; اليمن تسعى لإذابة الجليد مع الأشقاء والأصدقاء | مجلة المجتمع

العنوان اليمن تسعى لإذابة الجليد مع الأشقاء والأصدقاء

الكاتب ناصر يحيي

تاريخ النشر الثلاثاء 10-يناير-1995

مشاهدات 11

نشر في العدد 1133

نشر في الصفحة 42

الثلاثاء 10-يناير-1995

تحليل سياسي

زيارة الرئيس اليمني المرتقبة للسعودية ستفتح صفحة جديدة من العلاقات مع كل دول الخليج

صنعاء: 

بدأت السياسة الخارجية اليمنية دورًا نشيطًا في علاقاتها مع الدول الأخرى: إقليميًا وعربيًا ودوليًا.. بعدما نجح النظام في اليمن - إلى حد كبير - في تأكيد سيطرته على الأوضاع العامة.

 وليس سرًا أن خصوم الرئيس علي عبد الله صالح كانوا قد نجحوا إبان الأزمة السياسية في اليمن في لعب ورقة العلاقات الخارجية بطريقة أكسبتهم تعاطف كثير من الدول، بينما كان الطرف الآخر يوجه جهوده لاستعادة مواقعه داخليا وإعادة ترتيب صفوفه التي بعثرها الهجوم الاشتراكي المفاجئ الذي قاده «البيض» بعد عودته من أمريكا في أغسطس ١٩٩٣م.

ويمكن القول إن «صنعاء» كانت تحارب الانفصال وهي تتمتع بأسوأ وضع لعلاقاتها الخارجية، وهو ما ظهر واضحا من خلال التأييد الدبلوماسي والإعلامي القوي الذي انحاز للاشتراكيين. 

ركز الهجوم الاشتراكي قوته لكسب تعاطف الدول العربية والغربية باستخدام عدد من الأساليب الحاذقة، فعلى جبهة دول الخليج العربي، أظهر الحزب الاشتراكي وجهًا ماكرًا حاول من خلاله التبرؤ من تهمة مساندة الموقف العراقي في أزمة الخليج الثانية، واستغل مواجع أهل الخليج ليتظاهر بأن الحزب الاشتراكي، كان مجبوراً على التعاطف معالعراقيين.

 

كما ركز الاشتراكيون على إضفاء صفة «الأصولية» والتعاطف مع الإرهابيين على «صنعاء» لكسب تأييد المصريين والجزائريين وبقية دول المغرب العربي، ونشروا شائعات عن وجود معسكرات لتدريب الإرهابيين في اليمن.

 أما الدول الغربية فقد لوح الاشتراكيون لها بالخطر الأصولي الزاحف إلى السلطة عبر التجمع اليمني للإصلاح المشارك في الائتلاف الثلاثي الحاكم، وأثاروا مخاوفهم من شبح التنسيق بين اليمن وكل من إيران والسودان.

 وعبر 9 أشهر من الأزمة السياسية نجحت أطروحات الاشتراكيين في صنع حاجز من العزلة المعنوية بين صنعاء والعالم الخارجي ولم تفلح زيارات الساعة الأخيرة التي قام بها الرئيس علي صالح لبعض الدول في صنع شيء ما.

وعندما انفجرت الحرب اليمنية الأهلية في مايو الماضي، بأن ضعف التأييد الخارجي للرئيس علي صالح بينما كان الاشتراكيون يراهنون - حتى آخر لحظة - على دعم خارجي حاسم يضمن لهم استعادة سيطرتهم على المناطق التي حكموها قبل الوحدة، لكن الانهيار المتتابع لقوات الحزب الاشتراكي جعل الدعم الخارجي المنتظر بلا فعالية إطلاقًا.

مرحلة جديدة

بعد انتهاء الحرب في اليمن كان لابد من إعادة ترميم العلاقات الخارجية لليمنواستعادة وضعها الطبيعي.

 وبرغم أن الرئيس علي صالح سبق له أن قام بزيارة سريعة السلطنة عمان، إلا أن مشاركته في مؤتمر القمة الإسلامية بالدار البيضاء كانت في المرحلة الأولى من عودة الروح للدبلوماسية اليمنية.

 وفي طريقه للمغرب، زار الرئيس اليمني القاهرة في زيارة اعتبرتها وسائل الإعلام فاتحة لعهد جديد في العلاقات اليمنية المصرية باعتبار حرارة الاستقبال ومستوى المسئولين المصريين الذين شاركوا في المباحثات، وظهر تحسن العلاقات في الإعلان عن إعادة المنح الدراسية التي تقدمها مصر للطلاب اليمنيين، بالإضافة إلى إعادة الاتصالات الهاتفية المباشرة بين مصر واليمن بعد أن ظلت طوال الفترة السابقة تخضع لعملية مراقبة عبر السنترال.

وليس من الواضح -حتى الآن- ما الأسباب التي جعلت «القاهرة» توافق على إعادة علاقاتها مع صنعاء إلى وضع أكثر حرارة، لكن مراقبين في صنعاء يشيرون إلى أن «القاهرة» تخشى من قيام محور طهران- صنعاء - الخرطوم.. وأن الانفتاح الأخير في العلاقات لسحب البساط من تحت أي محور قد يقوم بين العواصم الثلاث.

العلاقات اليمنية - السعودية

تعد العلاقات اليمنية - السعودية أهم محاور السياسة الخارجية لليمن، نظرًا للتجاور الجغرافي الطويل بين البلدين ولوجود تشابك في العلاقات بين الشعبين تطور عبر فترات التاريخ بطريقة سريعة، حيث ما يزال يتواجد مئات الآلاف اليمنيين العاملين في السعودية.

لكن أكثر نقاط العلاقات السعودية اليمنية سخونة هي مسألة الحدود المشتركة التي كانت مثار خلاف تطور إلى حرب عام ١٩٣٤م، وانتهى باتفاقية الطائف الشهيرة. 

وفيما يعلن الطرفان عن رغبتهما في حسم هذه المشكلة نهائيا، تبدو مباحثات الحدود أكثر غموضًا حتى الآن، حيث يحرص البلدان على التكتم على مسار المباحثات.

 وفي الدار البيضاء، أدى لقاء الرئيس عليصالح بولي العهد السعودي الأمير عبد الله ابن عبد العزيز إلى وضع قطار العلاقات الثنائية على القضبان، فيما أظهرت زيارة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر- رئيس مجلس النواب اليمني - أن الجليد - الذي كان يحول دون عودة العلاقات بين صنعاء والرياض. قد أوشك على الذوبان، حيث أعلن الشيخ الأحمر أنه يحمل دعوة من الملك فهد للرئيس علي صالح لزيارة المملكة.

ولا شك أن زيارة الرئيس اليمني للسعودية - والمتوقعة في أي يوم - سوف تدشن صفحة جديدة في تاريخ اليمن والسعودية، بل وربما سائر دول الخليج العربي بحكم التأثير السعودي القوي على اتجاهات السياسة في المنطقة.

وهكذا يكون اليمنيون قد نجحوا في تسوية أوضاعهم الخارجية مع أهم البلدان في المنطقة العربية.

السودان وإريتريا

يرتبط اليمن بعلاقات متميزة مع كل من السودان وإريتريا منذ سنوات طويلة.

وبالنسبة للسودان، فقد ازدادت متانة العلاقات بعد وقوف السودانيين القوي بجانب استمرار الوحدة اليمنية خلال الحرب الأخيرة في الصيف الماضي. 

أما إريتريا، فقد استثمر اليمنيون دعمهم للإريتريين قبل استقلال بلادهم عن أثيوبيا، كما يبدو أن الإريتريين يعدون اليمن المجاور لهم ركنا أساسيًا في علاقاتهم الخارجية.

 وعندما أيقنت صنعاء في ليلة اندلاع الحرب أن الموقف قد انفجر انفجارًا شاملًا أرسلت طائراتها المدنية إلى مطار «أسمرة» قبل ساعة تقريبًا من وصول الموجة الأولى من صواريخ «سكود» التي أمطر الاشتراكيون بها عاصمة بلادهم.

وبشكل عام فقد كان الموقف الإريتري مناسبا لصنعاء.. كما أن الرئيس الإريتري«أسياسي أفورقي» كان أول رئيس دولة يزور «عدن» بعد هزيمة الحزب الاشتراكي.

أما احتمالات نجاح الوساطة اليمنية بين السودان وإريتريا، فإن أحدًا لا يستطيع الجزم بذلك، فاليمن ليس لديه وسائل ضغط على الطرفين تجبرهما على تجاوز مسائل النزاع بينهما، لكن مجرد موافقة البلدين على الوساطة اليمنية منح الدبلوماسية اليمنية دفعة من الثقة بالنفس.

الغزل الإيراني

ظلت إيران تعد اليمن إحدى أهم الدول التي ساندت العراق في حربه معها، وبرغم حرص اليمن على عدم إعلان أشکال مساندتها العسكرية للعراق، إلا أن الإعلان اليمني الرسمي ظل يتبنى المواقف العراقية على طول الخط لكن باعتدال وحرص على الإعلان من ضرورة وقف الحرب المدمرة. 

وربما كانت «إيران» ترى في تنشيط علاقاتها مع اليمن فرصة لكسر حاجز التحفظ الغربي الذي تشكله دول الخليج أمامها.. لكن الإيرانيين يعلمون أن اليمن من الدول التي تضم سكانا تعتبرهم إيران أقرب لمذهبها الشيعي، ففي المناطق الهادوية يجد الإيرانيون مجالًا خصبًا لنشر مبادئهم وأفكارهم باعتبار دولتهم دولة «آل البيت».

وليس سرًا أن اليمن شهد منذ انتصار الثورة الإيرانية بقيادة الخميني، اهتمامًا إيرانيًا واضحًا تمثل بسيل الكتب الشيعية التي تدفقت على المناطق الهادوية - الزيدية.. إضافة إلى استقبال العديد من الزائرين اليمنيين الذين زاروا «إيران» عبر دمشق وقضوا فترات مختلفة في الحوزات العلمية الشيعية وعادوا يبشرون بأفكارها.

وفيما ينتظر المراقبون زيارة مرتقبة للرئيس علي صالح لإيران، فإن العلاقات بين طهران وصنعاء تبدو مقبلة على ربيع سياسي، فالموقف الإيراني من الحرب استقر على تأييد الوحدة بعد تذبذب قصير، كما زار وزير الخارجية الإيراني «علي ولايتي» اليمن وألتقي الرئيس علي صالح...

اليمن والغرب

ظلت اليمن منذ الخمسينات تحظى بدعم متعاطف من الدول الأوروبية، ولا سيما في مجال الخدمات الصحية التي كانت شبه منعدمة آنذاك.

وفي مجال العلاقات السياسية، تتميز علاقات اليمن مع فرنسا والمانيا بشكل خاصفيما تزال العلاقات مع بريطانيا عرضة لاهتزازات غير واضحة الأسباب. 

وفي الحرب الأخيرة، كان الموقف الفرنسي أقوى المواقف الدولية التي أيدت استمرار وحدة اليمنيين، فيما انحاز البريطانيون للحزب الاشتراكي وكان موقفهم ذلك يهدد موقف صنعاء.

ويتوقع أن يقوم الرئيس علي صالح بزيارة في منتصف يناير الجاري لعدد من الدول الأوروبية في فرنسا – ألمانيا- هولندا... وتتركز دواعي الزيارة في طلب مساعدة هذه البلدان في دعم برنامج الإصلاح الاقتصادي المزمع تنفيذه في اليمن حيث تقدم تلك البلدان مساعدات سنوية في مجالات متعددة داخل اليمن ويطمح اليمنيون أن تدعم الدول الأوروبية جهودهم لإصلاح الاقتصاد، ولعل هذه الزيارةتأتي وسط أنباء غير مشجعة عن عدم تحمس الأوروبيين لزيادة مساعداتهم، بل وربما تخفيض المعونات القائمة الآن.

وبالنظر إلى أن اليمن سوق استهلاكية كبيرة للبضائع الأوروبية، فإنه يتوقع ألا تهمل طلبات اليمنيين كلية، لكن الأوروبيين ربما يحاولون الحصول على مقابل لمعوناتهم ربما يكون في المقدمة انخراط اليمن في عملية التسوية السلمية مع «إسرائيل». 

وعلى أية حال، فإن حاجة اليمن إلى الاستثمارات الأجنبية والمعونات الفنية ستظل أهم دوافع سياستها الخارجية مع الأوروبيين، ولذلك فإن تنشيط العلاقات مع دول أوروبا يمثل مرحلة هامة من نشاط الدبلوماسية اليمنية التي تتحرك بهدوء لكن بقوة- لاستعادة تعاطف المجتمع الدولي مع اليمن.

الرابط المختصر :