العنوان تبسيط الفقه.. الوقف
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 15-أغسطس-1972
مشاهدات 12
نشر في العدد 113
نشر في الصفحة 30
الثلاثاء 15-أغسطس-1972
الوقف من خصائص المسلمين
دعا الإسلام، في كتابـه وسنته؛ إلى البر والصدقات بكل الأساليب، وطبع أبناءه على مغالبة الشح بالسخاء والبذل، ومقاومة الأنانيـة بالمعاونة والإيثار، وتـوج تلك الدعوة وهذه التربية بنظامين فريدين شرعهما، فكان لهما أعظم الأثر في تحقيـق التكافل الاجتماعي، وإقامة المصالح العامة لجماعة المسلمين.
النظام الأول: هو «الزكاة» التي تؤخذ من أغنياء الأمة لتُرَدَّ على فقرائها.
والنظام الثاني: هو الوقف، الذي ابتكره الإسلام ولم يكن يعرفه أهل الجاهلية، والذي أکد به الإسلام معاني الخير في النفوس، وأشاع به روح البر في المجتمع؛ وسد به ثغرات كثيرة في حياة الأمة، والذي نری آثاره الآن في مختلف أقطار العالم الإسلامي، مساجد ومدارس ومستشفيات ومكتبات وسقايات وأموالًا شتى موجهة للخيرات والمصالح والمساعدات، وأصبحت تقوم عليه وزارات وإدارات لاستغلال موارده وتنظيم مصارفه، والذي يقرأ بعض ما خلفه لنا التاريخ من حجج الوقف وشروط الواقفين يتبين له بحق؛ أصالة عواطف الخير ومشاعر الرحمة والبر في هذه الأمة، لا بالإنسان فقط، بل بالحيوان في بعض الأحيان.
دليل مشروعيته
ثبتت مشروعية الوقف بالسنة وإجماع الأمة، وأبرز حديث في ذلك ما رواه الشيخان عن ابن عمر قال: «أصاب عمر أرضًا بخيبر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله، إنني أصبت مالًا بخيبـر، لم أصب قط مالًا أنفس عندي منه، فما تأمرني؟ فقال: «إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، غير أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث» قال: فتصدق بها عمر في الفقراء وفي القربى والرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف لا جناح على من وَلِيَها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقًا غير متمـول فيه».
وروى النسائي وابن ماجة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «احبس أصلها وسَبِّلْ ثمرتها» وبهذه الكلمات النبوية الموجزة لعمر في حبس أصل المال أن يباع أو يوهب أو يورث، والتصدق بالغلة والثمرة، تحددت معالم نظام الوقف، ودخل من يومها في تاريخ الإسلام وحضارة الإسلام.
معنى الوقف:
وبما ذكرنا يتضح لنا معنى الوقف الذي أخذ الفقهـاء، تعريفه من الحديث المذكور فقالوا: «الوقف حبس الأصل وتسبيل المنفعة» ولهذا يسمى الوقف حبسًا.
والأصل هو المال الذي يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه، كالأرض والدار والسلاح والكتاب والدابة، بخلاف الطعام والشراب ونحوها؛ فإنها لا ينتفع بها إلا باستهلاك عينها.
ومعنى حبسه: قطع تصرف المالك وغيره في رقبته بأي نوع من التصرفات، كالبيع والميراث والهبة.
ومعنى تسبيل المنفعة: صرف ريع الموقوف وغلته إلى جهة البر الموقوف عليها؛ كالمساجد ونحوها، أو إلى الإنسان المعين الذي وقف عليه.
حكم الوقف :
الوقف سنة من سنن الإسلام، لأنه من أعمال البر، وفعل الخير، فيدخل في قوله تعالى: ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (سورة الحج: الآية 77).
ولأنه من الصدقة الجارية التي يبقى أجرها للإنسان بعـد موته، قال صلى الله عليـه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» (رواه مسلم) وقال جابر: «لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذو مقدرة إلا وقف».
حكمة تشريعه:
وإنما شرع الإسلام الوقف لحكمتين بالغتين: إحداهما تتعلق بالواقف والثانية بالموقوف عليه، أما الواقف فإن الله؛ جلت حكمته، أتاح له بالوقف أن يمد عمله بعد موته ويطيل عمره بإطالة أثره الصالح بعده؛ كما أتاح له وهو والد وإنسان، أن يطمئن على ذريته من بعده، فيقف عليهم أملاكه ما يكفل لهم موردًا صالحًا للعيش لا يخشى من بيعـه بعد موته، وإتلاف ثمنـه واحتياجهم بعد ذلك إلى الغير.
وأما الموقوف عليه فهـى جهات البر والنفع العام التي يحرص الإسلام على إمدادها وتمويلها وبقائها؛ لتؤدي مهمتها في المجتمع، كالمساجد والمدارس ودور الكتب والمستشفيـات والملاجئ وغيرها من المرافق النافعة، ومثل ذلك أولو القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، وغيرهم من ذوي الحاجة اللازمة أو العارضة، فقد جعل الإسلام لهم بشرعية الوقف مصدرًا خصبًا أو مدادًا دائمًا لمعونتهم وسد حاجاتهم.
شروط الوقف:
لكي يكون الوقف صحيحًا ونافذًا لا بد له من شروط:
ا١- أن يكون من جائز التصرف أو من يقوم مقامه.
٢- أن يكون الموقوف مما يصح بيعه، بألا تكون منافعه محرمة كالخمر والخنزير وألا يتعلق به حق الغيـر كالمرهون.
3- أن يكون الموقوف مما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه كالعقار والحيوان والسلاح والكتب.. إلخ، وقد وقف خالد بن الوليد أدراعه وأعتاده في سبيل الله، والأعتاد ما يعده الرجال للحرب من آلة وسلاح ومركوب، ورَغَّبَ الرسول صلى الله عليه وسلم في احتباس الفرس للجهاد فقال: «من احتبس فرسًا في سبيل الله إيمانًا واحتسابًا، فإن شِبَعَه ورِيَّه وبولَه في ميزانه حسنات».
4- أن يكون على جهة بر وقربة، كالمساجد والمدارس والمساكن والأقارب، أو على إنسان معين يصح أن يملك، فلا يصح الوقف على الكنائس أو دور اللهو أو على جنس الكفار أو الفساق، لما في ذلك من إعانة على معصيـة الله، أما لو وقفها على کافر أو فاسق معين لسبب غير الكفر، كالقرابة مثلًا، فهو جائز لما روي «أن صفية بنت حُيَيٍّ زوج النبي صلى الله عليه وسلم وقفت على أخ لها يهودي».
كما لا يصح الوقف على مجهول.
5- أن يكون الوقف منجزًا فلا يصح تعليقه بموت الواقف.
6- أن يقفه على التأبيد، فلا يصح جعله إلى شهـر أو إلى سنة ونحوها لأنه أخرج مالًا من ملكه على سبيل القربة إلى الله، كعتق الرقيق فلا يجوز أن يكون إلى مدة.
أین يصرف الوقف؟
يرجع مصرف الوقف إلى شرط الواقف، لأن عمر رضي الله عنه اشترط في وقفه شروطًا، ولو لم يجب اتباع شرطه لم يكن في اشتراطه فائدة، وكذلك الزبير وغيره من الصحابة، ولهذا قال بعض الفقهاء «شرط الواقف كنص الشارع»، ويجب العمل بجميع ما شرطه ما لم يؤد إلى الإضلال بالمقصود الشرعي، فلا يعمل بشرطه مثلًا إن حرم المتأهل (المتزوج) وأعطى العزب، لأن المتأهل أحق (إذا استويا في سائر الصفات) وكذلك إذا أعطى البنين وحرم البنات.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل