; الإسلام والقومية (6 من 8) دعاة الشعوبية والطائفية | مجلة المجتمع

العنوان الإسلام والقومية (6 من 8) دعاة الشعوبية والطائفية

الكاتب أ.د. حلمي محمد القاعود

تاريخ النشر السبت 19-مارس-2005

مشاهدات 20

نشر في العدد 1643

نشر في الصفحة 44

السبت 19-مارس-2005

نعم! كان حلم القومية العربية توحيد الأوطان العربية من المحيط إلى الخليج في دولة واحدة لها عاصمة واحدة وحكومة واحدة، وعلم واحد، ونشيد واحد.. ولكن العلم الآن صار محصورًا في بقاء الأوطان أو الأقطار العربية على حالها، فلا ينقسم وطن واحد، ولا يتجزأ قطر واحد. إلى عدة أوطان أو عدة أقطار.. فكرة التفتيت قادمة من الغرب وأمريكا، وبدأ تطبيقها علينا عقب حرب رمضان المجيدة عام ١٣٩٣هـ. ١٩٧٣م بالخطة التي وضعها «هنري كيسنجر» وزير خارجية أمريكا الأسبق تحت اسم «عبرنة المنطقة». تجليات التفتيت ظهرت في لبنان والسودان والعراق والمغرب والصومال، وتسعى إلى الظهور في العديد من الدول العربية الأخرى، ويدور الحديث علنًا، بعد سقوط بغداد عن الإعداد المباشر لتقسيم دول بعينها في المستقبل القريب!.

لا ريب أن الدعوات الشعوبية والطائفية والمذهبية، لم تبدأ اليوم ولكنها بدأت منذ زمان بعيد، مع مجيء الحملة الفرنسية على مصر، فقد استقطبت نفرًا من النصاري الأروام والقارون، ودفعت بهم إلى مواجهة إخوانهم في الوطن، وسجل التاريخ ما عرف بحركة «المعلم يعقوب» الذي كون فيلقُا من المحاربين النصارى وأشباههم، وحارب مع جيش الاحتلال الفرنسي، وتحدث عنه، «الجبرتي» في تاريخه في أكثر من موضع، ثم رحل ورجاله مع الحملة المنسحبة، حيث لقي مصرعه في الطريق إلى فرنسا.

في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، أخذت النخبة المتغربة التي تربت في أوروبا، أو تعلمت وفق النظام الاستعماري، تدعو إلى الوطنية الضيقة، والانفصال عن المحيط الإسلامي، بل العربي، والتوجه نحو الغرب الاستعماري، بوصفه رمز التقدم والحضارة، ورأى بعضهم أننا ننتمي إلى حضارة البحر المتوسط لا إلى الحضارة الإسلامية، وسخر بعضهم من الرابطة الشرقية أو الدينية، ودعا إلى الأخذ عن الغرب والاتجاه إليه بكل الطاقات في الوقت الذي أخذت فيه الدعوة إلى احتقار اللغة العربية وعدها سبب التخلف الذي يعيشه المصريون تتسع وتتعمق.

وقد سجل التاريخ موقف طه حسين وعدوانه على القرآن الكريم في رسالته للدكتوراة حول الشعر الجاهلي، وتبشيره بالانسلاخ عن العروبة والاتجاه نحو الغرب في كتابه مستقبل الثقافة.

 كما سجل التاريخ موقف سلامة موسى، ضد الرابطة الدينية، والشرق، واللغة العربية، وترحيبه بالعامية لغة كتابة وحضارة، ودعوته التي لم تفتر للحاق بركب الغرب الاستعماري في معظم كتبه التي تضم مقالاته أو مترجماته.

أما أحمد لطفي السيد، الذي يسمى أستاذ الجيل، فقد كان موقفه عجيبًا، إذ إنه كان من مؤسسي حزب الأمة في مطلع القرن العشرين، وكان ومؤسسو الحزب من أصحاب الأستاذ الإمام «محمد عبده»، والمؤمنين بفكره الإسلامي، ولكنهم بعد موته تحولوا إلى نمط آخر، يلهث نحو الغرب الاستعماري، ويدعو إلى الانكفاء على مصر تحت دعوى «مصر للمصريين»، ويلاحظ أنهم هاجموا الدولة العثمانية بمنتهى القسوة، في الوقت الذي هادنوا إنجلترا - دولة الاحتلال - وصادقوا المعتمد البريطاني اللورد كرومي، ووقفوا مواقف مريبة من دعم الأشقاء العرب الذين يحاربون الاستعمار، مثلما حدث بالنسبة إلى ليبيا. 

فقد أشار صاحب المنار (15/34) إلى ما نادی به أحمد لطفي السيد في «الجريدة». يناير ١٩١٢م لنبذ فكرة الإسلامية نبذًا تامًا. وعدم معاونة بعض الغيورين من المسلمين الذين بدؤوا في جمع المساعدات لأشقائهم الليبيين الذين وقعوا تحت الاستعمار الإيطالي، مدعيًا أن الحركة الخاصة بمصر لإعانة الدولة العثمانية على حرب إيطاليا، قد ظهرت بشكل «الجهاد الديني» أو الدعوة إلى «الجهاد الديني» وإن هذا خطأ ضار بمصر!!. لقد تبني أحمد لطفي السيد فكرة «الداروينية» التي استخدمت لتحطيم الكنيسة في الغرب، والتقليل من أهمية التعاليم التي تفرضها الكتب المقدسة... فهل كان تبنيه الداروينية ينبع من رغبته في هدم الإسلام وتحطيمه؟ ينقل عنه «محمد جابر الأنصاري» في كتاب «تحولات الفكر في الشرق العربي» «الكويت ۱۹۸۰، ص ۱۲۰»، قوله عام ١٩١٣م لنبذ الإسلامية والدعوة إلى الوطنية:

«كان من السلف من يقول بأن أرض الإسلام وطن لكل المسلمين، ذلك قاعدة استعمارية، تتماشى مع العنصر القوي الذي يفتح البلاد باسم الدين... أما الآن فقد أصبحت هذه القاعدة لا حق لها في البقاء، لأنها لا تتمشى مع الحال الراهنة للأمم الإسلامية، فلم يبق إلا أن يحل محل هذه القاعدة الذهب الوحيد المتفق مع أطماع كل أمة شرقية لها وطن محدود، وذلك المذهب مذهب الوطنية».

يرى «أحمد لطفي السيد» أن الفتح الإسلامي لمصر استعمار فرضته القوة التي امتلكها الفاتحون باسم الدين! ويرتب على ذلك فصم العلاقة مع الأشقاء المسلمين، داعيًا إلى الوطنية، وعدم نجدة الإخوة الليبيين في «جهادهم» ضد الاستعمار الإيطالي وهو منهج غريب وعجيب حيث إن الوطنية لا تعني التعارض مع الدين، ولا يعني أن يكون المرء إسلاميًا أن يسلم وطنه للإنجليز الغزاة ويسكت عن احتلالهم لمصر، كما يدعو إلى ترك الليبيين وحدهم في مواجهة الطليان الغزاة.

ولم يكن «أحمد لطفي السيد» وحده الذي يرى الفتح الإسلامي استعمارا وغزوًا واحتلالا.

ولكن طه حسين ردد المقولة نفسها بعد عشرين عامًا في «كوكب الشرق» ١٩٣٣م حين قال: «إن المصريين قد خضعوا لضروب من البغض وألوان من العداوات جاءتهم مع الفرس واليونان، وجاءتهم من العرب...» «نقلًا عن كتاب «جذور العلمانية» للدكتور السيد أحمد فرج 1405هـ – 1985م، ص۱۳۹». الأستاذ والتلميذ، كلاهما يتهم الإسلام بالاستعمار، ولا يوجه كلمة للاستعمار الجاثم على صدر مصر، وغيرها من الدول العربية.... وهذه نتيجة ناجحة بكل المقاييس للاستعمار في صناعة النخب التي تقود العقول، وتصنع الثقافة... وما أشبه الليلة بالبارحة!.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 2

1077

الثلاثاء 24-مارس-1970

نشر في العدد 2112

48

الأحد 01-أكتوبر-2017

نشر في العدد 61

43

الثلاثاء 25-مايو-1971