; الإمام البنا وحركات التحرر المغاربية | مجلة المجتمع

العنوان الإمام البنا وحركات التحرر المغاربية

الكاتب مولود عويمر

تاريخ النشر السبت 23-فبراير-2002

مشاهدات 10

نشر في العدد 1490

نشر في الصفحة 42

السبت 23-فبراير-2002

  • اهتمت صحافة الإخوان بقضايا المغرب العربي وأسهمت في فضح الممارسات الاستعمارية الفرنسية أمام الرأي العام الإسلامي

  • لم يكف البنا عن انتقاد السياسات القمعية الاستعمارية ومناشدة المسلمين لنصرة إخوانهم في الشمال الإفريقي

  • دأب البنا على توثيق الصلة مع قيادة الحركات الاستقلالية المغاربية الذين قصدوا مصر المواصلة كفاحهم ضد الاستعمار

  • دعاهم إلى توحيد صفوفهم المخاطبة الاستعمار بصوت واحد..

  • كان البنا يؤمن بأن كل قطعة أرض ارتفعت فيها راية الإسلام هي وطن لكل مسلم ويجب أن يجاهد في سبيله. وكان يعتقد بأن النهضة لا يمكن أن تتحقق في ظل السيطرة الاستعمارية على الشعوب الإسلامية

  • أشاد الشيخ أحمد سحنون بدور البنا في محاربة الاستعمار وتأسف أنه لميعش طويلاً ليحقق مشروعه الإصلاحي التربوي.

  • وأبدى مالك بن نبي إعجابه بشخصيته الفذة التي تختلف كثيراً عمن عرفهم من المفكرين والعملاء

كتب كثير من الباحثين والكتاب عن حياة الإمام حسن البنا ودرسوا مشروعه التغييري وتابعوا نشاطه الدعوي في مصر وأصداءه في الشام واليمن وفلسطين ولكنهم أهملوا مواقفة من الأحداث الكبرى التي عاشتها بلاد المغرب العربي ومساندته لحركات التحرر المغاربية وهي تستحق أن يفرد لها المؤرخون دراسات وكتب مستقلة.

في عام ١٩٤٨م وبمناسبة الذكرى العشرين لتأسيس حركة الإخوان المسلمين ذكر البنا أن لهذه الحركة أصدقاء وأنصاراً في بلاد المغرب، لكن دون أن يذكر أسماءهم فمن هؤلاء؟ وكيف تعرف عليهم ؟

 حين سدت فرنسا كل طرق النضال السياسي في وجوه ذلك تتمتع في الزعماء المغاربيين وجدوا في مصر- التي كانت الوقت بقسط كبير من الحرية وتحتضن مقر جامعة الدول العربية- مجالاً لمواصلة نشاطهم السياسي، وقد لقي كفاحهم صدى الفتاة حسناً لدى الأحزاب والجمعيات المصرية كحزب مصر وجمعية الشبان المسلمين وحركة الإخوان المسلمين والشخصيات الفكرية والإسلامية كالشيخ محمد دراز ومحب الدين الخطيب وعبد الرحمن عزام، وغيرهم.

دأب الإمام البنا على توثيق الصلة مع قادة الحركات الاستقلالية المغاربية الذين قصدوا مصر لمواصلة كفاحهم ضد الاستعمار وكان من أشهرهم الأمير عبد الكريم الخطابي وعلال الفاسي من المغرب ومحيي الدين القليبي والرشيد إدريس من تونس والشيخ إبراهيم أطفيش والشاذلي مكي والفضيل الورتلاني من الجزائر، ولازم هذا الأخير الشيخ البنا منذ وصوله إلى القاهرة عام ۱۹۳۹م وانضم إلى حركة الإخوان وأصبح من أنشط أعضاء قسم الاتصال الذي وكل إليه مهمة متابعة نشاط الحركات الإصلاحية والوطنية العاملة على ساحة العالم الإسلامي، وكان للورتلاني دور كبير في التعريف بالقضية الجزائرية في وسط حركة الإخوان وإقناع قادتها ببذل مزيد من الاهتمام بالحركات الوطنية المغاربية التي تواجه استعماراً استيطانياً يسعى لسلخ المغرب العربي عن العالم الإسلامي، كما سلخت الأندلس من قبل ونجح الورتلاني في إقناع البنا بتكليف الشاب- في ذلك الوقت- توفيق الشاوي بالسفر إلى فرنسا للدعاية للقضية الفلسطينية والكفاح المغاربي واستغلال الوسائل المتاحة فيها للتأثير على الجالية العربية في أوروبا والرأي العام الغربي([1]). 

في مايو ١٩٤٧م، لجأ الأمير عبد الكريم الخطابي- قائد ثورة الريف- إلى مصر هرباً من السجن الفرنسي، ووجد في القاهرة استقبالاً كبيراً من حكامها وعلمائها فرحب به الشيخ البنا وتبادل معه أحاديث خرج منها بقناعة أن الأمير الخطابي لم يكن قائداً عسكريا قاوم الجيوش الإسبانية والفرنسية بشجاعة خلال خمس سنوات فحسب، وإنما أيضا عارف "بعلوم الحديث والفقه والدين". وقد أوصى البنا والده بزيارة الزعيم المغربي وإهدائه كتابه "الفتح الرباني"([2]).

 تعرف الإمام البنا أيضاً على شخصيات مغاربية مرموقة- لم تسمح لها الظروف بزيارة مصر- عن طريق تلاميذهم اللاجئين في مصر ومن خلال المراسلة، وتذكر منهم الإمام عبد الحميد بن باديس، و الشيخ محمد البشير الإبراهيمي والشيخ عبد الرحمن الثعالبي.

صوت المغرب العربي في صحافة الإخوان

 أصدر البنا عدة صحف ومجلات ما بين ١٩٢٨ و ١٩٤٨م. نذكر منها: النذير الشهاب الإخوان المسلمون، عبر من خلالها عن مشروعه الإصلاحي ومواقفه من الأحداث الكبرى التي تمس حاضر المسلمين ومستقبلهم. وقد وصلت هذه الصحف إلى الجزائر والمغرب وتونس خاصة عن طريق الطلبة المغاربة الذين كانوا يدرسون في مصر والشام، وكذلك عن طريق الحجاج العائدين من الحجاز مروراً بمصر. كما نقل هؤلاء أيضاً الصحف المغاربية في حقائبهم إلى المشرق وقد اهتمت الصحف الإخوانية بقضايا المغرب العربي وفتحت صفحاتها للزعماء المغاربيين للدفاع عن مطالبهم الوطنية وساندتهم في تنظيم حملات الدعاية ضد الممارسات الاستعمارية لفرنسا في شمال إفريقيا وفضح سياستها أمام الرأي العام الإسلامي.

وقد أصدرت مجلة النذير الأسبوعية عدداً خاصاً عن الكفاح الوطني في المغرب الأقصى وعارضت نفي الحكومة الفرنسية للزعماء السياسيين المغاربة وعلى رأسهم علال الفاسي في يوليو ١٩٤٥م كما خصصت مجلة "الإخوان المسلمون" ملفاً كاملاً لكفاح بلاد المغرب، ونشرت "لشهاب"، مقالاً لمحيي الدين القليبي بعنوان "فتح جديد في أفق التجدي"، دعا فيه إلى محاربة الاستعمار والقضاء على عوامل الهزيمة النفسية([3])، وكتب فيها الطالب الجزائري أبو مدين الشافعي عن مجلة الشهاب التي كان يصدرها الإمام عبد الحميد بن باديس في الجزائر وقدمه المحرر بهذه العبارة "تقدمه أداء للقراء لحق الذكرى ووفاء للذين سبقوا بإحسان"([4]).

وقد كتب الرشيد إدريس مقالة في جريدة "الإخوان المسلمون"، دعا فيها جامعة الدول العربية إلى مساندة الوطنيين المغاربيين، وضم الدول المغاربية المستعمرة إلى صفوفها، وعدم الرضوخ للضغوط الفرنسية، مؤكداً ضرورة أن يضع العرب الدول الاستعمارية أمام الأمر الواقع، فلا يتعاملوا معها بسياسة التنازلات ولا ينتظروا منها التخلي عن مستعمراتها بدون ضغوط وقد تزامنت هذه الدعوة مع تحضير الأمين العام لجامعة الدول العربية عبد الرحمن عزام للسفر إلى فرنسا، وقد سافر بالفعل وتحدث بشجاعة في باريس عن المغرب العربي وأثار حديثه ردود فعل قوية في الوسط السياسي الفرنسي وفي ١٤ أكتوبر ١٩٤٧م، صرح عزام في حديث صحفي بأن على الحكومة الفرنسية حل القضايا المغاربية في العشر سنوات القادمة، وقال إن السياسة الاستعمارية التي تمارسها في شمال إفريقيا هي أسوأ سياسة في العالم. وفي فبراير ١٩٤٤م، أسس الفضيل الورتلاني والشيخ محمد الخضر حسين وإبراهيم أطفيش وأحمد بن المليح جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية، وأصدرت مجلة "النذير" عدداً خاصاً للتعريف بالجبهة وأعضائها وشرح مقاصدها وقامت- ومعها جريدة الإخوان المسلمون بمتابعة نشاطها والدعاية لها من خلال كتابات قادتها وأنصارها ونشر بياناتها. وجاء في المنشور الأول الذي نشرته النذير أن الجبهة تسعى "بالطرق المشروعة لتحقيق حرية واستقلال شعوب شمال إفريقيا([5]) وضمها إلى جامعة الدول العربية".

 وكتب الورتلاني مقالات عدة في مختلف القضايا التي تمس المغرب العربي، وهاجم الحكومة الفرنسية ودافع عن القضية الفلسطينية ونادى بالإصلاحات في اليمن.

البنا في الصحافة الجزائرية

حصرت دراستي لصورة حسن البنا في مخيلة المغاربيين في حدود الجرائد العربية الصادرة في الجزائر في الثلاثينيات والأربعينيات؛ لأنني لم أتمكن من مطالعة الصحف المغربية والتونسية الصادرة في نفس الحقبة وسنحاول أن نتدارك هذا النقص في مقالات قادمة إن شاء الله. وقد أقدمت صحف جزائرية على نقل مقالات حسن البنا لقرائها، فنشرت جريدة "المنار" التي أسسها محمود بوزوزو- أحد رواد الكشافة الإسلامية الجزائرية- مقالاً للإمام البنا بعنوان "سؤال وجواب" المنشور في العدد الثاني والثلاثين من جريدة "الإخوان المسلمون"، ونشرت جريدة الإصلاح التي كان يصدرها العالم الجزائري الشيخ الطيب العقبي المقدمة التي كتبها حسن البنا للتقرير الذي وضعه الفضيل الورتلاني عن الأوضاع الداخلية لليمن، وهو مأخوذ أيضا من جريدة "الإخوان المسلمون"، وقامت شبيبة جمعية العلماء الجزائريين بترجمة مقال للشهيد سيد قطب بعنوان "عبقرية حسن البناء" نقلاً عن مجلة "الدعوة" ونشرتها في جريدتها الناطقة بالفرنسية "الشاب المسلم"([6])، ونشرت في الصفحة الأولى مقالة عن حسن البنا بقلم مالك بن نبي، وأتحف المقال بصورة كبيرة للبناء عبر فيها مالك بن نبي، عن إعجابه بهذه الشخصية الفذة التي تختلف كثيراً عما عرفه من المفكرين والعلماء المسلمين منهجاً وتأثيراً في الساحة الإسلامية، وكان يرى لحركته مستقبلاً زاهراً؛ لأنها كانت شاملة، فاهتمت بجميع ميادين الحياة فلم تكن دينية بحتة بل شمل نشاطها الخدمات الاجتماعية والنشاطات الثقافية والاستثمارات الاقتصادية([7]). 

 ولكن.. كيف يمكن أن نفسر سكوت مالك بن نبي عن اضطهاد الحكومة المصرية لهذه الجماعة فيما بعد؟ لقد وصل بن نبي إلى مصر في فترة حرجة تم فيها حل الجماعة واعتقال كثير من قادتها وأنصارها، وكان صعباً على شخص يطلب اللجوء السياسي في مصر أن يقف إلى جانب حركة تناصبها السلطة العداء ويدافع عنها في ظل نظام مستبد وزاد من ذلك أن بن نبي اتصل ببعض من انشقوا على الجماعة وبرجال النظام المصري، مما جعله يغير أراءه في الحركة ويحكم عليها بالابتعاد عن وظيفتها في التربية والتكوين، فيكون حكم بن نبي هنا مماثلاً للحكم الذي أصدره على جمعية العلماء المسلمين الجزائريين حينما شاركت في المؤتمر الجزائري في عام ١٩٣٦م.

وقد كتب الشيخ أحمد سحنون- أحد أبرز أعضاء جمعية العلماء الجزائريين - مقالاً في جريدة "البصائر"، عن الإمام البنا أشاد فيه بدوره الكبير في العمل الإسلامي ومحاربة الاستعمار، وتأسف أنه لم يعش طويلاً ليحقق مشروعه الإصلاحي والتربوي، ويساهم في تحرير بلاد المسلمين من احتلال الاستعمار واستبداد أعوانه([8]).

مساندة الحركات الوطنية

كان البنا يؤمن بأن "كل قطعة أرض ارتفعت فيها راية الإسلام هي وطن لكل مسلم يحتفظ به ويعمل له ويجاهد في سبيله"([9]). ويعتبر احتلال الأوروبيين للعالم الإسلامي بمثابة "الإبادة البطنية والفساد العميق التام" ويفسر الباحث الأمريكي ريتشارد ميتشل مقاومة الإخوان للقوى الاستعمارية لكونهم يشكلون حركة عالمية تهتم بأمر المسلمين حيثما وجدوا: إن الإخوان باعتبارهم حركة عالمية أولوه الكثير من الاهتمام باعتباره (الاستعمار) ظاهرة تمس البلدان الإسلامية، كما أنهم يعلنون دائماً هجومهم الملتهب على القوى الاستعمارية التي تتسم بلا أخلاقية سياسية عالمية"([10]). 

وهناك أسباب أخرى تتعلق بفلسفة البنا في التغيير فهو لا يتصور إمكانية تحقيق النهضة في ظل السيطرة الاستعمارية على الشعوب الإسلامية، إذ إن هذه السيطرة تقوم على استنزاف موارد البلاد وخبراتها"، ولن يسمح الاستعمار بأي محاولة للنهوض في العالم الإسلامي وفي اعتقاد البنا أن الاستقلال والتحرر من الاستعمار بكافة أشكاله هدف أساسي لابد من إنجازه باستخدام أساليب القوة وأهمها في هذا المجال - من وجهة نظره - الجهاد المسلح والوحدة"([11])، ولكن بقيت هذه الدعوة بلا مجيب ولم يستفد المسلمون والمغاربيون على وجه الخصوص من ضعف فرنسا المحتلة من طرف الألمان لتحرير أراضيهم من السيطرة الاستعمارية في عام ١٩٤٢م، دعا البنا على صفحات مجلة "النذير" إلى اغتنام فرصة الحرب العالمية الثانية القائمة بين الدول الاستعمارية ونادي بإيجاد "قيادة إسلامية"، تستفيد من هذه الظروف العالمية التي نادراً ما تتحقق فتتوحد كل الجبهات الإسلامية في وجه فلول الاستعمار"([12]). 

في ١٢ يوليو ١٩٤٥م، كتب البنا مقالاً في مجلة "الإخوان المسلمون"، بعنوان "المغرب المجاهد منتصر بإذن الله"، شجع فيه المغاربة على الجهاد وبشرهم بالنصر القريب. وكتب مقالاً آخر في ٢٥ يوليو ١٩٤٥م ضد السياسة القمعية التي تمارسها الحكومة الفرنسية تجاه المسلمين في المغرب العربي خاصة الجزائر التي تعرض فيها النشطاء السياسيون لحملة اعتقالات وقتل آلاف من الجزائريين الأبرياء الذين خرجوا في ٨ مايو ١٩٤٥م في مظاهرة سلمية يطالبون فرنسا بالوفاء بعهودها التي تتمثل في المقام الأول في منحهم الحرية والاستقلال جزاء لمساعدتهم لها على تحرير أراضيها من احتلال النازيين. وقد تطرق الشيخ البنا لمعاناة الفرنسيين تحت حكم الألمان وكفاحهم من أجل تحرير بلادهم بقيادة الجنرال ديجول؛ إلا أن هذا الأخير بمجرد أن أصبح رئيساً للحكومة الفرنسية نسي ما قدمه من تضحيات "الجنود المغاربة البواسل في صفوف جيوش فرنسا المحاربة في إيطاليا وفي حملة فرنسا نفسها، وفي كل مكان".

