; الإسلامُ وَتَربيَّة الطفل (العدد: 437) | مجلة المجتمع

العنوان الإسلامُ وَتَربيَّة الطفل (العدد: 437)

الكاتب علي القاضي

تاريخ النشر الثلاثاء 20-مارس-1979

مشاهدات 12

نشر في العدد 437

نشر في الصفحة 30

الثلاثاء 20-مارس-1979

نلاحظ في هذه الأعوام اهتماماً واضحاً بالطفولة في جميع بلاد العالم، وقد تكونت جماعات خاصة للاهتمام بشئون الطفل في كثير من الدول، كما أن الجمعية العمومية للأمم المتحدة قد وافقت على اعتبار عام (١٩٧٩م) سنة عالمية للطفل، وفي هذا تأكيد لإيمان البشرية كلها -حديثاً- بضرورة الاهتمام بالطفولة، والحرص على خلق فرص أكثر عدداً، وأكبر اتساعاً لها، وحتى تبدأ مختلف بلاد العالم فـي النهوض بمسئولياتها نحو الطفولة وإعداد المشروعات التي تضمن لهذه الأعداد الهائلة من الأطفال أبسط الحقوق الإنسانية.

     ومن دلائل اهتمام العالم بالطفولة في العصر الحديث قرار هيئة الأمم المتحدة إنشاء اليونيسيف «هيئة رعاية الطفولة والأمومة» عام (١٩٥١م)، وقد قامت الهيئة بعمل دراسات عن الأطفال المعوقين، وأثر الإعاقة وأنواعها، وأحسن الطرق للمعالجة أو التخفيف من آثار الإعاقة وأضرارها، وإشعار المعوق بأهميته في المجتمع الذي يعيش فيه عن طريق إجراء تدريبات له، تجعله عضواً نافعاً في المجتمع، كما قامت بعمل تقويم للكتب الخاصة بالأطفال التي صدرت وما يناسب كل طفل منها، وعلى أساس هذا التقويم سوف تصدر الكتب التي يرى الباحثون أن مكتبة الأطفال في حاجة إليها، كما قامت -أيضاً- بإعداد دراسة استطلاعية عن معهد دراسات الطفولة قبل إنشائه مع مراعاة حاجات البيئة المحلية وظروفها الموضوعية.

     وقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دور انعقادها العادي الرابع عشر بتاريخ ٢٥ من نوفمبر عام (١٩٥٩م) القرار رقم (۱۲۸٦) بشأن إعلان حقوق الطفل، وقد تضمن عشرة بنود، نصت المادة الأولى منه على أن يتمتع كل طفل -دون استثناء- بجميع الحقوق المقررة في هذا الإعلان دون تمييز أو تفرقة بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو المعتقد السياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الملكية، أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب القائمة لديه ولدى أسرته، ونصت مادة أخرى على أن يتمتع بالتعليم المجاني والإلزامي على الأقل في مراحله الأولى، وحمايته من جميع صور الإهمال والاستغلال، وحظر استرقاقه، والإتجار به بأية صورة من جميع الأساليب التي تعمل على التمييز العنصري، أو الديني.

     وتهتم الأمم المتحدة بأنواع خاصة من الأطفال هم الذين في حاجة أكثر إلى هذه الرعاية، وإيجاد ظروف بيئية مناسبة لهم، ومن هؤلاء الأطفال الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم، وأطفال المناطق الريفية الفقيرة، والمعوقون، والذين يعانون من الجوع أو من سوء التغذية، وأبناء عمال التراحيل، والأطفال الذين يعملون في سن مبكرة.

    وعلماء النفس بدورهم يهتمون بالأطفال وتربيتهم، وفي مجال القراءة مثلاً أجريت دراسات تبين منها أن الأطفال يميلون حتى سن السابعة إلى قراءة القصص الممثلة في شكل كتب مصورة، ومن هذه الكتب ينتقلون إلى القصص المصورة التي تدور حول الجنيات، والساحرات، والعمالقة، والأقزام، وعلى السنة الطير والحيوان، وهي القصص التي يكون فيها إنماء للوجدان والتفكير والتأملات، وحتى الثامنة يميل الأطفال إلى القصص الفكاهي الواقعي المستمد من الحياة، وبخاصة حياة الأطفال وتجاربهم، وإلى عجائب الحيوانات وعاداتها، ثم معلومات عن البيئة التي يعيشون فيها، وحتى التاسعة يميلون إلى أدب أكثر واقعية، مثل: القصص التي تدور حول الرياضة، والكشافة، والمغامرات، والرحلات، ومن الثانية عشرة تبدأ الغريزة الجنسية في الظهور؛ فيميل الأولاد إلى حب المشاهير من الرجال، وإلى الاختراعات والأشياء الميكانيكية، مثل: الطائرات، والسيارات، بينما تميل الفتيات إلى قصص الحياة المنزلية، والحيوانات، والطيور الأكثر واقعية، وإلى الشعر، والقصص العاطفية، وسير شهيرات النساء، وبخاصة في مراحل طفولتهن.

     كما أظهرت دراسات علماء النفس حاجات الطفل إلى العطف، والحب، والنجاح، والانتماء، واكتساب رضا الآخرين وتتبعوا السن التي تبدأ فيها مظاهر النمو الحسي، وإدراك الطفل للعالم الخارجي، والمدركات الكلية، والنشاط الحركي، واللغة، والعلاقات الكمية، والصحة النفسية للطفل، والتوافق الاجتماعي، وما إلى ذلك.

لماذا هذا الاهتمام بالطفولة؟ 

     ولكن لماذا كل هذا الاهتمام بالطفولة حتى أن الأمم المتحدة جعلت عام (١٩٧٩م) عاماً للطفل في جميع بلاد العالم؟

      يبدو أن السبب في ذلك ما لاحظه الجميع من المشكلات المتعددة التي يقع فيها الأطفال؛ فيصابون بالأمراض الجسمية، وبالأمراض النفسية، وما إلى ذلك، وبدلاً من أن يكونوا عناصر بناء، إذا هم عناصر هدم في معول البشرية، وقد أثبتت التجارب التي قام بها الجنس البشري أن الأسرة أفضل نظام لتربية الأطفال وتزويدهم بالعوامل النفسية، والثقافية اللازمة لنموهم، وتقدمهم، وحمايتهم، فرعاية الطفل والعناية به أول ما يجب على الوالدين؛ يحسنان تغذيته، وتربيته، وهما مسئولان عن ذلك مسئولية كاملة لا تقتصر على فترة من الفترات، فالطفل قليل التجارب؛ ولذلك يسهل التأثير عليه لقلة خبراته، ولسهولة استهوائه، ولذلك يجب أن يحاط بكل عناية حتى لا تتأثر نفسه بعادات وآراء غير صالحة، وغير مناسبة للأغراض التربوية التي يهدف المجتمع لتحقيقها.

     والوالدان عليهما أن يهتما بتكوين العادات السليمة، وبصحة الطفل الجسمية، وحمايته من الأمراض المختلفة، وعلاجه منها إذا أصيب بنوع خاص، وعليهما أن يعنيا بالناحية العقلية، وبالناحية الوجدانية؛ فيهذبان انفعالاته، ويكونان العادات الوجدانية الصالحة، ويعودانه السيطرة على انفعالاته كالثورة لسبب تافه مما يسبب المتاعب الدائمة له، ولمن يتعامل معه.

     والأم -في جميع بلاد العالم- إما أن تكون عاملة، وإما أن تكون غير عاملة، فإذا ما خرجت المرأة إلى العمل -طبقاً لمفاهيم سادت فترة طويلة في المجتمع الغربي من أن المرأة مساوية للرجل- فإن هذا يسبب خلخلة في المجتمع عن طريق خلخلة الأسر، إلى جانب ألوان من المتاعب الجسمية، والنفسية، والعاطفية، التي يلقاها الأطفال لفقدانهم الرضاعة الطبيعية من الأم والرعاية والحنان، وما إلى ذلك من حاجات الطفولة، وما أكثر البحوث التي أجريت في هذا الميدان، وما أكثر النتائج التي أعلنت، ولعل من أبرز التقديرات التي أعلنت، وتصور خطورة هذه النواحي على الأطفال التقرير الذي قدمه علماء النفس للحكومة البريطانية، وجاء في نهايته «بعدما عرضنا لكم أن تختاروا بين عمل المرأة خارج المنزل، وبين الصحة النفسية للأطفال، وهذه المشكلة ليس في يد علماء النفس حلها، بل حلها في يد رجال السياسة» وقد خطب الرئيس الأمريكي جون جون كنيدي عام (١٩٦٢م) فقال: «إن من بين كل سبعة أشخاص يتقدمون للجندية يسقط ستة».

     ولذلك فقد أدركت منظمة الصحة العالمية الخطورة التي عليها أطفال العصر الحاضر في الدول التي تعمل فيها المرأة؛ فأوصت بتفريغ الأمهات ثلاث سنوات لكل طفل جديد، وقالت على الدولة أن تتحمل نفقة الأم في تلك الفترة إذا لم يكن لديها عائل، أو إذا كان دخل الأسرة لا يفي بحاجتها، ويضطر الأم للخروج إلى العمل.

      وإذا لم تكن الأم عاملة فهي عادة تعيش في بيئة فقيرة، فلا تجد الأم ولا طفلها الغذاء الكافي، ولا الملبس الملائم، ولا تعرف الأم كيف ترعى ابنها الرعاية المطلوبة من الناحية الصحية الجسمية، أو النفسية، أو الاجتماعية، فينشأ الطفل ضعيف الجسم، ضعيف الخبرة، ضعيف التكوين في نواحيه المختلفة؛ ومن هنا كان الاهتمام الملحوظ من هيئة الأمم المتحدة، ومن الجماعات المختصة برعاية الطفولة والأمومة، وتأتي هذه العناية بعد أربعة عشر قرناً من مجيء الإسلام، وإعطائه للطفل كافة الحقوق التي يحتاج إليها.

مشكلات الطفل المعاصر في البلاد الإسلامية:

      إن عدد المسلمين في العصر الحديث يقارب المليار، يعيش أكثرهم في أفريقيا، وآسيا، وعدد الأطفال يكاد يكون أكبر معدل في العالم عند المسلمين.

       وإذا علمنا أن الدول الإسلامية كلها من الدول النامية، وأكثرها من الذين يعيشون في حالة اقتصادية دون المعدل المطلوب، وإلى جانب ذلك فإن الأمية منتشرة بصورة مخيفة في البلاد الإسلامية، إذا علمنا ذلك أدركنا المشكلات المتنوعة التي تحيط بالطفل المسلم في العصر الحديث سواء أكان ذلك من الناحية الغذائية، أم من ناحية الصحة الجسمية، أو النفسية، أو العاطفية، أو الاجتماعية؛ الأمر الذي استدعى عقد مؤتمر لدراسة أحوال الطفل المسلم لتشخيص حالات الطفل المسلم، ورسم الطرق العلاجية له.

     وقد عقد أول مؤتمر للأمومة في الإسلام عام (۱۹۷۸م)، وقدم فيه ستة عشر بحثاً لأساتذة الطب في جامعات العالم، وكان في مقدمة الموضوعات مشاكل الأمومة في الدول الإسلامية، ووفيات الأطفال وأمراضهم، وتغذية الأمهات والأطفال، والعوامل الاجتماعية والاقتصادية التي أدت إلى هذا، كما تناولت دور الأم في التنمية الخلقية ومساعدة المدرسة للأم في الاستعداد لمسئوليات الأمومة والرضاعة، والفحص الطبي لمعرفة تشوهات الجنين ودور القابلات والمساعدات، وصحة الأم، ومخاطر الحمل في العالم الإسلامي، وأخيراً مشكلات الإرضاع، وبخاصة في المناطق الريفية.

     وقد تكلم في هذا المؤتمر الدكتور نفيسي الأستاذ بكلية طب أصفهان فقال: إن من أهم القواعد التي تحكم صحة الطفل في الطب الإسلامي هو أن تتحاشى الأم الحامل نزيف الدم، والمهدئات، والمقيئات، والانفعالات الحادة حزناً، أو فرحاً، والأصوات العالية، والروائح النفاذة، والمناظر المخيفة، والأشخاص الذين يثيرون الكراهية والاشمئزاز، والإفراط في الطعام وبخاصة ما يحتوي على التوابل، والإسراف في النشاط الجنسي، وبخاصة في الشهور الثلاثة الأولى من الحمل، وتكرار الحمل الشاق كحمل الأشياء الثقيلة، وحمل الأطفال على البطن والظهر والكتف خلال فترة الحمل، وبخاصة بعد الشهر السابع والفترة الخطرة تبدأ من أول الحمل، وحتى الأسبوع الثامن.

 وقال الدكتور نصرت فيزيك: 

     الأستاذ بجامعة سيتب بأنقرة في بحث له عن الأسباب الرئيسية لوفاة الأمهات أثناء الولادة: إن لذلك عوامل اجتماعية واقتصادية، وقال: إن مستوى صحة الأم يقاس بعدد وفيات الأطفال، كما يقاس بصحة الأطفال حديثي الولادة ونسبة وفياتهم، ومعدل الأطفال المشوهين، وطول فترة الرعاية بعد الوضع، ومقدار المساعدة التي يقدمها المتصلون بالطب في فترة الولادة- كلها مؤشرات على صحة الأم، كما أن سوء التغذية نتيجـة نقص سعرات البروتين «وهو مادة البناء في الجسم» أثناء الحمل والرضاعة يعرض صحة الأم للخطر أكثر مما يعرض الطفل،  ثم قال: إن الحمل الناجح يحتاج إلى أم صغيرة السن، جيدة الصحة.

      والدكتور عبد الرحيم عمران الأستاذ بجامعة تورت كارولينا بالولايات المتحدة، وخبير الهيئة العلمية من الحمل للسكان، عرض للأخطار الصحية المتزايدة التي تصاحب أنواعاً محددة من الحمل، وتمت الدراسة على الأمهات اللاتي تم الوضع بالنسبة لهن في (١٢) مركزاً للأمومة في دول إسلامية بالمقارنة لدول غير إسلامية من آسيا، وأفريقيا، وأوروبا، وقد تبين أن الحوامل في الدول الإسلامية يتعرضن لمخاطر أعلى؛ نتيجة الإصابة بالأنيميا. 

     كما تعرضن لمضاعفات قبل الوضع «وبخاصة تسمم الحمل، وضغط الدم، والنزيف الدموي، وأحياناً مرض السكر» وفي أثناء الوضع تتعرض الأمهات المسلمات بنسب أكبر لمضاعفات الولادة؛ مما يتطلب تدخلاً جراحياً، أو عملية نقل دم، وما زالت نسبة وفيات الأطفال والأمهات المسلمات مرتفعة، وتصل إلى (٤) في الألف في القاهرة، وإلى (6,5) في الألف في جاكرتا، وإلى (7,5) في الآلف في الخرطوم، وحين قارن ذلك بالسويد وإيطاليا وجد أنه لم تحدث حالة وفاة واحدة بين خمسة الأف حالة وضع.

      وقد لاحظ أن الأطفال المسلمين يتعرضون أكثر من غيرهم لنقص الوزن والولادة قبل الشهور التسعة «وزن الوليد أقل من 2,5 ك»، وزادت نسبة الوفيات قبل، وأثناء، وبعد الولادة عن مائة وفاة في كل ألف، ووصلت إلى (٤٠٠) في كل ألف في داكا، وهذا يعني أن بين كل عشرة مواليد يموت أربعة قبل مغادرة الأمهات المركز، في حين أن وليداً واحداً يموت في السويد.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

رغيف يهزم السهام!

نشر في العدد 2173

34

الثلاثاء 01-نوفمبر-2022

هي... هو...  ومن المسئول؟

نشر في العدد 74

24

الثلاثاء 24-أغسطس-1971

عودي إلى مملكتك

نشر في العدد 1350

17

الثلاثاء 18-مايو-1999