; الإلحاد في الأدب... نماذج من الرواية العربية | مجلة المجتمع

العنوان الإلحاد في الأدب... نماذج من الرواية العربية

الكاتب د. مصطفى جمعة

تاريخ النشر الأربعاء 01-نوفمبر-2017

مشاهدات 13

نشر في العدد 2113

نشر في الصفحة 18

الأربعاء 01-نوفمبر-2017

في الإسلام يتناغم الإيمان مع العلم ولا يتصارع مع قوى الطبيعة بل يسعى للاستفادة منها

رسالة «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ أن الأنبياء كانوا في أحسن تقدير عباقرة في الإصلاح الاجتماعي

«وليمة لأعشاب البحر» حملت عبارات تستهزئ بالقرآن وتنكر الذات الإلهية وقدرتها على التغيير

رواية «رحلة في عقل رجل» رحلة متخيلة إلى الجنة وتحمل سخريات متعددة من الأنبياء ومعجزاتهم

رواية «إلحاد» ناقشت قضية الإلحاد بشكل موضوعي حيث عرض مسببات الإلحاد وتاريخه منذ القدم

يختلف المنظور العلماني للإلحاد عن المنظور القديم للكفر أو إنكار وجود الله، فالملحدون في العصر الحديث يرون أن فكرة الله اخترعها الإنسان القديم من أجل مواجهة الخوف من قوى الطبيعة الهائلة؛ فالإنسان البدائي غير القادر على إدراك وفهم الظواهر الطبيعية التي كان يعاني من طغيانها، وأن كل ظهور مرعب لها هو نوع من القوى الشريرة الموجّهة ضدّه.

اخترع الدين لإشباع تلك المشاعر عبر التبشير بالجنات العلا لمن خاف الله، والتحذير من نار جهنم لمن عصاه؛ لذا يرى الملحدون في العصر الحديث أن العلم تكفل بمواجهة قوى الطبيعة التي يخشاها الإنسان، ويمكن للعلم الإجابة عن أي أسئلة، ليضعوا بذلك العلم في مواجهة مع الله سبحانه وتعالى(1)، والبعض منهم عدّ العلم امتداداً للدين أو بالأدق وريثاً له، وتبنت تلك الرؤية الفلسفاتُ المادية مثل الماركسية والأناركية (الفوضوية) التي هي من نواتج التراث العلماني الغربي في صراعه مع الكنيسة.

وهذا لم يحدث في العالم الإسلامي، فالإسلام دين يحض على العلم، ويدفع المرء للبحث في ملكوت الله، فيزداد إيماناً بعظمة الخالق سبحانه، فيتناغم الإيمان مع العلم، ولا يتصارع مع قوى الطبيعة، بل هو يسعى للاستفادة منها، والحفاظ عليها؛ لأن الله سخرها للبشر، فالعلم في المنظور الإسلامي كاشفٌ لإعجاز الله في كونه، ومعلوم أن المنهج التجريبي هو من ابتكار علماء المسلمين، على حد ما ذكرته المستشرقة الألمانية «نولدكة» في كتابها «شمس الإسلام تسطع على أوروبا».

ولكن – للأسف - تأثر الأدباء في الشرق الإسلامي بالفلسفات المادية، وصاغوها بأشكال مختلفة في إبداعاتهم التي وجدت احتفاءً من الغرب، وتلقياً وثناءً من المتغربين في الشرق. 

من «أولاد حارتنا» إلى «أعشاب البحر»:

نجد الإلحاد موضوعاً لعدد من الروايات العربية المعاصرة، منطلقة من التوجه العلماني، بحكم تبني مؤلفيها للفلسفات المادية خاصة الماركسية، على نحو ما نجد في رواية نجيب محفوظ «أولاد حارتنا» (القاهرة عام 1957م)، التي اتكأت على الرمزية في بنائها، من خلال شخصية الجبلاوي، الذي كان يعيش في جبل، بعيداً عن الحارة، ويرسل رجالاً تابعين له لأهل الحارة لنشر العدل والمساواة بين أهلها، ومن أسماء هؤلاء الرجال/ الرسل؛ نجد تقارباً مع شخصيات الأنبياء فـ»أدهم» هو آدم، و»جبل» هو موسى كليم الله، و»قاسم» هو محمد عليه الصلاة والسلام. 

فلا يمكن بأي حال تغييب الرمزية الدينية، وقد عرف أهل الحارة من خلال شخصية واحد منهم، وهو الثائر (الأحمر الماركسي) أن الجبلاوي قد مات وتعفن في مكمنه، وأن الوريث الوحيد لرجاله – ناشري العدل – هم العلماء والثوار، لتكون رسالة الرواية أن الأنبياء كانوا – في أحسن تقدير – عباقرة في الإصلاح الاجتماعي(2).

وهناك أيضاً الرواية المثيرة للجدل «وليمة لأعشاب البحر» (لبنان عام 1983م) للروائي السوري حيدر حيدر، الذي قسّم روايته إلى أربعة فصول حملت عناوين مقاربة لفصول السنة الأربعة، وجاء عدد صفحاتها 365 صفحة بعدد أيام السنة، وكأنه يقول لنا: إنها رواية سنة من سنوات الحياة. 

وتتناول أحداث الرواية لقاءً تمّ بين مناضلَيْن شيوعيين، وهما: مهدى جواد، ومهيار الباهلي، وقد أملا في الاستقرار عندما رحلا إلى الجزائر في سنوات الستينيات، ولكنهما شعرا أن الثورة الجزائرية تم اختطافها من قبل الانتهازيين، مثلما حدث في العراق. 

وتكمن المشكلة في الرواية في تلك الآراء الصريحة المهاجمة للإسلام، التي وردت بعبارات لا يمكن ذكرها، تستهزئ بالقرآن، ولا يدري قائلها الفرق بين الآية والحديث، وتحمل إنكاراً واضحاً للذات الإلهية، وقدرتها على التغيير، وقد ذكرها المؤلف بشكل مباشر على لسان شخصياته في الرواية، وكأنه يوجه خطاباً دعائياً للفكر الماركسي المهاجم للدين، والذي لا يدرك مفهوم الله سبحانه وتعالى وتوحيده في الإسلام، عن غيره من الأديان السماوية المحرفة والأساطير المتوارثة، والأديان الأرضية. 

علاء حامد.. وجنة اللذة:

وتأتي رواية «مسافة في عقل رجل» للروائي المصري علاء حامد (القاهرة عام 1988م) كنموذج واضح على إنكار كل ما هو غيبي بدءاً من الخالق سبحانه وتعالى، ثم الجنة والنار والملائكة والرسل والأنبياء. 

تبدأ الأحداث برحلة المؤلف المتخيلة إلى الجنة، حيث يكتشف أنها جنة اللذة الحسية، فيلتقي بآدم ساخراً منه ومن خطيئته، ويأخذ موسى فيضرب بها الجدول، وهو يقول «جلا جلا جلا» كالحواة، فلا الماء ينشق ولا العصا تلد حية ولا حتى سحلية، ويقابل نوح الذي جلس أمام حوض من الماء وقد صنع سفينة من الورق وراح يلعب بها في الماء، ويقر المؤلف بأسلوب أبعد عن فنية السرد الروائي، وأقرب للطابع المقالي الخطابي بأن الكفر بما هو غيبي هو المستقبل، فالإيمان بالعلم والعلم وحده. 

وأخيراً تأتي رواية «إلحاد» للروائي نور الدين علي سليمان (عام 2017م) لتناقش قضية الإلحاد بشكل موضوعي إلى حد كبير، حيث يعرض مسببات الإلحاد، وتاريخه منذ القدم، من خلال شخصية «عمار» الطالب بكلية الطب، والذي أصيب بأزمة نفسية، دفعته للشك في عدل الله سبحانه، بل والشك في وجوده – هو – كإنسان، ويشاء القدر أن يقابل عمار من يدفعه للبحث عن الحقيقة، منذ نشأة الكون، وتطوره وكيف انتهى إلى ما هو عليه. 

وعرض عبر فصول الرواية للفلسفات والنظريات التي رددها الملحدون على مر العصور، وبما بدؤوا وكيف انتهوا، كما ناقش نظرية التطور لداروين الذي رفض فكرة التطور العشوائي وأقر بأن هناك تطوراً موجهاً، كما أن علاقة «عمار» مع دكتور جامعي تعرض لعدة هزات نفسية، أدت به إلى إنكار وجود الله، وأن هذا الكون لا يحتاج إلى إله وكيف قادته الأحداث إلى الإيمان بالله وعظمته وقدرته.

يمكن القول: إن تناول الإلحاد في الأعمال الأدبية جاء من خلال كتّاب متأثرين أو مشبعين بالفكر الماركسي المنكر للأديان عامة، ومن خلال قراءتهم للتراث العلماني الغربي المضاد للدين، الذي يضع العلم معادياً للدين، وفي الوقت نفسه، فإننا نجد حالة من الجهل الشديد بالإسلام؛ عقيدة وشريعة، وكيف أن به من المبادئ والتوجيهات ما يكفي لنشر السعادة والمساواة والعدالة، شريطة أن يوجد من يحملها. 

أيضاً؛ فإن هؤلاء المؤلفين بوضعهم العلم مقابل الدين، يجهلون ما توصلت إليه منجزات العلم في عصرنا، التي أثبتت أن الكون له بداية ونهاية أي أنه مخلوق، إذن فهناك خالق، وبالتالي ليس أزلياً أبدياً؛ مما يسقط المادية الجدلية التي تفترض ثبات المادة والكون، كما أن هناك آلاف البحوث العلمية التي أثبتت علمياً أن الكون به قوة هائلة خلقته وتحرّكه وتقوم على تنظيم شؤونه، بتنظيم مذهل ومعجز، ناهيك عما توصل إليه باحثو الإعجاز العلمي في القرآن؛ فلكياً، جغرافياً، تاريخياً، طبياً.. إلخ.

الهامشان

(1) فلسفة الإلحاد، إيما غولدمان، ترجمة: إبراهيم جركس، الحوار المتمدن - العدد: 2958، 28/3/2010.

(2) الإسلامية والروحية في أدب نجيب محفوظ، د. محمد حسن عبدالله، دار قباء للنشر، القاهرة، 2001، ص 244.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل