العنوان الواجهة الحديثة للاستعمار .. قصة شركات النفط العملاقة
الكاتب عبدالكريم حمودي
تاريخ النشر الاثنين 01-فبراير-1999
مشاهدات 15
نشر في العدد 1335
نشر في الصفحة 20
الاثنين 01-فبراير-1999
من المستفيد الأول من انخفاض الأسعار ... ومن المتلاعب بها ؟
وما علاقة ذلك بمخطط إفقار الشعوب والسيطرة عليها ؟
الهجوم المعاكس خطة الدول المستهلكة والشركات الاحتكارية ووكالة الطاقة الدولية لاستعادة السيطرة على السوق وضرب الأوبك
انخفاض الأسعار دولاراً واحداً تقابله أرباح عدة دولارات في الغرب.. ففي عام ١٩٩٦م وحده حصلت الدول الصناعية على ۲۷۰ مليار دولار من ضرائب النفط مقابل ١٨٥ مليارا دخل أوبك
كيف التهمت الولايات المتحدة نصيب الأسد من بريطانيا وفرنسا في عقود امتيازات التنقيب؟
في الثلاثينيات الأخوات السبع ... سيطرت على صناعة النفط.. واستخدمته استراتيجيًا بكل الوسائل.. ووقفت وراء انقلابات عسكرية وحروب أهلية
عرف النفط منذ القدم العصور، ولكنه أخذ يحتل دورًا اقتصاديًا متزايدًا في تحريك عجلة الصناعة والمواصلات وتنمية اقتصادات الدول مع بداية القرن العشرين، مشكلاً منذ ذلك التاريخ وحتى الآن أكبر مصدر للطاقة في العالم، علاوة على استخدامه كمادة أولية لكثير من المنتجات الصناعية البديلة، وفي المقابل حمل النفط معه المتناقضات، فمن وعود التنمية والثراء والرفاهية إلى الصراعات والخلافات والحروب ومع تزايد أهميته الاقتصادية كمصدر رئيس للطاقة أخذ الصراع عليه يزداد حدة بين الدول الاستعمارية ممثلة بالشركات الاحتكارية وبين الدول المنتجة فأشعلت الحرائق والحروب من أجل الاستحواذ على هذه السلعة الاستراتيجية الحيوية وبأقل الأسعار.
بدأت قصة اكتشاف النفط واستغلاله منذ منتصف القرن التاسع عشر، وبالتحديد في عام ١٨٥٩م في الولايات المتحدة الأمريكية، وأدى هذا الاكتشاف المبكر إلى بروز شركات النفط الأمريكية الاحتكارية ومن ثم تمددها عبر مختلف الدول الأمر الذي مكن الولايات المتحدة منذ ذلك التاريخ وحتى الآن من التربع على إمبراطورية النفط الاستعمارية في العالم، وكان لهذه الشركات الدور الأكبر في نهب النفط العربي واستغلاله سواء من خلال عقود الامتياز المجحفة أو من خلال فرض الضرائب والتلاعب بالأسعار والكميات المستخرجة... إلخ.
لقد بدأت العمليات الأولى للتنقيب عن النفط العربي في منطقة الخليج بصيغة تجارية وفق حق الامتياز أو عقد الامتياز وهو نظام الاستثمار بين الشركات الاحتكارية – الواجهة الحديثة للدول الاستعمارية القديمة – وبين الدول المنتجة للنفط ومثل أول امتياز نفطي وقع بين رجل الأعمال البريطاني «ويليام كنوكس دارسي»، مع شاه إيران في عام ١٩٠١م القاعدة الأساسية لجميع عقود الامتياز التالية، فقد كانت مدة الامتياز ٦٠ سنة ومساحته مليون و ٢٩٥ ألف كلم٢ تشكل ٧٨.٦٪ من مساحة إيران، ولم يكن صاحب الامتياز خاضعًا لأي ضريبة، وفي مقابل ذلك كان عليه أن يدفع إلى الحكومة الإيرانية ١٦٪ من صافي أرباحه.
ومنذ ذلك التاريخ كانت اتفاقات التنقيب عن النفط وإنتاجه اتفاقات «عقود امتیاز»، بلغ عددها حوالي خمسين عقدًا، وعلى مدى ما يقارب ثلاثة أرباع القرن أي حتى عام ۱۹۷۰م بقيت الامتيازات توفر ٩٣٪ من النفط المصدر، وكان من أهم خصائص عقد الامتياز دفع مبلغ مقطوع من المال لقاء الامتياز الذي يغطي أرض الدولة كلها ولسنوات طويلة عند التوقيع، ثم تحديد رسم ثابت مقابل كل طن ينتج من النفط يدفع لحكومة الدولة المضيفة، وعلى هذا الأساس فإن معادلة دخل الدول النفطية قد تحددت بعدد الأطنان المنتجة وحدها وبدون تأثير السعر السوقي للنفط، وكانت هذه القاعدة أهم الاستراتيجيات التي بنت عليها الشركات الاحتكارية سياستها لنهب النفط ولعقود طويلة.
اكتشاف النفط العربي وقصة الشركات الاحتكارية
تم اكتشاف النفط في معظم الدول العربية في وقت مبكر، وفيما يلي تاريخ بدء الاكتشاف لكل دولة منذ مطلع القرن وحتى الآن: العراق ۱۹۰۹م، البحرين ۱۹۳۲م، الكويت ۱۹۳۸م، السعودية ۱۹۳۸م، قطر ١٩٤٠م، الإمارات العربية المتحدة ١٩٥٣م، سورية ١٩٥٦م، سلطنة عمان ١٩٦٢م جمهورية اليمن الديمقراطية ۱۹۸۲م، الجمهورية العربية اليمنية ١٩٨٤م، وفي إفريقيا مصر ۱۹۰۷م، المغرب ۱۹۲۸م، الجزائر ١٩٥٦م، ليبيا عام ١٩٥٨م، تونس ١٩٦٤م، السودان ١٩٧٩م.
أما قصة الشركات الاحتكارية فكانت أولى هذه الشركات التي عملت في المنطقة شركة البترول الأنجلو فارسية التي تأسست عام ١٩٠٩م لاستغلال النفط الإيراني، ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى قامت الحكومة البريطانية بتأميم وشراء حصة الأغلبية في هذه الشركة والتي عرفت فيما بعد بشركة البترول البريطانية.
ومع انتهاء الحرب العالمية الأولى بهزيمة ألمانيا والدولة العثمانية قامت بريطانيا وفرنسا بتأميم حصة «دويتش بانك» الألماني والبالغة ٢٥٪ في شركة البترول التركية التي تأسست في عام ۱۹۱۲م لاستغلال النفط العراقي حيث تم إدخال شركة البترول الفرنسية بدلاً من البنك الألماني وتم إعادة توزيع الحصص بين الشركاء الجدد في الشركة ومع تعاظم الدور السياسي والعسكري للولايات المتحدة في العالم أرغمت الأخيرة بريطانيا وفرنسا على قبول مبدأ إشراك شركات النفط الأمريكية في عقود الامتياز في المنطقة، حيث تم لها ذلك في عام ۱۹۲۸م عندما تقاسمت مناصفة مجموعة مكونة من خمس شركات أمريكية حصة شركة النفط الأنجلو فارسية في شركة نفط العراق والبالغة ٤٧.٥٪ كما حصلت الشركات الأمريكية بعد إسقاط حكومة مصدق في إيران عام ١٩٥٤م على ٤٠٪ من حق الامتياز مقابل صفر قبل التأميم، بينما انخفض نصيب شركة البترول البريطانية إلى ٤٠٪ مقابل ١٠٠٪ قبل التأميم.
وهكذا استطاعت الشركات الأمريكية الحصول على حصة الأسد من عقود امتيازات التنقيب عن النفط أيضاً، فمن بين 7 شركات نفطية احتكارية كبرى عملت في الوطن العربي خلال الثلاثينيات والأربعينيات كانت خمس منها أمريكية والتي أطلق عليها اسم الأخوات السبع وهي:
١- شركة ستاندرد أويل أوف نيوجرسي (سميت لاحقًا أكسون).
٢- شركة تكساكو.
٣- شركة ساتندرد أويل أوف كاليفورنيا (سوكال).
٤- جولف أويل.
٥- شركة موبيل أويل.
٦- مجموعة رويال دتش / شل (٦٠٪ هولندية و ٤٠٪ بريطانية).
٧- شركة بريتش بتروليوم (البريطانية).
وفي وقت لاحق أضيفت إلى الشركات السبع السابقة أخت ثامنة هي شركة كومباني فرانسيز دو بترول الفرنسية.
وهذه الشركات السبع هي التي سيطرت فعليًا قبيل الحرب العالمية الثانية على إنتاج النفط ونقله وتكريره واستخدامه استراتيجيًا وحربيًا في مختلف أنحاء العالم، وعملت في إفريقيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، والوطن العربي مستخدمة كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، ناهيك عما ظل دفينًا في عالم الخفايا والأسرار، كما أنها كانت وراء سلسلة الانقلابات العسكرية في عدد من الدول وإشعال الحروب الأهلية والتلاعب بمصائر الشعوب وثرواتها وإبقائها في دائرة الضعف والتخلف.
أما الشركات الأصغر التي انضمت إلى صناعة النفط في الدول العربية منذ أواخر – الأربعينيات والخمسينيات فلم تكن من فئة الشركات الكبرى ومن هنا جاءت تسميتها بالجدد أو الشركات المستقلة، وكان عددها ١٥ – ١٦ شركة بحلول عقد السبعينيات، إلا أن من الملاحظ أن معظم هذه الشركات المستقلة كانت أمريكية والبعض القليل كان أوروبيًا غربيًا وواحدة برازيلية وأخرى يابانية.
الأسعار والتلاعب فيها
تعتبر قضية تسعير النفط استراتيجية وتتسم بأهمية حيوية سواء بالنسبة للدول المصدرة إذ إنها تحدد حجم العائدات وخاصة أن ٩٠٪ مما تنتجه الدول العربية يتم تصديره على الأقل منذ الخمسينيات أو بالنسبة للشركات الاحتكارية والبلدان المستوردة من أجل الربح المادي والحصول على النفط بشكل متواصل وسعر مقبول، وقد مرت تسعيرة النفط بعدة مراحل:
المرحلة الأولى: وتمتد من منتصف العشرينيات حتى نهاية الخمسينيات حيث كانت حصة الدول المنتجة رمزية وفقًا لنظام الامتياز الذي حصلت عليه الشركات في البداية وتمثل مبلغًا مقطوعًا لقاء كل برميل نفط يتم تصديره، حيث كانت الدول المنتجة تحصل على أربع شلنات (ذهب) لكل طن منتج، لذلك فإن دخل الدول المنتجة لم يتجاوز ١٧ سنتًا للبرميل في مراحل الاستغلال الأولى ، ووصل إلى ٩٠ سنتًا في نهاية الستينيات، فبينما اعتبرت شركات النفط أن رسوم الامتياز جزء من التكاليف الإنتاجية في فنزويلا عمدت إلى اعتباره حسمًا من نصيب الحكومات المضيفة في الدول العربية، وبذلك اختفى الرسم نهائيًا من معادلة الدخل ولم يصحح هذا الوضع إلا في منتصف الستينيات وكان ذلك ضياع لجزء لا يستهان به من الدخل.
أما بالنسبة لأرباح الشركات فإن شركة النفط البريطانية الفارسية صاحبة الامتياز في إيران حققت بين العامين ١٩١٣م – ١٩٢٤م أرباحًا صافية بلغت ٢٨,٥ مليون جنيه إسترليني، وفي الفترة ذاتها دفعت الشركة المذكورة إلى الحكومة الإيرانية مبالغ بلغت ٣,٩ ملايين جنيه إسترليني أي ١٣,٧ ٪ فقط.
وفي هذه المرحلة وحتى عام ١٩٤٥م فإن السعر العالمي للنفط كان يتحدد عند نقطة أساسية واحدة هي خليج المكسيك في الولايات المتحدة يضاف إلى ذلك السعر أجور الشحن من منطقة الخليج العربي إلى البلد المستورد.
المرحلة الثانية: مع قرب انتهاء عقد الخمسينيات وبالتحديد في عام ١٩٥٩م تم استبدال نظام عقد الامتياز القائم على الرسم الثابت للطن المنتج بمعادلة اقتسام الأرباح أي المناصفة بنسبة ٥٠ إلى ٥٠ فتحسن دخل الحكومات لكل وحدة تصدير إلا أنه بقي صغيرًا وذلك لثلاثة أسباب:
١- السعر المتدني لبيع النفط أو السعر المعلن حيث تأرجح حول دولارين اثنين لكل برميل.
٢- حسومات البيع التي كانت الشركات تقتطعها من المبيعات الإجمالية.
٣- التلاعب في النظام المتبع في احتساب الربح الصافي الذي شمل اقتطاع مبلغ من الربح الصافي العائد للحكومة يعادل الإتاوة التي يفترض دفعها وتمثل الربع الاقتصادي بدلاً من تسجيله ضمن النفقات أي إدراج الإتاوة ضمن نفقات العمل قبل التوصل إلى حجم الربح. وبذلك بقيت العائدات ضئيلة قياسًا إلى أرباح الشركات الاحتكارية التي تحولت إلى قوة رئيسة وفاعلة على الساحة الدولية دفعت بميزان القوى في العالم أن يتحرك على نحو ثابت لمصلحة هذه الشركات ودولها التي كانت ملتحمة معها في المرحلة الأولى لدرجة يصعب معها التفريق بينهما.
ومع ازدياد الواردات النفطية إلى الولايات المتحدة خلال عامي ١٩٥٩م – ١٩٦٠م تحرك منتجو النفط في الولايات المتحدة في حملة ضد الاستيراد توجت جهودهم بفرض حظر على الاستيراد بما يوازي ١٢٪ من الاستهلاك النفطي الأمريكي، الأمر الذي دفع شركات النفط إلى إجراء تخفيضات على أسعار النفط مرتين على النفط الوارد من الخليج تحديدًا ودون التشاور مع حكومات دول المنطقة.
المرحلة الثالثة: بدأت هذه المرحلة بعد إقامة منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك)، وبموازاة مرحلة المشاركة بدأت الدول العربية النفطية تحقق بعض المكاسب من خلال التنسيق بين الدول المصدرة، وهو ما أدى إلى رفع سعر برميل النفط إلى ۱.۸ دولار للبرميل ثم ٢.١٨ في فبراير ۱۹۷۱م ثم من ۳,۰۱۱ دولار إلى ٥.١١٩ عام ١٩٧٣م، إلا أن عقود الاقتسام لم تأخذ الدول العربية في تطبيقها إلا ابتداء من أغسطس ۱۹۷۳م.
كما تم بين العامين ١٩٥٧م و ١٩٧٩م التوقيع على ١٦٠ عقد تنقيب وإنتاج ومن هذه العقود لم تمنح سوى عشرة امتيازات أما الباقي فحوالي ٨٠ عقدًا لاقتسام الإنتاج وحوالي ٦٠ عقدًا لشركات مشاركة و ١١ عقد خدمة، إضافة إلى عشرة اتفاقات تتناول امتيازات نفطية سابقة، وخلال أقل من ست سنوات أي حتى يوليو ۱۹۷۹م جرى التوقيع على حوالي ۸۰ عقد اقتسام إنتاج في البلاد العربية ٦٠ منها في مصر وحدها، والباقية في الدول العربية الأخرى وهي: ليبيا، وعمان، وسورية، وقطر، والسودان واليمن.
أكبر العمالقة
اسم الشركة | رأس المال بالدولار |
أكسون - موبيل | ٢١٤.٩٤ مليار دولار |
رويال داتش – شال | ١٦٢.٨١ مليار دولار |
بريتش بتروليوم/ أموكو | ١٤٩.٨١ مليار دولار |
شيفرون | ٥٨.٢٣ مليار دولار |
توتال – بتروفينا | ٤٣.٧٣ مليار دولار |
إيني | ٤٩.٦١ مليار دولار |
ألف أكيوتين | ٣٤.٢٧ مليار دولار |
تكساكو | ٣٢.٥١ مليار دولار |
أركو | ٢٢.٦٠ مليار دولار |
ريبسال | ١٧.٠٣ مليار دولار |
وتميزت هذه المرحلة وعلى عكس التوقعات باستمرار تزايد أرباح الشركات، وبرغم سيطرة الدول المصدرة للنفط على الأسعار فإن أرباح الشركات الاحتكارية بقيت في تزايد مستمر، ففي عام ١٩٧٩م على سبيل المثال زادت أرباح شركة إيكسون بمعدل ٥٥٪ وجولف أويل بمعدل ٦٨٪ وموبيل أويل ٧٨٪ وتكساكو ١٠٦٪، وساكال ١٦٣٪.
المرحلة الرابعة (الفورة النفطية): في عام ١٩٧٣م فقدت الدول المستهلكة للنفط ممثلة في شركات النفط الرئيسة سيطرتها على الأسعار وذلك عندما اتخذت الدول المصدرة له - ممثلة في منظمة الأوبيك في الربع الأخير من عام ١٩٧٣م وعلى إثر حرب أكتوبر والمقاطعة النفطية للولايات المتحدة وهولندا – قرارين منفردين برفع سعر النفط من ثلاثة دولارات إلى حوالي أحد عشر دولارًا بالنسبة إلى نفط القياس اعتبارًا من يناير ١٩٧٤م ثم واصلت الأسعار ارتفاعها حتى قارب سعر البرميل ٤٠ دولارًا.
المرحلة الخامسة (الهجوم المعاكس): وانهيار أسعار النفط في ضوء الأزمة النفطية التي حدثت بعد حرب أكتوبر وارتفاع أسعار النفط إلى أرقام قياسية قامت الدول المستهلكة والشركات الاحتكارية بتنسيق جهودها وعملت على عدة محاور منها تشجيع عمليات الإنتاج خارج دول أوبك، وترشيد استخدام الطاقة والبحث عن مصادر بديلة، ولعبت وكالة الطاقة الدولية (International Energy Agency) التي تتكون من الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزلندا واليابان ودول أوروبا الغربية دورًا في توحيد سياسات الدول الأعضاء في مواجهة سياسات الدول المنتجة للنفط وصولاً إلى تحقيق استراتيجيتها في خفض الأسعار حيث شكل نصيب دول الكتلة من استهلاك النفط عام ١٩٧٣م حولي ٨٠٪، وبالتالي تحويل سوق النفط إلى سوق مشترين واستعادة سيطرة الدول المستهلكة للنفط على أسعاره.
وأمام هذا الوضع لم تتمكن الدول العربية من الدفاع عن أسعار النفط إذ أدت السياسات والبرامج التي وضعتها الدول المستهلكة إلى تراجع الطلب العالمي على النفط في الفترة من ۱۹۷۹م – ۱۹۸۷م إلى حوالي ١٢٪، فقد انخفض استهلاك العالم من النفط من ٦٤ مليون برميل يوميًا عام ١٩٧٩م إلى ٦١ مليون برميل عام ۱۹۸۷م، وهو ما أدى إلى انهيار أسعار النفط في منتصف عام ١٩٨٥م من حوالي ۲۸ دولاراً إلى حوالي عشرة دولارات، ومنذ ذلك الوقت وحتى عام ١٩٩٧م ظلت الأسعار تتأرجح صعودًا وهبوطًا حتى حدث الانهيار الكبير عام ١٩٩٨م.
المرحلة السادسة (الانهيار المربع): والذي حدث على خلفية الأزمة الأسيوية والروسية فهبطت أسعار النفط بمعدلات قياسية أدت إلى انخفاض عائدات أوبك عام ۱۹۹۸م بما يزيد على ٦٠ مليار دولار بعد هبوط سعر البرميل في الأسواق الدولية من مستوى ١٨ دولارًا في عام ١٩٩٧م إلى أقل من تسعة دولارات في عام ۱۹۹۸م، وحسب وزير الطاقة الأمريكي؛ فإن هذا السعر يوازي في قيمته الحقيقية سعره في عام ۱۹۳۲م أي أيام عقود الامتياز الاستعمارية في مطلع القرن.
استعادة الأموال
هذا الانخفاض الكبير في أسعار النفط نتج عنه بالمقابل تدفق الوفورات المالية إلى خزائن الدول الغربية بسبب انخفاض الأسعار أولاً وارتفاع الضرائب التي تفرضها على استهلاك المشتقات النفطية أيضًا، وهناك سبب لا يقل أهمية وهو أن مقابل كل دولار انخفاض في سعر برميل النفط الخام هناك زيادة عدة دولارات في أرباح الشركات والدول المستهلكة للنفط، وهو ما أكده الخبير النفطي الدكتور وليد خدوري رئيس تحرير «نشرة ميس» النفطية التي تصدر في قبرص في دراسة له من أنه في عام ١٩٩٦م حصلت الدول الصناعية الغربية على حوالي ۲۷۰ مليار دولار من ضرائب النفط، بينما بلغ ربع أقطار الأوبك في ذلك العام حوالي ١٨٥ مليار دولار، ولنا أن نتوقع حجم الأرباح التي ستجنيها الدول الصناعية من انخفاض العائدات النفطية لدول الأوبك لعام ۱۹۹۸م والتي قدرها تقرير حكومي أمريكي بأن تهبط إلى ۱۰۱ مليار دولار، فيما كانت قيمتها عام ۱۹۹۷م حوالي ١٤٩ مليار دولار، وبذلك تكون خسائر دول أوبك عام ۱۹۹۸م حوالي ٤٨ مليار دولار عن دخلها في عام ١٩٩٦م.
الشركات الاحتكارية قوى ضغط استعمارية
لقد أدت الأرباح التي جنتها الشركات النفطية نتيجة لاستغلال النفط إلى تحولها إلى مؤسسات ذات نفوذ كبير ليس داخل دولها فحسب بل وعلى المستوى العالمي، وبخاصة على تلك الدول التي تعتمد بشكل أساسي على النفط المستورد، فهذه الشركات هي القوة الوحيدة التي تحتكر النفط إنتاجًا وتكريرًا وتسويقًا، وعززت جميع التطورات الاقتصادية التي حدثت خلال العامين الماضيين من نفوذ هذه الشركات، وظلت تجني الأرباح الهائلة وواصلت نموها المضطرد والمتسارع سواء من حيث المبيعات والممتلكات أو من حيث الأرصدة المالية والأرباح السنوية كأضخم كتلة اقتصادية في العالم الرأسمالي، ونتيجة استمرار تدفق الأرباح فقد احتفظت هذه الشركات بتصدرها قائمة الشركات الاحتكارية الدولية، ففي سنة ١٩٨٦م بلغت مبيعات اثنتي عشرة شركة نفطية أمريكية حوالي ٤٠٠ ألف مليون دولار في حين بلغ صافي أرباحها ۱۸ ألف مليون دولار وتعتبر شركة أكسون التي عرفت تاريخيًا باسم ستاندرد أويل إف نيوجرسي، أكبر الشركات النفطية العملاقة، وهي أيضًا أضخم الشركات متعددة الجنسيات في العالم على الإطلاق، ولقد بلغت مبيعات شركة اكسون سنة ١٩٨٦م حوالي ۸۷ ألف مليون دولار، وبلغ إجمالي رصيدها المالي ثلاثين ألف مليون دولار في حين بلغ صافي أرباحها في السنة نفسها، خمسة آلاف مليون دولار لإلقاء الضوء على هذه الشركات عرضنا في الجدول السابق لأكبر عشر شركات احتكارية مقارنة برأسمالها والتي يصل مجموع رأسمالها إلى حوالي ٨١٢,٥٦ مليار دولار، كما هو مبين بالجدول.
وهنا لا بد من التأكيد أيضًا النفوذ الكبير الذي تتمتع به هذه الشركات في الدول النامية حيث استخدمت فروعها في هذه البلدان كأداة لتوجيه دخول الدول النامية إلى خزائن الاحتكارات الغربية، وتؤكد مصادر اقتصادية أن احتكارات البلدان الغربية قد ابتزت من هذه الدول في الفترة ما بين أعوام ۱۹۷۰م – ۱۹۸۰م مبالغ قدرها ١٢٥ مليار دولار، أما التوظيفات الجديدة للاحتكارات الأجنبية في اقتصاد البلدان النامية فكانت أكثر من نصف هذه الأرباح .
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل