العنوان الإمام البنا.. وقيم الإعلام الإسلامي المعاصر.. الرسالة الاتصالية ومحدداته
الكاتب أحمد محمد إبراهيم
تاريخ النشر السبت 09-مارس-2002
مشاهدات 26
نشر في العدد 1491
نشر في الصفحة 66
السبت 09-مارس-2002
إن نجاح أي عملية اتصال، شخصيًّا كان أو جماهيريًّا، ترتكز في أحد جوانبها على وضوح الرسالة التي يطرحها المرسل، ووضوح الهدف - الذي ترمي إليه - في ذهن مصدرها، ولقد كان الداعية الشهيد حسن البنا صاحب رسالة، يعرف ويدرك تمام الإدراك إلى أي شيء يدعو، وما الهدف من دعوته، وما غايته من وراء ما يجري من اتصالات شخصية وجماهيرية.
إن وضوح الرؤية جزء مهم من النجاح في الدعوة وتبليغ الرسالة وإيصالها إلى الناس، يقول الإمام البنا في إحدى رسائله: «إن غاية الإخوان تنحصر في تكوين جيل جديد من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح، يعمل على صبغ الأمة بالصبغة الإسلامية الكاملة في كل مظاهر حياتها» ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً﴾ (سورة البقرة: 138)
ويوضح الإمام أهدافه المرحلية في الوصول إلى هدفه الأكبر: «نحن نريد الفرد المسلم والبيت المسلم والشعب المسلم».
خصائص رسالته «دعوته».
من المهم لنجاح أي رسالة أن تتسق مضامينها مع القيم المقبولة إنسانيًّا، وعدم التصادم مع الأطر القيمية المرجعية، التي تؤمن بها الجماعة أو الجمهور الذي توجه إليه الرسالة، ولقد كان الإمام البنا مدركًا وواعيًا إلى من يتحدث ولمن يوجه رسالته، ومن هم الذين يدعوهم، وكان جمهور دعوته المسلمين في عامتهم، وهم في مجموعهم يؤمنون بالله ورسوله، ويعجبون بالقدوة الحسنة والمثل الأعلى، ويجلون الأبطال ويعجبون بالجهاد والبطولات.
وعلى هذا الإدراك والفهم وضع الإمام البنا خصائص تحدد ماهية دعوته، والإطار العام والشكل الخاص لرسالته، يقول في مذكراته.
من هذه الخصائص:
الإيجابية بالبناء: فدعوتنا تبني ولا تهدم، وتأخذ بالإيجاب دائمًا، فعلينا أنفسنا قبل كل شيء.
مطابقة القول بالعمل: فعلينا أن ندرس قانوننا وفيه الكفاية، ونقتدي بما نقول.
الربانية: فعلينا أن نديم صلتنا بالله ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا بدوام الذكر والدعاء بالمأثور.
التجمع: فعلينا أن نجتمع دائمًا، وأن نتشوق إلى اللقاء، وأن نشعر بحقوق الأخوة.
الاحتمال والكفاح: فلنروض أنفسنا على ذلك، ولتتسع صدورنا لكل شيء.
لقد هدف الإمام البنا من وراء تلك الخصائص إلى عدم الاكتفاء بالكلام، وإنما تخريج نماذج عملية فردية وجماعية تكون رسائل حية بعملها وسلوكها، لتكون أوقع في تبليغ الرسالة، وتحقيق واقعية الدعوة ومصداقيتها، وقد كانت الأسوة العملية منذ فجر الإسلام ذات أثر طيب وكبير في تبلیغ رسالة الإسلام وانتشاره، وأثنى الله على رسوله الكريم في هذا الصدد بقوله سبحانه: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (سورة القلم: 4)، وضرب به المثل والأسوة للمسلمين في قوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ (سورة الأحزاب: 21)، وقالت عنه عائشة - رضي الله عنها -: «كان قرآنًا يمشي على الأرض»، من هنا انطلق البنا في تحديد خصائص دعوته، وأمن بتخريج النماذج العملية الحية التي تجسد دعوته من خلال وسائل ثلاثة هي:
الإيمان العميق.
التكوين الدقيق.
العمل المتواصل.
محددات وضوابط رسالة البنا ودعوته:
لقد وضع الإمام الشهيد إطارًا مرجعيًّا ضابطًا لرسالته ودعوته، تتحرك في إطاره ولا تخرج عنه، وقد تمثلت هذه المرجعية في الأصول العشرين التي تمثل المرتكزات الأساسية؛ لفهم المسلم لدينه، وتصوره الشامل لدعوته، وهي أصول وقواعد لخصها وصاغها من صميم الإسلام، نوجزها في ما يلي:
الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعًا، فهو دولة ووطن، جهاد ودعوة دين ودنيا، عقيدة وعبادة، شريعة ومعاملة خلق وسلوك.
القرآن الكريم والسنة المطهرة مرجع كل مسلم في تعرف أحكام الإسلام، ويرجع في فهم القرآن طبقًا لقواعد اللغة العربية، وفي فهم السنة إلى رجال الحديث الثقات.
الإيمان الصادق والعبادة الصحيحة والمجاهدة لها نور وحلاوة يقذفها الله في قلب من يشاء من عباده، ولكن الإلهام والخواطر والكشف والرؤى ليست من أدلة الأحكام الشرعية، ولا تعتبر إلا بشرط عدم اصطدامها بأحكام الدين.
رأي الإمام ونائبه معمول به ما لم يصطدم بقاعدة شرعية.
كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا المعصوم ﷺ، وكل ما جاء عن السلف الصالح، موافقًا للكتاب والسنة قبلناه وإلا فكتاب الله وسنة رسوله أولى بالاتباع.
الخلاف الفقهي في الفروع لا يكون سببًا للمتفرق في الدين، ولا يؤدي للخصومة.
كل مسألة لا ينبني عليها عمل، فالخوض فيها من التكلف المنهي عنه شرعًا.
معرفة الله - تبارك وتعالى - وتوحيده وتنزيهه أسمى عقائد الإسلام، وآيات الصفات وأحاديثها الصحيحة وما يليق بذلك نؤمن بها كما جات من غير تأويل ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تشبيه.
كل بدعة في الدين لا أصل لها تجب محاربتها والقضاء عليها.
محبة الصالحين واحترامهم والثناء عليهم بما عرف من طيب أعمالهم قربة لله – تعالى -، مع الاعتقاد بأنهم لا يملكون لأنفسهم ضرًّا ولا نفعًا أحياء أو أمواتًا.
العرف الخاطئ لا يغير حقائق الألفاظ الشرعية.
العقيدة أساس العمل، وعمل القلب أهم من عمل الجارحة، وتحصيل الكمال في كليهما مطلوب شرعًا.
الإسلام يحرر العقل، ويحث على النظر في الكون، ويرفع قدر العلم والعلماء، ويرحب بالصالح النافع، والحكمة ضالة المؤمن.
النظر الشرعي والنظر العقلي فيما لا يدخل في دائرة الآخرة، لا يختلفان في القطعي، فلن تصطدم حقيقة علمية صحيحة بقاعدة شرعية ثابتة، والظن يتبع القطعي، والظنيان يتبع الشرعي فيهما.
لا يكفر مسلم أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاهما، وأدى الفرائض إلا أن أقر بكلمة الكفر أو أنكر معلومًا من الدين بالضرورة، أو كذب صريح القرآن، أو عمل عملًا لا يحتمل تأويلًا غير الكفر.
كل هذه الأصول مثلث في مجملها ضوابط ومحددات كل حركة أو رسالة يوجهها الإمام البناء تعمل في إطارها ولا تخرج عنه، ولذلك جاءت دعوته وحركته ورسالته منتظمة متناسقة، يصدق بعضها بعضًا، لا تعارض بينها ولا تناقض فاتصفت بالمصداقية، ولاقت القبول بين الجماهير.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل