك؟

فقد كانت الأحداث الأخيرة فصلًا جديدًا في مأساة الشعب البوسنوي المضطهد من طرف عصابات الصرب، ذلك أن مخطط هؤلاء كان مدروسًا من أجل تصفية هذا الشعب المسلم في عمومه دون التعرض لأي عقاب بتحويل اهتمام الرأي العام الدولي عن الجرائم الصربية فيما يتعلق بسياسة تعاملهم مع المدنيين وإلهائه بقضية الرهائن و«الدروع البشرية» من عناصر قوات الأمم المتحدة وملاحظيها.

فلا غرابة أنه في الوقت الذي حصل فيه التحدي الصربي لهذه القوات والبلدان المنتمية إليها، عمدت الميليشيات الصربية إلى قصف مدينة «توزلا» موقعة العديد من الضحايا المسلمين، كما أسقطت طائرة الهليكوبتر الحكومية التي كان يستقلها وزير الخارجية البوسنوي عرفان ليوبيانكيتش (43 سنة) فوق جيب بيهاتش المسلم المحاصر «شمال غربي البوسنة»، فاستشهد هذا الوزير هو والمجموعة المرافقة له، ويعتبر عرفان أعلى شخصية سياسية قتلت في هذه الحرب البوسنية، وكان متجهًا إلى العاصمة الكرواتية زغرب بعد زيارة إلى بيهاتش استغرقت أربعة أيام، وقد ذُكر هذا الحدث في معرض الأخبار السريعة، بينما لو حصل نفس الشيء لشخصية سياسية في هذا المستوى في بلد آخر لتحول إلى قضية الساعة. 

كما أن مجزرة «توزلا» تعرضت إليها وسائل الإعلام الغربية في خضم التطورات الأخيرة، وغطت عليها قضية الرهائن التابعين لقوات الحماية الدولية التابعة للأمم المتحدة، ويتوقع أن تستغل الميليشيات الصربية قضية الرهائن من أجل مزيد من استهداف مسلمي البوسنة والهرسك، وتنفيذ مخططها الاستئصالي المعروف بـ «التطهير العرقي»، وتشير الأخبار إلى أن الصرب حركوا قاعدة صاروخية مهمة في اتجاه موقع قريب من القصر الرئاسي البوسني مما يمكنهم من استهداف القصر وسط سراييفو. 

إلا أن الأخطر هو ما تخفيه قضية احتجاز القوات الأممية من طرف الصرب فيما يتعلق بمسألة سيطرة كاراذيتش وعصاباته على مراكز تجميع السلاح الثقيل التسعة المحيطة بسراييفو، بالإضافة إلى السلاح المتحصل عليه من جراء تجريد العناصر المحتجزة. 

والمتتبع للتحليلات الغربية يلاحظ التركيز على إطلاق سراح الرهائن دون الإشارة إلى مصير الأسلحة المحجوزة، وليس من المستبعد أن يضم الصرب هذه الأسلحة، وخاصة الثقيلة أو جزء منها - على الأقل- إلى الترسانة الضخمة التي يمتلكونها حاليًا بحكم المساعدات الكبيرة التي تأتيهم من بلجراد وموسكو وأطراف أخرى ظاهرة وخفية، وهذا يعني مزيدًا من تكريس غطرسة الصرب عن طريق استخدام أحدث الأسلحة ضد المسلمين الذين يُحظر عليهم - في المقابل - الدفاع عن أنفسهم وامتلاك الوسائل المتيحة لذلك.

ورقة الوساطة الروسية

من ناحية أخرى يبرز من خلال ملف الرهائن طبيعة العلاقات القوية بين صرب البوسنة وحلفائهم من الروس، حيث تم إطلاق سراح العناصر الروسية التابعين للحماية الدولية، بينما تم الاحتفاظ بالعناصر الغربية «من أوروبا وكندا بصفة خاصة» كأوراق ضغط على حكومات البلدان المنتمين إليها، والتعاون الصربي - الروسي تجاوز الدعم الدبلوماسي السياسي إلى الدعم المادي بالعتاد والرجال، وتأكدت المشاركة الفعلية لعدد من المتطوعين الروس في الحرب الدائرة في البوسنة والهرسك إلى جانب الميليشيا الصربية بحكم الالتقاء في الانتماء الثقافي والديني «مسيحيون أرثوذكس».

وبالطبع كانت الأحداث الأخيرة فرصة ذهبية للصرب من أجل خدمة حليفتهم روسيا و «رد جميلها» عن طريق تمكينها من لعب دور الوسيط الرئيس والأساسي لحل أزمة الرهائن من قوات الحماية الدولية واسترجاع جانب من المصداقية التي افتقدتها منذ تصدع الاتحاد السوفييتي.

والأهم من ذلك أن ورقة الرهائن، وظفتها روسيا - بتدبير صربي - من أجل دفع الغرب المتردد في علاقته مع النظام الروسي إلى مزيد من التعاون مع هذا الأخير، وقبوله كمفاوض لا بديل عنه بحثًا عن مخرج من الفخ الصربي، ومعلوم أن الروس كانوا يبحثون عن فرصة للثأر من الأطراف الغربية التي نددت بحرب الإبادة التي تقودها القوات الروسية ضد المسلمين في الشيشان، وكان بعض القادة الغربيين قد قاطعوا الاحتفالات الرسمية في موسكو بمناسبة الذكرى الخمسين للانتصار على النازية في مايو 1945م ليس من باب التعاطف مع الشيشان بقدر ما كان هذا الموقف يندرج في إطار حسابات سياسية داخلية، أي مجاملة الرأي العام المحلي فيما يتعلق باحترام شعارات حقوق الإنسان في الوقت الذي يقوم فيه يلتسين بانتهاك القوانين والأعراف الدولية وينفذ مجزرة تفوق في بشاعتها مآسي النازية.

دور يلتسين للإفراج عن الرهائن

والنتيجة أن احتجاز رهائن قوات الحماية الدولية في البوسنة أدخل روسيا من جديد في اللعبة الدولية من بابها الواسع إلى حد أن يلتسين أصبح يتحدث إلى العالم الغربي من موقع صاحب القرار المشارك في تسيير النظام الدولي الجديد، فعبر عن استعداده للتدخل للإفراج عن الرهائن متى يتأكد من عدم قيام الحلف الأطلسي بقصف جوي جديد، وهذا مدخل للطرف الروسي لإثبات وزنه في القضايا المتعلقة بأوروبا الشرقية والوسطى، أي كتلة الدول الاشتراكية وحلف فارسوفيا سابقًا، وكان قد طُرح موضوع انضمام بعض هذه الدول إلى المعسكر الغربي والحلف الأطلسي وأبدت روسيا تحفظها على ذلك لكنها اليوم تريد أن تلعب دور الحكم وعاد «حنينها» إلى عهد الاتحاد السوفييتي والقطبية الثنائية، لكن عجلة التاريخ لن تعود إلى الوراء فتكتفي روسيا بتطبيع علاقاتها مع الغرب من أجل الخروج من العزلة الدولية بسبب سياستها في الشيشان.

ومن المفارقة أن توتر الوضع في البوسنة اضطر الدول الغربية إلى معاملة روسيا معاملة الند للند ومسايرة منطقها والدخول في لعبتها، فبالإضافة إلى أن موسكو «خلفت» الاتحاد السوفييتي سابقًا في مقعد العضوية الدائمة بمجلس الأمن في الأمم المتحدة، فهي عضو في مجموعة الاتصال التي تضم خمس دول «فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وروسيا وألمانيا» والتي تعمل على توحيد الموقف لحل الصراع في البوسنة والهرسك ويوغسلافيا السابقة عمومًا.

وقد سارعت الدول الأوروبية - من أجل الحفاظ على ماء الوجه وإطلاق سراح عناصر قوات الحماية الدولية المنتمية إليها - إلى كسب ود الروس، حيث نظر اجتماع وزراء خارجية الدول الأوروبية ببروكسل يوم الاثنين 29/5 في ملف علاقة الاتحاد الأوروبي بروسيا وإعطاء الضوء الأخضر لإمضاء الاتفاق الإنابي الذي بقي معلقًا بعد التفاوض بشأنه مع موسكو بسبب مواصلتها الحرب في الشيشان.

مصالح متشابكة

والتقارب الروسي - الأوروبي الحالي تحت ضغط الواقع جعل الطرف الأول يساوم بورقة الوساطة التي يمتلك خيوطها بهدف رفع الحظر عمليًا عن بلجراد حليفة موسكو من ناحية، والسكوت أو غض البصر عن مجزرة الشيشان من ناحية أخرى، وفي كلتا الحالتين فإن المسلمين في البوسنة والهرسك أو الشيشان سيدفعون ضريبة جديدة لهذه المساومة، وعلى نطاق أوسع فإن مسلمي منطقة البلقان والجمهوريات السوفييتية سيكونون ضحية هذا المعطى الدبلوماسي الجديد بالنظر إلى أن الخلفيات التي تقود التقارب الروسي - الغربي تقوم على أساس مصلحي.

فإذا كان الطرف الروسي ضمن مصالحه المشار إليها أعلاه، فإن الأطراف الغربية تسعى هي الأخرى إلى حفظ مصالحها المتشابكة، فالأولوية المطروحة على فرنسا وبريطانيا وكندا، هي إطلاق سراح الرهائن من عناصر قوات الحماية الدولية التابعين لها، أما الولايات المتحدة فإنها تعمل على إثبات حضورها في منطقة البلقان كمشرف أساسي على تسيير النظام الدولي بالإضافة إلى حاجة الدول الأوروبية إليها للإشراف على عملية إجلاء قواتها عندما يتطلب الأمر، لكن الأمريكيين مترددون تخوفًا من وقوع قواتها في قبضة الصرب أو تكرار التجربة المرة في الصومال. 

ولئن تم التأكيد في ختام اجتماع مجموعة الاتصال مساء الاثنين 29/5 على وحدة موقف المجموعة في الإدانة الواضحة والقوية للصرب - في بالي - المسئولين عن وضع قوات الحماية الدولية في حالة مخزية والمطالبة بالإطلاق الفوري وغير المشروط لهؤلاء الرهائن والقيام بإجراءات عملية في الأيام القادمة! فإن هذا الإجماع والاتفاق الظاهرين يخفيان اعتبارات وحسابات سياسية خاصة لكل طرف في هذه المجموعة ومساومات في الكواليس تأخذ بعين الاعتبار مصالح الدول الأعضاء في مجموعة الاتصال.

ولعل الهم الرئيسي للدول الغربية هو وضع حد للإهانة البالغة التي أصابتها بعد الوقوع في الفخ الصربي وتحول عنصر القوة لديها «قوات الحماية الدولية» إلى مصدر إذلال أمام مرأى ومسمع العالم أجمع، وبدون شك فإن مجرمي الصرب واعون بأهمية ورقة الرهائن في الضغط على الدول الغربية للرضوخ إلى مطلبهم بتحقيق حلم «صربيا الكبرى»، كما أنهم يدركون جيدًا التأثير النفسي بتصوير عناصر قوات الحماية الدولية مقيدين في المواقع الاستراتيجية التي يمكن أن تكون هدفًا لضربات حلف الأطلسي.

ومن هنا جاءت مساومة الصرب بالاستعداد لإطلاق سراح الرهائن مقابل التزام الدول الغربية والحلف الأطلسي بعدم استهداف المواقع الصربية، واكتفت عصابات كاراذيتش بفك قيود الرهائن البالغ عددهم حوالي 400 رهينة حتى ترفع الحرج الأكبر عن الأطراف الغربية أمام شعوبها. 

ومعلوم أن الرأي العام الغربي جد حساس لمثل هذه الضغوط النفسية وعادة ما يسرع بمطالبة حكوماته بوضع حد للمساومات بأرواح أبنائه، ويندرج هذا الموقف في إطار النزعة الإنسانية المتفشية في الغرب، بحيث لا يتحرك الرأي العام هناك إذا قُتل شعب أو ذُبح ولكنه يغضب إذا استُهدف عنصر من عناصره المدنية أو العسكرية، ولهذا لم تثر مجزرة «توزلا» رد فعل غربيًا بقدر ما أثارته قضية الرهائن.

وقد كان توقيت أزمة الرهائن الغربيين مدروسًا لأن الصرب يعلمون أن بريطانيا وفرنسا هما أكثر البلدان تأثرًا بهذه الأزمة، من هنا يفهم كيف أن بريطانيا اتخذت لهجة قوية وصارمة ضد الصرب، وقامت بإرسال أعداد كبيرة من العتاد والرجال لإنقاذ رهائنها، وصرح وزير دفاعها بأنه على الصرب أن يدركوا بأنهم سينالون عقابًا بالغًا لو جرح أحد العناصر المحتجزين، في حين يعلم الجميع أن بريطانيا ساهمت كثيرًا في تعقيد الوضع هناك بالمشاركة في محاصرة المسلمين في البوسنة والهرسك ومنعهم من الدفاع عن أنفسهم وسايرت الصرب وساندتهم حتى انقلبوا عليها.

ونفس الشيء بالنسبة لفرنسا فقد لعبت دورًا كبيرًا في مأساة البوسنة، وهذا رأي أطراف سياسية وملاحظين فرنسيين أنفسهم، فالجبهة الوطنية تقول بصراحة إن جوبيه رئيس الحكومة الحالي ووزير الخارجية السابق هو المسئول عن الأزمة الحالية، وفي صحف الجبهة التي يتزعمها جون ماري لوبان هناك إشارة واضحة إلى مسئولية جوبيه والحكومة الحالية في الوضع القائم في البوسنة والهرسك.

وقد ندد كل من برنارد هنري ليفي وأندري غلوغسبان - مثقفين معروفين في الأوساط الفرنسية - بالسياسة الرسمية في ملف البوسنة، كما تحدث المحلل السياسي فيليب ألكسندر في حصة المساء الأحد على القناة الثالثة عن فشل جوبيه في معالجة قضية البوسنة بالترديد باستمرار بقرب التوصل إلى حل سلمي والمطالبة بإعادة النظر في مهمة قوات الحماية الدولية حتى تكون أكثر فعالية في حين تعيش الأمم المتحدة أزمة قرار وتحولت إلى أداة لتنفيذ المصالح الأمريكية.

خصوصية الموقف الفرنسي

وقد كان الموقف الفرنسي في هذه الأزمة محل اهتمام خاص من المراقبين لأن احتجاز رهائن فرنسيين في البوسنة على يد الصرب يعد التحدي الكبير الأول من نوعه أمام الرئيس الفرنسي الجديد جاك شيراك الذي لم يمض على تسلمه منصب الرئاسة أسبوعان، وكان جل اهتمامه منصبًا على المعضلة الداخلية المتمثلة في أزمة البطالة التي وعد في حملته الانتخابية بحلها، ثم إنه هو وحكومته يستعدون لموعد انتخابي حاسم، أي الانتخابات البلدية في دورتين «يومي 11 و18/6»، فكل القرارات المتخذة في هذا الظرف الانتخابي لها وزنها بالنسبة للنتائج، ومعلوم أن شيراك يريد كسب العديد من البلديات إلى صفه سواء بفوز عناصر منتمية للحزب الديغولي أو عناصر متحالفة حتى تكتمل صورة الخريطة السياسية لفائدة اليمين الناتجة عن الانتخابات الرئاسية في مايو الماضي. 

ثم إن شيراك أعلن في العديد من المناسبات عن التزامه باتخاذ سياسة جديدة من أجل تحقيق تغيير حقيقي يعيد لفرنسا إشعاعها لتكون منارة لكل شعوب العالم، وأشار إلى الأمجاد الفرنسية، وأنه سيسهر للحفاظ على «عظمة فرنسا»، فجاءت أزمة الرهائن في البوسنة لتضع تصريحاته على المحك، ولهذا قام باجتماع طارئ في قصر الإليزيه، تم على إثره اتخاذ القرار بإرسال حاملة الطائرات «فوش» ومعها عدد كبير من العتاد والرجال بأحد هدفين: إنقاذ الرهائن، ودعم القوات المتواجدة على عين المكان في البوسنة أو ترتيب عملية إجلاء حوالي 4000 من عناصر قوات الحماية الدولية من الفرنسيين وهي أعلى نسبة مشاركة لدولة غربية ضمن هذه القوات.

وبدون شك فإن استعراض القوة له تأثير نفسي على الرأي العام المحلي لطمأنته من ناحية، ولإثبات صرامة الموقف الرسمي للفريق السياسي الجديد تماشيًا مع الوعود التي قطعها على نفسه شيراك في الانتخابات الرئاسية، بيد أن الورطة الحالية «وقوع فرنسيين في الفخ الصربي» معقدة باعتبار الدور الفرنسي الرئيس المشار إليه أعلاه في تعقيد الوضع في البوسنة، ولهذا فإن الحل الدبلوماسي هو المرجح في الموقف الفرنسي الحالي بهدف الحفاظ على ماء الوجه بالتوصل إلى إطلاق سراح الرهائن، وعدم إفشال السياسة الفرنسية في معالجة ملف البوسنة، خاصة وأن رئيس الحكومة الحالي هو أكثر الشخصيات السياسية الغربية اطلاعًا وتأثيرًا في جل المخططات الغربية المفروضة على الأطراف المتنازعة، وآخرها تقسيم البوسنة إلى كيانين، كرواتي مسلم ونصيبه 51% من الأراضي البوسنوية، وآخر صربي ونصيبه 49%، بالإضافة إلى المبادرة الفرنسية بإنشاء مجموعة اتصال تحتكر الحل وتسير الأوضاع داخلها.

وقد تبين من خلال العديد من المواقف والتصريحات الرسمية الفرنسية عدم استعداد الطرف الفرنسي لرفع الحصار عن وصول الأسلحة للمسلمين في البوسنة والهرسك للدفاع عن أنفسهم، وكان جوبيه يؤكد في كل مرة أن هذا الأمر يعقد الوضع المتفجر ولا يوصل إلى السلام المطلوب حسب زعمه. 

وتجدر الإشارة إلى أنه للمرة الأولى ينتقد رئيس حكومة غربي سياسة الحلف الأطلسي، حيث صرح جوبيه بأن الإنذار الأخير والقصف الجوي الذي قامت به طائرات الحلف الأطلسي لم يكونا مدروسين، وأضرا بالقوات العاملة في البوسنة، وفسر المحللون هذا التصريح بأنه اعتراف فرنسي رسمي ضمن للصرب أن فرنسا غير موافقة على ضرب الصرب وأنها تستعطفهم من أجل إطلاق سراح الرهائن الفرنسيين.

ولعل هذا الأسلوب في التعامل مع مجرمي الصرب هو الذي شجعهم على المضي قدمًا في إجرامهم وتحديهم فتحولت العصابة الأقلية إلى عفريت تخافه القوى الكبرى، وقد حلل مدير صحيفة «لوموند» الفرنسية الموقف الأوروبي بقوله: «لقد اعتقدت أوروبا طويلًا أن مصيرها ليس مهددًا داخل يوغسلافيا السابقة، وقد أخطأت في ذلك، واعتقدت أن الصراع القائم هناك تضرب أعماقه في التاريخ، وعلى هامش المركز «الأوروبي » ونعت «البلقاني» يكفي لإبعاده، ولم تتوقف أوروبا عن التحقير من شأن هذه الحرب مكررة التنازلات لمصلحة المعتدي الصربي ورافضة اختيار قصف الضحايا البوسنيين والكروات ومفضلة التدخل السريع الإنساني دون إعطاء مصداقية لحل عسكري». 

ومن هذا المنطلق، لا غرابة أن يكون الهاجس الإسلامي أي الخوف من قيام كيان إسلامي في قلب أوروبا هو الذي أوقع أوروبا والغرب عمومًا في الفخ الصربي، فكل المقترحات والحلول باءت بالفشل إلى حد الآن، لأن الدول والأطراف والمنظمات التي من المفروض أن تقف موقف الحكم العادل لفض الخلاف وإعطاء كل ذي حق حقه، اختارت صف الباطل ومساندة المعتدي بشكل أو بآخر، وبدون شك فإن فصول مأساة الشعب البوسنوي ومنطقة البلقان لم تنته لأن إطلاق سراح الرهائن سيتم اشتراؤه مقابل مساومات صربية بالمزيد من السيطرة.

وينتظر أن يتم دعم مواقع قوات الحماية الدولية بعد الإفراج عن المحتجزين ثم يتم الإعداد لإجلاء هذه القوات وترك المجال أمام سيطرة الصرب على الساحة، كل ذلك في إطار سياسة إعاقة أي مشروع للصحوة الإسلامية في قلب أوروبا.

الشهيد د. عرفان ليوبيانكيتش في سطور

ولد د. عرفان ليوبيانكيتش بتاريخ 26/11/1952م، في مدينة بيهاتش وأنهى هناك مراحل دراسته الابتدائية والمتوسطة، ودرس الطب في بلجراد، وتخصص في مجال جراحة الأنف والفم والحنجرة في جامعة زغرب. 

نشرت له عدة دراسات في مجال تخصصه، يتكلم الإنجليزية بطلاقة، وعين في منصب وزير الخارجية البوسنوي بتاريخ 1/11/1993م بدلًا من د. حارس سيلاجيتش الذي تولى منصب رئاسة الوزراء في البوسنة والهرسك.

ود. عرفان ليوبيانكيتش متزوج ولديه طفلان.. إنا لله وإنا إليه راجعون.

الرابط المختصر :