 وتعامل معهم بمنطق القوة والاستعلاء والغلبة ودعا البنا المسلمين كافة إلى مساندة نضال المغاربيين قبل أن تتحول هذه البلاد الإسلامية إلى أندلس ثانية: "أيها الإخوان المسلمون أيها العرب في أفاق الأرض، أيها المسلمون جميعاً، اعلموا أن لكم ثلاثين مليوناً من إخوانكم المنتشرين في خير بقاع إفريقية، على شاطئ بحر العرب، من حدود مصر إلى الدار البيضاء على الأطلس يستصرخونكم ويهيبون بكم، وينادونكم، أن اغضبوا قبل أن لا ينفع الغضب"!([13]).

وواصل قادة الأحزاب والحركات التحررية المغاربية الموجودون في القاهرة نشاطهم السياسي، ودعاهم البنا إلى توحيد صفوفهم وجمع كلمتهم ومخاطبة الاستعمار بصوت واحد ومواجهته بموقف واحد وصارم "لنجاح القضية المغربية يجب أن توحد جهود أبنائها في مصر ويرسموا معاً خطة مشتركة للكفاح" وعلى الجامعة العربية أن تتبنى القضية تبيناً جاداً حقيقياً، وتتخذ كل الوسائل الممكنة لتحرير هذه الأوطان التي هي شطر العروبة الغربي والتي لا يمكن أن تكون وحدة العرب قائمة بدونها، وإنا نعتقد أنه لا بد من وصول أقطار شمال إفريقية إلى حريتها مهما وضعت في سبيلها العقبات فإن الأمم التي تريد الحياة لا يمكن أن تموت"([14]).

وقد حرص البنا على تحقيق هذا الهدف على أرض الواقع كلما سنحت له الفرصة. ويكفي أن نعطي هنا مثالاً يوضح هذا المعنى. كانت الحركة الطلابية المغربية في مصر منقسمة جمعيتين: جمعية الدفاع عن مراكش وجبهة الدفاع عن مراكش، فدعا البنا زعماء هذه الحركتين إلى الوحدة وترك التفرق الذي هو عنوان الضعف ومؤذن بالهزيمة، فتأسست في داره رابطة الدفاع عن مراكش([15]) التي تضم جميع أعضاء الجمعيتين، وكان من أنشطهم محمد بن عبود وعبد الكريم غلاب وعبد المجيد بن جلون وأحمد بن المليح وعبد الكريم بن ثابت.

 وأسس الزعماء المغاربيون مكتب المغرب العربي في ٢٢ فبراير ١٩٤٧م. وكان يهدف إلى تحرير الأقطار المغاربية من قبضة الاحتلال وضمها إلى جامعة الدول العربية وضم المكتب الأحزاب المغاربية الكبرى: حزب الشعب الجزائري والحزب الدستوري التونسي ورابطة الدفاع عن مراكش المغربية وحرص مسؤولو المكتب على الاتصال بالأحزاب والجمعيات والشخصيات لضمان مساندتهم ومساعدتهم على تحقيق أهدافهم الوطنية. فقد قام الرشيد إدريس وبن عزوز بزيارة المركز العام للإخوان للتعريف بالمكتب وشرح أهدافه في ٢٥ فبراير من العام نفسه، ولقيت مبادرتهما الترحاب والاستحسان عند الإخوان وزار الإمام البنا مع الإخوان المسؤولين عن قسم الاتصال مقر مكتب المغرب العربي لتهنئة المشرفين عليه وإبلاغهم باستعداد جماعة الإخوان لتقديم المساعدات لهم.

وحرص البنا على حضور النشاطات التي تنظمها الأحزاب المغاربية، وحين كان يتعذر عليه الحضور كان يرسل ممثلاً عنه كأحمد السكري وعبود فودة ومحمد حلمي نور الدين وقد صرح هذا الأخير الذي شارك في التظاهرة التي نظمها مكتب حزب الشعب الجزائري بالقاهرة بمناسبة ذكرى ٨ مايو ١٩٤٥م: "إن الإخوان يضعون أيديهم في أيدي الأقطار العربية، شرقية وغربية عاملين على تحريرها من الغاصبين"([16])، ونظم مكتب الإرشاد العام للإخوان حفلاً بمناسبة الإسراء والمعراج تكريماً للزعماء المسلمين الموجودين بمصر حضرها القائمون على مكتب المغرب العربي.

 في عام ١٩٤٨م، نظمت الحكومة الفرنسية انتخابات في الجزائر لتنصيب الجمعية الجزائرية (البرلمان) والتي كانت تتمتع بصلاحيات محدودة طبقاً لمشروع سبتمبر ١٩٤٧م الذي صوت عليه البرلمان الفرنسي إلا أن الحاكم العام الفرنسي بالجزائر إدموند مارسيل ناجلين خشي أن تتحول هذه الجمعية المنتخبة إلى برلمان مستقل ويحوله النواب الوطنيون إلى منبر حقيقي المحارية فرنسا ومطالبتها بالاستقلال، فقام بمجموعة من الاعتقالات في صفوف الأحزاب الوطنية ونظم عملية تزوير واسعة للانتخابات لصالح المرشحين الموالين لفرنسا. وقد نددت مجلة الشهاب بهذا التزوير واعتبرته امتداداً لأحداث ٥ مايو ١٩٤٥م التي قتل فيها ٥۰۰۰۰ جزائري حسب مجلة الشهاب([17]).

الخاتمة: لقد شكلت دعوة الإمام حسن البنا في مصر ومساندته للحركات الاستقلالية الإسلامية خطراً على أطماع القوى الاستعمارية في العالم الإسلامي، فتأمرت على قتله على أيدي أعوان الحكومة المصرية وتم لها ذلك في ۱۲ فبراير ١٩٤٩م، لكن دعوته استمرت وبلغ تأثيرها وصداها كل أرجاء العالم وأصبح له أتباع وأنصار في المغرب العربي وتبنت حركات إسلامية مغاربية أطروحاته الفكرية ومنهجه الإصلاحي.

الهوامش

(*) أستاذ التاريخ "المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية" باريس

[1]- د. توفيق الشاوي، مذكرات نصف قرن من العمل الإسلامي ١٩٤٥ ۱۹۹٥ ، القاهرة، دار الشروق، ۱۹۹۸، ص ٢٥ .

[2]- د. جابر قميحة قراءة جديدة في رسائل الإمام حسن البناء المجتمع، العدد ١٢٤٧ ٢٩ أبريل ١٩٩٧.

[3]- الشهاب، ج ٣ يناير ١٩٤٨ ص ٨٢-٨٤

[4]- الشهاب ج ١٤.١ نوفمبر ١٩٤٧، ص ٥٠.

[5]- الإصلاح العدد ٦٢ ٢٣ سبتمبر ١٩٤٧.

[6]- n*27، 26 février 1954 Le Jeune Musulman

[7]- د مولود عويمر، مالك بن نبي مسيرة رجل الحضارة مجلة رؤى باريس، العدد ١٢ يونيو - يوليو ۲۰۰۱، ص ۲۸

[8]- البصائر العند ۲۲۲ ۲ مارس ۱۹۵۲

[9]- الإخوان المسلمون. مج ۳۳ العدد ۸۰۲۹ ذو القعدة ١٣٥٢ هـ.

[10]- ريتشارد ميتشل الإخوان المسلمون القاهرة، مكتبة مدبولي د ت منى أنيس وعبد السلام رضوان ص .۱۳۹

[11]- إبراهيم البيومي غانم الفكر السياسي للإمام حسن البناء القاهرة، دار التوزيع والنشر الإسلامية، ١٩٩٢ ص ٢٥١-٢٥

[12]- النذير، العدد ٣٠١٤ ربيع الثاني ١٣٥٨ هـ

[13]- الفضيل الورتلاني، الجزائر الثائرة الجزائر، دار الهدى ۱۹۹۲، ط ۲، ص ٤٥٨.   

[14]- الشهاب، ج ١٤.١ نوفمبر ١٩٤٧، ص ٩٤ .

[15]- عبد الله العمراني صور من ماضي الحماية دعوة الحق الرباط العدد ٢٧٥ يوليو ۱۹۸۹، ص ١٤٥ .

[16]- الرشيد إدريس ذكريات عن مكتب المغرب العربي في القاهرة تونس الدار العربية للكتاب، ۱۹۸۱، ص ۱۲۱.

[17]- الشهاب، ج ٥ مارس ١٩٤٨، ص ٧٦

الرابط المختصر :