; بانتظار قرار الفقهاء.. إجهاض الأجنة المريضة وراثيًّا أو المشوه خلقيًّا | مجلة المجتمع

العنوان بانتظار قرار الفقهاء.. إجهاض الأجنة المريضة وراثيًّا أو المشوه خلقيًّا

الكاتب نجم عبدالله عبدالواحد

تاريخ النشر الثلاثاء 30-يناير-1990

مشاهدات 17

نشر في العدد 952

نشر في الصفحة 43

الثلاثاء 30-يناير-1990

  •  

    الإسلام وضع ضوابط لزواج الأقارب حتى لا تنتقل الصفات الوراثية الخطيرة.

    فكرة الإجهاض عند تحقق وجود تشوهات الجنين غير القابلة للعلاج تختلف عن إباحة موضوع الإجهاض المعمول بها في الغرب.

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين وبعد:

    الموضوع المطروح أمام فضيلة الفقهاء ما هو إلا التصور الطبي لأمراض عديدة تصيب الجنين أو الأم الحامل أو كليهما والتي تؤدي إلى ظهور تشوهات خلقية لهذا الجنين تجعل استحالة استمرار حياته سواء بوفاته عقب ولادته بزمن قصير أو طويل يجعل نوعية الحياة لهذا الإنسان ولأسرته ولمجتمعه صعبة للغاية.. لذلك نجد أن فكرة الإجهاض المعمول بها فعليًّا في بلاد الغرب ما هي إلا مسلك طبي يشترك فيه الطبيب مع أسرة هذا الجنين من باب الضرورات تبيح المحظورات. ولقد تطرقنا في مقال سابق في عدد رقم 935 بتاريخ: 1989 وشرحنا هذه الحالات من الناحية الطبية وهنا نكمل الموضوع لوضع الأفكار المناسبة لتسهيل هذا الموضوع على فضيلة السادة الفقهاء.

    إن طرح فكرة الإجهاض عند تحقق وجود تشوهات الجنين غير القابلة للعلاج ليختلف في تصوره الواقعي عن إباحة موضوع الإجهاض المعمول بها في الغرب والتي تناولتها ندوة الإنجاب في ضوء الإسلام والتي نظمتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت في شهر شعبان 1403هـ الموافق شهر مايو 1983 وكانت توصيتها في هذا الصدد كالآتي:

    «استعرضت الندوة آراء الفقهاء السابقين وما دلت عليه من فكر ثاقب ونظر سديد وأنهم أجمعوا على تحريم الإجهاض بعد نفخ الروح أي بعد أربعة أشهر وأن آراءهم في الإجهاض قبل نفخ الروح اختلفت فمنهم من حرم بإطلاق أو كراهة ومنهم من حرمه بعد 40 يومًا وأجازه قبل الأربعين على خلاف في وجوب العذر.

    وقد استأنست الندوة بمعطيات الحقائق العلمية الطبية المعاصرة والتي بينتها الأبحاث والتقنية الطبية الحديثة.. فخلصت إلى أن الجنين حي من بداية الحمل وأن حياته محترمة في كافة أدوارها خاصة بعد نفخ الروح وأنه لا يجوز العدوان عليها بالإسقاط إلا للضرورة الطبية القصوى وخالف بعض المشاركين فرأى جوازه قبل تمام 40 يومًا وخاصة عند وجود الأعذار».

    ونجد أن دواعي إباحة الإجهاض عند تحقق وجود تشوهات الجنين غير القابلة للعلاج يعود إلى سببين:

    أولهما: أن نوعية الحياة السيئة التي سوف يحياها هذا الإنسان بعد ولادته وأثر هذه الحياة السيئة على أم هذا الإنسان المشوه وبالتالي أثر هذه الحياة على الأسرة والمجتمع.

    فالعيش مع إنسان معوق له آثار سلبية عديدة ومصدر عذاب لنفس الشخص وأسرته ومجتمعه.

    ونجد أن الأدلة على هذا الواقع المؤلم واضحة من الأبحاث المقدمة ومن الحالات الطبية والمشاهدات الفردية ونستطيع أن نضرب مثالين على ذلك:

    المثال الأول: أسرة لديها 3 أطفال معاقين بسبب الأمراض الوراثية نظرًا لزواج القرابة فيصبح الأمر بولادة طفل رابع عبارة عن كابوس لا يستطيعون قبوله إلا إذا توفرت فرصة إجراء الإجهاض عند تحقق تشخيص جنين مشوه فسوف تصبح لهم رحمة وأمل في الحصول على طفل سليم في حمل آخر دون المعاناة من طفل آخر مشوه.

    المثال الثاني: امرأة جلست تنتظر أن يهبها الله مولودًا مدة 20 سنة فلما حملت كان عمرها آنذاك قد تخطى 40 سنة فيأتي كابوس آخر باحتمال أن يكون هذا المولود المنتظر مشوهًا بسبب كبر سنها واحتمال خلل الكروموسومات، لذلك فإن كان بالإمكان إجراء الإجهاض عند تحقق تشوه هذا الجنين سوف يعطيها الأمل بأن يرزقها الله بمولود تفرح به وليس بمعاق تحزن لوجوده.

    ثانيهما: أن الإجهاض للأجنة المشوهة غير القابلة للعلاج وخاصة الأمراض الوراثية وخلل الكروموسومات يعتبر نوعًا من أنواع العلاج حتى لا تكون هذه الأجنة المشوهة نواة لأجيال مريضة. لذلك نجد البلدان الأوروبية والصين أن نسبة التشوهات من 23 حالة إلى 20 حالة لكل 1000 حالة بينما نجد بلدًا مثل اليونان قد هبطت نسبة حدوث مرض الثلاسيميا إلى دون النصف وذلك بإصدار قانون يوجب الفحص قبل الزواج لهذا المرض وإعطاء الفرصة القانونية للإجهاض إذا تأكد إصابة الجنين بهذا المرض عند الزوجين المصابين بهذا المرض وبذلك سُمح بوجود أبناء أصحاء لا آباء مصابين، ولهذا فإن نسبة حدوث هذا المرض في المجتمع قليلة. وبذلك يكون الطب قد أوجد حلًّا لهذه المشكلة تمامًا كالتطعيم ضد مرض الحصبة الألمانية فبذلك منع ظهور مشكلة التشوهات الخلقية عند الإصابة بالحصبة الألمانية. وكذلك الطب أوجد حلًّا لمشكلة تكسر الدم في حالة عامل روسي بإعطاء الأم إبرة مضادة لمنع التكسر، وبذلك يسلم الجنين من خطورة هذه المشكلة.. نجد أن الإسلام قد وضع ضوابط لزواج الأقارب فحرم زواج الأب من ابنته أو الولد من أمه حتى لا تنتقل الصفات الوراثية الخطيرة علاوة على ترغيب الرسول -صلى الله عليه وسلم- في زواج الأباعد كذلك من أجل عدم ظهور الصفات الوراثية غير الحميدة، لذلك نجد أن فكرة إجهاض الأجنة غير السليمة والمشوهة هو علاج ناجح لهذه الحالات.

    ولو نظرنا إلى الواقع فنجد أن فطرة الله سبحانه قد جعلت نصف حالات الإجهاض لا تستمر بالحمل وتجهض تلقائيًّا وذلك حسب الإحصائيات الطبية الحديثة وبأن أغلب حالات الإجهاض تكون بسبب خلل الكروموسومات وكذلك نجد أن 3 أضعاف الإجهاض التلقائي عند النساء فوق 40 عامًا بالمقارنة بالنساء الصغيرات بالسن وكذلك لزيادة نسبة خلل الكروموسومات عند هؤلاء النساء الكبيرات بالسن.

    لذلك المطلوب من فضيلة السادة الفقهاء دراسة هذا الأمر ومعرفة حلاله وحرامه من أجل منفعة المسلمين.

    مصادر الأجنة المشوهة

    نجدها على 3 مصادر رئيسية:

    1.     خلل الكروموسومات: وغالبًا ما يكون بسبب تقدم عمر المرأة وحملها بعد سن 35 سنة وهنا يتم تشخيص الحالات بواسطة أخذ عينة من السائل الرحمي المشيمي والتشخيص لهذه الحالات دقيق ويقيني ويمكن أن يتم التشخيص قبل نفخ الروح. ونسب حدوثها 6.5 حالة لكل 1000 حالة حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية.

    2.     الأمراض الوراثية: إن زواج الأقارب هو الرافد المهم لظهور هذه الأمراض ويتم تشخيص الأجنة المشوهة بواسطة أخذ عينة من السائل الرحمي المشيمي ويكون التشخيص دقيقًا ويقينًا في حالات مثل أمراض الدم كفقر الدم المنجلي والثلاسيميا الشديدة وفي حالات أخرى مثل مرض تيساج بينما عند التشخيص يحتمل الصواب أو الخطأ باعتماد المبدأ الظني عن طريق تشخيص جنس الجنين فإن كان الجنين ذكرًا فيحتمل أن يكون مصابًا بمرض الهيموفيليا أو مرض الدوشيني مكلر دوسترف حيث إن هذه الأمراض لا تظهر على الإناث ولكن تظهر على الذكور ونظرًا لعدم وجود فحوصات تتأكد من إصابة الجنين بهذه الأمراض لذلك فالتشخيص ظني. نجد في جميع الحالات السابقة أن التشخيص يتم قبل نفخ الروح ونسبة حدوثها حوالي 5.5 لكل 1000 حالة حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية.

    3.     التشوهات الخلقية: نجد أسبابها عديدة وأهمها تعرض الأم الحامل للالتهابات كالإيدز أو مرض الحصبة الألمانية أو تعرض الأم الحامل للأشعة أو لحوادث الطرق ونجد تشخيصها في المراكز المتقدمة بدرجة دقيقة ويقينية ولكن غالبًا ما يتم التشخيص لمثل هذه الحالات بعد نفخ الروح بعد الأسبوع 17 ونسبة حدوثها 11 حالة لكل 1000 حالة حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية.

    نلاحظ أن تشخيص وجود الأجنة المشوهة في المصادر الثلاثة السابقة يعتمد بالدرجة الأولى على توفر الكفاءات العلمية والتجهيزات الطبية المناسبة. لذلك نجد أن التشخيص اليقيني أكثر ما نجده في المراكز المتقدمة بينما نجد كثيرًا من الأخطاء تحصل إما في المراكز غير المتقدمة أو عند الأطباء قليلي الخبرة أو عند عدم توفر الفحوصات اللازمة والدقيقة على غرار المراكز المتقدمة.

    الأحكام الشرعية:

    من أجل تسهيل إصدار الأحكام الشرعية في هذا الموضوع المهم يمكن النظر في ثلاث نقاط أساسية والاحتمالات المختلفة الصادرة عنها:

    •       توقيت التشخيص: ونجد هنا أن يتم التشخيص قبل نفخ الروح وذلك في أي وقت قبل الأسبوع 16 وذلك ممكن لحالات خلل الكروموسومات وللأمراض الوراثية. بينما نجد توقيت التشخيص بعد نفخ الروح وذلك في أي وقت بعد الأسبوع 17 وغالبًا ما نشاهده في حالات تشوه الأجنة الخلقي.

    •       دقة التشخيص: ونجد هنا أن يتم التشخيص لمعرفة الجنين السليم من المريض بدقة مع اليقين كما هو الحال بالأمراض الوراثية وخلل الكروموسومات وبالمقابل هناك حالات التشخيص تكون عشوائية وظنية بواسطة معرفة جنس الجنين وهذا طبعًا لا يكفي للكشف عن الجنين السليم من المريض.

    •       نوعية الحياة: ونجد هنا أن تشوهات الجنين على درجات مختلفة إما أن تكون شديدة لدرجة وفاته أثناء الحمل أو بعد الولادة مباشرة مثل عديم الرأس وهنا تعتبر نوعية الحياة معقولة على اعتبار أن المعاناة في مثل هذه الحالات قليلة. كذلك نجد حالات مثل مرض الدم المنجلي أخف معاناة قياسًا لحالات الثلاسيميا الشديدة فلذلك نوعية الحياة لمرض الدم المنجلي تعتبر معقولة بينما مرض الثلاسيميا تعتبر سيئة. كذلك خلل الكروموسومات يعتبر سيئًا.

    لذلك باستعراض النقاط الأساسية الثلاثة السابقة نصل إلى 8 احتمالات من أجل تسهيل مهمة إصدار أحكام شرعية.

    1.     التشخيص قبل نفخ الروح والتشخيص يقيني ونوعية الحياة سيئة.

    2.     التشخيص قبل نفخ الروح والتشخيص ظني ونوعية الحياة سيئة.

    3.     التشخيص قبل نفخ الروح والتشخيص يقيني ونوعية الحياة معقولة.

    4.     التشخيص قبل نفخ الروح والتشخيص ظني ونوعية الحياة معقولة.

    5.     التشخيص بعد نفخ الروح والتشخيص يقيني ونوعية الحياة سيئة.

    6.     التشخيص بعد نفخ الروح والتشخيص ظني ونوعية الحياة سيئة.

    7.     التشخيص بعد نفخ الروح والتشخيص يقيني ونوعية الحياة معقولة.

    8.     التشخيص بعد نفخ الروح والتشخيص ظني ونوعية الحياة معقولة.

    نجد أن القرار بالسماح بإجراء الإجهاض لا يتعدى الاحتمالات الثمانية السابقة فإذا تم إجازة أي احتمال منها أو كلها فيترك قرار الإجهاض إلى طبيبين مسلمين ذي ثقة ومختصين ليتحملا أمانة الاحتمال المسموح به من ناحية وليتحملا قرار التشخيص إن كان يقينيًّا أو ظنيًّا وتوقيت التشخيص سواء قبل نفخ الروح "أي قبل الأسبوع 16 أو بعد نفخ الروح أي بعد الأسبوع 17".

    كذلك لا يفوتنا أن نشجع الناس على الفحص قبل الزواج في حالة وجود أمراض وراثية بالعائلة وكذلك تشجيع الناس على زواج الأباعد عملًا بنصيحة المصطفى -صلى الله عليه وسلم.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

     

     

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

فتاوى المجتمع: 1486

نشر في العدد 1486

13

السبت 26-يناير-2002

الإجهاض.. دينيًّا وعِلميًّا

نشر في العدد 104

12

الثلاثاء 13-يونيو-1972