العنوان تحقيق في فتوى... «المرابحة».. وأخطاء تطبيقها في البنوك والمصاريف والشركات الإسلامية
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر السبت 19-مارس-2005
مشاهدات 21
نشر في العدد 1643
نشر في الصفحة 56
السبت 19-مارس-2005
ما زال النقاش دائرًا حول شرعية المرابحة في المصارف والشركات والمؤسسات التجارية الإسلامية وكيفية تطبيقها والأخطاء التي يمكن أن تحدث خلال عمليات التطبيق..
المجتمع. إسهامًا في النقاش الفقهي حول هذه القضية القديمة المتجددة. تعرض لثلاثة من الفتاوى الصادرة عن بيت التمويل الكويتي ومؤتمر المصرف الإسلامي الثاني بالكويت وفضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز يرحمه الله.. مع تعليق وشرح من الشيخ بدر عبد الله القناع.
فتوى مستشار بيت التمويل الكويتي للشيخ بدر المتولي عبد الباسط:
إجابة على سؤال يقول: نرجو إفتاءنا في مدى جواز قيامنا بشراء السلع والبضائع نقدًا بتكليف من الآخرين وبيعها لهم بالأجل وبأسعار أعلى من أسعارها النقدية ومثال ذلك، أن يرغب أحد الأشخاص في شراء سلعة أو بضاعة معينة لكنه لا يستطيع دفع ثمنها نقدًا، فيطلب منا شراءها له، ودفع ثمنها نقدًا ثم بيعها له بالأجل مقابل ربح معين متفق عليه مسبقًا؟
إن ما صدر من طالب الشراء يعتبر وعدًا، ونظرًا لأن الأئمة اختلفوا في هذا الوعد أهو ملزم أم لا، فإني أميل إلى الأخذ برأي ابن شبرمة رضي الله عنه الذي يقول: « إن كل وعد بالتزام لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالًا، يكون وعدًا ملزمًا قضاء وديانة» وهذا ما تشهد له ظواهر النصوص القرآنية والأحاديث، والأخذ بهذا المذهب أيسر على الناس، والعمل به يضبط المعاملات، ولهذا ليس هناك مانع من تنفيذ هذا الشرط والله ولي التوفيق... صدرت الفتوى في الرابع من جمادى الآخرة عام ١٣٩٩هـ.
شرح وبيان من الشيخ بدر عبد الله القناعي:
إن ما جاء في هذه الفتوى لفضيلة الشيخ بدر المتولي عبد الباسط المذكورة ومضمونها: «بأن كل وعد بالتزام لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالًا يكون وعدًا ملزمًا قضاء وديانة»..
هذا كلام جميل ما دامت المصارف الإسلامية تطبق وتنفذ بيوع المرابحة بموجب القواعد والضوابط الشرعية للبيوع التي فصلها، وأمرنا بها المشرع، أما إذا كانت المصارف الإسلامية وغيرها تطبق وتنفذ بيوع المرابحة بطريقة مخالفة للقواعد والضوابط الشرعية للبيوع، فإن الوعد في هذه الحالة لا يبرر ولا يبيح ولا يجيز هذا البيع إطلاقًا، وعليه لا يكون طالب الشراء الزبون، ملزمًا بالوفاء بالوعد بالشراء بطريقة وكيفية مخالفة لأمر ونهي رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيوع فيكون وعده في هذه الحالة بمنزلة الوعد الذي يحل حرامًا ويحرم حلالًا، قال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾ (الحشر: 7). وقال صلى الله عليه وسلم «... وما نهيتكم عنه فانتهوا». فيجب على المصارف الإسلامية وغيرها أن تنتهي عن مخالفة ما نهى عنه المشرع وتلتزم بالضوابط والقواعد الشرعية لصحة البيوع في المرابحة أو في غيرها.
فإذا باع المصرف الإسلامي أو الشركة أو التاجر السلع كمواد بناء أو أثاث أو سيارات أو غيرها «للزبائن قبل أن يشتري تلك السلع شراء حقيقيًا» فيكون كمن باع شيئًا لم يتم تملكه بعد أو باع شيئًا لم يتواجد عنده، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابي الجليل حكيم بن حزام وقال له: «لا تبع ما ليس عندك»، لأنه لم يتم ملكه بعد. «حديث صحيح رواه الحاكم بإسناد صحيح وأقره الذهبي ورواه أصحاب السنن الخمسة إلا أبو داود بإسناد جيد. كما رواه أبوداود في ضمن حديث».
وكذلك لو باع «المصرف الإسلامي أو الشركة أو التاجر» السلعة التي اشتراها قبل أن يقبضها قبضًا حقيقيًا، بالنقل والحيازة فإنه يكون كمن باع شيئًا قبل أن يقبضه وخالف بذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: «إذا اشتريت بيعًا فلا تبعه حتى تقبضه» «حديث صحيح رواه أحمد والدارقطني وابن حبان والنسائي والترمذي وقال حديث حسن صحيح وجزم الزيلعي في نصب الراية بصحته وقال الألباني، صحيح الجامع الصغير.... حديث رقم ٣٤٢. ١٤١ كما رواه البيهقي والطبراني، ورواه ابن حزم بإسناد آخر وجزم بصحته». وذلك لأن الملك للشيء لا يتم إلا بالقبض الحقيقي المشتمل على نقل السلعة من المكان الذي بيعت فيه إلى مكان المشتري حتى تكون عنده ثم بيعها بعد ذلك، هكذا القبض الحقيقي قبل بيع السلعة، وليس كالقبض على الورق وبيعه على الورق قبل هذه الكيفيات. وقد قال الشافعي وغيره من العلماء ما معناه:
1-ما كان يقبض باليد كالذهب والنقود ونحوه فقبضه باليد.
٢. وما كان يقبض بالنقل كالسلع وسائر المنقولات فقبضه بالنقل.
3.وما كان قبضه بالتخلية والإفراغ والتمكين كالعقار والأشجار فقبضه بالإفراغ والتمكين والتخلية، وقس على ذلك جميع الأشياء.
فلو باع «المصرف الإسلامي أو الشركة أو التاجر» السلع قبل أن يحوزها إليه «أي قبل أن ينقلها من المكان الذي اشتراها فيه إلى مكان آخر». وباعها قبل أن تكون في ضمانه، أي باعها وهي ما زالت في مكانها الذي اشتراها فيه وفي ضمان صاحب المكان الذي اشتراها منه. فإنه يكون بذلك قد خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي «نهى عن ربح ما لم يضمن» وفي لفظ «لا يحل ربح ما لم يضمن» «رواه الحاكم وقال صحيح وأقره الذهبي ورواه الطبراني بإسناد صحيح ورواه أبوداود وأحمد ورواه أصحاب السنن الأربعة ضمن حديث بإسناد صحيح». وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العتاب بن أسيد رضي الله عنه حينما استخلفه على إمارة مكة:
«.... أنههم عن بيع ما لم يقبضوا وعن ربح ما لم يضمنوا» «حديث صحيح كما في التخليص الحبير لابن حجر رقم (۱۲۰۲)، وعند البيهقي (٣١٣/٥) كذا في التلخيص الحبير».
والأحاديث الآتية توضح كيفية القبض والبيع الشرعي للسلع المنقولة ومنها «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم».
ومعناه النهي أن يبيع أحدهم الشيء في المكان الذي اشتراه فيه حتى ينقله إلى مكان آخر غير المكان الذي اشتراه فيه ثم بعد ذلك يبيعه. «رواه أبو داود بإسناد صحيح عن أبي الزناد ورواه الحاكم بإسناد صحيح وأقره الذهبي».
وكذلك جاء عن ابن عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه «نهى أن تباع السلع حيث تشترى حتى يحوزها الذي اشتراها إلى رحله وإن كان ليبعث رجالًا فيضربونا على ذلك»، «رواه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي ورواه أبوداود عن أبي الزناد واحتج به وما يحتج به أبو داود فهو صحيح عنده». ولفظه «ليبعث رجالًا فيضربونا» أي كالشرطة يضربون من يخالف نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم في كيفية البيوع، وكذلك أخرج البخاري حديث رقم (۲۱۳۱) عن ابن عمر رضي الله عنه قال: «رأيت لذين يشترون الطعام مجازفة يضربون على عهد سول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى يؤوه إلى رحالهم» أي حتى ينقلوه إلى أماكنهم قبل أن يبيعوه للآخرين.
فالشدة في المنع دليل واضح على أن العبادة في البيوع يجب تأديتها بالكيفية المقررة شرعا وليس على الورق استحسانًا، ومع الأسف الشديد، فإن المصارف الإسلامية «أغلبها» الشركات والتجار يخالفون في كثير من بيوعهم المرابحة وغيرها، كل ما جاء في هذه الأحاديث من الكيفيات والضوابط الشرعية في البيوع فيبيعون السلع في نفس المكان الذي اشتروها فيه ولم ينقلوها إلى معارضهم ومخازنهم، يبيعونها وهي ليست عندهم في حوزتهم ولا في ضمانهم ولا يخفى على المسلم أن المعاملات العبادات لها كيفيات مخصوصة لأدائها والقيام بها، فمثلًا صلاة المغرب المقررة شرعًا لأن من يستحسن في الدين فقد شرع من دون الله.
فكذلك لو باع بيعًا جائزًا كالمرابحة مثلًا يمكنه استعمال طريقة وكيفية أخرى استحسانًا له خلافًا للكيفية المقررة في النصوص الكثيرة فإن بيعه في هذه الحالة يكون باطلًا ولا يصح أن يأثم على مخالفته ويعاقب عليها لأنه لا يحق للمسلم أن يغير ما قضاه وقرره الله ورسوله في والمعاملات قال الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ﴾ (الأحزاب: 36).
فيجب على المسلم سواء كان مشتريًا أو بائعًا أو وسيطًا أن يتقي الله وليحذر أن ينتهك حرمات الله في البيوع والمعاملات كما يحذر أن ينتهك حدود الله وأوامر الله في العبادات من صلاة وزكاة وحج وصيام لأن الأعمال «من عبادات ومعاملات» إذا لم تؤد على الوجه والكيفية المقررة شرعًا فإنها تكون باطلة ومردودة ويعاقب من خالفها. وعلى المسلمين من أفراد وتجار وشركات ألا يتعاونوا مع من يخالف أمر الله ورسوله في معاملاته وبيوعه طمعًا المكسب المعجل قال تعالى: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾(المائدة: ٢) وقال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ (الطلاق: ۲) وكثير من المصارف الإسلامية والشركات الاستثمارية في الكويت وغيرها يوافق على النصوص الشرعية وعلى الفتاوى المذكورة نظريًا ويخالفها تطبيقيًا ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أو يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾(النور: 63).
الفتوى الثانية:
أوصى مؤتمر المصرف الإسلامي الثاني المنعقد في الكويت (جمادى الآخرة ١٤٠٣هـ. مارس ۱۹۸۳م) في فتواه بعدة توصيات ومنها الوصية رقم (۸) والمتعلقة بموضوعنا هذا نصها:
(۸) يقرر المؤتمر أن المواعدة على بيع المرابحة للأمر بالشراء الزبون بعد تملك السلعة المشتراة وحيازتها. «أي بعد تملك البنك والمصرف الإسلامي السلعة المشتراة ونقلها إلى ملكه وضمانه لها». ثم بيعها لمن أمر بشرائها بالربح المذكور في الوعد السابق هو أمر جائز شرعًا، طالما كانت تقع على المصرف الإسلامي مسؤولية الهلاك قبل التسليم وتبعة الرد فيما يستوجب الرد بعيب خفي.
شرح وبيان من الشيخ بدر عبد الله القناعي:
يفهم من تلك الفتوى الكريمة أن المصرف الإسلامي إذا باع السلعة قبل تملكها، أو قبل شرائها أو قبل قبضها وحيازتها فإنه يكون قد خالف تلك الفتوى التي احتج بها لأن النبي صلى الله عليه وسلم «نهي عن بيع ما لم يقبض» «حديث صحيح وقد مر ذكره» «وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم» «حديث صحيح وقد مر ذكره»: أي حتى ينقلوها ويضموها إلى مكانهم ومحلاتهم الخاصة به قبل بيعها للآخرين، فالحيازة كما هو معلوم.
شرط في صحة البيع وهي تتضمن ثلاث خطوات لا بد للبنك والمصرف الإسلامي وغيره من تحقيقها قبل البيع بالمرابحة حتى يكون بيعه صحيحًا وموافقًا للأدلة.
أولًا: على البنك أن يقبض السلمة بعد. شرائها من البائع حقيقة وواقعًا وليس على الورق فقط. وذلك تطبيقًا للأدلة.
ثانيا: يجب على البنك والمصرف الإسلامي بعد قبضه السلعة أن ينقلها من المكان الذي. اشتريت فيه إلى مكان البنك الخاص به ويضمها إليه حتى تستقر عنده في مكانه، ولا يجوز له أن. يبيعها في نفس المكان الذي اشتراها فيه، وذلك تطبيقًا للأدلة والنصوص التي تأمر بأداء تلك الكيفيات.
ثالثًا: يجب على البنك ألا يبيع السلعة قبل أن تدخل في حوزته وضمانه ويكون مسؤولًا عن تلفها وهلاكها قبل تسليمها للزبون، ويكون أيضًا مسؤولًا عن عيوبها الخفية إذا ظهرت فيما بعد. فلا بد أن يكون ضامنًا لها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعتاب بن أسيد حينما استخلفه على إمارة مكة «.... انههم عن بيع ما لم يقبضوا وعن ربح ما لم يضمنوا» «حديث صحيح كما في التخليص الحبير لابن حجر رقم (۱۲۰۲) وعند البيهقي (5/313)، كذا في التخليص الحبير، فالحيازة للسلعة تتضمن قبضها بعد شرائها ثم نقلها بعد قبضها ثم ضمانها بعد نقلها، ولا يصح البيع إلا بهذه الخطوات مجتمعة لورود الأدلة الكثيرة والنصوص الكثيرة عن المشرع في ذلك.
فإذا حقق البنك والمصرف الإسلامي تلك الخطوات الثلاث فإنه يكون قد وافق النصوص والأدلة النبوية في طرق وكيفية البيوع ووافق الفتاوى التي احتج بها وحينئذ يكون للبنك الإسلامي الحق في بيع السلعة مرابحة لمن يتفق معه على شرائها... فيجب على البنك الإسلامي أن يتقيد بما شرعه وقرره النبي صلى الله عليه وسلم في تطبيق وتنفيذ البيوع لأن كل بيع أو تصرف أو عمل إذا كان خلافًا لطريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مردود وباطل قال الرسول صلى الله عليه وسلم «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» (متفق عليه) وفي رواية لمسلم: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد»: أي مردود، ولا يعتد به إطلاقًا، وعليه لا يصح عقد أي بيع بطريقة باطلة أو مردودة سواء كان البيع بالمرابحة أو من دون مرابحة لأن البيوع والأمور التي نهى عنها المشرع لا اعتبار لها عنده فلا تصح لأن العقل يقتضي ألا يعتبر الشارع أمرًا قد نهى عنه، فالنهي عنه جمله باطلًا لا وقع ممن لم يراع نهي الشارع فلا ينعقد البيع بطريقة منهي عنها أصلًا.
فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز في الموضوع العدد القادم إن شاء الله.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل