العنوان بقايا شيوعية في بلادنا
الكاتب عبدالقادر بن محمد العماري
تاريخ النشر الثلاثاء 18-مايو-1999
مشاهدات 11
نشر في العدد 1350
نشر في الصفحة 51
الثلاثاء 18-مايو-1999
ما كنت أحسب أن هناك أحزابًا شيوعية عربية باقية إلى اليوم حتى قرأت في الصحف أن ثمانية أحزاب عربية شيوعية أدانت تدخل حلف الناتو في يوغسلافيا، مما جعل أحد الكتاب العرب المعروفين ينتقد هذه الأحزاب ويندد بما يفعله الصرب بأهالي كوسوفا وبالحكم الاستبدادي في يوغسلافيا، واعتبر موقف الأحزاب الشيوعية العربية تفكيرًا تبريريًا مسؤولًا أيضًا عن تشجيع كل عمل إجرامي تقوم به السلطات المختلفة في هذا البلد العربي أو ذاك تحت مسميات مختلفة، وقد كان هذا الكاتب من المحسوبين على اليسار ممن ينطبق عليهم القول وشهد شاهد من أهلها ومما قاله الكاتب: وكم شهدنا أثناء الحرب الباردة أنظمة عربية كانت تدعي التقدم والوقوف ضد الاستعمار، ومن المؤكد أن شخصًا مثل سلوبودان ميلوسوفيتش ليس فيه نقطة واحدة للخير واحترام إنسانية الإنسان، ولكن هؤلاء المثقفين سواء كانوا في هذا الحزب أو ذاك ما زالوا مستمرين في مواقعهم لا يرون جديدًا في العالم وكأننا ما زلنا في أتون الحرب الباردة وفي أتون عملية الاستقطاب الأيديولوجية التي أفسدت الرؤية وأوقعت المثقفين العرب في خيات فكرية بسبب انحياز الرؤية وعدم الإلمام بوقائع الحياة السياسية، سواء الأوضاع المحلية العربية أو الخارجية.
وقد لفت نظري ما كتبه في عموده في صحيفة الشرق اليومية الأخ عبد الله العمادي تعليقًا على ما كتبه أحد هؤلاء في إحدى جرائد الكويت من تهجم على الخليفة العباسي المعتصم، لا لشيء إلا أن هناك روايات في التاريخ الإسلامي تقول إن المعتصم جرد جيشًا وفتح عمورية لأن امرأة أسيرة في يد الروم صرخت وقالت وامعتصماه.
ويقول الكاتب: العقل المسلم في إجازة فصاحبه لا يبحث وإنما يتلقف الأخبار كما هي دون تمحيص، وما آفة الأخبار إلا رواتها، ومن الأكاذيب التي يصدقها المسلم بغض النظر عن شهادته التي يحملها سواء كانت ابتدائي أو دكتوراه قصة المعتصم بالله حيث تعلم أبناءنا ولا نزال أن امرأة صرخت في إقليم يقال له عمورية قائلة وامعتصماه فوصلت الصرخة إلى بغداد.
الكاتب هنا عفا الله عنه بهذه العبارات كشف عن خطأ دون أن يشعر ولعله عندما سمع من أسماهم الجهلة بالتاريخ يرددون هذه القصة اشتد غيظه فأراد أن يتأكد منها في أي كتاب للتاريخ وسرعان ما ذهب يقرأ في موضوع غزوة عمورية فلم يجد في الكتاب أن امرأة صرخت في إقليم يقال له عمورية قائلة وامعتصماه. فاستعجل بكتابة المقال لينفس عما في صدره بوجود الحجة الدامغة في نظره على أولئك الذين سماهم الجهلة، ولو ضبط أعصابه لأنصف نفسه وإخوته الذين قال عنهم جهلة، إذ لم يحدث صراخ المرأة المسلمة في عمورية، ولم يقل ذلك أحد من المؤرخين بل الواقع الذي أثبته المؤرخون أن المرأة صرخت فعلًا وقالت وامعتصماه في بلد آخر كان بيد المسلمين فهجم عليه الروم واحتلوه بقيادة الملك نوفيل بن ميخائيل فقتلوا الرجال وسبوا النساء المسلمات فصرخت إحدى المسلمات وقالت وامعتصماه، فبلغ ذلك المعتصم، أي أنه أبلغ أن الروم دخلوا بلاد المسلمين وسبوا النساء وقتلوا الرجال وأن امرأة من المسلمات المسبيات صرخت وقالت وامعتصماه وكان المعتصم عندما بلغه ذلك من بعض القادمين من هناك جالسًا على سريره فنهض وقال لبيك... لبيك وصاح النفير النفير وخرج وركب دابته إلى دار العامة وأمر بجمع العساكر والتعبئة وحضر قاضي بغداد عبد الرحمن بن إسحاق وشعبة بن سهل ومعهما ثلاثمائة وثمانية وعشرون رجلًا من أهل العدالة وأشهدهم على ما وقف من الضياع فجعل ثلثًا لولده، وثلثًا لله تعالى، وثلثًا لمواليه، ثم سار يقود الجيش إلى البلاد التي استولى عليها الروم ونزعوها من أيدي المسلمين وعاثوا فيها فسادًا فمثلوا بالمسلمين مقطعين أنوفهم وآذانهم وفقأوا عيونهم وقتلوا كثيرًا من الرجال وسبوا النساء، وهذه البلاد هي زبطرة، وملطية، والمرأة المسلمة التي قالت وامعتصماه، هي من ملطية وليس عمورية كما ذكر الكاتب، أما عمورية فلم يكن فيها المسلمون ولكن المعتصم بعد أن حرر بلاد المسلمين سأل أي البلاد أمنع وأحصن فقيل عمورية لم يعرض لها أحد منذ كان الإسلام وهي عين النصرانية وهي أشرف عندهم من القسطنطينية فجهز المعتصم جهازًا لم يتجهزه خليفة قبله قط من السلاح والعدة والآلة وفتح عمورية.
انظر كتب التاريخ : جـ ٦ من كتاب الكامل لابن الأثير ص ٤٨، والبداية والنهاية لابن كثير جـ ١٠ ص ٢٨٥ وص ۲۸٦ وتاريخ الطبري جـه ص ٣٦. والقول إن المعتصم أمي جاهل لا أساس له من الصحة والذي يؤخذ عليه كأخيه المأمون هو انصياعه للمعتزلة وتأثره بعقيدة خلق القرآن وسجنه للإمام أحمد عندما رفض أن يوافق المعتزلة في عقيدتهم الفلسفية وهم يشبهون العلمانيين في عصرنا في أفكارهم الفلسفية، ويريدون حمل الناس عليها، وقد ندم المعتصم على ما جرى للإمام أحمد من أذى ندمًا كثيرًا وقد عفا الإمام أحمد عن كل من أذاه أو أساء إليه وكان يتلو في ذلك قوله تعالى ﴿وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُوٓاْ ۗ ﴾ (النور: 22) ويقول ماذا ينفعك أن يعذب أخوك المسلم بسببك فقال تعالى ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِ ۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾ (الشورى: 40)... انظر في ذلك البداية والنهاية في محنة الإمام جـ ١٠ ص ٣٣٥. والذي نحب أن نقوله هنا إن من العقل والمنطق ومبادئ الإسلام ألا يغمط الناس حقوقهم وإذا كان لكل إنسان إيجابيات وسلبيات فمن غير العدل أن تمحى كل إيجابياته ولا تبقى إلا سلبياته..
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل