; هل يعود السلام إلى طاجيكستان بعد اتفاقية السلام بين الحكومة والمعارضة المسلحة | مجلة المجتمع

العنوان هل يعود السلام إلى طاجيكستان بعد اتفاقية السلام بين الحكومة والمعارضة المسلحة

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 11-فبراير-1997

مشاهدات 10

نشر في العدد 1238

نشر في الصفحة 40

الثلاثاء 11-فبراير-1997

طاجيكستان 

بعد حرب استمرت ٤ سنوات حصدت ١٠٠ ألف شخص وشردت مليون مواطن 

  • ضغوط داخلية وخارجية دفعت حكومة دوشنبه للقبول بتوقيع الاتفاقية

 إسلام أباد: المجتمع

شهدت الأزمة الطاجيكية تطورًا جديدًا في ٢٣ ديسمبر الماضي حينما وقع الرئيس الطاجيكي إمام علي رحمانوف وسيد عبد الله نوري رئيس اتحاد القوى المعارضة على معاهدة سلام تنص على تشكيل لجنة المصالحة الوطنية، وتمهد لعودة المهاجرين، وإشراك المعارضة في الحكم وأخيرًا تعيد السلام إلى هذا البلد الفقير وسط آسيا. 

وتبعت هذه المعاهدة مفاوضات بين الطرفين في طهران من 6 إلى 19 يناير الماضي لوضع تفاصيل اتفاق موسكو وتسوية المسائل العالقة بين الحكومة والمعارضة، واستطاع الطرفان خلال مفاوضات طهران تسوية مشكلة عودة المهاجرين والنازحين والموافقة على صيغة للعفو العام – غير أن خلافات أساسية حول صلاحيات لجنة المصالحة وتوفير ضمانات لعودة المعارضة وضمان حرية الأحزاب السياسية - ومن المقرر أن تبدأ المفاوضات في ٢٦ فبراير الجاري في موسكو أو طهران لتسوية الخلافات.

وفي حين يعلق كثيرون آمالهم لعودة السلام على هذه المفاوضات يرى البعض الآخر أن الوصول إلى سلام شامل مازال بعيدًا ... كيف؟

ظروف الاتفاق

قبل الخوض في تفاصيل اتفاقية المصالحة الموقعة في موسكو أو مفاوضات طهران وصلاحيتها لإنهاء الأزمة وعودة السلام الشامل يجدر بنا إلقاء نظرة سريعة على الظروف التي أحاطت توقيع الاتفاقية والأسباب التي دعت الطرفين للتوقيع عليها. 

بالنسبة لنظام دوشنبه وحكومة الرئيس رحمانوف، فهناك عدة أسباب داخلية وخارجية أدت إلى توقيع الاتفاقية أهمها:

- فشل الحكومة في السيطرة الكاملة على البلاد والإجهاز على المقاومة الإسلامية خلال أربع سنوات من عمرها رغم تواجد ٤٠ ألف جندي روسي يقومون بحراسة الحدود والمنشآت الحيوية والدعم العسكري والاقتصادي الروسي المستمر للنظام، فنظام رحمانوف يسيطر عمليًّا على ٢٥٪ من البلد ونظريًّا على ٦٠٪ وذلك أن المقاومة الإسلامية التي تقودها حركة النهضة بقيادة عبد الله نوري تسيطر على ٤٠٪ شرق البلد وهناك عصيان مدني ضد سلطة رحمانوف في ولاية خوجيد الشمالية ومناطق غرب العاصمة مثل تورسون زادة وقباويان، حيث الأغلبية الأوزبكية تقطن فيها، وقد تكبدت حكومة رحمانوف خسائر فادحة شرق العاصمة في وادي تراتيكين في ٨ ديسمبر الماضي وسقطت خمس مدن رئيسية في أيدي مجاهدي النهضة الإسلامية، مما كان له أثر كبير في تقديم الحكومة تنازلات ملحوظة في موسكو وطهران.

- انعدام الأمن في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة حتى داخل العاصمة، حيث تنشط مافيا المخدرات والتهريب ومجموعات مسلحة خارجة عن سيطرة النظام.

- المشكلات الاقتصادية والمالية التي تثقل كاهل المواطن العادي والحكومة في نفس الوقت، حيث تعد طاجيكستان أساسًا بلدًا فقيرًا بين جمهوريات آسيا الوسطى، ثم دمرت الحرب الدائرة هناك منذ أربع سنوات كثيرًا من البنية التحتية للاقتصاد والمرافق الحيوية ولاسيما في الجنوب، ونظام دوشنبه يعاني كذلك من المتاعب الاقتصادية والمالية التي تمر بها روسيا أيضًا حيث تشكل المصدر الأساسي لدعم حكومة دوشنبه. 

ويعاني نظام رحمانوف حاليًا من عزلة سياسية واقتصادية من باقي جمهوريات آسيا الوسطى نظرًا للتواجد الروسي العسكري الضخم في أراضي طاجيكستان، حيث تعتبر هذه الجمهوريات الوجود الروسي خطرًا على أمنها على المدى البعيد.

أما المعارضة وعلى رأسها حركة النهضة الإسلامية فهي ترى أن وضعها العسكري الراهن يساعدها على مكاسب سياسية عبر المفاوضات، فالمعارضة في وضع عسكري أحسن من أي وقت آخر، منذ سنة ونصف السنة، وهي تقاتل النظام داخل البلد وليس على الحدود الأفغانية الطاجيكية بل إن هناك مناطق عديدة تسيطر عليها في شرق العاصمة وتبعد عنها ۲۰ كيلو مترًا، وبالمقابل فإن الضعف العسكري الذي يعاني منه نظام رحمانوف يساعد المعارضة في إملاء بعض شروطها على دوشنبه، فالفرصة مواتية داخليًّا وكذلك خارجيًّا، حيث انهزمت روسيا في الشيشان وتواجه ضغوطًا عديدة للانسحاب من آسيا الوسطى وطاجيكستان خصوصًا. 

وهناك سبب آخر قد يكون دعا المعارضة للتوقيع وهو تخوفها من إطالة الصراع، واستمرار الأزمة بحيث تقع المعارضة فريسة مقايضات القوى الإقليمية التي تتصارع على خيرات آسيا الوسطى، ويبدو أن المعارضة تحبذ العودة للداخل وإذا ما توفرت ظروف عودتها الأمنة، ومن ثم التحرك وسط الشعب مادام وضعها العسكري يضمن مثل هذه العودة، وبجانب هذه الأسباب هناك سببان خارجيان يكونان قد أديا دورًا بارزًا في دفع عجلة مفاوضات السلام الطاجيكية إلى الأمام، الأول: هو تقدم حركة طالبان في أفغانستان وسقوط كابل بيدها واحتمالات وقوع شمال أفغانستان كذلك تحت سيطرة طالبان ومن هذا المنطلق يمكن فهم السعي الروسي الحثيث لإنهاء الأزمة وممارسة ضغوط على رحمانوف للتوقيع على الاتفاقية، فالذي يهم روسيا حاليًا هو الحفاظ على مصالحها في آسيا الوسطى.

والسبب الثاني: هو شعور كل من روسيا وإيران بأن المحور الأمريكي وحلفاء مثل باكستان يسعى لبسط نفوذه الاقتصادي والسياسي في آسيا الوسطى ولما كانت روسيا تدعم نظام دوشنبه وتقف إيران وراء المعارضة فدفعهما الشعور المشترك للإسراع بحل الأزمة قبل أن تستغلها أمريكا وتعتبر طاجيكستان الجمهورية غير التركية الوحيدة في آسيا الوسطى التي تعتمد عليها روسيا وإيران في لعبة آسيا الوسطى الكبرى.

الاتفاق والبحث عن مكاسب

يعكس الاتفاق في عمومه رغبة الطرفين الحكومة والمعارضة في إنهاء الأزمة وعودة السلام، غير أن منطلقات كل طرف وتصوراته عن السلام تختلف عن الآخر، ففي حين يسعى نظام دوشنبه ومن ورائه روسيا للحفاظ على الوضع الموجود عبر احتواء المعارضة سياسيًا في الداخل يفتح المجال لمشاركتها في الحكم تسعى المعارضة لاستغلال موقفها العسكري والظروف الإقليمية المحيطة للحصول على مكاسب سياسية أقلها ضمان العودة الآمنة وحرية الحركة السياسية تسمح لها بعودة نشاطها السياسي ولعب دور أساسي في إدارة البلد.

