; بحوث المستشرقين شبيهة بأخبار المشعوذين | مجلة المجتمع

العنوان بحوث المستشرقين شبيهة بأخبار المشعوذين

الكاتب د. عمر سليمان الأشقر

تاريخ النشر الثلاثاء 02-يوليو-1985

مشاهدات 12

نشر في العدد 723

نشر في الصفحة 26

الثلاثاء 02-يوليو-1985

يقول المؤرخ رالف لنتون مؤلف كتاب «شجرة الحضارة» والأستاذ بجامعة «بيل» عن طفولة الرسول صلى الله عليه وسلم: «وكانت طفولته غير مستقرة وصعبة؛ لأن الطفل اليتيم كثيرًا ما كان يذهب ليقيم عند مختلف المرضعات والأقارب»! فهو يصور الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه كان إنسانًا متشردًا يأوي كل يوم إلى بيت ما، وكل يوم مرضعة ما، وكل من له دراية بالتاريخ يعلم كذب قوله هذا.

ويخلط هذا المؤرخ بين حادثتين في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم هي خروجه مع عمِّه إلى الشام وهو صبي صغير واشتراكه في حرب الفجار حيث يقول لنتون: «وعندما بلغ السابعة عشرة من عمره ذهب إلى سوريا مع عم له، وخاض غمار حرب دينية»! وصبيان المسلمين يعلمون أن هذا كذب فالرسول صلى الله عليه وسلم سافر مع عمه إلى الشام للتجارة، أما الحرب التي خاضها فهي معركة الفجار التي كان فيها مع أعمامه يناولهم السهام وكانت قرب مكة.

ويتحدث هنري ماسيه في كتاب «الإسلام» عن زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم خديجة رضي الله عنها ويصفها بأنها الأرملة المطلقة التي كانت تدير «بيتًا تجاريًّا» و«بيتًا تجاريًّا» يعني به معنى خاصًا أي بيتًا للفسق والرذيلة والفجور!!!

ويفتري المؤرخ الإنجليزي ويلز في كتابه «معالم تاريخ الإنسانية» عندما زعم أن عائلة السيدة خديجة رضي الله عنها، تضايقت كثيرًا من زواج الرسول منها!! أين هذا في التاريخ؟! وأي افتراء أشد من هذا؟ ويسترسل ويلز ليشكك في سن خديجة عند زواج الرسول صلى الله عليه وسلم منها فيقول: «وليس من المحقق أن زوجته كانت أسن منه بكثير، وإن أجمع التواتر على أنها كانت في الأربعين»، ثم يأتينا بما لم نسمع به عندما يزعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم له ولد سماه «عبد مناف»!... أين هذا في التاريخ؟!.. ومن «مناف» هذا عند هذا المؤرخ؟؟! يقول: «مناف» اسم للرب المكي!! ثم يعقب على هذا قائلًا: «وهذا يدل على أن محمدًا لم يكن قد توصل في ذلك الوقت إلى أي اكتشافات دينية أن أنه صلى الله عليه وسلم لم يكون رسولًا، وإنما كان يكتشف الدين اكتشافًا!!. ويتحدث ويلز عن الوحي فيقول: «قد اعتقد بعض متوقدي الخيال من الكُتَّاب أن محمدًا كانت تلم به أدوار صرع روحي عظيم، وأنه كان يخرج إلى الصحراء في آلام مبرحة من الشك والرغبة القدسية»!! ثم ينقل عن السير مارك سايكس قوله: «ففي هدأة الصحراء ليلًا، وقي قيظ ظهيرة الصحراء نهارًا عرف النبي نفسه كما يفعل الناس جميعًا، وأحس الوحدة والانفراد وإن لم يستوحش، ذلك أن الصحراء لله، وفيها لا يستطيع إنسان أن يجحده» ويعقب ويلز على ذلك بقوله: «ربما كان الحال كذلك ولكن لم يقم أي دليل على حدوث مثل هذه الرحلات الصحراوية»!

ويردد المستشرق هنري ماسيه كل الأكاذيب التي قيلت أو يمكن أن تقال عن مصدر الدين الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فيجعل الوحي ناشئًا عن الصوم الذي يضعف الجسم، فيحدث في الليل أحلامًا ورؤى!! ويزعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ القرآن عن الأمم السابقة فيقول: «ما من شك في أن القرآن لا يمكن أن يكون كله من نتائج الانخطاف الروحي، ومن الممكن القول بأن الأجزاء الأكثر قدمًا قد تعرضت لبعض التعديلات، ثم يستطرد قائلًا: «ومما لا يقبل الجدل أن القرآن يعكس بطريقة غير مباشرة تأثير مذاهب مشتقة من اليهودية او المسيحية، وهي مذاهب كانت متعددة يومذاك في بلاد العرب»، ثم يكذب ماسيه القرآن الذي ينفي عن الرسول صلى الله عليه وسلم الشعر والكهانة ويردد أقوال المشركين من قبل عندما يقول: «ويجب الاعتراف بأن خصوم محمد كان لهم بعض الحق في اعتباره كاهنًا أو شاعرًا»

ويقول ويلز: «ويحتمل أن محمدًا رأى كنائس مسيحية في سوريا، ويكاد يكون محقَّقًا أنه كان يعرف عن اليهود وديانتهم وأنه استمع إلى سخريتهم من ذلك الحجر الأسود في الكعبة الذي كانت له السيادة على الأرباب القبلية الثلاثمئة في بلاد العرب، فهو يرى أن الحجر الأسود عبارة عن الرب الكبير الذي كانت تعبده قريش وكان مهيمنا على بقية الأرباب!!.

كل شيء يمكن أن يقال فالخرافات والأساطير تعرض وتساق كأنما هي حقائق فما الفرق بين تلك الرواية الغرامية التي تجسد ملحمة شعبية يتداولها النصارى في بلاد العرب وبين ما يقوله هؤلاء المؤرخون المحققون؟؟ لا فرق بين هذا وبين ما يقوله هؤلاء إلا أن هؤلاء دلَّسوا علينا عندما زعموا أنهم ينشدون الحقيقة.

وما ذكرناه قبل قليل يعتبر غيضًا من فيض مما كتبه بعض المستشرقين في موضوع واحد هو شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم والذي لم نسطره أكثر بكثير مما نقلناه، والمستشرقون ضلوا على علم، فهم لا يسلكون مسلك البحث النزيه وغالب المستشرقين لا يراجعون النصوص متجردين عن الهوى تاركين البحث السليم يقودهم إلى النتيجة ولكن أغلبهم يضع في ذهنه فكرة مسبقة ثم يتصيد الأدلة لإثباتها وحين يبحثون عن هذه الأدلة لا يهمهم صحتها بمقدار ما يهمهم الاستفادة منها لدعم آرائهم الشخصية، وكثيرًا ما يستنبطون الأمر الكلِّي من الحادثة الجزئية وهم يسيرون نحو هدفهم في تشويه الإسلام وتاريخه، وإذا رأوا واحدًا من طلابهم المسلمين قد كشف باطلهم واستمسك بدينه وعرف الحقيقة، فأنهم يسعون بكل سبيل لتدميره، وقد ذكر الدكتور مصطفى السباعي -رحمه الله- أن المستشرق الإنجليزي أندرسون حدَّثه بنفسه أنه أسقط طالبًا أزهريًّا تقدم للحصول على شهادة الدكتوراه؛ لأنه كتب كتابة نظيفة عن الإسلام، وكان يريده أن يكتب ما يشوِّه الإسلام.

وهم يلمعون المستشرقين الذين شوهوا الإسلام وينشرون لهم الدعاية التي ترفع ذكرهم وتعلي مكانتهم ويرفضون أن ينال أحد من مكانتهم أو يدل على أخطائهم لقد أراد الدكتور أمين المصري -رحمه الله- الحصول على شهادة الدكتوراه من جامعات إنجلترا وأحب أن يكون الموضوع الذي يكتب فيه نقد كتب «شخت» في تاريخ الفقه الإسلامي، فقد كان يريد أن ينقض آراء هذا المستشرق في الفقه الإسلامي، وتقدم إلى المستشرق أندرسون ليكون مشرفًا على رسالته فرفض ذلك بإصرار فتحول إلى جامعة كمبردج ولكنهم رفضوا طلبه أيضًا وقالوا له: إذا أردت أن تنجح في الدكتوراه فتجنب انتقاد «شخت»، فإن الجامعة لن تسمح لك بذلك!! فاضطر في النهاية إلى تحويل رسالته إلى موضوع آخرًا فَلِمَ هذا الرفض؟! لا شك أنهم يريدون إبقاء هذا الرجل في أذهان الذين يقرؤون عنه وعن كتبه عَلَمًا من الأعلام ومرجعًا فيما يكتب أو يقال.

وقد طغى علينا في فترة سابقة الشعور بالنقص، وكان كثيرًا من علمائنا يأخذون آراء هؤلاء المستشرقين قضية مسلمة، بل كان بعض الأساتذة يعتمد على آرائهم اعتمادًا كليًّا، فلا يقبل نقدًا في رأيه ونظره، وردد بعض أبناء المسلمين أقوال المستشرقين ونقلوا كتبهم ونسبوها إلى أنفسهم أمثال الدكتور طه حسين، فإنه نقل آراء المستشرق مرجليوث وضمنها في كتابه «الأدب الجاهلي»، وليس له في الكتاب رأي جديد، وكذلك الأستاذ أحمد أمين أخذ كثيرًا من آراء المستشرقين في كتبه التاريخية ونسبها لنفسه ومنهم الدكتور على حسن القط في كتابه: «نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي»، فإنه ترجمة حرفية لما كتبه جولد سيهر في كتابه: «دراسات إسلامية»، وكتاب «العقيدة والشريعة في الإسلام».

لقد آن لنا أن ندق نواقيس الخطر، وأن نطلق صفارات الإنذار وأن نواجه الأخطار التي تحيط بنا، إن الأمم رمتنا عن قوس واحدة شرقيها وغربيها، الشيوعيون والصليبيون واليهود، وقد أصبحنا أضيع من الأيتام على مأدبة اللئام، وصدق فينا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «توشك الأمم أن تتداعى عليكم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟؟ قال: «حب الدنيا وكراهية الموت» (رواه أحمد، وأبو داود)

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

لم كل هذه الحرب؟

نشر في العدد 2

38

الثلاثاء 24-مارس-1970

مفهومات خاطئة 4

نشر في العدد 14

24

الثلاثاء 16-يونيو-1970