العنوان اليمن.. الإصلاح، موقف وسط بين مخاوف الحكومة ومماحكات الاشتراكيين
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 26-أكتوبر-1999
مشاهدات 16
نشر في العدد 1373
نشر في الصفحة 38
الثلاثاء 26-أكتوبر-1999
يحتدم الجدل بين الأطراف السياسية الثلاثة الرئيسة في اليمن حول لا مركزية سياسية أم لا مركزية مالية وإدارية.
انشغل مجلس النواب اليمني بعد انتهاء مهرجان الانتخابات الرئاسية بمناقشة قانون خاص بالسلطة المحلية قدمته الحكومة تنفيذًا لالتزام سابق ووفقًا للدستور ينص على ضرورة قيام «سلطة محلية» في المحافظات والمديريات للتخفيف من المركزية، وكإحدى صور المشاركة الشعبية في السلطة، ويعد هذا القانون أحد نقاط الخلاف القوية بين الحزب الحاكم وبين مجموعة من الأحزاب بقيادة الحزب الاشتراكي، فيما يتخذ الإسلاميون موقفًا وسطًا يؤكد ضرورة التدرج في تطبيق القانون، وصولًا إلى الهدف الأول وهو تخفيف المركزية ومشاركة المواطنين في إدارة شؤونهم المحلية.
وتعود أسباب الخلاف الحقيقية إلى فترة الأزمة السياسية التي شهدتها اليمن عامي 93 - 1994 م عندما تحولت فكرة السلطة المحلية إلى نوع من الصراع السياسي بين حزب المؤتمر الحاكم والحزب الاشتراكي، فعلى الرغم من أن الاشتراكيين قبل فقدانهم للسلطة لم يكونوا متحمسين لتوسيع صلاحيات السلطة المحلية، إلا أنهم عادوا - أثناء اشتداد الأزمة - وأصروا على توسيع الصلاحيات وتقسيم اليمن إلى خمسة مناطق إدارية، وهو الأمر الذي عده خصومهم - آنذاك - محاولة لإضعاف الدولة أكثر مما تعانيه، ومحاولة غير مباشرة لسحب صلاحيات القيادة اليمنية التي أظهرت انتخابات 1993 م، أن الحزب الاشتراكي كان الخاسر الأول فيها لصالح حزب المؤتمر والإسلاميين.
وقد نجح الاشتراكيون في غمار الأزمة السياسية في فرض أفكارهم ورؤاهم استنادًا للتهديد الذي يلوحون به واستنادًا إلى قوتهم العسكرية، لكن هزيمتهم في الحرب الأهلية عام 1994 م ألغت تلك المشاريع ووضعت القرار في يد الرئيس علي صالح وحزبه، فيما ظل الاشتراكيون وحلفاؤهم يضعون في مقدمة مطالبهم السياسية فكرة تطبيق حكم محلي واسع الصلاحيات.
نقاط الاختلاف
تتركز نقاط الاختلاف بين فرقاء السياسة اليمنية بشأن قانون السلطة المحلية حول الصلاحيات، وكيفية اختيار قيادات هذه السلطة المحلية «المحافظ ومدير المديرية» حيث يتبنى الحزب الحاكم مفهومًا ضيقًا للصلاحيات، ويصر على أن يكون «المحافظ ومدير المديرية» هو نفسه رئيس المجلس المحلي، على أن يتم اختياره بالتعيين من قبل الدولة فيما يتم انتخاب أعضاء المجلس المحلي انتخابًا مباشرًا من قبل الشعب.
الرأي الثاني يتبناه الحزب الاشتراكي وحلفاؤه ويدعو إلى أن تكون صلاحيات السلطة المحلية - يسمونها الحكم المحلي - واسعة على أن يتم انتخاب الجميع عبر انتخابات حرة ومباشرة.
ويتميز بين الاتجاهين موقف التجمع اليمني للإصلاح الذي أكدت قياداته أن السلطة المحلية فكرة سامية لا يجوز أن تخضع للصراع السياسي والمكايدات الحزبية، وبالتالي فإن الإسلاميين يطالبون بأن يكون نظام السلطة المحلية قائمًا على مبدأ اللامركزية الإدارية والمالية وعلى أساس توسيع المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار وإدارة كافة الشؤون المحلية عبر المجالس المحلية المنتخبة انتخابًا حرًا ومباشرًا.
ويستند الإسلاميون في موقفهم هذا إلى أن انتقال صلاحيات الدولة المركزية إلى الوحدات الإدارية الأدنى يحتاج إلى تدرج ومتابعة لتقويم التجربة، ولا يجوز أن تحدث عملية الانتقال بصورة كلية قد تهدد التجربة بالفشل والفوضى،. ويحددون رؤيتهم للسلطة المحلية على أنها «لا مركزية مالية وإدارية» فقط تحوطًا من بعض الأطروحات التي تطلب «اللامركزية السياسية».
إذن يمكن تحديد نقاط الاختلاف في المسائل الآتية:
طريقة اختيار قيادات المحافظات والمديريات.
مدى الصلاحيات التي تتمتع بها المجالس المحلية.
تحديد الموارد التي تؤول إلى الدولة المركزية وتلك التي تؤول إلى السلطات المحلية.
وبالنسبة للمسألة الأولى فالحزب الحاكم نص في مشروع القانون الذي قدمته الحكومة إلى مجلس النواب على انتخاب أعضاء المجالس المحلية انتخابًا مباشرًا على أن تقوم الدولة بتعيين «المحافظ» و «مدير عام المديرية» ويكون كل منهم رئيسًا للمجلس المحلي في الوقت نفسه.
أما الرأي الذي يتبناه الاشتراكيون وحلفاؤهم فيستند إلى تفسير خاص بهم للدستور بأن يكون «المحافظ والمدير» منتخبين مباشرة من الشعب، ويتبنى التجمع اليمني للإصلاح رأيًا وسطًا فهو يری أن تعيين «المحافظ والمدير» يمكن أن يكون مقبولًا في إطار مرحلة انتقالية من أجل تمكين التجربة الجديدة في الواقع اليمني بشرط ألا يكون في الوقت نفسه رئيسًا للمجلس.
كما يتبنى «الإصلاح» حلًا آخر بأن يتم تعيين «المحافظ والمدير» من ضمن الأعضاء الفائزين بعضوية المجلس المحلي، وبذلك يتم الجمع بين «التعيين» و «الانتخاب» في المرحلة الانتقالية.
وفيما يختص بالصلاحيات فالواضح أن هناك تخوفًا كبيرًا لدى الحزب الحاكم - بعضها ليس حقيقيًا - من أن يؤدي نقل صلاحيات الدولة المركزية إلى الكيانات الجغرافية إلى ظهور مشكلات من قبيل تقوية النزعات المناطقية.
ولذلك جاء مشروع القانون الحكومي انعكاسًا لهذه التخوفات، لكن المؤيدين للحزب الحاكم يرون في المشروع الحكومي نقلة كبيرة بالنظر لأهمية مراعاة سنة التدرج وعدم الانتقال الفجائي من «المركزية» إلى «المحلية» في مجتمع لا تزال تؤثر فيه الولاءات القبلية المتجذرة، وبالطبع فإن المعارضين للمشروع الحكومي يطالبون بأن يكون الحكم المحلي كامل الصلاحيات وأن يتم نقل السلطات المركزية إلى المستويات الأدنى بصورة كاملة بما فيها القضاء والأمن، ويعدون ذلك الوضع التعبير الصحيح عن روح المشاركة الشعبية التي نص عليها الدستور، وبالنسبة للإسلاميين فإنهم يرون أن تكون صلاحيات السلطة المحلية كاملة في النواحي الإدارية والمالية على أن يختص «المحافظ أو المدير العام للمديرية» بالنواحي السيادية باعتبار الواحد منهم ممثلًا للحكومة المركزية وتتولى المجالس المحلية الصلاحيات والاختصاصات المالية والإدارية للمرافق الخدمية والتنموية ذات الطابع المحلي.
المسالة الأخيرة التي يدور خلاف بشأنها هي تحديد «الموارد المالية» ويبدو أن هناك خلافًا حول الموارد السيادية - مثل البترول والغاز والثروات المعدنية والبحرية - وهل تؤول إلى المجالس المحلية أو يتم اعتبارها موارد مركزية خاصة بالدولة التي تنفق منها على احتياجات المحافظات وفق مساحتها وعدد سكانها، وربما يكون الخلاف ضئيلًا بشأن الموارد المحلية مثل: رسوم الخدمات والضرائب والزكاة والغرامات التي تعد موردًا رئيسًا دون شك لكن الدعم المركزي من الدولة سيكون محل خلاف ولا سيما أن احتياجات المناطق تختلف، ودرجة التخلف والفقر تشهد تفاوتًا كبيرًا بين المحافظات، وفي كثير من الأحيان داخل المحافظة الواحدة نفسها!.
الإسلاميون من جهتهم يطالبون بألا يتم تحميل السلطات المحلية أكثر من طاقتها أو بما لا يتناسب مع صلاحياتها لكيلا ينعكس ذلك إخفاقًا على التجربة برمتها ويطالبون بوضع آلية منصوص عليها بشكل واضح ومحدد في القانون لنقل صلاحيات الدولة المركزية إلى السلطات المحلية بشكل متدرج تتناسب فيه الصلاحيات مع الإمكانات.
وكما هو ملاحظ فإن قانون السلطة المحلية يتعرض لشد وجذب بين الحكومة وعدد من أحزاب المعارضة، والحقيقة أن الاشتراكيين وحلفاءهم نجحوا في إثارة مخاوف الحزب الحاكم وأوهموا الرأي العام أن تطبيق «السلطة المحلية» هزيمة للحكومة، ولا شك أن في مثل هذه الأجواء تبرز مخاوف غير مبررة من جهة ومزايدات ممجوجة من جهة أخرى.
ولعل ما سبق ذكره يفسر حرص التجمع اليمني للإصلاح على التعامل مع قضية «السلطة المحلية» بروح بعيدة عن التخوفات غير المبررة وخالية من المماحكات السياسية، لذلك فقد أكد الإسلاميون جملة من المبادئ في تناولهم للقضية، أبرزها مناداتهم باعتبار تجربة السلطة المحلية مبادرة من الحكومة استجابة لدواعي التطور العصري والديمقراطي وتسهيل خدمة المواطن،. كما حذروا من غلبة طابع تبادل الاتهامات بين فرقاء السياسة وتصوير الأمر وكأنه انتزاع للسلطة مع التحذير من تضييق الصلاحيات.
مناقشة مجلس النواب اليمني للمواد الأولى للمشروع لم تمر بسهولة، فقد اختلف النواب حتى داخل الكتلة البرلمانية الواحدة وظهر من خلاله المناقشات أن هناك تباينات كبيرة حول قضايا مهمة، وفي خارج مجلس النواب أصدر الاشتراكي وحلفاؤه بيانًا أعلنوا فيه رفضهم لمشروع الحكومة، واعتبروه مناقضًا للدستور الذي يحدد «الانتخاب» وسيلة لاختيار قيادات السلطة المحلية، لكن الأقرب للصحة أن الدستور حدد لاختيار القيادات ثلاث وسائل هي التعيين والانتخاب والترشيح،. بينما حدد وسيلة «الانتخاب» فقط في اختيار المجالس المحلية.
وكالعادة سوف يتحول موضوع الخلاف حول قانون السلطة المحلية إلى نقطة تماس ساخنة بين فرقاء السياسة اليمنية وسيظل الخلاف حولها مستعرًا حتى تجيء قضية أكثر سخونة فتسلبها جزءًا من الاهتمام حتى موعد إجراء أول انتخابات محلية يتوقع أن تكون في النصف الأول من العام المقبل.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل