; الهند: انتخابات غير حاسمة لكن.. التطرف الهندوسي الفائز الأول | مجلة المجتمع

العنوان الهند: انتخابات غير حاسمة لكن.. التطرف الهندوسي الفائز الأول

الكاتب ظفر الاسلام خان

تاريخ النشر الثلاثاء 03-مارس-1998

مشاهدات 15

نشر في العدد 1291

نشر في الصفحة 41

الثلاثاء 03-مارس-1998

للمرة الثانية في أقل من سنتين فشلت الانتخابات النيابية العامة في أكبر ديمقراطية في العالم (٦٠٠) مليون ناخب في حسم أوضاعها السياسية الهشة التي تعيشها منذ سنة ١٩٨٩م حين مني ، آنذاك - حزب المؤتمر بقيادة راجيف غاندي بهزيمة منكرة، وجاءت الجبهة المتحدة لتؤلف الحكومة بمساعدة عدد كبير من أحزاب الوسط واليسار والشيوعية، ثم جاء حزب المؤتمر ليحكم بعكازات أحزاب صغيرة ومستقلين، ولجأ إلى رشوة النواب من أحزاب أخرى للبقاء في السلطة (رئيس الوزراء الأسبق ناراسيما راو يحاكم الآن بتهمة إفساد الحياة السياسية).

وكالعادة دخل المجرمون وأصحاب السوابق كمرشحين عن مختلف الأحزاب في الانتخابات. وقد وجدت إحدى الدراسات أن من بين 500 مرشح هناك ۷۲ شخصاً من المجرمين وأصحاب السوابق الجنائية وهم ينتمون إلى كل الأحزاب بما فيها حزب الشعب الهندي.

وكالعادة كذلك اتسمت هذه الانتخابات بالعنف (نحو ٧٠ قتيلاً) وبالتزييف على نطاق . واسع لدرجة أن أعيدت الانتخابات في آلاف من . مراكز الاقتراع عبر البلاد، ولم يكن هناك أي . تحمس شعبي للانتخابات حيث ينظر إليها الشعب كمضيعة لموارد الدولة ودليل على عدم كفاءة السياسيين وكانت هناك حركة لمقاطعة الانتخابات على نطاق واسع، ولمختلف الأسباب في عدة مناطق مثل ولايات كشمير وناغالاند وتريبور وفي المناطق - الخاضعة للحركة النكسلية الماوية في ولاية اندهرا براديش، حيث حظرت هذه الحركة على الشعب الاشتراك في الانتخابات، وفي كشمير كالعادة جرت الانتخابات قسراً وقهراً بإجبار غالبية – الناخبين على التوجه إلى مراكز الاقتراع رغم أنفهم وذلك باستخدام الجيش والشرطة، وقاطعها كثير من الأحزاب والحركات السياسية في كشمير من وكان وضع الأحزاب الأسبوع الماضي حزب المؤتمر ۱۷۰ عضواً، الجبهة المتحدة ١٠٢ عضو حزب الشعب الهندي وحلفاؤه ٢٤٤ عضواً. وستنصح الصورة النهائية أثناء طباعة المجتمع ولكن ليس من المتوقع حدوث تطورات غير عادية  الآن، وكل المؤشرات تدل على أن حزب الشعب  الهندي مع حلفائه من الأحزاب الصغيرة سيظهر كأكبر كتلة سياسية في البرلمان ولكنه سيفشل في  إحراز الغالبية البسيطة التي تتمثل في الحصول على تأييد (۲۷۲) عضواً على الأقل من أعضاء بـ البرلمان البالغ عددهم (٥٤٥) عضواً وثاني أكبر حزب سيكون حزب المؤتمر الذي من المتوقع حصوله على أقل من (۲۰۰) مقعد في البرلمان يليه الجبهة المتحدة التي يتوقع حصولها على نحو (۱۱۰) مقاعد.

وقد بدأت كل الأحزاب والكتل عمليات حسابية معقدة ومساومات فاضحة لعقد تحالفات جديدة، وخصوصاً مع الأحزاب الإقليمية الصغيرة التي ظهرت في الأقاليم الهندية خلال العقد الأخير بصورة ملحوظة، نتيجة تراجع الأحزاب القومية الكبيرة وفشلها، وهناك العديد من الأحزاب الصغيرة المستعدة للتحالف مع أي من الكتلتين الكبيرتين، رغم البون الكبير في سياستهما. وكانت حكومة الجبهة المتحدة (۱۳) حزياً) قد سقطت قبل شهرين، نتيجة مسحب حزب المؤتمر تأییده البرلماني لها في أعقاب صدور تقرير لجنة القاضي جين بشأن مقتل رئيس الوزراء الأسبق راجيف غاندي الذي اتهم فيه حزب دي إم كيه. أحد أحزاب الجبهة المتحدة ولكن الجبهة المتحدة رفضت التخلي عن حليفها ويمكن فهم عدم استقرار الهند السياسي إذا عرفنا أن تلك الحكومة كانت هي الخامسة التي شهدتها الـبلاد منذ سنة ١٩٩٦م، وكانت قد جاءت للحكم بعد فشل حزب الشعب الهندي (بهارتيا جاناتا)المتطرف الهندوسي في إثبات غالبيته في البرلمان في مايو ١٩٩٦م في أعقاب الانتخابات السابقة وكانت أسهم حزب المؤتمر قد هبطت كثيراً إلى أن دخلت أرملة راجيف غاندي (سونيا) الإيطالية  في الحملة الانتخابية فتمكنت من استمالة كثيرين بتذكيرهم بأمجاد نهرو وابنته أنديرا غاندي وبتضحية راجيف الذي سقط قتيلاً في مايو ١٩٩١م على أيدي الانفصاليين التاميل السريلانكيين.

ومن جهة أخرى خسر حزب الشعب الهندي كثيراً من التأييد في هذه الانتخابات إذ خسر ولايتي راجستهان و مادهيا براديش اللتين كان يحكمهما سابقاً. ولكن انتصاراته جاءت هذه المرة  من جنوب الهند حيث عقد الحزب تحالفات مع .أحزاب إقليمية عديدة في كل ولايات الجنوب متنازلاً عن الكثير من شعاراته أو معدلاً لها لأجل كسب الحلفاء الأمر الذي أفقده بعض مؤيديه التقليديين في الشمال، والشيء الآخر الذي نال من شعبية الحزب في الشمال هو أن الناخبين قد جربوا حكوماته في عدة ولايات ولم يشاهدوا هناك أي تغيير جذري ما عدا الشعارات، فلم يجلب حكمها الاستقرار ولا النظافة في الحياة السياسية. بل قد لجأ الحزب في الشهور الأخيرة، وبصورة فاضحة للغاية، في أكبر الولايات الهندية – أوتار براديش إلى كل الألاعيب والحيل السياسية التي كان يأخذها على معارضيه من شراء النواب ورشوتهم بالمناصب واستقطابهم من أحزاب أخرى بمختلف الحيل ومنها الوعد بالمناصب الوزارية حتى عدت وزارة ولاية أوتار براديش الإقليمية (۸۲ وزيراً) أكبر وزارة في العالم ودخلت كتاب غينيس للأرقام القياسية كل هذا نال من مركز الحزب وجعل الناخبين ، ما عدا كوادره - ينظرون إليه كأي حزب آخر يرفع الشعارات لمجرد الفوز في الانتخابات، ويسعى حزب المؤتمر وكتلة الجبهة القومية من جهتهما إلى الحيلولة دون وصول حزب الشعب الهندي إلى مقاعد الحكم، وذلك بعقد تحالف بينهما حيث إنهما متحالفان سيكونان أكبر كتلة في البركان وهناك تناغم كبير بين حزب المؤتمر وأحزاب الجبهة القومية، وخصوصاً جناثا دال ، حيث إن هذه الأحزاب متفقة مع حزب المؤتمر على الكثير من السياسات وخصوصاً العلمانية كسبيل وحيد لحكم بلد متشعب يسكنه الكثير من العروق والشعوب والديانات واللغات بينما حزب الشعب الهندي يدعو إلى ثقافة هندية واحدة، الأمر الذي تفسره الأقليات وخصوصاً المسلمين، وشعوب المناطق النائية كخطر على شخصيتها وثقافتها وأسلوب حياتها، والذي يفرق بين الأحزاب العلمانية المختلفة ليس السياسات بقدر ما هي الأنانية والمطامع الشخصية وحب الانفراد بالزعامة. ولو لم يتمكن حزب المؤتمر والجبهة المتحدة من إعلان التحالف بسرعة خلال هذا الأسبوع فلن يكون أمام رئيس الجمهورية إلا دعوة حزب الشعب الهندي وحلفائه كما حدث في أعقاب الانتخابات السابقة في مايو ١٩٩٦م حيث دعا هذا الحزب لكونه أكبر الأحزاب في البرلمان واستمر في الحكم (۱۳) يوماً- أقصر فترة قياسية في العالم لحكومة ديمقراطية- وسقط حين فشل في إثبات غالبيته في البرلمان، فهل يحدث الشيء نفسه هذه المرة أيضاً التوقعات تقول إنه سيتمكن من استمالة المزيد من الأحزاب الإقليمية والمستقلين بتقديم الرشاوى العينية والإغراءات السياسية في صورة مناصب وزارية، وأيا كان الأمر فقد فقدت شعارات هذا الحزب بريقها فانكشف كأي حزب آخر يرفع شعارات الحياة السياسية النظيفة، والاستقرار وضرورة صنع القنبلة النووية، وذلك لمجرد استقطاب الناخبين ثم إن تقلده السلطة بعكازات خليط من أحزاب سياسية إقليمية صغيرة متنافرة سيسلبه القدرة على تنفيذ برنامجه الانتخابي وبالتالي سينفر منه حتى مؤيدوه التقليديون.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل