; الواجبات والحقوق بين الزوجين .. مقدمات الزواج | مجلة المجتمع

العنوان الواجبات والحقوق بين الزوجين .. مقدمات الزواج

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر السبت 14-أغسطس-2010

مشاهدات 31

نشر في العدد 1915

نشر في الصفحة 50

السبت 14-أغسطس-2010

  • الخِطبة وسيلة متعارَف عليها للزواج.. لكنها ليست شرطًا لصحّة النكاح فلو تمّ بدونها كان صحيحًا
  •   وهي مواعَدةٌ على الزواج بين رجل وامرأة لا تُحِلّ سوى النظر إلى بعضهما بعضًا تحقيقًا للرضاء
  •                         لا يجوز شرعًا أن يتقدّم رجل لخِطبة امرأة مخطوبة..ولا أن يسعى إلى فسخ خِطبة غيره ليخطبها لنفسه
  • ... ولا ينبغي للخاطب أو المخطوبة العدولُ عن الخِطبة إلا لمصلحة مشروعة مثل نقص ظاهر في الدين أو الخُلُق

اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل

بعد هيمنة الغرب على المؤسسات الدولية، وتصاعد موجات«التغريب»، واجتياح«العولمة» للخصوصيات الثقافية لشعوب العالم خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين، شرع الغرب في اقتحام حرمات الأسرة المسلمة، وانتهاك منظومة قيمها التي حددها الإسلام، وصاغتها المرجعية الإسلامية.. وبدأ الغزو الفكري الغربي في صياغة منظومة قيمه في مواثيق ومعاهدات أخذ في عولمتها تحت ستار«الأمم المتحدة» والمنظمات التابعة لها من خلال«مؤتمرات السكان» الدولية؛ سعيًا لإحلالها محل منظومة القيم الإسلامية ولاسيما في ميدان الأسرة، الأمر الذي فرض على المؤسسات الإسلامية صياغة بديل في هذا المجال، وقد

تحقق هذا في«ميثاق الأسرة في الإسلام»...

في إطار الحديث عن صلب العلاقة الزوجية من ابتدائها إلى انتهائها، وما لكل طرف من حقوق وما عليه من واجبات، يتحدث هذا الجزء عن مقدمات الزواج وهو«الخطبة»، من حيث تعريفها وآثارها، وعدم جواز خطبة المرأة المخطوبة وعدم جواز خطبة المحرمات من النساء، وذلك من خلال أربع مواد.

•مادة (٤٦)

تعريف الخطبة

«الخطبة: هي إبداء الرجل رغبته في الزواج من المرأة، وقبولها هي ووليها لهذه الرغبة، والتواعد على إبرام عقد الزواج مستقبلًا».

قامت هذه المادة بتعريف الخطبة وهي بكسر الخاء مصدر خَطَبَ، يُقال: خَطَبَ المرأة خطبةً وخطبًا.. والخطبة في الغالب وسيلة للنكاح؛ إذ لا يخلو عنها في معظم الصور، وليست شرطًا لصحة النكاح فلو تم بدونها كان صحيحًا. 

واختلف الفقهاء في حكمها، بين قائل بالإباحة أو الاستحباب؛ وذلك لفعله ﷺ حيث خطب عائشة بنت أبي بكر-رضي الله عنهما.(حديث صحيح رواه أحمد والبخاري والنسائي)، وخطب حفصة بنت عُمَرَ-رضي الله عنهما. (حديث صحيح رواه أحمد والبخاري والنسائي)، وعن أبي حميد قال : قال رسول الله ﷺ:«إذا خطب أَحَدُكُمْ امْرَأَةً فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا إِذَا كَانَ إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا لِخَطْبَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ لا تَعْلَمُ» (حديث صحيح، رواه أحمد).

•مادة (٤٧)

آثار الخطبة

«الخطبة ليست زواجًا ولا شبهة زواج وإنما هي مواعدة على الزواج بين رجل وامرأة، لا تثبت حقًا ولا تحل حرامًا، ولا يحل لأحدهما من الآخر سوى النظر إليه عند الخطبة تحقيقًا للرضاء به، وتظل أجنبية عنه حتى ينعقد العقد». 

توضح هذه المادة الفرق بين الخطبة والزواج، فالفارق بين الحلال والحرام في العلاقة الزوجية من حيث الاستمتاع ونحوه هو الزواج بشرطه لا الخطبة، فالخطبة مقدمة للنكاح ولا يترتب عليها ما يترتب على النكاح. 

ولا تحل الخطبة سوي النظر بين الرجل والمرأة إلى بعضهما بعضًا، تحقيقًا للرضاء به، فعن المغيرة بن شُعْبَةَ أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» (حديث حسن، رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي وابن حبان). 

وعن جابر بن عَبْدِ اللَّهِ-رضي الله عنهما-قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللهِ ﷺ: «إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحَهَا فَلْيَفْعَلُ»، قَالَ: فَخَطَبْتُ جَارِيَةً، فَكُنْتُ أَتَخَبَّا لَهَا حَتَّى رَأَيْتُ مِنْهَا مَا دَعَانِي إِلَى نِكَاحِهَا وَتَزَوجِهَا فَتَزَوَّجْتُهَا .(حديث حسن رواه الشافعي في مسنده وأحمد وأبو داود والبزار والحاكم)، وتظل المرأة أجنبية عن الرجل حتى ينعقد العقد.

• مادة (٤٨)

عدم جواز خطبة المخطوبة

«لا يجوز شرعًا لرجل أن يتقدم لخطبة امرأة مخطوبة لغيره، ولا أن يسعى لحملها أو حمل أهلها على فسخ خطبة غيره ليخطبها لنفسه».

تبين هذه المادة بعضًا من آداب الخطبة ومنها حرمة التقدم لخطبة امرأة مخطوبة للغير، وعدم السعي لحملها أو حمل أهلها على فسخ خطبة غيره ليخطبها لنفسه. 

وورد النهي الشرعي عن هذا العمل صراحة فقال رسول اللهﷺ:«..... ولا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أو يترك» (حديث صحيح رواه البخاري) وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن شِمَاسَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بن عَامِرٍ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال: «المؤمن أخو المؤمن، فَلَا يَحِلُّ لِلْمُؤْمِن أن يَبْتَاعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطَبَ عَلَى خطبة أخيه حتى يذر» (حديث صحيح رواه مسلم). وعن ابن عمر-رضي الله عنهما-أنه كَانَ يَقُول: نهى النبي ﷺ أَن يَبِيعَ بَعْضُكُمْ عَلَى بيع بعض ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ. (حديث صحيح رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، واللفظ للبخاري). 

فهذه الأحاديث تنهى عن الخطبة على الخطبة حسمًا لمادة النزاع بين الخاطبين؛ ولأن في هذا إيذاءً للخاطب الأول، هذا فيمن قبلت خطبته ولم يأذن الخاطب الأول للثاني، أما من لم تقبل خطبته فلا تعد المرأة عندئذ مخطوبة ويحل لأي أحد خطبتها ما دامت لم ترض بمن خطبها أولًا .

كما أن للخطبة أحكامًا أخرى، وتفصيل هذا كله في مظانها من المراجع الفقهية.

لا يجوز لرجل خِطبةُ امرأة:

- محرَّمة عليه حُرمةً مؤبّدة

- محرَّمة حُرمةً مؤقتة إلا بزوال السبب

- في عدّة طلاق رجعي

- في عدّة طلاق بائن

- في عدّة وفاة زوجها

- مشركة حتى تُسْلِم

• مادة (٤٩)

عدم جواز خطبة المحرمات

«لا يجوز خطبة امرأة يحرم زواجها على الرجل حرمةً مؤبدة بسبب النسب أو المصاهرة أو الرضاع، أو محرمة حرمة مؤقتة إلا بعد زوال سبب التحريم، ولا خطبة امرأة في عدة طلاق رجعي لا تصريحًا ولا تلميحًا إلا بعد انتهاء مدة العدة، ولا خطبة امرأة في عدة طلاق بائن أو في عدة الوفاة، إلا تلميحًا لا تصريحًا، ولا خطبة امرأة مشركة حتى تسلم».

