; مرض البول السكري بــين التــشخيص والعلاج | مجلة المجتمع

العنوان مرض البول السكري بــين التــشخيص والعلاج

الكاتب الدكتور محــمد محــمد أبو شـوك

تاريخ النشر الثلاثاء 09-يونيو-1970

مشاهدات 26

نشر في العدد 13

نشر في الصفحة 22

الثلاثاء 09-يونيو-1970

هــل للمــاء دخل في مــرض السكر؟

مرض البول السكري مرض يصيب الإنسان لنقص في كمية الإنسولين التي تساعد على تمثيل السكريات، فترتفع تبعًا لذلك نسبة السكر في الدم وبالتالي تنزل مع البول، وتظهر على هيئة سكر في البول؛ لذا كان الاسم البول السكري.

وعندما تحدث تلك الاضطرابات في تمثل المواد السكرية فإنه يتبع ذلك اضطراب في تمثيل المواد الدهنية، والبروتينية والماء -وإذا تأثرت هذه المواد- نتج عن ذلك الأمراض والمضاعفات الخطرة التي تصحب هذا المرض- والمضاعفات في هذه الحالة تشمل جميع أجهزة الجسم- حتى إنه قيل «لو كنت تعلم مرض البول السكري تمام المعرفة فكأنك عرفت الطـب كله».

الأسباب:

إن العامل الرئيسي في حدوث المرض هو عدم كفاءة الخلايا التي تفرز مادة الإنسولين من البنكرياس، ويلاحظ ذلك جليًا عندما يصاب المريض بالتهاب مزمن بالبنكرياس أو في مكان البنكرياس عندما تضمحل هذه الخلايا، وهناك عوامل تؤثر على عمل هذه الخلايا منها:-

أ- الوراثة: فلقد لوحظ أن هناك عائلات تتأثر بهذا المرض دون العائلات الأخرى، مما يدل على أن هناك استعدادا في أفراد هذه العائلات للتأثر بهذا المرض، ومما يجعل عدد الأفراد يزداد عاما عن عام هو التزاوج المتبادل بين أفراد هذه العائلات.

ب- العمر: يلاحظ أن نسبة المصابين بمرض البول السكري عالية بين سن الخمسين والسبعين، ولكن هناك حالات أخرى تحدث في سن مبكرة.

ج- السمنة: وكذلك تعلو نسبة المرض في ذوي السمنة المفرطة، ويرجع السبب في ذلك إلى أن المواد السكرية يختزن بعضها على هيئة دهن في الجسم، فإذا امتلأ الجسم بهذه الدهنيات كما هو الحال في السمنة- لم يعد هناك مكان لهذا السكريات فتعلو نسبتها في الدم- وبالتالي تظهر في البول. وكذلك يلاحظ أن عمل البنكرياس في هؤلاء الناس يكون فوق طاقته.

فلا يلبث أن تقل كفاءته من الإجهاد المستمر، وفي النهاية تضعف هذه القدرة ويقل عمل البنكرياس، وتظهر أعراض السكر البولي.

د- الاضطرابات النفسية والجسمانية:

 لقد لوحظ أنه في بعض الحالات يحدث المرض -بعد حادثة سواء كانت هذه تؤثر نفسيا أو جسمانيا- ولعل ذلك يكون سببًا في إظهار المرض الكامن في الجسم، ذلك المرض الذي كان سيظهر في يوم من الأيام إلا أن الأحداث سارعت في إظهاره، ويلاحظ ذلك أيضًا بعد إجراء العمليات الجراحية.

هـ- الالتهابات الحادة:

كذلك عندما يتعرض بعض الأشخاص إلى الالتهابات الحادة، وأهمها الالتهابات بواسطة الميكروبات العنقودية نرى أنه يظهر عليهم مرض السكر البولي، ولعل ذلك راجع إلى الاضطرابات التي تحدث في الجسم نتيجة لهذا الالتهاب.

و- اضطرابات الغدد الصماء الأخرى: وهذا يحدث عندما يزداد إفراز هذه الغدد إثر ورم بها مثل أورام الغدة النخامية، وزيادة الغدة الدرقية والغدة الدرقية والغدة الكظرية «فوق الكلية».

 ز- هل للماء دخل في مرض السكر؟

يعتبر البعض أن الماء له دخل في هذا المرض، ولكن هذا بعيد الاحتمال -إذ إن الماء ليس له تأثير على خروج الإنسولين من البنكرياس- أو أن الماء يؤثر على تمثيل المواد النشوية، ولم يثبت أن تغيير ماء الشرب يؤثر في هذا المرض، -ولقد لوحظ أن المرض يزداد باطراد في الكويت- ولعل ذلك يرجع إلى أسباب عدة:

١ـ التزاوج بين العائلات المصابة كما قلت مما يزيد في نسبة مرض البول السكري بين الأولاد.

٢- تغيير الطعام والإكثار من أكل المواد النشوية -وزيادة وزن الجسم- والسمنة المفرطة التي تزداد باطراد مع الإكثار من هذه الأطعمة.

٣ـ الاعتماد على السيارات في التنقل وعدم القيام بأي مجهود عضلي، وحالة الاسترخاء التي يعاني منها المواطنون؛ مما يسبب زيادة في الوزن كذلك.

٤ـ الاضطرابات النفسية التي طالما يكثر حدوثها مع العصر الحاضر سواء ذلك في داخل الأسرة أو في داخل المجتمع.

 

الأعراض :

في بعض الحالات يبقـى المرض دون أعراض لفترة ويكتشف عند إجراء فحص للمريض لمرض آخر أو عند الكشف على الشخص ليلتحق بعمل ويكتشف هذا صدفة.

وفي الحالات الأخرى يلاحظ المريض أنه في حاجة دائمًا إلى الشرب ويشرب كميات كثيرة من الماء، -وتزداد كمية البول وعدد مرات التبول- ويلاحظ أنه يقوم أثناء الليل ليشرب ويتبول على غير عادته.

 - وفي بعض الحالات الأخرى يدخل المريض المستشفى بسبب حدوث المضاعفات التي تصحب المرض؛ ومنها الالتهابات المختلفة في الجلد، وحكة حول الأعضاء التناسلية، والالتهاب الرئوي والسل الرئوي، والتهاب مجرى البول أو حمرة بالجلد، ضعف الإبصار، التهاب الأعصاب وما يصحبها من ضعف بالعضلات والحركة، وآلام في العضلات أو تصلب في الشرايين أو انسداد بها الجسم المختلفة؛ كانسداد شريان تاجي القلب، جلطة في القلب، أو انسداد شریان المخ، وما يصحبه من شلل نصفي، أو انسداد شریان الطرف السفلي، ويؤدي ذلك إلى غرغرينا وفقدان حيوية الجزء المصاب مع تغير في لونه، ويكون مائلًا إلى السواد، وهناك بعض المرضى يشكون من نقص في الوزن مع أن الشهية للأكل لم تتغير.

وفي الحالات الشديدة يحضر إلى المستشفى وفي حالـة غيبوبة، مع فقدان سوائل الجسم، ويسبق الغيبوبة قيء شديد متواصل وآلام في البطن، وصداع، ثم شبه غيبوبة واضطرابات في القوى العقلية.

 

الفحوصات اللازمة لمرضى السكر

إن مريض السكر يحتاج لفحوصات دقيقة وكشف دقيق على جميع أجزاء جسمه، فكما قلت إن المرض يؤثر على جميع أجهزة الجسم، والفحص المبدئي هو أن يظهر السكر في البول، ويفحص ذلك بواسطة محلول «بندكت» أو بواسطة الشريط الخاص.

وهذه سهلة ويمكن للمريض أن يقوم بعملها وكذلك يعمل للمريض منحنى السكر، وهو أن يعطى سكر الجلوكوز ويحلل السكر في الدم وفي البول كل نصف ساعة، -ومن دراسة هذا المنحنى يمكن للطبيب أن يعرف مدى تأثر المريض بالمرض-، هل هو من النوع البسيط أو المتوسط أو الشديد، وعلى أساس هذا أيضًا يكون العلاج، ومن هذا المنحنى يتضح أيضًا للطبيب أنواع من السكر البولي ليست خطرة ولكنها وراثية، ولا تحتاج إلى علاج مثال ذلك؛ إنه في بعض الأحيان يظهر السكر في البول لأن مستوى حجب الكلى لهذه المادة يكون منخفضًا فينزل السكر في البول تبعًا لذلك، وهذه الحالة ليس لها علاج، ولو أنه ثبت أن بعض هذه الحالات يتحول إلى سكر بولي حقيقي بمرور الزمن وكل ما يعمل للمريض هو تتبع حالته لاستبعاد حدوث المرض الحقيقي، وكذلك تعمل أشعة للمريض على صدره للتأكد من خلوه من الدرن الرئوي أو أي التهابات بالصدر، ثم زرع البول للتأكد من خلوه من ميكروبات تكون سببًا في التهاب مجرى البول.

-وتخطيط للقلب للتأكد من عدم تأثر شرايين القلب بالمرض وفحص الجهاز العصبي فحصًا دقيقًا ثم فحص العينين، ومعرفة مدى تأثرها بالمرض. وبمعنى أن يفحص الجسم كله كما أسلفت فحصًا دقيقًا وعلاج هذه الأعراض؛ لأن ذلك يؤثر على علاج المرض الحقيقي، ويحتاج إلى دقة متناهية في السيطرة على المرض سيطرة تامة، سواء بالغذاء الخاص أو المركبات التي تؤثر على تمثيل المواد السكرية، وجعل هذه الوظيفة تقارب الوظيفة الطبيعية، ويمكن لمريض السكر أن يحيا حياة طبيعية مثله كمثل أي فرد عادي في المجتمع.

-سؤال يكون دائمًا على لسان مرضى السكر البولي: هل يشفى المريض من المرض، وإلى متى يستمر العلاج؟ وفي بعض الأحيان نسمع أن فلانًا شُفي من مرض السكر بعد استعماله كذا وكذا.

- الواقع أن مرض السكر الذي يحدث فجأة، -والذي يسمى بالسكر غير الظاهر- إذا زال سبب حدوثه، نری أنه يختفي في بعض الحالات، ولا يظهر مرة ثانية إلا إذا حدث ما يظهره كالالتهابات الشديدة مثلًا أو الصدمات النفسية، وغير ذلك.

 - والبول السكري كذلك يتحسن أو يختفي عند ذوي السمنة المفرطة، إذا هم اتبعوا نوعًا خاصًا من الطعام، ساعد على نقص الوزن، وأمكن للبنكرياس أن يسيطر على ما يعطى للجسم من طعام كاف لا يساعد على السمنة، وفي هؤلاء نرى أن السكر يختفي من بولهم، ويمكن القول بأنهم شفوا من مرضهم إذا هم داوموا على استعمال ذلك الطعام الخاص الذي لا يساعد على زيادة الوزن.

- والنوع الذي لا يشفى إلا باستمرار العلاج، ويكون العلاج مدى الحياة، هو ذلك الذي يحدث من ضمور ونقص في خلايا البنكرياس التي تفرز مادة الإنسولين، وبالتالي تكون هذه المادة دائمة ناقصة في الجسم، وهؤلاء المرضى يكونون عادة من النوع النحيف.

 

- بقي علينا أن نعرف ما هو العلاج:

والعلاج يكون على أنواع ثلاثة:

١ - بالغذاء الخاص «الحمية الخاصة»

٢ـ  بالغذاء الخاص وبالأقراص التي تساعد على نقص مستوى السكر في الدم.  

٣ـ  بالغذاء الخــاص والإنسولين.

١ - العلاج بالغذاء فقط هو علاج مرضى البول السكري ذوي السمنة المفرطة كما أوضحت -والغذاء يتكون من ۱۰۰۰ سعر يوميًا- حتى يستنفذ الجسم ما اختزن من دهن لسد باقي السعرات اللازمة له، وبذلك ينتقص وزن الجسم ويختفي السكر من البول.

٢ـ الغذاء والأقراص التي تقلل من مستوى السكر في الدم، وبالتالي لا يظهر في البول، وهذا يفيد في متوسطي الوزن، والأقراص على أنواع مختلفة هي الراستنون والديابنيز، وديمولور وتولوينز، وجونوافون، وجلوكوناج، وغيرها كثير.

- والغذاء في هذه الحالة يكون حسب وزن المريض، ويُعطى غذاء يتراوح بين ١٥٠٠ـ ٢٠٠٠ سعر حسب حاجته. 

- أما العلاج بالغذاء والإنسولين فهذا يكون في المرض الشديد، ويكون المرض عادة من نحاف الأجسام ويحتاجون إلى تغذية عادية، بل ربما يحتاجون إلى تغذية قوية ليرتفع وزنهم إلى المستوى العادي، وفي هذه الحالة يُعطى لهم الإنسولين الذي يلزمهم حتى يكفي لتمثيل المواد السكرية التي يتعاطونها.

- ومن تجاربي مع مرضى البول السكري أيقنت أنه إذا كان مريض السكر مثقفًا عارفًا بمرضه حق المعرفة؛ لأمكنه أن يعيش عيشة سعيدة هانئة، وكأنه لم يصب بهذا المرض، وإذا كان جاهلًا، ولا يدري القليل أو الكثير عن مرضه؛ فإنه هالك لا محالة عاجلًا في غيبوبة السكر، أو آجلا من أحد مضاعفاته العديدة، وماذا نرى من مريض السكر حتى يكون على علم بمرضه.

أولًا: نریده أن يعرف أن مرضه ليس بالمرض الخطير الصعب العلاج، وفي الوقت نفسه يمكنه أن يجعل منه ذلك المرض الخطير- صعب العلاج إذا ما أهمل في علاجه وترك الحبل على الغارب واستهان بالمرض.

ثانيًا: نريده أن يعرف أن مرض السكر البولي خصوصًا في المرضى النحفاء الأجسام أنه سيستمر، والعلاج يستمر ما دام المريض حيًّا إلا أن يتوصل الطب إلى عقار يقضي على المرض، أما من يأخذ العلاج وتتحسن حالته ولا يرى سكرًا في بوله ويقول إنه شفي إنه يخدع نفسه أو خُدع من أحد، فمعنى أن بوله أصبح خاليًا من السكر أن علاجه الآن هو العلاج الصحيح، ولا بد أن يستمر على هذا النوع من العلاج.

ثالثًا: نريده أن يعرف ويلم بما تحتويه الأطعمة المختلفة من مواد كربوهيدراتية؛ أي التي تحتوي على السكريات المختلفة، والمواد البروتينية والدهنية؛ حتى يعرف أن يختار لنفسه وجبة تتلاءم حالته، وتكون عنده الدراية كيف يغير في أكله حتى لا يعيش على وتيرة واحدة يسأم منها، ويكره حياته، وباقتنائه كتيبًا صغيرًا يحتوي على معظم الأطعمة يمكنه أن يفعل ذلك.

رابعًا: نريده أن يعرف الجرام من المواد الكربوهيدراتية يحتوي على ٤ سعرات تقریبًا، ومن الدهنية على ٩ سعرات، ومن البروتينية على ٤ سعرات، وأن يسأل طبيبه كم سعرًا يحتاج يوميًا، ويمكنه بحسبة بسيطة أن يعرف كم يأكل من المواد الكربوهيدراتية والدهنية والبروتينية على أن لا يزيد من ۲۰۰ جرام صاف من المواد الكربوهيدراتية.

خامسًا: نريده أن يعرف كيف يحقن نفسه إذا كان مرضه يحتاج إلى الحقن يوميا حتى لا يضطر أن يهمل في العلاج إذا لم يتيسر له من يعطيه الحقنة أو يكسل عن الذهاب إلى أخذها.

سادسًا: نريده أن يعرف أعراض نقص السكر عنده من عرق غزير ورجفة في اليدين وهبوط في منطقة المعـدة والإحساس بالدوران، وعدم التوازن، وأن يحمل معه قطعة سكر يتناولها إذا أحس بمثل هذا الإحساس.

سابعًا: نريده إذا مرض بأي نوع من الالتهاب؛ أن يستشير طبيبه كالتهاب الحلق والصدر ومجرى البول، لأن ذلك يحتاج إلى علاج خاص وزيادة الإنسولين حسب ما يرى الطبيب.

 ثامنًا: نريده أن يكون له اطلاع على المرض ويقرأ عنه، ويستفسر إذا ما رأى أن نقاطًا غامضة أمام عينيه.

تاسعًا: نریده أن یكون علاقته بطبيبه علاقة طيبـة حسنة، ويستشيره، ويستمع إلى نصائحه، ويعمل كل جهده؛ لكي يحافظ على هذه العلاقة باتباعه الأنظمة المعطاة له، واحترام مواعيده، والنظام المتبع في عيادة طبيبه.

عاشرًا: أن يعرف كيف يحلل البول للسكر وكمية السكر فيه.

يمكننا أن نقول بعد أن يعي المريض هذه النقاط ويطلـع ويبحث ويستفسر أن نقول لمريضنا: ها قد دخلت حوزة الملمين والعارفين بمرض السكر.

 الدكتور محمد محمد أبو شوك 

  رئيس قسم الأمراض الباطنية بالمستشفى الأميري

 

الرابط المختصر :