; تأخير إعلان «الحكومة السياسية» لبوتفليقة.. عدم حماس الرئيس أم اختبار له؟ | مجلة المجتمع

العنوان تأخير إعلان «الحكومة السياسية» لبوتفليقة.. عدم حماس الرئيس أم اختبار له؟

الكاتب عبدالله بوفولة

تاريخ النشر الثلاثاء 26-أكتوبر-1999

مشاهدات 13

نشر في العدد 1373

نشر في الصفحة 35

الثلاثاء 26-أكتوبر-1999

يكاد الملاحظون هنا في الجزائر يجمعون على أن الإرجاء المتعمد للإعلان عن التشكيلة الحكومية الجديدة، قد ساهم في خلق جو ثقيل مفعم بالترقب المشحون بالكثير من الاستفهامات المشروعة.

بعد الوتيرة المتسارعة التي عرفها المسار السياسي غداة تربع السيد عبد العزيز بوتفليقة على كرسي الرئاسة في المرادية، بدأت الآلة تعرف بعض الجمود خاصة في الآونة الأخيرة، حيث طال الترقب لمعرفة تشكيلة الحكومة الجديدة، وأرجع البعض من المراقبين ذلك إلى «رسالة نية»، في حين فسر البعض الآخر ذلك بأنه علامة فارقة لوجود فراغ سياسي، إن لم يكن معضلة طالت البناء المؤسساتي برمته، فأحدثت فيه عطلًا عارضًا يحتاج إلى تصليح، فلقد تم تأجيل تشكيل الحكومة لمرات عدة بسبب انعقاد مؤتمر القمة الأفريقية واستفتاء الوئام المدني، ثم مشاركة الرئيس في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، الآن وقد انتهت هذه المهمات، فإن التأخر الملحوظ في إظهار الفريق الحكومي الجديد الذي وعد به بوتفليقة يدعم عدة فرضيات، أولاها ترجع سبب هذا التأخير في نية الرئيس وإرادته في الحفاظ والتحكم في تسيير البلاد، وإعطائه الوقت «للوقت» بقصد التملص من أي ضغط أو إملاء من أطراف أخرى، بل بالعكس يريد تأكيد أنه الوحيد المتحكم في سلطة القرار ومبادرة السلطة، وتجلى ذلك واضحًا في الحملة التي قام بها وحده وبطريقة فردية بمثابة الاستفتاء على الوئام المدني، وقد أتعبته، ما في ذلك ريب، إلى درجة أن البعض وصفها بـ «المحمومة» لأنه في الواقع لم تدر موضوعاتها ومضامينها الظاهرة والخفية إلا على شيء واحد هو «السلم المدني» وإعادة الشرعية الضائعة أكثر منها إرجاع السلطة الرئاسية المفقودة في دهاليز «نظام مجموعات» وجماعات نافذة ونفعية.

وإذا كان الرئيس في نظر البعض مرتاحًا ومطمئنًا من أطراف قوية داخل الأجهزة مسبقًا فمن غير المستبعد - حسب هذا الطرح - ألا يبالي بالأجهزة التي تصدر له الكادر البشري وتوفر له الإطار البنيوي، فهو يبدو غير متحمس لتشكيل «حكومته السياسية»، ومن غير المعقول أن يأخذ تشكيل حكومة خمسة أشهر منذ الإعلان عن ذلك، لو لم يكن هناك في الأمر نية مبيتة، يؤكد ذلك - حسب هذه القراءة - جملة التهجمات المباشرة التي وجهها الرئيس بوتفليقة للسلطة والإدارة ومحاولتها عرقلة المسار السياسي الذي يعرف انعتاقًا وحيوية غير معهودتين من قبل، خاصة التهجمات التي اعتبرت خطيرة واتخذت طابع التهديد والوعيد تارة وطابع الإحراج تارة أخرى وطالت موضوعات مهمة، كإلغاء المسار الانتخابي عام 1991 م - 1992 م أو الاحتكار الكبير الممارس في ظل القوانين الاستثنائية في إطار تقويم الاقتصاد وإنعاشه من طرف بعض الدوائر في السلطة، وهذه التهجمات ليست وليدة حملة استفتاء وتتجاوز سياق ظرف ومناسبة انتخابية.

ومربط الخيل - كما يقال - أن الإجماع الذي رسمه بوتفليقة لا يلقى الدعم الإيجابي من الجميع، بل أثار داخل قلب النظام نفسه - وخاصة فيما يخص مركز القرار في السلطة - ردود فعل قوية تظهر في الرفض الذي يتشكل تحت أغطية مختلفة ويطفو على السطح تحت أعين الرافضين ومباركتهم، ولكن بعيدًا عن محيطهم، ضمن هذا السياق يبحث الرئيس عن تكوين فريقه الحكومي مع أخذه الوقت الكافي وبدون استعجال حتى ينجو من شرنقة المجموعات النافذة المعهودة في مثل هذه المناسبات، ولكن إلى متى يستمر ذلك؟ الواقع أن الضرورة القصوى لإنعاش الاقتصاد، بما فيها كبريات الورشات التي تنتظره وتتطلع إليها مختلف الشرائح الاجتماعية المتضررة ليست في صالح هذا التباطؤ والتثاقل السياسي، لماذا لا يفسر هذا التباطؤ بأنه من فعل الأجهزة داخل السلطة، بل قل علامة فارقة لانسداد داخل آلة السلطة؟ وبقلبنا للتفسير الأول، يكون الطرح الثاني كالآتي: ربما أن الرئيس لا يتحكم في هذا التأخير، وممكن جدًا أن الجهات التي تمارس الضغط عليه وتريد حرمانه من تشكيل «حكومته السياسية»، وتنفيذ برنامجه للخروج من الأزمة تريد أيضًا عن طريق اختلاق العقبات والممهلات الحد من طموحاته والتقليل من نواياه، وهذه الوضعية ليست بجديدة في النظام الجزائري، لقد مورست مع الشاذلي، وبوضياف، وليس ببعيد عرفت فترة الرئيس السابق الأمين زروال أشياء من هذا القبيل، أو كما يقال «امتحان للسلطة» من هذا النوع، وفي الأخير ما النهاية المرتقبة لهذه اللعبة الجديدة التي تلعب بعيدًا عن هيئة أركان الأحزاب السياسية؟ عندما يكون مصير السلطة الحقيقية في الحسبان، فإن القاعدة في الجزائر أو في غيرها واحدة، «كل من صعد يعاود الهبوط، ومن المحتمل أن يعود ويصعد من سبق أن إنطفأ وأفل نجمه».

الرابط المختصر :