تتحدث هذه المادة عن من لا يجوز خطبتها من النساء، وبيان ذلك ما يأتي:

التحريم المؤبد 

من تحرم عليه حرمة مؤبدة بسبب النسب أو المصاهرة أو الرضاع، وهن المذكورات في قول الله تعالى:﴿وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۚ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَمَقۡتٗا وَسَآءَ سَبِيلًا(22) حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمۡ أُمَّهَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُمۡ وَعَمَّٰتُكُمۡ وَخَٰلَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُ ٱلۡأَخِ وَبَنَاتُ ٱلۡأُخۡتِ وَأُمَّهَٰتُكُمُ ٱلَّٰتِيٓ أَرۡضَعۡنَكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمۡ وَرَبَٰٓئِبُكُمُ ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّٰتِي دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمۡ تَكُونُواْ دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ وَحَلَٰٓئِلُ أَبۡنَآئِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنۡ أَصۡلَٰبِكُمۡ وَأَن تَجۡمَعُواْ بَيۡنَ ٱلۡأُخۡتَيۡنِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا﴾(النساء:23:22).

والأم: اسم لكل أنثى كانت سببًا في ولادتك، وهذا يتضمن الأم وأمهاتها وأمهات أمهاتها (جداتها)، وأم الأب وأمهات أمه (جداته) وإن علون.

والبنت: اسم لكل أنثى كنت سببًا في ولادتها، ويرتبط نسبها بك بالولادة بدرجة أو درجات فهذا يشمل بنت الرجل من صلبه وبناتها .

والأخت: اسم لكل أنثى جاورتك في أصليك(أبيك وأمك) أو في أحدهما. 

والعمة: اسم لكل أنثى شاركت أباك أو جدك في أصليه أو في أحدهما، وقد تكو العمة من جهة الأم، وهي أخت أبي أمك. 

والخالة: اسم لكل أنثى شاركت أمك في أصليها أو في أحدهما، وقد تكون من جهة الأب، وهي أخت أم أبيك. 

وبنت الأخ: اسم لكل أنثى ولدت لأخيك وكذلك بنت الأخت.

وبنت الزوجة: إنما تحرم بالدخول بأمها لا بالعقد على الأم، فإذا طلق الأم قبل الدخول جاز له أن يتزوج ابنتها .

وزوجة الأب وزوجة الابن: يحرمان بمجرد العقد على الأب أو الابن حتى لو طلقها قبل الدخول

وأما أم الزوجة: فاختلفوا هل تحرم بالعقد على الزوجة أم بالدخول؟ والأرجح الأول. 

وهؤلاء النساء جميعًا إذا توافر شرط تحريم الزواج منهن لا يجوز خطبتهن على التأبيد وذلك لحرمة الزواج منهن أصلًا، والخطبة مقدمة للنكاح، فإذا حَرُمَ النكاح حرم ما أدى إليه. 

وقد تحدثنا عن حكمة تحريم زواج المحارم في المادة(١٥).

التحريم المؤقت

وتحرم الخطبة أيضًا على من يحرم الزواج منها حرمة مؤقتة إلا بعد زوال سبب التحريم، وهن:

-أخت الزوجة طالما كانت أختها زوجة له؛ وذلك لقول الله تعالى: ﴿وَأَن تَجۡمَعُواْ بَيۡنَ ٱلۡأُخۡتَيۡنِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۗ﴾، فإذا ماتت الزوجة أو طلقت وانقضت عدتها جاز الزواج والتقدم الخطبة أختها؛ والحكمة من تحريم هذا الجمع هو الحفاظ على أواصر الأسرة من القطيعة والفصام، فإن من طبيعة الضرائر الغيرة والبعاد؛ فيؤدي الجمع بين الأختين إلى القطيعة بينهما.

- عمة الزوجة أو خالتها، والعكس كذلك فلا يجمع بين العمة وبنت أخيها أو الخالة وبنت أختها ؛ وذلك لما رواه أبو هريرة t أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قال: «لا يُجْمَعُ بَيْنَ المَرأَة وَعَمَّتِهَا وَلا بَيْنَ الْمَرْأَة وَخَالَتِهَا» (حديث صحيح رواه مالك في موطئه وأحمد في مسنده والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي)، والحكمة من تحريم الجمع بينهما هو ما ذكرناه سابقًا في الجمع بين الأختين، فتحرم خطبة إحداهما أثناء زواج الأخرى. 

-المرأة المتزوجة ولا تزال على ذمة زوجها وتسمى في الشرع المحصنة؛ وذلك لقوله تعالى:﴿وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۖ كِتَٰبَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَٰلِكُمۡ أَن تَبۡتَغُواْ بِأَمۡوَٰلِكُم مُّحۡصِنِينَ غَيۡرَ مُسَٰفِحِينَۚ﴾(النساء : ٢٤)، فإذا مات زوجها أو طلقت وانقضت عدتها جاز التقدم لخطبتها والنكاح منها، والحكمة من هذا التحريم هو عدم التعدي على حقوق الآخرين، وأيضًا حفظ النسب من الاختلاط بين رجلين، وهو من مقاصد الزواج كما سبق تقريره في المادة(18).

-المرأة الكافرة غير الكتابية حتى تسلم أو تصبح كتابية: قال الله عز وجل: ﴿وَلَا تَنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكَٰتِ حَتَّىٰ يُؤۡمِنَّۚ وَلَأَمَةٞ مُّؤۡمِنَةٌ خَيۡرٞ مِّن مُّشۡرِكَةٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡۗ وَلَا تُنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤۡمِنُواْۚ وَلَعَبۡدٞ مُّؤۡمِنٌ خَيۡرٞ مِّن مُّشۡرِكٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَكُمۡۗ أُوْلَٰٓئِكَ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِۖ وَٱللَّهُ يَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ وَٱلۡمَغۡفِرَةِ بِإِذۡنِهِۦۖ وَيُبَيِّنُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ﴾(البقرة: 221)، وقال تعالى:﴿وَلَا تُمۡسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلۡكَوَافِرِ﴾(الممتحنة: ١٠). والحكمة من هذا التحريم هو تحقيق المفاصلة بين المسلمين والكفار، ولخطورة تأثيرها على عقيدة وتفكير أطفالهما. 

ودليل إباحة الكتابيات قول الله تعالى:﴿ٱلۡيَوۡمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُۖ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حِلّٞ لَّكُمۡ وَطَعَامُكُمۡ حِلّٞ لَّهُمۡۖ وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ إِذَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحۡصِنِينَ غَيۡرَ مُسَٰفِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِيٓ أَخۡدَانٖۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلۡإِيمَٰنِ فَقَدۡ حَبِطَ عَمَلُهُۥ وَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ﴾(المائدة: 5)، غير أنه يُكره التزوج بالكتابية إذا كانت حربية(1)بالإجماع، لاحتمال أن يؤدي التعلق بها إلى المقام معها في دار الحرب، فينشأ الولد فيها متخلقًا بأخلاق غير المسلمين خاضعًا لأحكامهم وذلك شرٌّ عظيم.

ويرى بعض الفقهاء أن الأولى عدم التزوج بالكتابية مطلقًا إلا للضرورة(٢)؛ لأن المحبة الصادقة والتعاون الوثيق والأمن على دين الولد لا تتم إلا باتحاد الزوجين في الدين، وخاصة في هذا الزمن الذي قوي فيه سلطان النساء على الرجال؛ ولأن يعول المسلم بماله مسلمة خير من أن يعول غيرها(3).

- المرأة المطلقة من زوجها ثلاثًا لا تجوز خطبتها من زوجها الأول حتى تنكح زوجًا غيره قال الله تعالى:﴿ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَأۡخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ شَيۡـًٔا إِلَّآ أَن يَخَافَآ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَا فِيمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ(229) فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوۡجًا غَيۡرَهُۥۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۗ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ﴾(البقرة: 230:229). 

ويشترط أن يدخل بها الزوج الآخر ثم يطلقها أو يموت عنها، فعن عروة بن الزبير أَنْ عَائِشَةَ-رضي الله عنها-زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ أَخْبَرَتُهُ أن رفاعة القرطي t طلق امْرَأَتَهُ فَبَتْ(4) طلاقها، فتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بن الزبيرِ فَجَاءَتْ النَّبِيُّ ﷺ فقالت:«يَا رَسُول الله، إنها كَانَتْ تَحْتَ رِفَاعَةً فَطَلَّقَهَا أَخرَ ثلاث تطليقات فَتَزَوَّجْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَن بَنَ الزبير، وَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا مَعَهُ إِلا مِثلُ الْهُدْبَةَ(5)»... وَأَحْدَتْ بِهدْبَةٍ مِنْ جِلْبَابِهَا، قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ الله ﷺ ضَاحِكًا، فَقَالَ: «لَعَلَّكَ تُريدين أَنْ ترجعي إلى رفاعة، لا حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَك(6) وَتَذوقي عُسَيلَتَهُ»( حديث صحيح رواه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي واللفظ لمسلم). 

-المرأة المعتدة في عدة طلاق رجعي، لا يجوز خطبتها لا تصريحًا ولا تلميحًا إلا بعد انتهاء مدة العدة؛ وذلك لأنها في حكم الزوجة، ولا يجوز خطبة زوجة الغير كما سبق.

-المرأة المعتدة في عدة الوفاة يجوز خطبتها تلميحًا فقط لا تصريحًا: قال الله تعالى:﴿وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ(234) وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا عَرَّضۡتُم بِهِۦ مِنۡ خِطۡبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوۡ أَكۡنَنتُمۡ فِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ سَتَذۡكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّآ أَن تَقُولُواْ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗاۚ وَلَا تَعۡزِمُواْ عُقۡدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡكِتَٰبُ أَجَلَهُۥۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٞ﴾ (البقرة: 235:234). 

أما المرأة المعتدة في عدة طلاق بائن ففيها تفصيل:

- فالمرأة المعتدة من الطلاق ثلاثًا يجوز التلميح لا التصريح بخطبتها عند الحنابلة فقط، وهذا اختيار الميثاق. 

-والمرأة المعتدة في عدة طلاق بائن بينونة صغرى-كالمختلعة، والمطلقة طلاقًا بائنًا بينونة صغرى والفرقة بسبب غيبة الزوج أو بسبب إعساره، ونحو ذلك-لزوجها التصريح والتلميح بخطبتها؛ لأن نكاحها مباح له وهي في عدتها، فهي كغير المعتدة بالنسبة له، أما غير زوجها فلا يجوز له إلا التلميح بالخطبة، وهذا هو مذهب الجمهور، وهذا اختيار الميثاق.

معنى التصريح والتلميح

التلميح ضد التصريح؛ وهو إفهام المعنى بالشيء المحتمل له ولغيره، كأن يقول: إنك امرأة صالحة، أو يقول: إن حاجتي في النساء ومن التلميح قوله ﷺ لِفَاطِمَة بِنْت قَيْس لما طلقها زَوْجُهَا ثلاثًا:«إذا حللت فآذنيني»، ثُمَّ خَطَبَهَا لأَسَامَةَ بن زيد. (حديث صحيح، رواه مسلم)، وفي لفظ: «لا تفوتينا بنفسك» (حديث صحيح، رواه مسلم وأبو داود)، وفي لفظ:«لا تسبقيني بنفسك» (حديث صحيح، رواه مسلم).

ومن التلميح ما ورد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ-رضي الله عنهما-في تفسير قول الله تعالى:﴿فِيمَا عَرَّضۡتُم بِهِۦ مِنۡ خِطۡبَةِ ٱلنِّسَآءِ﴾يقول:«إني أريد التَّزْوِيجَ، وَلَوَدِدْتُ أَنَّهُ تَيَسَّرَ لي امرأة صالحة»(أثر صحيح، ذكره البخاري تعليقًا في صحيحه). 

وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي قَوْلِ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى:﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا عَرَّضۡتُم بِهِۦ مِنۡ خِطۡبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوۡ أَكۡنَنتُمۡ فِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ سَتَذۡكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّآ أَن تَقُولُواْ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗاۚ﴾: «هو أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا: إِنَّكَ عَلَيَّ الكَرِيمَةٌ، وإني فيك لراغبٌ، وإن الله لسائق إليك خيرًا وَرِزْقًا، وَنَحْوَ هَذَا مِنَ الْقَوْلِ» (أثر صحيح، رواه مالك في موطئه وذكره البخاري تعليقًا في صحيحه).

وَقَالَ عَطَاءٌ: «يُعَرِّضُ وَلَا يَبُوحُ، يَقُولُ: إِنَّ لي حَاجَةً، وَأَبْشِرِي، وَأَنتِ بِحَمْدِ الله نافقةٌ(7)، وَتَقُولُ هِيَ: قَدْ أَسْمَعُ مَا تَقُولُ، وَلَا تَعِدُ شيئًا» (أثر صحيح، رواه الطبري في تفسيره وعبد الرزاق في مصنفه، وذكره البخاري تعليقًا في صحيحه).

وَالْحَاصِل أَنَّ التَّصْرِيحِ بِالْخِطْبَةِ حَرَامِ لجميع المعدات، والتلميح مُبَاح للمتوفى عنها زوجها، حَرَامٌ في الرجعية، مُختلف فِيهِ فِي البَائِن.

• مادة (٥٠)

العدول عن الخطبة وآثاره

«يكره شرعًا لكل من الخاطب والمخطوبة العدول عن الخطبة إلا المصلحة مشروعة، كنقص ظهر له في دين الآخر أو خلقه، أو اعوجاج مسلكه، أو لأمر نفسي يصعب احتماله، ويُرْجَعُ إلى الأحكام الشرعية لتحديد حقوق والتزامات كل من الطرفين عند عدول أحدهما» ..

تتحدث هذه المادة عن أدب من آداب الخطبة، وهو أنه لا ينبغي لأي من الخاطب والمخطوبة أن يتحلل من الخطبة إلا لمصلحة مشروعة، كنقص ظهر له في دين الآخر أو خلقه أو اعوجاج مسلكه أو لأمر نفسي يصعب احتماله وأن حكم هذا العدول والتحلل هو الكراهة الشرعية، وذلك لما فيه أولًا من خلف الوعد؛ فعن أبي هريرة رضوا عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «آيَةُ المَنَافِقِ ثَلَاثُ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خان» (حديث صحيح رواه أحمد والبخاري والترمذي والنسائي).

وعَنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو-رضي الله عنهما-أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ:«أربع مَنْ كُن فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَر» (حديث صحيح، رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود الترمذي والنسائي).

وعَنْ ابْنِ عَبَّاس-رضي الله عنهما-عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَا تُمَارِ أَخَاكَ وَلَا تَمَازِحْهُ وَلَا تَعِدُهُ مَوْعِدَةً فَتَخْلفه» (حديث حسن، رواه الترمذي)، وقد أجمع الفقهاء عَلَى أَنَّ مَنْ وَعَدَ إِنْسَانًا شَيْئًا-لَيْسَ بِمَنْهِي عَنْهُ-فَيَنْبَغِي أَنْ يَفِيَ بِوَعْدِهِ، وَهَلْ ذَلِكَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبُّ فِيهِ خلاف بين الوجوب والاستحباب.. واختار الميثاق الاستحباب، ونص على:«أنه يُكره شرعًا».

والأمر الثاني الذي من أجله ينبغي عدم التحلل من هذا الوعد: الحذر من الدخول في الوعيد الذي ذكره رسول الله ﷺ فيما رواه أبو هُرَيْرَةًt  قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهﷺ: «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلْقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضُ» (حديث حسن رواه الترمذي وابن ماجه).

وذكرت المادة أنه يُرْجَعُ إلى الأحكام الشرعية لتحديد حقوق والتزامات كلٍّ من الطرفين عند عدول أحدهما، وتفصيلها في المظان الفقهية ..

الهوامش

(1)الحربية: هي التي بين المسلمين وبين قومها حربٌ وعداء.

(2)كمال الدين بن الهمام، فتح القدير ج ۲، ص ۳۷۲

(3)الشيخ علي حسب الله، الزواج في الشريعة الإسلامية، ص ۱۰۸.

(4)البتُّ: الجزم، والمراد طلاقها ثلاثًا.

(5)الهدبة: طرف الثوب، وهو كناية عن ضعفه الجنسي.

(6)كناية عن لذة الجماع.

(7)نافقة: أي يخطبك الكثيرون.

الرابط المختصر :