العنوان تحت وطأة الأزمة المالية الآسيوية هل تنهار مملكة (بني الأصفر)؟
الكاتب صهيب جاسم
تاريخ النشر الثلاثاء 22-ديسمبر-1998
مشاهدات 21
نشر في العدد 1331
نشر في الصفحة 24
الثلاثاء 22-ديسمبر-1998
- المارد الصيني يتخبط بين الرأسمالية الحمراء والاشتراكية السياسية.
- تباطؤ النمو الاقتصادي لأول مرة منذ 6 سنوات إلى 7% سنويًّا فقط.
- تحذير من تعويم «اليوان»، وارتفاع معدلات البطالة والفساد المالي والإداري.
بدأت الأنظار تتجه مؤخرًا إلى المارد الأصفر القابع هناك في شرق آسيا بمئات ملايينه من البشر، بعد الأزمة المالية الأخيرة التي ضربت جيرانه، طارحة علامات استفهام كبيرة حول قدرة «بني الأصفر» على الخروج من هذه الأزمة كقوة اقتصادية عظمى أو العكس: الخروج كقوة منهكة ضعيفة تترنح تحت وطأة أوضاع اقتصادية سيئة في الخارج، وربما في الداخل أيضًا؟.
كوالالمبور: صهيب جاسم
لأول مرة منذ سنوات، يتباطأ النمو الاقتصادي الصيني، فالإحصاءات الرسمية المعلنة في بكين تقول: إن الربع الأول من هذا العام شهد انخفاضًا في الناتج القومي قدره ۷%، وهو الأسوأ منذ زيارة الرئيس السابق دينج سياوبنج، بزيارته المشهورة إلى الجنوب الصيني عام ١٩٩٢م.
وإذا استمر الانخفاض في العامين القادمين إلى أقل من مستوى ٥% للناتج القومي الإجمالي، فقد يسبب ذلك اضطرابات اجتماعية واسعة؛ إذ إن الضغوط المالية على الحكومة تزداد يومًا بعد يوم، وأبرزها البطالة المتفشية.
نسبة النمو التي حققتها الصين في الربع الأول والثاني من العام الحالي، كانت أقل من توقعات رئيس الوزراء زوه رونججي، الذي وضع هدفا لحكومته بأن تحقق نسبة نمو ۸%، مقارنة بـ 8.8% في العام الماضي، لكن بعض الاقتصاديين الصينيين يصرون على أن «الصين ليست يابان ثانية، ومازلنا نحتاج لبناء البنية التحتية».
الرئيس الصيني جيانج زيمين، ولأول مرة يصرح قبل شهرين بأن الصين لن تحقق نسبة نمو قدرها 8% للناتج المحلي الإجمالي، وقد اعتبر أن ذلك لا يدعو للقلق، ولكن ما يقلق العالم أن تتراجع النسبة أكثر من تراجعها الحالي، الذي وصل إلى ٧%.
وفي الحقيقة، فإن التراجع المذكور- ومع أنه أقل مما حدث في دول شرق وجنوب شرق آسيا- كان بسبب الأزمة المالية في آسيا، لذلك حذر البنك المركزي الصيني المستثمرين الأجانب من أن يراهنوا على احتياطي الصين من العملة الأجنبية البالغ ١٤٠ مليار دولار.
وقال مسؤول في البنك: إن الصين ستدافع عن عملتها لمصلحة اقتصادها الداخلي؛ لأن تعويم العملة سيرفع من حجم التضخم، ويرفع أسعار الفائدة وربما يخفض النمو الاقتصادي ككل.
ويعتقد نائب حاكم بنك الشعب الصيني، أن التعويم لن يكون أمرًا ذا نتائج إيجابية أبدًا.
وكانت «الفايننشال تايمز البريطانية» قد ذكرت أن الإدارة الحكومية للاحتياطي الأجنبي الصيني قد باعت سندات يابانية قيمتها مليارات الدولارات لإيقاف التعرض لليوان الصيني.
والمعروف أن المسؤولين الصينيين منذ أن بدأت الأزمة الآسيوية قبل ١٦ شهرًا يؤكدون أنهم سيعملون على عدم تعويم اليوان لمنع حدوث موجة انهيار لعملات آسيا، مرة أخرى بالرغم من أن ذلك قد يضر بتصدير السلع الصينية.
يقول نائب حاكم البنك لوي مينجانج: «إنني أحذر المضاربين، فالصين لاعبة قوية وعليهم ألا يخطئوا في حساباتهم...».
ويقول تقرير صادر من بكين: إن النظام البنكي الصيني لن يواجه أزمة مشابهة لأزمة الجيران الآسيويين؛ لأن البنوك الصينية لا تتعرض للديون الأجنبية بقدر كبير، ولذا لن يحاصرها الدائنون الأجانب بسهولة كتايلند، وكوريا الجنوبية أو إندونيسيا.
ولأن البنوك الصينية غالبا ما تمول أصول أموالها من إيداعات داخلية وهي واثقة من البنوك التي تمتلكها الدولة، وبأنها قادرة على توفير السيولة المطلوبة، لكن مع هذا حذر سيتي بنك من أن تشعر الحكومة الصينية بالرضا الذاتي لأدائها المالي.
إشارات وإنذار: مع كل ما قيل ويقال عن حيوية النظام البنكي الصيني، فإن القادة الصينيين في الواقع قد بدؤوا يقرؤون علامات تحذير وإنذار منذ بداية العام الجاري، لكنهم لا يعلنون ذلك في تصريحاتهم دائمًا.
فرئيس الوزراء زوه رونججي أعلن عزمه على إبعاد الاقتصاد الصيني عن أزمات أصابت جيرانه، لكنه عندما كان نائبًا لرئيس الوزراء في بداية العام، خاطب البنكيين الصينيين محذرًا إياهم من أن يصاب النظام البنكي الصيني بذعر مالي مثل ما أصاب الدول الآسيوية الأخرى.
وقال بصراحة: «إن الأزمة المالية الآسيوية توجه لنا تحديًا صعبًا، وعلينا أن نعمل على مواجهته».
ومحافظ شانغهاي وصف الأزمة بأنها إنذار يوقظنا؛ لنكون مراقبين بحذر ما يحصل في المنطقة.
هذا الكلام ظهر خاصة عندما تعرضت أسعار البورصة في هونج كونج أكثر من مرة لانهيار حاد، مما دفع الكثير من الشركات الصينية لتأخير خططها الساعية لدخول أسواق هونج كونج المالية،
ذلك، فإن الحكومة الصينية مازالت متفائلة، فهي تتبع سياسات مالية قد يكون لها أثر سلبي على المدى البعيد، لكنها تأمل بأن تبتعد بذلك عن تراجع في الأداء الاقتصادي؛ بسبب الأزمة الإقليمية، فمازالت تمتلك خيارات تمنعها من الذوبان الذي أصاب الاقتصاد العالمي، فهي ذات احتياطي أجنبي يصل إلى ١٤٠ مليار دولار، بالإضافة إلى نظامها المالي المغلق إلى حد ما.
ولأن اليوان قابل للتحويل جزئيًّا، فالصين لیست مجبرة على الضغط على أسعار الفائدة كما فعلت دول أخرى.
هذا ما تأمله الحكومة الصينية، لكن دعونانلقي نظرة على واقع التحديات الاقتصادية في الصين.
قد يبدو ما قلنا آنفًا إيجابيًّا، لكن الوجه الآخر للوضع يحمل الكثير من المظاهر السلبية، فعندما تدخل مكتبة في إحدى دول آسيا ترى كتبًا عديدة تصور ذلك الوجه الآخر مثل «الصين في أزمة» أو «التحدي الصيني».
فالاقتصاد الصيني في نظر البعض بدأ يدخل مرحلة خطيرة من النمو البطيء؛ إذ يشكك بعض الاقتصاديين في حقيقة إحصاءات الحكومة، وأن النمو قد لا تتراوح نسبته سوى بين ٣ إلى ٤% هذا العام، مما سيهدد قدرة الصين على خلق فرص عمل جديدة لمواجهة حشود العاطلين من عمال شركات القطاع العام، أو أن تجد عملًا لملايين الأيدي العامة الجديدة من الشباب الصيني، بالإضافة إلى ذلك الغموض الذي يكتنف حقيقة القطاع البنكي، والانكماش الداخلي «نقص في حجم العملة المتداولة»، والفارق الكبير الذي صنعته الرأسمالية بين الأقاليم الغنية جدًّا، والفقراء في القرى والأرياف.
ومع أن القادة الآسيويين كثيرًا ما امتدحوا الصين وسياساتها الاقتصادية، لكن عدم استقرار اقتصادها سيهدد قدرات هذه الدول على الخروج من أزمتها الخانقة، الصين اليوم تبدو وكأنها على حافة انهيار حاد بعد أن انخفض نموها من ١٣.٤% (٩٢- ٩٤) إلى 7%.
وبينما «ضمن» زوه رونججي في مارس الماضي تحقيق نسبة نمو قدرها ٨% أظهرت الأرقام ضياع هذا «الضمان» بعد عدة أسابيع فقط؛ إذ انخفض النمو بنسبة ١%، وهذا يعني فقدان ٥ إلى ٧ملايين عامل وظائفهم، ولذلك يقدر مراقبون عدد العاملين بأجر أقل مما يكفيهم بـ ۷۰ مليون شخص.
ويقدر الاقتصادي الصيني هوانجانج عدد العاطلين كليًّا في العام القادم بـ١٨ مليونًا في المدن، عدا العاطلين في القطاع الزراعي.
إن البطالة في الصين اليوم أصبحت ظاهرة عامة، في كثير من المدن، فأصحاب سيارات الأجرة في العاصمة هم من الذين طردوا من مصانع حكومية وغيرهم ممن يستخدمون ما في حوزتهم من مال؛ ليبدؤوا عملًا خاصًّا بهم؛ ليسدوا رمق جوعهم منذ أن قرر الحزب الشيوعي العام الماضي إصلاح الشركات والمصانع التي تمتلكها الحكومة، وأبرز ما قاموا به في هذا المجال طرد العمال من المصانع؛ لذا فالقادة الصينيون يدركون أن ارتفاع عدد هؤلاء قد يكون وقودًا لطوفان في المجتمع، وفي الجانب الآخر تنتج المصانع سلعًا لا يقدر الملايين على شرائها، ولكن مازالت هذه المصانع توظف ۱۱۰ ملايين عامل، وإذا ازداد عدد العاطلين منهم، فإن هذا سيؤثر على استقرار الصين، ويعمق أزمة الدول الآسيوية.
الإحصاءات الصينية بهذا الشأن لا يمكن الاعتماد عليها كليًّا، ففي الشمال الغربي ۱۲ مليون عامل يطالبون برواتب أربع أشهر مضت، لم يستلموها، وهذا النوع من التظاهر أصبح أمرًا متكررًا، وبخاصة في إقليم «حزام- الصدا» في شمال غرب البلاد؛ حيث مهد التصنيع الصيني، ولكن ليس هناك في الصين منظمات عمالية قوية كتلك التي في كوريا أو بولندا؛ إذ إن الحكومة مسيطرة على الاتحادات العمالية.
ثم إن أقوى طبقتين في المجتمع هما الجيش، وموظفو المؤسسات الحكومية، الذين ما زالت مصالحهم مأخوذة بعين الاعتبار من قبل الحكومة؛ لتفادي أي خطوة راديكالية من قبلهم.
التحدي الذي تواجهه الحكومة في هذا الشأن هو كيفية إعادة تدريب العاطلين وبخاصة من هم فوق الأربعين عامًا ممن لا يجيدون أي مهارة غير التي عملوا بها طوال عمرهم، وفقدوا فرصة العمل بها، بل وتزداد الحاجة في مجتمع اقتصاد السوق الرأسمالي، الذي اتجهت نحوه الصين إلى نظام تأمين متكامل للعاطلين، وهو مشروع تأخر تطبيقه؛ بسبب الأزمة الآسيوية والفيضانات التي اجتاحت مؤخرًا أجزاء من الصين، مع أن أساسيات هذه الفكرة موجودة في صورة خدمات للعمال تقدمها مجانيًّا المصانع الحكومية حتى بعد إخراجهم من العمل.
الاتحاد العمالي التابع للحزب الشيوعي ولتفادي أي «ثورة عمالية» أسس ٥٣٠٠ مركز تدريبي للعاطلين، أفاد ۸۰۰ألف عامل مهني الآن، وأسس أسواقًا خاصة لبيع منتجات العاطلين عن العمل بدون ضرائب، لكن على المدى الطويل، فإن حل مشكلة البطالة يعتمد على سياسات الاقتصاد الكلي من خلال تأسيس مصانع ذات كثافة عمالية، وخفض أسعار الفائدة والعجز.
لذلك بدأت الحكومة في التراجع عن «إصلاح» القطاع التجاري العام «لتفادي أي اضطراب وعدم استقرار؛ بسبب ما ينتج عن هذا الإصلاح من بطالة وحتى تخف وطأة الأزمة الآسيوية والفيضانات.
إحصاءات خادعة: لطالما استخدم الكثير من الدول سلاح الأرقام سلبًا أو إيجابًا، وفي هذه الحالة يعتقد اقتصاديون أن نسب النمو أو عدد العاطلين في الصين كما تذكره الإحصاءات الرسمية غير صحيح حتى لم يعد لبعض الأرقام قيمة حقيقية ينظر إليها.
فمثلًا ذكر تقرير أن أرباح الشركات الحكومية قد انخفضت بنسبة ۸۲% لكن التقرير عاد ليؤكد عكس ذلك تمامًا الشهر الماضي ودون تفسير.
وفي بداية العام بدأ نمو التصدير مرتفعًا، لكنه انخفض إلى أقل من ٤%، مع انخفاض الطلب على السلع الصينية في الدول الآسيوية، وفي المقابل اجتاحت الأسواق الصينية سلع آسيوية أخرى رخيصة، مما زاد الضغط على المصانع الصينية التي تعمل اليوم بنصف قدراتها الإنتاجية الحقيقية، ومع ذلك، فالبضاعة غير المباعة تتكدس، مما ينذر بانخفاض نسبة النمو خلال الربع الحالي من العام الجاري إلى ٢% فقط، وهذا ما لا تذكره الإحصاءات الرسمية.
ومع وجود فروق بين الصين واليابان فإن هناك تشابها بين المشكلات التي تواجهها الصين الآن والمشكلات التي كانت تواجهها اليابان في بداية العقد، فيما يتعلق بوضع البنوك الصينية التي تقع تحت وطأة ديون للقطاع الحكومي ومضاربي العقار منذ بداية العقد، مما يهددها بشلل في النظام البنكي.
ونقطة تشابه أخرى هي ميل الناس إلى عدم الاتفاق الزائد؛ بسبب قلقهم على الخدمات الاجتماعية، والصحية، والتعليمية التي قد يفقدونها في أي لحظة؛ إذ إن انخفاض نسبة النمو السنوات سيكون له أثر سلبي على حياة الصينيين، مما يهدد بفقدان الحكومة لشرعيتها لو ساء الوضع.
فيضانات أموال وسلع
على إثر الأزمة الآسيوية تواجه الصين نوعًا آخر من الفيضانات بالإضافة إلى الفيضانات المائية التي اجتاحتها، فمن جهة أغرقت السوق الصينية سلع آسيوية رخيصة، وفي الوقت نفسه هربت رؤوس أموال بلغت ۲۰ مليار دولار العام الماضي، ومبلغًا أكبر هذا العام.
المشكلتان مرتبطتان، فالاستيراد الرخيص يشكل ضغطًا على بكين بأن تخفض سعر عملتها؛ لتتنافس سلعها مع السلع الأخرى.
أما الشركات والأفراد داخل الصين الخائفون من شبح تخفيض العملة، فقد بدأوا يتحركون لإخراج أموالهم إلى خارج الصين.
الحكومة الصينية تواجه هذا التحدي المزدوج بإجراءات حمائية؛ لتفادي تعويم عملتها كمحاربة الصرافين غير المرخص لهم، ودعم الأسعار في بعض القطاعات كالسيارات، والحديد، والبتروكيماويات، والكهربائيات، وتفعيل خطوات تحد من الاستيراد، والاستثمار الذي يضر بالصناعات المحلية، وترى الحكومة بإجراءاتها هذه، أن أسلوبها القديم سينجح في مواجهة الرأسمالية العالمية، لكن هل ستنجح فعلاً الآن، ومصانعها معتمدة على الأسواق الدولية، ومرتبطة بهذه الرأسمالية؟.
مصادر مطلعة ذكرت أن انخفاض العملة الصينية لا مفر منه في العام المقبل، وحاليًا يُباع الدولار بـ ۸.۹ يوان، وهو أقل من السعر الرسمي بـ ٧%، ويُتوقع أن ينخفض إلى ١٢ يواناً للدولار مع نهاية عام ١٩٩٩م.
وأمام هروب رؤوس الأموال إلى الخارج، وميل الشركات إلى حفظ أربحاها في حسابات أجنبية، تسعى الحكومة نحو ربط صرافي العملة، والجمارك بشبكة مراقبة كمبيوترية موحدة؛ لمراقبة تدفق رؤوس الأموال إلى الخارج.
أما السلع الرخيصة التي تغرق أسواق الصين، فيتم بفعل التجار الأجانب الذين يشترونها من دول آسيا الأخرى، التي تشكل خطرًا على منتجات المصانع الصينية.
وإذا حاولت الحكومة تشديد قوانين الاستيراد أو الاستثمار أكثر، فإن المستثمر سيهرب إلى سوق أكثر جاذبية، وهذا تهديد آخر.
سرطان مالي
في الرابع من نوفمبر الماضي، حكمت محكمة في جنوب الصين على مسؤول كبير سابق في الحزب الشيوعي بالإعدام؛ لتقاضيه رشوة مالية وعقارات قدرها مليون دولار، كما حكم على زوجته مديرة فرع للبنك المركزي بالسجن لمدة ١٦ عامًا.
هذا مثال لما يواجه الصين من تحد آخر، وهو الفساد الإداري والمالي في جسد الحزب الشيوعي الذي يسيطر على الحكومة بكل أركانها.
قيادات الحزب تعلم خطورة ذلك لكنها على ما يبدو عاجزة عن إصلاح ذلك أو حتى تحديد انتشار هذا المرض الذي يتحدث عنه من هو خارج الحزب من المحللين.
إحدى الحوادث الأخرى خروج أهل مدينة صغيرة للتظاهر أمام مبنى قيادة الحزب؛ إذ ادعوا أن الشركة التي يعملون بها ويمتلكها الجيش قد أخذت منهم مدخراتهم.
يقول المحلل ليانج سياوشينج في كتابه «تحليل الطبقات في المجتمع الصيني»: «إن أركان الحزب قد يتحولون إلى قيادات مافيا! الشعب يخاف على مستقبله، فالحزب الشيوعي قد يحول هذا التحول أو الانفتاح إلى مجتمع يواجه الإجرام».
ويرى المراقبون أن الفساد المالي بدأ يتزايد بشكل يمكن أن نطلق عليه اسم «سرطان مالي» لا يقدر المريض وهو الحزب، على أن يعالج نفسه، وهو الفاقد لعلاجه الذي يملكه غيره من خارج نطاق السلطة.
رئيس الحزب والدولة جيانج زيمين دعا أكثر من مرة خلال العام الماضي إلى اعتبار ذلك قضية حياة أو موت للحزب والنظام.
ويبدو أن أسلوب الحزب القديم الذي يعتمد على الدعاية والترهيب أصبح فاشلًا أمام الإغراءات التي توفرها رأسمالية الصين الحمراء، ومع فقدان أعضاء الحزب كشيوعيين لأي مناعة أخلاقية ضد هذا الفساد المالي!!.
بعض مستشاري الحزب وبعض المختصين المستقلين دعوا إلى إصلاح سياسي لمواجهة هذا الفساد والتحكم به من خلال تقليل نفوذ قيادات الحزب خارجه، ولكن هل سيقدر الرئيس الصيني على فعل ذلك؟، وإذا سار في طريق الإصلاح السياسي فقد يرضي البعض، لكنه سيفتح باب التحدي أمام الحزب من قبل أصحاب آراء سياسية معارضة من خارج الحزب، والأمر من أوله إلى آخره مرفوض من قبل لجنة الانضباط والمراقبة المركزية في الحزب المحتكرة من قبل مجموعة قيادات عليا!.
وهناك لجنة أخرى تسمى قسم الترجمة في اللجنة المركزية للحزب، وهي تعنى بترجمة الأفكار غير الصينية المعنية بالقضايا السياسية، هذه اللجنة مهتمة الآن بالفساد داخل الحزب.
يقول هي زينكي أحد السياسيين في هذه اللجنة: إن الذي يسمح للفساد المالي بالانتشار هو عدم وجود لجنة مستقلة خارج الحزب تحارب الفساد المالي والإداري سواء في الحزب أو الدولة أو الشركات، والصين تمنع أي حضور سياسي معارض، والإعلام مراقب، بل ومشرف عليه مركزيًّا، والطبقة المتوسطة سياسيًّا- ضعيفة، وأما الكونجرس الوطني، والمجالس المحلية التشريعية فليس لها قدرة على إزالة قيادي من الحزب من منصبه الحكومي لفساده، وإذا كان كبار القيادات لا يواجهون التدقيق في ممتلكاتهم، فكيف ينقى الحزب من ذلك؟.
ويضيف زينكي: «إن الحل للفساد ولكثير من التناقضات التي نعيشها اليوم في الصين هو التحول نحو الديمقراطية».
إن الصين منذ ٢٠ عامًا تعيش تحولات في نظامها الاقتصادي والاجتماعي، لكنها ما زالت تحظر أي انفتاح سياسي، فبدت الحياة متناقضة بين رأسمالية اقتصادية واشتراكية سياسية، وأول خطوة يمكن القيام بها هي السماح بالانتخابات، الموجودة بشكل محدود الآن في القرى، والسماح كذلك بشكل من أشكال الانتخابات ولو المحدودة في المدن وعلى مستوى وطني.
لقد انتبهت الصين إلى الغرب اقتصاديًّا، ولكن سياسيًّا ما زال القرار يتخذ في سرية تامة بعيدًا عن أي ضغوط لأي جماعة مستقلة أو حزب أو جمعية معارضة، واتحاد تجاري أو عمالي.
وهنا يأتي دور الرشوة للتأثير على القرار الحكومي من خلال دهن أيادي قيادات الحزب.
الاقتصادي المعروف روجينجليان والاجتماعي دينج ويزهي في كتابهما: «حكم الصين: مواجهة عهد الخيارات المنظمة» يربطان بين الفساد المالي، والإصلاح السياسي، ويقولان: إن (جذور الفساد تكمن في احتكار السلطة» لكن مقابل ذلك يدافع مستشار الرئيس الصيني وانج هونينج عن موقف الحزب مؤكدا ضرورة الدفاع عن قيادته!.
الحزب في مقابل هذا التحدي يقوم بالتأكيد في جهوده على الإصلاح الاقتصادي من خلال إصلاح الشركات الحكومية كبيعها مثلًا- الذي تحدثنا عنه۔ کما تجري الآن ضغوط على الجيش والنظام القضائي لأن ينسحبا من كثير من الأعمال التجارية، غير أن الإعلام والشرطة والمحاكم واللجان القضائية واللجان الحزبية على مستوى المدن والقرى والأقاليم مازالت تحت سيطرة اللجنة المركزية للحزب وإشرافها.
وقد لوحظ خلال العامين الماضيين تغير في الخطاب القيادي للحزب الشيوعي، فمثلًا الرئيس جيانج في اجتماع الحزب الـ ١٥ في سبتمبر الماضي استخدم عبارة «حكم القانون» بدلًا من «الحكم بالقانون»، وهذا يعني أن القانون يجب ألا يكون ضامنًا لريادة الحزب، بل خاضعًا لقوانينه، لكن الواقع يشهد بأن الحزب مازال مسيطرًا على النظام القضائي والمؤسسات التي تفرض أحكامه.
رؤساء الحزب المحليون هم الذين يعينون ضباط الشرطة، ويتحكمون في رواتبهم ويؤثرون على أعمالهم والحزب كعادته يحاول استخدام الإعلام للضغط على العناصر الفاسدة فيه بدلًا من التعرض لتهديد «الإصلاح السياسي»، فتقوم الجرائد والتلفاز والمجلات بالحديث عنهم والتشهير بهم، وهو ما لم يكن موجودًا قبل ١٠ سنوات.
وأشهر البرامج في هذا المجال برنامج «المجتمع والقانون»، الذي تقدمه كسيار كسياولن في «سي سي تي في»؛ إذ يشاهده مائة مليون صيني.
بالإضافة إلى القانون والإعلام، فالتنافس على مقاعد قيادية للحزب أصبح يعرض على بعض شاشات التلفاز بعد أن كان في غاية السرية.
جذور الفساد لن يمكن استئصالها مع أن القضاة في المحاكم لم يسلموا من التشهير في الإعلام بفسادهم المالي؛ إذ يمنعون تطبيق حكم ضد منهم بدلًا من فرض العقوبة في الوقت الذي تسعى فيه الصين لبناء نظام قضائي يتماشى مع انفتاحها الاقتصادي؛ إذ أقرت المجالس التشريعية مئات القوانين في الأعوام الماضية، لكن هذه الخطوات لن تكفي ما دام النظام القضائي بأكمله يحتاج إلى إصلاح.
الحكومة حاولت إصلاح النظام بتطبيق «قانون القضاة لعام ۱۹۹٥م»، لكن ذلك بدا ناقصًا؛ إذ دعا رئيس محكمة الشعب العليا مؤخرًا إلى إصلاح شامل، وإلى دور للإعلام ليراقب دور القضاة الذي يفتقد كثير منهم الخبرة والتعليم الكافيين، حسبما يدعي ذلك كسياو يانج رئيس المحكمة.
القضية في أصولها تعود إلى عام ١٩٤٩م، عندما جاء الحزب الشيوعي للحكم، وقرر أن القانون «أداة للسيطرة على طبقة من قبل طبقة أخرى»، فأخرج القضاة والمحامين المؤهلين ووضع مكانهم الشيوعيين ومن لديهم خلفية طبقية جيدة.
واليوم يفتقد الكثير من الـ ١٧٠ ألف قاض في الصين التعليم الكافي لهذا السبب، ومع أن أعلى ١٠٠ قاضي في الصين من خريجي الكليات أو حملة الماجستير، فإن مئات الألوف الباقية، قد تكون ذات خلفية عسكرية بسيطة، وفي كثير من الأحيان يستلم القاضي الذي قد يكون جنديًّا سابقًا عمولة أو منفعة معينة من الطرف أو الطرفين اللذين يحاكمهما.
فإذا كان هذا حال النظام القضائي، فكيف يمكن أن يكون رقيبًا على أحداث الفساد المالي في الحزب والدولة والشركات.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلتداعيات ومستقبل أزمة إفلاس البنوك الثلاثة في الولايات المتحدة الأمريكية
نشر في العدد 2178
758
السبت 01-أبريل-2023