; ظاهرة العنف عند بعض الجماعات الإسلامية «الحلقة الأخيرة» | مجلة المجتمع

العنوان ظاهرة العنف عند بعض الجماعات الإسلامية «الحلقة الأخيرة»

الكاتب د.عبدالحميد البلالي

تاريخ النشر الثلاثاء 11-يناير-1994

مشاهدات 20

نشر في العدد 1083

نشر في الصفحة 50

الثلاثاء 11-يناير-1994

المحور الرابع

المجتمع: هذه الجماعات لا شك أنها تستند إلى مبررات شرعية ومنها الحديث العمدة في مسألة الإنكار، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: «من رأى منكم منكرًا ...... إلخ». وقد قال جمهور علماء السلف بأن استخدام اليد مختص بالسلطات، وواقع الحال يقول بأن هؤلاء ليسوا بسلاطين شرعيين، بمعنى أنهم لم يأخذوا بيعة عامة من المسلمين، ولا يحكم معظمهم بشرع الله وبالتالي يقول أصحاب اتجاه العنف في الحركة الإسلامية بأن هؤلاء السلاطين فقدوا بذلك حق الطاعة، ويكون البديل منهم هم العلماء وقادة الدعوة، وهم الذين يؤخذ منهم الإذن باستخدام اليد بالتغيير، والسؤال المطروح هو هل يستند هؤلاء إلى مبررات شرعية سوى هذه، وهل ما ذهبوا إليه في أخذ الإذن من العلماء وقادة الدعوة في التغيير باليد صحيح؟

د. وائل الحساوي

لا شك أن من يرى العنف يستند إلى مبررات شرعية، ولكنها إما أن تكون غير صحيحة، أو من الشواذ التي ذكرها بعض العلماء والذين خالفوا عهود العلماء، ولكن فيما أعتقد أن الذي يشجعهم على سلوك هذا الأمر هو غياب الفهم الشرعي الصحيح للنصوص والضوابط المتعلقة بها.

خالد العدوة

هذه فعلًا إشكالية واضحة، فالنصوص واضحة بالأمر بإنكار المنكر، وهذه المناكر تستفز المسلم غيرة على دينه، ولكنه يصطدم بالواقع الذي نعيش فيه والذي لا يطبق الشرع، ولا يعتبر مثل هذه الأمور مناكر فبالتالي يقف مكتوف الأيدي، وأمام هذا النوع لابد للمسلم من ضوابط خاصة في قضية اليد فإنه منوط بالاستطاعة للمنكر –بكسر الكاف– ومنوط بالمصلحة للمنكر –بفتح الكاف– فمن استطاع أن يغير بيده يقوم بذلك بشرط ألا يترتب عليه منكر أكبر منه، ولا يدخل في هذه مسألة الدماء، لأن الدماء يحتاط لها الشرع احتياطًا عظيمًا ومن هنا يجب الحذر من الوصول إلى إراقة الدماء، وإن كان هناك بعض الأعمال الاستفزازية، وأذكر ما قاله الشيخ الغزالي في فتواه في مقتل فودة بأن قتل المرتد لا شيء فيه إلا أنه افتات على السلطة، لأن حكم الشرع غائب، ولكي يجب التنبيه على أن هذا منوط بالضرورة الشديدة التي لا مفر من دفعها، والضرورة دائمًا تقدر بقدرها.

 وأظن هؤلاء يستندون إلى فتاوى تجيز لهم قتل أو ضرب من يتأكد منه إطلاق النار عليهم، كنوع من الدفاع عن النفس، وخاصة ما يحدث في الجزائر.

محمد الراشد

لا يمكن أن نلغي تغيير المنكر باليد، وذلك لأنه موجود بالشريعة، ولكن العلماء وضعوا له ضوابط وذكر الإخوة بعضًا منها.

ولابد أن تنضبط بقضايا المفسدة والمصلحة، كما لابد أن يدرس الواقع الذي نحن فيه قربًا وبعدًا عن الإسلام، فأساليب التغيير في مجتمعات تطبق الكثير من الإسلام في واقعها يختلف عن مجتمعات لا تعترف بالإسلام في دساتيرها وجوانب حياتها، وهناك مجتمعات قامت بعض الحركات الإسلامية فيها بمحاولة التغيير باليد مما أسفر عن ذهاب مئات الضحايا ومحق بها الإسلام محقًا والسبب كله يرجع إلى عدم دراسة هذا الأمر دراسة واقعية دقيقة منضبطة بمسألة المصلحة والمفسدة. كما لابد من الإشارة إلى أن استنباط الأحكام يجب أن يسند للعلماء القادرين علي الاستنباط خاصة في قضايا التغيير باليد. ولا يترك لمن لا يملكون هذه الآلة، أو للذين يعيشون على هامش الدعوة.

د. عيسى زكى

أظن أنه لا تكمن المشكلة في المبررات الشرعية التي يستند إليها هؤلاء فقط في قضية التغيير باليد، بل إن التأصيل الشرعي غائب في عموم القضايا. كمفهوم المنكر، ومفهوم الكفر، ومفهوم الجاهلية. ونأخذ لقضية المنكر مثالًا عند هؤلاء، فما ذكره العلماء في هذه المسألة عدم الإنكار في القضايا المختلف فيها، وإنما ينكر في المجمع عليه، هذه القاعدة الواضحة عند العلماء، عند الكثير من هؤلاء غير مقبولة.

وعلى هذا فنقول إنه صحيح أن هؤلاء وبلا شك انطلقوا من مبررات شرعية في جمع الأمور، ولكنها غير مؤصلة تأصيلًا شرعيًا مقبولًا ومثال آخر ضد مسألة قتل المرتد، فقد يأخذوا فتوى بجواز قتل فلان ولكن تأتى مسألة فقهية أخرى، وهي هل أخذ هؤلاء بالاعتبار مسألة استتابة المرتد قبل قتله؟

وحتى في قيام دولة إسلامية جعلت مسألة التغيير باليد بين الحاكم ولم تترك للأفراد درءًا للفتنة.

المجتمع: إن من شروط الإنكار إزالته بالكلية أو التقليل منه، أما إذا لم يزل الإنكار المنكر أو لم يقلل منه، أو ترتب عليه منكر أشد منه، فإنه لابد من النظر إما بطريقة الإنكار أو الظرف الزماني والمكاني وطبيعة صاحب المنكر، ذلك أن الإصرار على مثل هذا النوع من الإنكار لا يجوز الاستمرار فيه، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- أمر بقتل كعب بن الأشرف الممول المالي للحملات التي كان يقوم بها أعداء الدين، كما أمر بقتل عدة أشخاص كان لهم الأثر في محاربة الإسلام وكان على يقين أن المنكر سيزال بزوالهم وهذا ما حدث فعلًا، بينما نجده يمتنع عن إعادة بناء الكعبة على أساس إسماعيل خوفًا أن يترتب على هذا الأمر فتنة الناس في دينهم، وتمتنع أيضًا عن قتل رأس النفاق عبد الله بن أبي خوفًا أن يقول الناس محمد يقتل أصحابه، وهنا يأتي دور الحكمة عند مزاولة عملية الإنكار؟

المحور الخامس

كيف السبيل للتخلص من هذه الظاهرة؟

د. وائل الحساوي

۱- لا شك أن أهم السبل للتخلص من هذه الظاهرة هو تأصيل العلم الشرعي وعدم الاكتفاء بنقول من الإمام ابن تيمية وابن القيم وغيرهم دون ربطها بعلم شرعي موصل.

٢- الجانب الآخر هو العمل على أسلمة القوانين الموجودة لتحويل الواقع الحالي إلى واقع إسلامي، وعندما يرى أولئك الذين يعتقدون بالتغيير بواسطة اليد أن بعض الإسلاميين دخلوا البرلمان واستطاعوا تغيير بعض القوانين غير الإسلامية إلى قوانين إسلامية تهدأ نفوسهم، وتجعلهم يقلعون عما هم فيه.

د. عيسى زكى

إضافة لما تقدم به أخي الدكتور وائل وهي خطوة ضرورية:

٣- العمل على تضييق الفجوة بين العلماء والدعاة ويتحمل مسؤولية هذه الفجوة كلا الطرفين أما العلماء فبسبب بعض العلماء والذين لا يتمثلون في بعض فتاواهم الموقف الشرعي الصحيح، ويؤثرون السلامة على قولة الحق خاصة في المسائل المصيرية عندما يستفتون فيها، فما بالك إذا وقف أحد هؤلاء العلماء ضد هؤلاء الدعاة؟ مثل هذه المواقف إذا تكررت فإنها تساهم في زيادة الفجوة بين الدعاة والعلماء.

٤- إعطاء الحريات للناس وهذا الأمر كفيل بالقضاء على هذه الظاهرة، وهي مصلحة واضحة بدت للعالم الغربي، وهي التي جعلتهم يعتمدون إعطاء الحريات كمنهجية في أنظمتهم.

ولا أدرى لماذا تمتنع أنظمتنا في العالم العربي من إعطاء هذه الحريات والتي سيجنون منها مصلحة واضحة.

٥- دعوة الدعاة للحكومات أن تتبنى هي أمر الدعوة، ويسند بعد ذلك قضية إنكار المنكر للحكومات ما دامت ترى في تقييمها أن الدعاة أصبحوا يستغلون الدين، وأنهم أصبحوا أصحاب منحى سياسي، إذن لماذا لا يتم سحب البساط من تحتهم، وتبنى الحكومات جميع أمور الدعاة، من إنكار المنكر، ومعاقبة المفسدين، وأسلمة القوانين.... إلخ.

محمد الراشد

إذا كنا قد قررنا أن ظاهرة العنف عند بعض الجماعات في الحركة الإسلامية لها أجزاء متعددة، فأيضًا خيوط القضاء على هذه الظاهرة ليست جميعها بأيدينا، فاعتقد أن هناك جزءًا تستطيع الحركة الإسلامية القيام به وجزءًا تحاول الحركة الإسلامية تخفيف الضغط عليها بسبب هذه الظاهرة وجزءًا لا يمكن تلافيه بسبب طبيعة الصراع بين الإسلام وخصومه. ومن أهم ما يمكن للحركة الإسلامية القيام به في هذا المجال.

٦- التكيف مع بعض السياسات الخارجية لتخفيف الضغط على الحركات الإسلامية، حتى تزول الرياح، ويمكن للعاملين من الدعاة في المجال السياسي، أو العام ممارسة ذلك الدور.

٧- محاولة إسقاط القوانين التي تحد من الحريات، وتعديل باقي القوانين التي تساهم في نشر العدالة الاجتماعية إجراء المزيد من الحوار بين الحركة

الإسلامية وبين السلطة القابلة للحوار لإيجاد أرضية مشتركة لتخفف من الضغط على الحركة الإسلامية.

٩- غرس التربية الإسلامية الصحيحة في أوساط الحركة الإسلامية بحيث ننمي فيهم أدب الخلاف والحوار والتعامل ومنهجية الصبر، والاحتمال.

١٠- فتح الحوار مع هذه الجماعات ومحاولة جذبها لتعيش في الواقع الذي يحيط بها، وتبعدها عن عزلتها.

المجتمع: في الختام نشكر جميع الإخوة المشاركين ونسأل الله أن يكون هذا الحوار سببًا في علاج هذه الظاهرة، وتأصيلًا منهجيًا في كيفية علاجها.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

يوميات المجتمع

نشر في العدد 20

19

الثلاثاء 28-يوليو-1970

في الصميم (العدد 336)

نشر في العدد 336

16

الثلاثاء 08-فبراير-1977