 والنقطة الأكثر أهمية في اتفاقية موسكو هي تشكيل لجنة المصالحة الوطنية التي من المفترض أن يرأسها أحد أفراد المعارضة وكانت الموافقة على تشكيل لجنة مثل هذه أحد مطالب المعارضة.

والاتفاقية التي وقعت في موسكو تضم بجانب تشكيل لجنة المصالحة الاتفاق على وقف إطلاق النار طيلة فترة المفاوضات وتبادل الأسرى وضرورة إجراء عفو عام متبادل والجدير بالذكر أن المعارك توقفت فعليًّا بين الطرفين منذ توقيع الاتفاق حتى الآن.

ويشكل الخلاف على لجنة المصالحة وصلاحياتها وعدد أعضائها، نسبة كل طرف فيها موضوع المفاوضات الأساسي بين الحكومة والمعارضة، وقد تمت تسوية بعض هذه الخلافات في مفاوضات طهران التي بدأت في 6 يناير الماضي وانتهت في ۱۹ من الشهر نفسه، حيث وافق الطرفان على أن يكون عدد أعضاء اللجنة ٢٧ شخصًا يرأسها أحد أعضاء المعارضة وترددت في حينها أن المعارضة تنوي ترشيح زعيمها عبد الله نوري رئيسًا للجنة، إلا أن الأمر لم يتم بحثه رسميًّا في المفاوضات، وفيما يتعلق بنصيب كل طرف في اللجنة، فإن الخلاف مازال قائمًا وكانت المعارضة قد اقترحت أولاً أن تكون نسبة الحكومة في اللجنة ٤٠٪ و ۲۰٪ لحزب رئيس الوزراء السابق عبد الملك عبد الله جانوف وشخصيات مستقلة، في حين كانت الحكومة ترى أن يكون نصيب المعارضة ٢٠٪ فقط و ۸۰٪ من الحكومة.

واستطاع الطرفان في طهران أن يوقعا على بروتوكول لعودة المهاجرين وإعادة توطينهم الأمر الذي اعتبرته المعارضة مكسبًا جيدًا، كما وافق الطرفان على صيغة للعفو العام وتشكيل لجنة مركزية للانتخابات وصيغة اشتراك المعارضة في الحكم بحيث لا يكون للرئيس الطاجيكي حق الفيتو على تعيين أعضاء المعارضة في المناصب الحكومية.

وخلال مفاوضات طهران لم يتمكن الطرفان من الاتفاق على ضمان عودة المعارضة، حيث أصرت الحكومة على أن تقوم هي بالحماية وتوفير الأمن للشخصيات المعارضة، فيما ترى المعارضة ضرورة بقاء على الأقل ٦٠٠ مسلح للقيام بهذه المهمة، وفيما يتعلق بحرية الأحزاب والإعلام وبدء النشاط السياسي لأحزاب المعارضة خصوصًا حركة النهضة التي تقود المعارك ضد النظام فترفض الحكومة هذا الأمر حاليًا وتشترط نزع سلاح المعارضة للقبول بهذا البند ولكن المعارضة بدورها ترى أن سلاحها هو الضمان القوي الوحيد حاليًا للتسوية السياسية ولا بد من الحفاظ عليه حتى عودة السلام الشامل في البلد، وعمومًا بقيت المسائل العسكرية عالقة بين الطرفين من المتوقع التفاوض حولها في ٢٦ فبراير الجاري في موسكو أو طهران.

وأثبتت مفاوضات طهران خلال أسبوعين من المناقشات أن رؤية كل طرف تغاير عن الآخر فيما يتعلق بشكل اللجنة المصالحة الوطنية، فالحكومة تسعى لبقاء اللجنة استشارية فقط لا تحد من صلاحيات الرئيس وتعمل طبقًا لدستور الجمهورية الراهن وقوانينها الرائجة، أما المعارضة فتريدها لجنة تشريعية وذات صلاحيات واسعة، بحيث تحدث توازنًا للقوى في البلد وتعهد لعودة السلام عبر تغيير مواد الدستور وتوفير مناخ مناسب لإجراء انتخابات عامة.

وهناك نقطة خلاف أخرى بين الحكومة والمعارضة وهي إصرار المعارضة على إشراك عبد الله جانوف رئيس وزراء سابق ورئيس حزب إحياء الوطني الذي ينشط في ولاية خوجند الشمالية وغرب العاصمة، وله علاقات وطيدة مع أوزبكستان، وتتلخص رؤية المعارضة في أن رحمانوف حاليًا لا يمثل جميع الشعب وليس في موقف قوي كما كان الأمر في ٩٣ و٩٤، أما الآن فإقليم خوجند ومناطق غرب العاصمة ذات أغلبية أوزبكية لا تطيعه وأن سيطرة الحكومة فيها شكلي، فعودة السلام الشامل تتطلب إشراك القوى ذات التأثير على مجريات الأحداث في المفاوضات، ولما كان عبد الله جانوف له وزنه السياسي في البلد فيجب إشراكه في المفاوضات والتسوية العامة، أما نظام دوشنبه فإنه يماطل حاليًا في القبول بهذا الأمر ويصر على أن عبد الله جانوف ليس له وزن سياسي يذكر في البلد وقد دفع موقف الحكومة هذا عبد الله جانوف إلى تنظيم مظاهرات ضخمة في الشمال وحتى تحريك بعض العناصر الموالية له في القوات المسلحة لإثبات قوته ودوره في طاجيكستان، مما جعل الحكومة تفكر في قضية إشراكه بعد.

ومن الأسباب التي تدفع المعارضة إلى الإصرار على إشراك جانوف هو طمأنة أوزبكستان جارة طاجيكستان الهامة، وتدرك المعارضة تمام الإدراك أنه بوسع أوزبكستان ورئيسها إسلام تريجوف خلخلة الأوضاع في طاجيكستان سياسيًّا، واقتصاديًّا وعسكريًّا إذا ما شعرت بتغييب عن ساحة الأحداث الطاجيكية.

عودة السلام ...متى؟

المدة الزمنية التي وافق عليها الطرفان لتسوية الخلافات وعودة السلام في سنة ونصف كحد أقصى، وتمت تسميتها بالفترة الانتقالية، غير أن سير المفاوضات أو حجم المسائل العالقة بين الطرفين قد يزيد من عمر الفترة الانتقالية هذه، وإذا ما تمت تسوية الخلافات بصورة معقولة وأصر كل طرف على موقفه فهناك الخوف من عودة المعارك من جديد.

لا شك أن كل طرف عنده أوراقه التي يستفيد منها في المفاوضات غير أن المرونة التي لابد منها في المفاوضات ليست موجودة بقدر كاف في الطرفين، وأن ما تم الاتفاق عليه حتى الآن كلها أمور نظرية لم تدخل حيز التنفيذ بعد، ولا شك أن المشاكل الحقيقية تبرز بعد تنفيذ الاتفاق وممارسة لجنة المصالحة عملها، وعودة المعارضة إلى الحياة السياسية من جديد، لأن هناك جهات لا تريد عودة السلام إلى طاجيكستان وترى مصالحها في استمرار الحرب وهي جهات تدير مافيا المخدرات وتتحكم في دوائر الحكم في دوشنبه.

أيًّا ما كان الأمر فسير المفاوضات القادمة ومدى تقدم الطرفين في حل المشاكل العالقة سوف يحدد مصير البلد وعودة السلام إليه، فالشعب الطاجيكي يمر اليوم بمرحلة من أصعب مراحل حياته ويتطلع إلى سلام يوفر له الأمن والمعيشة والاستقلال بعد حرب استمرت أربع سنوات حصدت أرواح أكثر من ١٠٠ ألف شخص وهجرت وشردت مليون شخص آخر، ودمرت اقتصاد البلد وأرجعته إلى براثن الجيش الروسي من جديد.

الرابط المختصر :