; بر الأبناء (٢ من٢ ) | مجلة المجتمع

العنوان بر الأبناء (٢ من٢ )

الكاتب حسين علي الشقراوي

تاريخ النشر الثلاثاء 28-يوليو-1998

مشاهدات 15

نشر في العدد 1310

نشر في الصفحة 57

الثلاثاء 28-يوليو-1998

هذه بعض الأخطاء التربوية التي ينبغي للآباء والمربين تجنبها حتى تكتمل مسيرة التربية بعيدًا عن أي عقبات أو معوقات.

أولًا التربية بالقول دون الفعل :

فلابد للمربي حتى يكون مؤثرًا في الأبناء من أن يوافق قوله فعله قال تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفعَلُونَ  كَبُرَ مَقتًا عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفعَلُونَ ﴾(الصف: 2-٣)

وقال الشاعر:

يا أيها الرجل المعلم غيره  ***   هلاً لنفسك كان ذا التعليم

لاتنه عن خلق وتأتي مثله ***  عار عليك إذا فعلت عظيم

ولعل من أظهر الأمثلة في حياتنا - وهي كثيرة -أن يطرق رجل الباب فيسأل عن الأب - فيقول الأب لابنه: قل له أبي غير موجود.. فهذه كذبة. أو تتصل امرأة بالأم فتقول لابنتها: قولي لها: أمي مشغولة وهي غير كذلك.. فهذه أيضاً كذبة. 

وهذا إما أن يولد عند الأبناء تناقضًا في الشخصية، أو تهاونًا بالكذب على الآخرين ففي سنن أبي داود ( ٤٩٧٠) عن عبد الله بن عامر قال: «دعتني أمي يومًا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا، فقال: هاه، فقالت أعطيك.. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما أردت أن تعطيه؟ قالت: أعطيه تمرًا، فقال لها رسول الله: أما أنك لو لم تعطه شيئًا، كتبت عليك كذبة». قال أبو الطيب في عون المعبود (335/13) «وفي الحديث أن ما يتفوه به الناس للأطفال عند البكاء مثلًا، بكلمات هزلًا أو كذبًا، بإعطاء شيء أو بتخويف من شيء حرام داخل في الكذب».

 قال المنذري في الحديث: مولى عبد الله بن عامر مجهول وعند أحمد في المسند (452/2) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قال لصبي تعال هاك ثم لم يعطه فهي كذبة» قال في المجمع من رواية الزهري عن أبي هريرة ولم يسمعه منه.

ثانيًا: كثرة الانتقاد لأخطاء الطفل:

وهذا يولد عند الأطفال عدم الثقة في النفس أو بلادة الحس أحيانًا، لذا ينبغي للآباء والمربين أن يفرقوا بين الأخطاء الطفولية والأخطاء  التربوية، فالكذب خطأ وخلل تربوي ينبغي تصحيحه، وكذلك التعدي والمشاغبة وحب التخريب ونحوها.

أما سقوط الكأس مثلًا من يد الطفل أو كثرة الحركة أو توسيخ الملابس أثناء اللعب ونحوها  فأخطاء طفولية يوجه فيها الطفل بالرفق واللين، فكم كسرت الأم من كأس أو صحن وهي تغسل الأواني، فهل هذا خطأ فاحش تعاقب عليه؟ ورحم الله الشافعي حينما قال موجهًا المربين لهذه الحقيقة: المؤدب اللبيب... متغافل رفيق...

ثالثًا: الدعاء على الأبناء:

وبخاصة من الأمهات وقت الغضب. ولذا يحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك بقوله: «لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء، فيستجاب لكم» رواه مسلم. 

ولقد كان الأنبياء والصالحون يدعون الله دائمًا بصلاح الأبناء كما قال تعالى على لسان زكريا عليه السلام ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِیَّا رَبَّهُۥۖ قَالَ رَبِّ هَب لِی مِن لَّدُنكَ ذُرِّیَّة طَیِّبَةً إِنَّكَ سَمِیعُ ٱلدُّعَاۤءِ﴾ (آل عمران: ٣٨) وقال على لسان إبراهيم عليه السلام ﴿رَبَّنَا وَٱجعَلنَا مُسلِمَینِ لَكَ وَمِن ذُرِّیَّتِنَاۤ أُمَّة مُّسلِمَة لَّكَ﴾ (البقرة: ۱۲۸)

وقال تعالى على لسان الصالحين في دعائهم ﴿ رَبِّ أَوزِعنِیۤ أَن أَشكُرَ نِعمَتَكَ ٱلَّتِیۤ أَنعَمتَ عَلَیَّ وَعَلَىٰ وَ لِدَیَّ وَأَن أَعمَلَ صَـاٰلِحًا تَرضَاهُ وَأَصلِح لِی فِی ذُرِّیَّتِیۤ إِنِّی تُبتُ إِلَیكَ وَإِنِّی مِنَ ٱلمُسلِمِینَ﴾ (الأحقاف: ١٥) وقال تعالى ﴿وَٱلَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَا هَب لَنَا مِن أَزوَ جِنَا وَذُرِّیَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعیُن وَٱجعَلنَا لِلمُتَّقِینَ إِمَامًا﴾ (الفرقان: ٧٤)

 فمن البر بالأبناء الدعاء لهم بالصلاح والهداية، فإن في صلاحهم خيرًا لأنفسهم ووالديهم وفي ضلالهم شقاء لهم جميعًا، نسأل الله أن يصلح لنا ذرياتنا جميعًا.

وأن يحبب إليهم الإيمان ويزينه في قلوبهم ويكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان ويجعلهم من الراشدين.

رابعًا: الجمود في وسائل التربية :

وهذا نابع من حب تقليد الآباء وعدم القدرة أو الرغبة في تطوير الوسائل المناسبة لكل زمان، حتى قال قائلهم «نربي أبناءنا على ماربانا عليه آباؤنا» وليس هذا الكلام على إطلاقه.

فلا ينكر أحد تغير الأحوال والبيئة والمفاهيم، فما كان يصلح في السابق قد لا يصلح في هذا الزمان.. فكثرة الضرب مثلًا كانت وسيلة منتشرة في السابق، وقد لا تصلح في هذا الزمان، والتهديد بالطرد من المنزل في الماضي كان كافيًّا لزجر وردع الأبناء، وأما في زماننا فإن طرد الأبناء من المنزل - إلا في أضيق الحدود - قد يكون وسيلة لانحراف أكثر وضلال أشد على الأبناء، وبخاصة مع وجود التجمعات المنحرفة التي تتصيد الشباب لاستغلالهم وهكذا. 

لذا ينبغي على الآباء والمربين مراعاة الأحوال وتطوير وسائل التربية وعدم الجمود على تقاليد الآباء والأجداد إلا فيما تبين أنه علاج ناجع...

خامسًا: ضعف الرقابة والمتابعة:

 فبعض الآباء يتعب ويحرص على تربية أبنائه وتوجيههم، ولكنه يغفل جانب الرقابة والمتابعة، فلا يعلم متى يخرجون أو يعودون، وإلى أين يذهبون ومع من يختلطون؟ ولعل هذا نابع من الثقة الزائدة في سلوك الأبناء، ولكن هذا المبدأ غير صحيح، فكم جر مبدأ ضعف الرقابة على الأبناء من ويلات إذا خالطوا من لا تصلح صحبتهم. 

عن المرء لا تسل وسل عن قرينه *** إن القرين بالمقارن يقتدي 

ومهما كانت تربية الأبناء فإن للبيئة التي يختلطون بها تأثيرًا على سلوكهم، فليس من الحكمة أن نزج بأبنائنا في مواطن الشبهات أو أماكن الفساد بحجة صلاح تربيتهم، فإن الهدم أسرع كثيرًا من البناء والإفساد أسهل من الإصلاح وبخاصة قبل أن يشتد عودهم، وتقوى مناعتهم...

ألقاه في اليم مكتوفًا وقال له ***  إياك إياك أن تبتل بالماء

فالإسلام دين قائم على مبدأ الوقاية خير من العلاج، لأن المحظور إذا وقع قد يصعب علاجه أو قد تطول معاناته، وهذان أمران أحدهما مر وليس أبناؤنا محلًا للتجارب!! 

الرابط المختصر :