العنوان بعد فشل الجولة العاشرة: هزائم العرب في واشنطن ونفق المفاوضات المظلم
الكاتب عاطف الجولاني
تاريخ النشر الثلاثاء 13-يوليو-1993
مشاهدات 9
نشر في العدد 1057
نشر في الصفحة 16
الثلاثاء 13-يوليو-1993
الإدارة الأمريكية أظهرت وأكدت انحيازها التام لحليفها الاستراتيجي في المنطقة ولازالت تقنع العرب بالاستمرار في مستنقع المفاوضات.
المفاوضون العرب يعلمون عدم جدوى المفاوضات لكنهم مستمرون فيها للحفاظ على مواقعهم وامتيازاتهم.
انتهت الجولة العاشرة من المفاوضات العربية الإسرائيلية دون تحقيق تقدم على أي من المسارات التفاوضية، وكان عنوانها الفشل كما هو الحال في الجولات التسع السابقة التي استغرقت حتى الآن عشرين شهرا وشهدت مفاوضات عقيمة كان العدو الصهيوني هو المستفيد الوحيد منها.
وعلى الرغم من الفشل الذريع والمتعاقب الذي خرج به المفاوضون العرب، ورغم سقوط مراهناتهم على جدية ورغبة إسحق رابين بالتوصل إلى حلول سلمية، وانحياز الوسيط النزيه والشريك الأمريكي الكامل، فإن الوفود العربية تسارع بعد عودتها من كل جولة إلى تأكيد مشاركتها في جولات تفاوضية قادمة بحجة أن المفاوضات هي الخيار الوحيد المتاح وأنها – أي الأطراف العربية – لا تريد تحمل مسؤولية إفشال المفاوضات خوفا من الدخول في مواجهة مع الإدارة الأمريكية. وللوقوف على حقيقة الوضع فيما يتعلق بالعملية التفاوضية.
لابد من وقفة تأمل لتقييم محصلة عشرين شهرا من التفاوض العقيم.
إصرار فلسطيني وعربي على المشاركة:
وصف رئيس الوفد السوري للمفاوضات الجولة العاشرة بقوله إنها كانت مخيبة للآمال، حيث إن المفاوضات على المسارات السورية والأردنية واللبنانية اقتصرت على بحث القضايا الإجرائية الشكلية، وتجمع كافة الأطراف العربية المعنية أن المفاوضات لم تحقق تقدما وأنها وصلت إلى طريق مسدود ونفق مظلم، وقد صرح المسؤولون العرب والفلسطينيون أكثر من مرة أن محصلة المفاوضات كانت صفرا ومما لا شك فيه أن الجانب الفلسطيني الذي خاض معركة صعبة لدخول المفاوضات هو أكثر الأطراف تضررا من الوضع الذي آلت إليه المفاوضات.
فالقيادة المتنفذة لـ(م.ت.ف) أسقطت جميع خياراتها وعلى رأسها خيار المواجهة والتصدي وتمسكت بخيار المفاوضات الهزيلة من أجل الحصول على حكم ذاتي لا يلبي الحد الأدنى من الحقوق وقد أدى استمرار المشاركة الفلسطينية في المفاوضات رغم التعنت الإسرائيلي إلى تعميق حالة الانقسام في الشارع الفلسطيني.
فالوفد الفلسطيني المفاوض يشهد خلافات داخلية حادة في مواقف أعضائه حول الطريقة التي يدير بها الجانب الفلسطيني مشاركته في المفاوضات، وبدأ التناقض يظهر في مواقف وتصريحات الأعضاء حيال القضايا المختلفة وفي حين يطالب البعض وفي مقدمتهم رئيس الوفد حيدر عبد الشافي بمقاطعة أو تعليق المفاوضات يصر البعض الآخر على ضرورة الاستمرار بالمشاركة أيا كانت الظروف والنتائج.
وقد دفع هذا التناقض في المواقف رئيس المجلس الوطني الفلسطيني عبد الحميد السائح إلى تقديم استقالته التي قال إنها تأتي احتجاجا على أخطاء القيادة الفلسطينية والتناقض الواضح في مواقف أعضاء الوفد الفلسطيني الذي بات منقسما على نفسه.
وقد ساهم تعليق حزب الشعب الفلسطيني الحزب الشيوعي سابقا لمشاركته في المفاوضات في تعميق الأزمة التي تعانيها القيادة الفلسطينية المتنفذة، حيث إن التيار المؤيد للتسوية والمنخرط فيها أصبح يقتصر على القيادة المهيمنة في حركة فتح وعلى جناح صغير وضعيف منشق عن الجبهة الديمقراطية.
وفي مقابل ذلك تقف الفصائل الفلسطينية العشر المعارضة للمفاوضات وعلى رأسها حركة حماس والتي تعززت طروحاتها مع استمرار الفشل المتوالي للمفاوضين الفلسطينيين.
ويمكن القول وبلا تردد أن القيادة الفلسطينية المتنفذة لم تعد تملك القدرة على اتخاذ القرار.
وأن الضغط الأمريكي والعربي بات يلعب الدور الحاسم في تحديد الموقف والقرار الفلسطيني. فمن أجل الحصول على رضا الإدارة الأمريكية وبعض الأطراف العربية الضاغطة أقدم عرفات على اتخاذ قراره الخطير بالمشاركة في الجولة التاسعة للمفاوضات. ضاربا عرض الحائط بالرفض الشعبي العارم للعودة إلى طاولة المفاوضات في ظل استمرار قضية المبعدين ومتجاوزا جميع الوعود والعهود التي قطعها على نفسه وتعود باستمرار على نقضها.
وكان عرفات قد صرح أكثر من مرة أن الجانب الفلسطيني لن يعود إلى طاولة المفاوضات قبل عودة المبعدين، وخلال لقائه مع أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني في الأردن في 4/٢/1993 أكد أنه لا مفاوضات دون عودة المبعدين هذا موقفنا النهائي ونريد حلا جذريا يؤمن عودة آمنة وسالمة لجميع المبعدين وليس القفز على قرار مجلس الأمن أو صفقة تتم بين الولايات المتحدة وإسرائيل والغريب في الأمر أن عرفات لم يجد حرجا بعد أقل من شهرين في القفز فوق قرار مجلس الأمن وفي عقد صفقة مع الأمريكيين والإسرائيليين أهمل فيها قضية المبعدين الأربعمائة مقابل عودة ٣٠ من المبعدين القدامى.
تعنت إسرائيلي كامل:
أظهر التعنت الإسرائيلي خطأ رهانات الأطراف العربية – وبخاصة الجانب الفلسطيني – التي حاولت تصویر إسحق رابين كحمامة سلام وديعة حيث ثبت بالممارسة العملية أنه لا يختلف عن سلفه الصقر شامير، بل أنه تقدم عليه في أساليب القمع والبطش فقد شهدت فترة حكمه أوسع حملات الاعتقال والتصفية الجسدية للمطاردين الفلسطينيين وهدم المنازل بالعشرات وقصفها بالصواريخ، كما شهدت أول وأكبر إبعاد جماعي منذ هزيمة عام١٩٦٧ وأطول فترة إغلاق وحصار وعزل جماعي للضفة والقطاع منذ عدة شهور.
أما على المسارات التفاوضية فإن السياسة الإسرائيلية لم تشهد أي تغير في المواقف المتعلقة بما يعتبره اليهود ثوابت وخطوطا حمراء لا يمكن تجاوزها أو التنازل عنها فرابين يصر كسلفه شامير على استمرار حركة الاستيطان التي تسارعت في عهده أفقيا وعمودياً. كما يرفض في الوقت نفسه مجرد طرح قضية القدس التي يعتبرها العاصمة الأبدية لدولة (إسرائيل).
ويرفض أن تكون محل جدل أو تفاوض، أما فيما يتعلق بالحكم الذاتي الذي يعرضه على الفلسطينيين فإنه يرفض منحهم أية سلطة حقيقية على الأرض كما يرفض أن يكون لهم الحق في إجراء انتخابات أو صلاحيات تشريعية.
الشريك الكامل والوسيط النزيه:
كشفت مفاوضات الشهور العشرين الماضية انحياز ما أطلق عليه كذبا وخداعا الوسيط النزيه» و«الشريك الكامل، حيث أظهرت الإدارة الأمريكية انحيازها التام لحليفها الاستراتيجي في المنطقة، مسقطة أحلام وآمال جميع الواهمين الذين مارسوا كل أنواع التضليل والخداع من أجل إقناع شعوبهم بجدية ونزاهة الراعي الأمريكي.
فقد تنصلت الإدارة الأمريكية من جميع الوعود التي قطعتها على نفسها لإقناع الأطراف العربية بدخول مستنقع المفاوضات، وتراجعت عن رسائل الضمانات والتطمينات التي قدمتها للأطراف العربية قبل انعقاد مؤتمر مدريد ووعدت بأن تكون مرجعية المفاوضات فهي الآن تعلن وبكل وضوح أنها لن تضغط في ظل أية ظروف على حليفها الإسرائيلي المدلل والذي تسعى بكل طاقتها إلى منحه الحد الأقصى من المكاسب السياسية من خلال استثمار الظروف التي هيأتها المفاوضات وقد برز خلال الجولة العاشرة التدخل والضغط الأمريكي السافر لصالح (إسرائيل) والذي اتضح من خلال مشروع المبادئ الأمريكي الذي اقترح في نهاية الجولة وجاء مطابقا للصيغة الإسرائيلية المقترحة، فقد أسقط المشروع الأمريكي تماما أية إشارة إلى القدس أو الولاية الجغرافية التي سيشملها الحكم الذاتي. وقد كانت المفاوضات في الجولة العاشرة على المسار الفلسطيني في حقيقتها مفاوضات مع الجانب الأمريكي الذي بدأ يتجه مؤخرا للعب دور الشراكة الكاملة والمطلقة للحليف الإسرائيلي
دينيس روس المنسق الأمريكي للمفاوضات يهودي متعصب ومنحاز بالكامل:
قد تعزز هذا الدور مع تعيين دينيس روس (اليهودي الأمريكي المتعصب) منسقا عاما للمفاوضات عن الجانب الأميركي، وهو ما ينبئ بمزيد من الانحياز الأمريكي لصالح (إسرائيل) ومزيد من الضغوط على الأطراف العربية.
ولعل المتمعن في السياسة الأمريكية إزاء المفاوضات يدرك بسهولة أنها ترتكز على مجموعة من الثوابت يأتي في مقدمتها:
۱ – الانحياز الكامل للمواقف الإسرائيلية وتبنيها والسعي لفرضها على بقية الأطراف.
۲- ممارسة أكبر قدر ممكن من الضغوط على الأطراف العربية وبشكل خاص الجانب الفلسطيني في اتجاه تقديم مزيد من التنازلات.
3- الحيلولة دون وصول المفاوضات إلى طريق مسدود، خوفا من أن يدفع ذلك المنطقة نحو اليأس والبحث عن بدائل أخرى يأتي في مقدمتها الخيار الإسلامي. لذلك فإن السياسة الأمريكية حريصة على إبقاء هامش من الأمل لدى الأطراف العربية بإمكانية الحصول على بعض النتائج من خلال المفاوضات ومن المؤسف أن جميع المسؤولين العرب يشاركون الإدارة الأمريكية في تخوفاتها من ظهور وتنامي ما يطلقون عليه التيارات المتطرفة في حال فشل تلك المفاوضات
من المستفيد من استمرار المفاوضات؟
طرح المسؤولون العرب عددا من المبررات لتسويغ مشاركتهم في العملية التفاوضية ولإقناع المواطن العربي بضرورة دخول نفق التسوية. وكان في مقدمة تلك المبررات عامل الوقت ومخاطر استمرار الواقع الحالي على مستقبل الأرض الفلسطينية التي تبتلعها سياسة (إسرائيل) الاستيطانية، وقد شدد الرئيس المصري حسني مبارك على ضرورة مشاركة الأطراف العربية في المفاوضات لإنقاذ ما تبقى من أرض فلسطين محذرا من أنه في ظل استمرار الوضع السابق فإن العرب قد لا يجدون بعد عامين ما يفاوضون عليه ويحق لنا أن نتساءل الآن وبعد مرور قرابة العامين على المفاوضات الفاشلة: ما الذي تغير في واقع السياسة الاستيطانية القائمة على قدم وساق؟ وهل رفعت المعاناة التي استخدمت مبررا للانخراط في المفاوضات عن كاهل الفلسطينيين تحت الاحتلال؟ وهل نجحت الأطراف العربية في كشف وفضح التعنت الإسرائيلي أمام الرأي العام العالمي وإقناعه بأنها دولة عدوانية غير محبة للسلام؟؟
ورغم كل ما سبق يعلن المفاوض العربي – وبلا استحياء – أنه لم يخسر شيئا في معركة المفاوضات، وأن عدم إحراز تقدم في العملية التفاوضية هو أكبر دليل على تمسكه بثوابت موقفه ونحن نقول إن الواقع هو على عكس ذلك تماما، حيث إن إسرائيل حققت العديد من المكاسب الهامة التي تشكل في محصلتها خسائر فادحة في الموقف العربي وفي مقدمتها: مكاسب إسرائيل
1. تعزز موقف (إسرائيل) الدولي بشكل كبير، ونجحت من خلال آلتها الإعلامية المتطورة في إقناع الرأي العام بأنها دولة محبة للسلام والتعايش وأن وصف العرب لها بالإرهاب والعدوان إنما هو من قبيل التجني والتشويه وكمحصلة لسياستها الناجحة في استثمار الظروف الجديدة تمكنت (إسرائيل) من كسر أية حواجز أو تحفظات كانت قد فرضت عليها في السابق، فنجحت – وبضغط أمريكي مباشر – من إلغاء قرار الأمم المتحدة بمساواة العنصرية بالصهيونية، وتمكنت من توسيع دائرة علاقاتها الدولية مع كثير من دول العالم التي: كانت تتردد في فتح علاقات معها تعاطفا أو خوفا من رد الفعل العربي.
۲.اخترقت (إسرائيل) جدار المقاطعة العربية التي شكلت أحد الأسلحة القوية في الضغط عليها اقتصاديا وثقافيا خلال السنوات السابقة وحالت دون غزوها للأسواق والعقول العربية ومع أن التوجه نحو إلغاء المقاطعة المفروضة على (إسرائيل) لايزال في بداياته فإن الضغط الأمريكي الذي تبنى هذه القضية بكل فاعلية وإخلاص ربما ينجح في وقت قريب من تحطيم هذا الجدار الصلب الذي ما كان له لينهار لولا الانخراط في المفاوضات.
3. خطت إسرائيل خطوات واسعة على طريق التطبيع والتطويع وكسر الحاجز النفسي وقتل روح الجهاد وإلغائه كخيار للمعركة. ونجحت بضغط أمريكي في استصدار قرار رسمي بإلغاء خيار الجهاد من أكبر الهيئات الإسلامية في قمة داكار بحجة أن استمرار المفاوضات ينبغي أن لا يرافقه أي تشجيع أو تحريض على العنف والإرهاب.
٤. وتمكنت (إسرائيل) كذلك من تنفيذ جميع سياساتها القمعية على الأرض والشعب الفلسطيني، مستغلة حرص العالم أجمع على عدم الإضرار بالعملية السلمية بحيث لم يشهد العامـان الأخيران أية قرارات جدية ضد الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية، وحتى قرار 799 الذي اضطر مجلس الأمن لإقراره فقد تم تجاوزه والتحايل عليه بشكل سافر فهل يبقى بعد كل ذلك مجال لجاهل أو مكابر أن يزعم بأننا لم نخسر شيئا جراء مشاركتنا في المفاوضات المذلة؟ وهل تحتاج الأطراف العربية إلى مزيد من الجولات والأعوام لاختبار صدق النوايا الأمريكية والإسرائيلية؟ نحن لا نعول كثيرا على الأطراف الرسمية كانت تتردد في فتح علاقات معها تعاطفا أو خوفا من رد الفعل العربي.
خطت إسرائيل خطوات واسعة على طريق التطبيع والتطويع وكسر الحاجز النفسي وقتل روح الجهاد وإلغائه كخيار للمعركة ونجحت بضغط أمريكي في استصدار قرار رسمي بإلغاء خيار الجهاد التي أسقطت خيار الجهاد بمسوغات الخصوم للواقع ونعتقد بأن مشاركتها لا تكمن في عدم قناعتها بعبثية المفاوضات وعدم جدواها، وإنما تكمن في حرصها القاتل على حفظ مواقعها وامتيازاتها.
والا فما معنى الاستمرار في تضليل الشعوب وتزييف الحقائق في الوقت الذي يسعى فيه العدو اليهودي إلى تقوية ترسانته العسكرية المتنامية؟
فالشعوب التي أسقطت من الحسابات الرسمية ولم تعد تشكل وزنا يعتد به في معادلة اتخاذ القرار لدى صناع السياسة العربية عليها أن تدرك أنها الخاسر الأول والوحيد من استمرار السياسات الخاطئة لأن الشعوب هي التي تبقى، وهي التي تتحمل المسؤولية كاملة في النهاية.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل