العنوان الإِسلام عقيدة صافية (332)
الكاتب علي خالد السداني
تاريخ النشر الثلاثاء 11-يناير-1977
مشاهدات 12
نشر في العدد 332
نشر في الصفحة 43
الثلاثاء 11-يناير-1977
التاثت البشرية اليوم بعبادة الأوثان من كل لون وجنب، وصارت عبادة المال والفن والعلم تقام في هياكلها في كل وقت وحين، وتشابكت الدروب، وانساحت الأرجل في متاهات غير متناهية، وغشيت الأفئدة، ويمم الجمع وجوههم شطر تلك الآلهة المزعومة.
وزاغت المقاييس وصار التفاضل بالأسوأ، والتطاول بالأرذل، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه في أوقات الفتن: كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يهرم فيها الكبير، وينشأ فيها الصغير، يتخذها الناس سنة، إذا غيرت قيل غيرت السنة؟.
وضيع منهج الله الذي لا يتبدل على مر الأزمان وكر الدهور، فضلًا عن أنها تعطي الشواهد على صدق ما فيه، وتسطع ببراهينه كلما خفت سراج البشرية، وتدلت إلى الحضيض، وانتكست في ظلمات المادة الصماء، فإذا فزعت إليه متى شاءت، وأنى أرادت؛ لترتوي من تلك الحياض العذبة المورد لتمضي البشرية بعدها في ركب التوحيد.
وهكذا سار المسلمون بعد ارتوائهم من ذلك المنهل السائغ شرابه، لا يبتدعون شيئًا من عند أنفسهم، ولا ينقصون شيئًا مما أمروا به- ما استطاعوا الأخذ به- وبهذا مضت قافلة الخير يحدوها الإيمان والأمان، ويضيء لها دروب الإسلام والسلام.
وتمضي هذه العقيدة واضحة المعالم ناصعة السمات، لا تعرف الهياكل المظلمة المغطاة بالأسرار، التي ابتدعتها النفوس المظلمة من ملل الكفر ونحل الشرك، في سراديب تحاك فيها الطلاسم وتصنع الأسرار والألغاز، وعبادات يحيطها الغموض وتتشح بالإبهام، حتى ليعجز كبار معتنقيها عن إدراكه.
أما الإسلام فإنه انتهج مسلكًا خاصًا وسطًا واضحًا سهلًا، مكن ساكن الصحراء مع بساطة حياته وسذاجة عيشه وتمدد سريرته كصحرائه أن يستوعب الإسلام معتقدًا وشريعة وتعبدًا.
وتمضي السنون ويخرج الإسلام من جزيرته؛ ليبسط فكرة التوحيد على أرض الله -سبحانه وتعالى- ويخضع العباد لعبادة ربهم، وتتحطم تحت سنابك خيله عروش الظلمة والطواغيت من أكاسرة وقياصرة وشواهين، وتم له النصر، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، وتدافعت الجموع إلى الإسلام خاضعة لربها مستبشرة بطاعته، وذللت رقاب غليظة ونفوس صفيقة، وألزمت الأخيرة نفسها على أن تكون دسائس ومكايد للشرك فراحت تتقيأ الحقد والضغينة على الإسلام، وتبعتها نفوس ضعيفة واهية، فنكصت عن الحق، وراحت تلك الخفافيش تضرب في شعاب الأرض تبحث عن ملجأ تحتمي به من نور الإسلام الساطع، وعادت إلى عقولها التي ألهتها تبحث بين كهوفها المظلمة عن علة، ترتضيها تلك النفوس المرضية؛ لتسوغ لها دخائل نفسها الخبيثة، وتواكبها في تضييعها لدروب الحق وطرق مسالك العثرات والزلات، وهكذا انتهى بها الأمر إلى التيه في غياهب الضلال والفساد والزيغ، والعقم في فلوات واسعة لا تحدها تخوم، ولا تقيدها أصقاع.
وهكذا رجع الناس إلى الشرك بعلم أو جهل، ورتعوا فيه واستحسنوه، وجعلوا منه شرعا يتعبد وفقًا لمنهاجه، فترى الرجل منهم يغشى المساجد في حينها، ويعجز عن مدافعة هوى نفسه وترك شهوته، وانساحت هذه الخلة لتغطي عددا كبيرا من المسلمين، وكمْ حذر رسولنا الكريم منها قائلًا في حديث روته السيدة عائشة رضي الله عنها: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد».
كما بين القرآن الكريم هذه الأمور؛ ليجعل من المسلم حساسًا متحريًا الحق مبتعدًا عن كل شبهة فليس كل ما ترتضيه النفس حقًا، ولكن الحق ما جاء به الحق، فقال﴿وَمَا يُؤۡمِنُ أَكۡثَرُهُم بِٱللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشۡرِكُونَ﴾ (سورة يوسف: 106).
والدعوة في أيامها الأولى أخذت تعيب على الكافرين والمشركين عبادتهم لتلك الحجارة الصماء، فكان ردهم غبيًا تافهًا: ﴿مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰٓ ﴾ (سورة الزمر: 3). ذلك لاعتقادهم المنحرف بأن ﴿هَٰٓؤُلَآءِ شُفَعَٰٓؤُنَا عِندَ ٱللَّهِۚ ﴾ (يونس: 18)
هذا التصور المريض يعيش اليوم بين المسلمين، وتراهم يلهجون بلهجة الكفار ويقولون بمثل كلامهم، فالكثير منهم وقف على قبر رجل صالح ليقول مخاطبًا إياه: «رد علينا غائبنا، وعاف مرضانا، وما شابه هذه الأدعية الباطلة المنحرفة ».
وقد جعلوا في كثير من بلاد المسلمين من تلك القبور مزارات، كما هو حاصل اليوم لأحمد البدوي، وغيره وقد لبسوا الخرق البالية المهلهلة، وأخذوا يطوفون به، وكأنه بيت الله الحرام حتى قال بعضهم: وكان قد حج سبع حجج إلى بيت الله، إلى أحد المريدين: أتبيعني زيارة قبر الشيخ بالحجج السبع؟ فشاور المريد شيخه، فقال: لو بعته لكنت مغبونا؟.
وهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلعن اليهود والنصارى بسبب هذه العملة المبتدعة فيقول: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» ويحذر المسلمين منها ويدعو ربه ألا يجعل قبره مسجدًا فيقول «اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد».
وزيارة المقابر شرعها الإسلام؛ ليعتبر الإنسان، ويتأمل موضعه في الحياة، ويذكر نفسه بهذا المآل وعليه أن يدعو للأموات بالترحم عليهم والمغفرة، ويسأل الله لهم التثبيت والعافية، تجاهل الناس هذه الأمور الشرعية فراحوا يشيدون القصور على القبور، ويخضبونها بالعطور ويزينونها بالورود حتى لتقلع الخشية من نفس الإنسان اقتلاعا.
وفي الأعياد تمتلئ المقابر، في حين نهى المصطفى -صلى الله عليه وسلم- فقال: «لا تتخذوا قبري عيدا».
وترى فيها كل بدعة وضلالة، فهذه امرأة شبه عارية قد أمسكت بالمصحف، وجلست على قبر مواجهًا للقبر الذي جاءت إليه، وأخذت تقرأ، وهذا رجل جاء بمسجل ليستمع القرآن في المقابر، وتلك امرأة جلست على قبر قد اندرس وزالت معالمه، وهي تصرخ وتعول.
وامتلأت المقبرة بالشحاذين الذين جاءوا للترزق على حساب هؤلاء المغفلين.
وهناك من البدع والضلالات الأمر العظيم، فهناك ما يسمى- بالمولد وفيها خروج تام عن الإسلام وترى الجميع وقد احترفوا السحر والشعوذة، والنساء تعرين إلا من القليل القليل.
وكان يحدث في الكويت قديمًا من ذلك الأمر العظيم، فتراهم ومنهم من مد يده في موقد ليأخذ منه جمرة يضعها في فيه أو يقلبها بين أصابعه، ومنه ممن غاب عن الوعي، وأخذ يرغي ويزيد.
وحين يقرأ القرآن في بعض المآتم فترى الجموع وهي تصرخ وتتمايل، وكأنهم يجالسون مطربا وغشيت نفوسهم عن قول الله تعالي ﴿وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ ﴾ (سورة الأعراف: 204) وتقام الولائم الفخمة التي ترهق كاهل اليتامى، والذين هم بحاجة إلى أقل مبلغ من المال يسدون به حالهم، وتشتد هذه الصورة قتامة في بعض البلاد فيستدعى كبار القراء الذين يتقاضى الواحد منهم المئات من الدنانير، وتقام السرادق، ويحضرها عدد غفير من البطون المعزية، ثم تتلوها ذكرى أخرى ابتدعوها من عند أنفسهم سموها- ذكرى الأربعين- وهي لا تقل عن صاحبتها الأولى شراهة ونهمًا .
وبدعة أخرى نسمعها في كل حين من الجاهلين، وتسمعه يقسم على شيء ما، وكمْ سمعناها، وتحشرجت نفوسنا بها، فيقول: «بولدي- بالعباس- بالنبي»
واسمع إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يقول: لأن أحلف بالله كاذبًا خير لي من أن أحلف بغيره صادقًا؛ ذلك لأن الحلف الكاذب بالله ذنب، أما الحلف الصادق بغير الله -سبحانه وتعالى- فهو شرك، ولكن هل يعلم الناس ذلك.
والبعض يستعين بغير الله ويذهب يبحث عن مارق دجال يصنع له رقية أو تميمة يعلقها تقيه كما يعتقد من السوء، وقد حرم الله هذا العمل فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «من علق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له» ويقول كذلك: «من تعلق تميمة فقد أشرك».
في حين أن الاستعانة بغير الله حرام، وهذا القرآن الكريم يوبخ فعلة هؤلاء الأقوام فيقول سبحانه وتعالى: ﴿وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالٞ مِّنَ ٱلۡإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٖ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَزَادُوهُمۡ رَهَقٗا﴾ (الجن: 6) - والنبي -صلى الله عليه وسلم- يعلم ابن عباس فيقول له: «فإذا استعنت فاستعن بالله».
وهناك بعض الزائغين من يتوسل إلى الله بمخلوقاته، كأن يقول: بحق فلان أو بحق نبيك أو رسولك أو ملائكتك، وهذا توسل باطل، فالتوسل بالأموات غير جائز، أما التوسل بالأحياء فقد ورد فيه أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- استسقى بالعباس عندما أصاب المسلمين القحط، كما هو مذكور في الصحيحين، فقال بدعائه:- اللهم كنا نتوسل إليك- إذا أجدبنا - بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون.
وواضح أن التوسل جاء في حياة العباس رضي الله عنه.
وفئة من الناس تقدم القرابين للأنصاب، وتجعل النذور لها، كما يحدث اليوم عند ذلك الوثن المنصوب في جزيرة فيلكا المسمى- الخضر- والخضر -عليه السلام- منه براء، فالوفود تنهال عليه بقبائحها كل يوم، لتنحر هذه القرابين تحت هيكله، وكمْ من مرة قام بعض الناس الغيورين بتحطيمه، وتأبى النفوس الضالة إلا أن تعيده، وأین وزارة الأوقاف عنه؟
والله سبحانه ينهى عن هذه الفعلة، فيقول جل شأنه: ﴿وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوۡ نَذَرۡتُم مِّن نَّذۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُهُۥۗ﴾ (البقرة:270 ) وكذلك النذور لتقي الإنسان من شر الحرور يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا.
أو ترى الضالين يضيعون أجورهم بأيديهم، ويمسخون الحق بهوس نفوسهم، فيعمد بعض الأفراد من الملل الضالة إلى تعليق الأقفال على الباب الموجود على قبر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وتقفلها وتذهب بالمفتاح، ومن رأى جبل النور في مكة المكرمة، ورأى تلك الشجيرات الصغيرة التي نبتت على ظهره، وقد علقت عليها آلاف من الخرق الصغيرة الملونة، قام بربطها بعض التائهين،وأحرى بهذه الشجيرات أن تقطع، وها هو عمر بن الخطاب يأمر بقطع الشجرة التي بويع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحتها، فإذا كان هذا فعله في الشجرة التي ذكرها الله -سبحانه وتعالى- في القرآن، وبايع تحتها الصحابة رسول الله، فماذا حكمه فيما عداها؟
إنما الفاروق في فعلته هذه يتبع سيرة رسوله -صلى الله عليه وسلم- حين هدم مسجد الضرار، ولم ينظر إليه الشرع على أنه مسجد، ولكن هدمه لضرره، وقد قال فيه القرآن الكريم: ﴿لَا تَقُمۡ فِيهِ أَبَدٗاۚ لَّمَسۡجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقۡوَىٰ﴾ (سورة التوبة: 108)
وهذه الانحرافات التي جعلت أبا الدرداء كما جاء في صحيح البخاري: عن أم الدرداء قالت: دخل علي أبو الدرداء مغضبا، فقلت مالك ؟ فقال: والله ما أعرف فيهم شيئا من أمر محمد -صلى الله عليه وسلم- إلا أنهم يصلون جميعًا- فليس التعبد هو الأمر المطلوب وحده، فرأس الأمر كله:- أن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.
فالعبادة يجب أن تكون خالصة لله ولا يعبد الله إلا بما شرع، ومن زاد فقد هوى.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
التفسير العلمي للقرآن.. هــل يتحقق الإعجاز القرآني بالإعجاز العلمي؟
نشر في العدد 12
31
الثلاثاء 02-يونيو-1970