العنوان بالتعاون جميعنا منتصرون وبالخلاف جميعنا خاسرون
الكاتب د. محمد البصيري
تاريخ النشر الثلاثاء 18-يناير-1994
مشاهدات 11
نشر في العدد 1084
نشر في الصفحة 66
الثلاثاء 18-يناير-1994
في جلسة تاريخية لمجلس الأمة الكويتي يوم الثلاثاء الماضي أسدل الستار على قضية مهمة وخطيرة، ومثيرة للجدل في أوساط المجتمع الكويتي عندما أسقط المجلس المرسوم رقم 35 لعام 1990م والخاص بمحاكمة الوزراء والذي صدر أثناء فترة غياب مجلس الأمة، وبرفض هذا المرسوم تنطوي صفحة من صفحات القضايا التي كانت مرشحة لإثارة أزمة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ولا يزال هناك قضايا أخرى في الطريق مهيأة ومتوقعًا لها أن تُحْدِث شيئًا من التوتر بين السلطتين، ونحن كمواطنين كويتيين إذ نحمد الله على مرور هذه القضية بسلام لنتمنى أن تسود روح التعاون والتنسيق وتغليب المصلحة العامة على المصالح الخاصة في التعامل في مثل هذه القضايا المصيرية التي ينعكس أثرها سلبًا أو إيجابًا على المجتمع بأسره.
ونقدر للسلطتين روح المسئولية والتعاون التي سادت أثناء عرض هذا المرسوم على المجلس، إذ إن مبادرة الحكومة بالامتناع عن التصويت هي في حد ذاتها دلالة ومؤشر إيجابي لتغليب مبدأ التعاون وإن اختلفت الآراء حول الدوافع من وراء هذا الامتناع، وفي الجانب الآخر كانت مطالبة بعض الأعضاء بالإسراع بالتصويت على المرسوم دون مناقشة هي محاولة لرأب الصدع وعدم تفتيح الجراح ونشر الغسيل ما دام المرسوم أصبح في حكم المعدوم.
ولا نعتقد بأن مهمة المجلس والحكومة قد انتهت عند هذا الحد فيما يتعلق بقانون محاكمة الوزراء بل إن المهمة قد ابتدأت، فالمشروع البديل الذي تعكف على دراسته اللجنة التشريعية والقانونية بمجلس الأمة لا بد أن تشارك به السلطة التنفيذية بحكم أن وزراءها هم المعنيون في هذا القانون، والخلل الواضح في المرسوم السابق إنما جاء نتيجة وضعه من وجهة نظر الحكومة فقط التي فصلته ورسمته لحماية وزرائها دونما اعتبار لرأى الشعب.
وقبل أن يغوص المجلس والحكومة في صياغة أحكام القانون القادم لمحاكمة الوزراء لا بد من الاتفاق على مبدأ واضح حول مسئولية كل طرف تجاه هذا المنصب السياسي التنفيذي الرفيع، فالأصل أن رئيس الوزراء لا يختار لهذا المنصب إلا القوى الأمين ﴿ يَٰٓأَبَتِ ٱسۡتَـٔۡجِرۡهُۖ إِنَّ خَيۡرَ مَنِ ٱسۡتَـٔۡجَرۡتَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡأَمِينُ﴾ (القصص/ ٢٦).
فالقوة والشجاعة مطلوبة في اتخاذ القرار ومتابعة تنفيذه كما أن الأمانة والنزاهة والتجرد وجماع ذلك كله الدين ومخافة الله هي أساس الاختيار في مثل هذه المواقع الحساسة والخطيرة.
عندما تتوفر هذه الصفات في اختيار الوزراء وغيرهم لشغل المناصب القيادية لا شك بأن جزءًا كبيرًا من المهمة قد انقضى ومن ثم يأتي دور المجلس كي يراقب ويشرع ويمارس مهمته وكامل سلطاته في متابعة أداء هذه الوزارة أو تلك.
ويحمى الدستور والمصالح العليا للوطن والمواطن عندما يضع القانون الذي من خلاله نعالج القصور البشري، فالكمال لله وحده والوزراء ليسوا معصومين عن الخطأ أو الوقوع في المحظور أثناء توليهم لمناصبهم ومن هنا يأتي دور القانون الرادع لمثل هذه الحالات الشاذة والفردية.
فوضع القانون القادم لمحاكمة الوزراء والبديل للقانون السابق لا بد أن يكون في ظل أجواء من الثقة المتبادلة وحسن الظن بين السلطتين، فلا يمكن أن نضع القانون في ظل أجواء تجريم وشبهة وسوء ظن في كل وزير، وفى المقابل لا بد على رئيس الحكومة أن يحسن الاختيار ويدقق فيه ويستشير طبقًا للدستور أهل الحل والعقد والجماعات السياسية في البلاد.
بغير هذا السلوك من الطرفين لا يمكن أن نصل بهذه السفينة إلى بر الأمان وسيستمر مسلسل سوء الظن والشك والريبة بين السلطتين مما ينعكس بدوره على المجتمع بأسره وعلى أداء السلطتين كل على حدة فالطريق لا يزال فيه الكثير من المنعطفات والمعوقات والمطبات التي يجب أن نتعاون جميعًا لتجاوزها إذا كنا فعلًا نؤمن بمبدأ تغليب المصلحة العليا للوطن والمواطن وننبذ ونسقط من قاموسنا جميعًا تحديد المنتصر والمغلوب، فبالتعاون جميعنا منتصرون وبالخلاف جميعنا خاسرون.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل