; بريد القراء (112) | مجلة المجتمع

العنوان بريد القراء (112)

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 08-أغسطس-1972

مشاهدات 22

نشر في العدد 112

نشر في الصفحة 34

الثلاثاء 08-أغسطس-1972

سؤال وجواب

لماذا؟

لماذا يبدو «الحل الإسلامي» صوتًا خافتًا لا يكاد يبين؟ أو لماذا تتكاتف كل الجهود على سحق هذا الحل، وعدم طرحه على مائدة البحث الرسمي أو التفكير فيه بجدٍّ.. مجرد التفكير؟

سيستطيع أن يفهم الإجابة الصحيحة على هذا السؤال كل من أتيح له أن يقرأ تاريخنا خالصًا من التفسيرات المفتعلة والمأجورة.. وسيستطيع كذلك فهمها هذا الذي قرأ مخططات حكماء صهيون ومحاضر مؤتمرات العالم الغربي المتصلة بالشرق الإسلامي، أو بالغارة على العالم الإسلامي، وسيفهم الإجابة أكثر وأكثر هذا الذي أتيح له أن يبحث عن الحق المجرد، وأن يلمس وهو في الطريق إلى الحق تلك الأصابع الخفية التي كانت تقبع مستترة بالشعارات البراقة وراء معظم الحركات والتنظيمات التي ظهرت خلال القرنين الأخيرين، تحاول أن تصل إلى حل لمشكلة الضياع العربي، بعد أن آمنت العقلية العربية بضياعها الفكري والحضاري، وملت صورتها الكالحة التي أصبحت مظهرها الوحيد أمام جماهير الإنسانية الزاحفة نحو التقدم والتفوق.

لقد أصيبت هذه الحركات بنوع من العمى جعلها تتلمس كل طريق إلا طريق «الحــــــل الإسلامي»، وتجري وراء المواصفات الأوربية دون أن تحاول يومًا النظر إلى الأرض التي تقف عليها، وتفتش في كل حضارة قريبة أو بعيدة دون أن تتصل بتراثها وحضارتها الشامخين.

وصحيح...

نعم، صحيح أن الحل الإسلامي قد ظهر على نحو ما في بعض التجمعات والهيئات، وأنه قد نال شيئًا من العطف -ولا يزال- من بعض الذين امتطوا سنام الحكم من العالم العربي، ثم قدر الله بطريقة أو أخرى أن يتوهوا في زحمة التطورات.

وصحيح أن أقلامًا إسلامية تتناثر هنا وهناك تدعو إلى الحل الإسلامي وتكشف النقاب عن وجه أعدائه، وتوضح على نحو ما أهميته وفعاليته، وقد يدفعها «الحماس» إلى محاولة تبديد بعض الظلمات وإضاءة بعض الشموع الهزيلة في ليل الأمة الإسلامية الطويل، وربما احترقت الشموع دون أن تضيء شيئًا يُذكر، وربما أعطت هذه الشموع المحترقة أعماقًا جديدة لليل الطويل كي يستبد ويستشري.

لكن يبقى السؤال:

لماذا يبدو الحل الإسلامي صوتًا خافتًا لا يكاد يبين؟

والجواب:

إن «الحل الإسلامي» حتمية تاريخية ودينية معًا، وفي تصورنا أن حركة التاريخ لا تقف موقف العداء لحركة الكون كله، وفي تصورنا كذلك أن حركة التاريخ والكون لا تقفان موقف العداء للحركة الدينية «التي هي الإسلام في رأينا، باعتبار الإسلام الملائم الأكبر لحركة الكون والتاريخ منذ سنة ٦١٠ من التاريخ الميلادي».

وإذا كانت هناك حركة انسجام کبرى -في تصورنا- تسيطر على التاريخ الإنساني والتاريخ الطبيعي والتاريخ الديني -إذا كان هذاـ فإن أي خلل يصيب هذا الانسجام من شأنه أن يُحدث خللًا في جسم الإنسان الذي فقد القدرة على إحكام هذا التوازن.

وحركات سقوط الحضارات ترتبط ارتباطًا تامًّا ببعض الحقائق الكبرى التي كانت تشكل «مثالًا» أو «خيالًا» هامًّا تندفع إليه الأمم ذات البناء الحضاري.. فعندما تتعرض هذه الحقائق لعمليات ذبذبة واهتزاز تفقد معهما قدرتها على إشباع الأفكار والتصورات والاتجاهات.. وتهبط في سوق المجتمع تبعًا لذلك بعض القدرات الإنسانية اللازمة لاستمرار الحياة كالقدرة على الإبداع والقدرة على الاستقلال الفردي، والقدرة على التعبير، والقدرة على المواجهة الصريحة للحقائق، وعندما تشل الخلايا الخلاقة في الحضارات وتسبح في تيارات عامة -في أكثرها غوغائية- فإنها تكون رهن أخطاء فردية -والأخطاء الفردية حقيقة لا بد من الوقوع فيها- ويصبح سهلًا أن تتورط هذه المجتمعات في أخطاء جسيمة تدفع ثمنها أجيالًا من عمرها، وربما لا تتمكن من العودة إلى إحكام التوازن والانسجام.

لكن ما الحل عندما يحدث هذا؟

هناك طريق واحد: إن أسلم الطرق لانتشال الأمم من وهدتها... هو الطريق الذي ورد معناه في القول المأثور بأن: آخر هذه الأمة لا يصلح إلا بما صلح به أولها.

هكذا نهضت أوربا بعد سقوطها، فظهرت فيها حركة إحياء وبعث للتراث الإغريقي والروماني، وبدأ عصر الإبداع والخلق الذي يغازل القمر الآن، ويريد أن يستكنه إمكانية التعايش السلمي معه.

هل عرفتم لماذا يبدو الحل الإسلامي صوتًا خافتًا؟ وهل عرفتم الطريق؟!

الرابط المختصر :