العنوان تحليل تربوي: الصعوبات التي تواجه تنشئة أجيال الأمة العربية
الكاتب الدكتور محمود السلطان
تاريخ النشر الثلاثاء 24-يناير-1978
مشاهدات 9
نشر في العدد 383
نشر في الصفحة 17
الثلاثاء 24-يناير-1978
- غياب الفكر العربي الإسلامي عن مجال التربية يشكل صعوبة من صعوبات تربية الأجيال.
- كثير من مناهج التعليم العام لا يرتبط بالفكر الإسلامي ولا ينحني لعبقريته وشموله وتكامله وقدرته على توجيه التربية.
الدكتور محمود سلطان أستاذ مساعد علم التربية في جامعة الكويت له مجموعة من المؤلفات في مجال التربية وتطويرها وطرق مواكبتها للتحضر الإنساني، وقد تفضل الدكتور سلطان بكتابة هذا المقال لجريدة الرأي العام الكويتية، فرأينا نقله لقراء المجتمع لما فيه من الفائدة، ونحن نرحب بدورنا على صفحات المجتمع بأي نتاج تربوي فكري للدكتور سلطان وأمثاله من الذين يلتقون معنا في نظرتنا التربوية الإسلام، نظام تربوي فريد.
هناك صعوبات عديدة تعوق تربية أجيال هذه الأمة بالمستوى الذي يطمح فيه رواد التربية في عالمنا العربي، وهناك صعوبة نحصرها في مثل هذا الوقت المحدود، ولكني سأحاول قدر الإمكان أن أعرض لبعضها في اقتضاب كبير.
إن التربية المدرسية وأقصد بها تلك التربية التي تتم في المدارس في مراحل التعليم المختلفة، لم تخضع بعد للدراسة العلمية على نحو كامل أو نحو متكامل، صحيح أن هناك اجتهادات من علماء التربية وأساتذتها لكى يقدموا شيئًا ما في هذا المجال، ولكن ما زال المشوار طويلًا، ومع ذلك فرحلة الألف ميل أولها خطوة.
وأعتقد أننا نخطو الآن هذه الخطوة الأولى، ونتمنى أن نقطع الألف ميل بإذن الله تعالى، وهذا لا يتأتى إلا بوجود فريق من العلماء المتعاونين في هذا الميدان على مستوى العالم العربي يكونون على درجة كبيرة من التواضع العلمي، بحيث يفسحون المجال للكفاءات الشابة لكي تحتل مكانها اللائق في هذا الفريق.
أما الصعوبة الثانية فتكمن في غياب الفكر العربي الإسلامي عن مجال التربية كإطار شامل متكامل يحتضن جزئيات التربية وعناصرها، ويوجهها في خطها التربوي الإسلامي السليم، صحيح أنه ربما يكون هناك بعض الاجتهادات في هذا المجال، ولكنها لم تؤثر بعد تأثيرًا حقيقيًا في توجيه مناهج التعليم وأهدافه، ولا زلنا نرى مناهج في التعليم العام مبعثرة لا رابطة بينها، وكثيرها لا يرتبط بهذا الفكر الإسلامي، ولا ينحني لعبقريته وشموله وتكامله وعمقه وقدرته على توجيه التربية، وتوجيه الحياة كلها في كل بيئة، بل وفي كل وقت أما الصعوبة الثالثة فهي مترتبة على الصعوبة الثانية، وهي أن المواقع التربوية المؤثرة في الأجيال، أو ما يمكن أن نطلق عليها القوى التربوية المشتركة في بناء الأجيال وتنشئتها، أو ما يسميه بعض رجال التربية المدرسية والتربية اللامدرسية فهي الأخرى يعوزها الإطار الفكري الموحد الذي يوجهها لبناء أجيال متكاملة الشخصية، ومتكاملة الفكر، وموجهة في سلوكها بفكر واضح يجمعها في كل ما يسمح في داخله بالتنوع والنمو الفردي، ويؤدي إلى التكامل والتماسك الاجتماعي.
وهذه الصعوبة الثالثة سوف أناقشها بشيء ما من التفصيل بقدر ما يسمح به وقتنا هنا.
قلنا إن القوى التربوية التي تخضع لها الأجيال في المجتمع بعضها قوى مدرسية وبعضها لا مدرسية.
وما المجتمع نفسه إلا قوة تربوية، فالتربية بالنسبة للناس عمومًا وللصغار خصوصًا تتم عن طريق مواقف الحياة المتعددة والمتكررة في المجتمع.
والمحلل للمجتمع وللقوى التربوية فيه من هذه الزاوية يجده، ويجدها، أهدافًا أساسية في حياة المجتمعات، يتعلم فيها الناس، ويكتسبون منها معرفة، وقيمًا، واتجاهات، فتتكون مقومات شخصياتهم، وتتشكل فيها عناصر السلوك الإنساني والضبط الاجتماعي لديهم، ويكون الأفراد عناصر في هذه المواقف التربوية يتخذ بعضهم موقف المعلم، وبعضهم الآخر موقف المتعلم، وكل من المعلم والمتعلم يتفاعلان تفاعلًا تلقائيًا في هذه المواقف الحياتية.
وهذه المواقف المتعددة والمتكررة في المجتمع تعتبر القوى المربية التي تجعلنا نقول بأن المجتمع ككل يعتبر قوة مربية، حتى ليمكن القول بأن التربية في المجتمع تتم من خلال قوى عديدة، وبوسائل متنوعة، وفي أماكن كثيرة، تتم في المنزل، وفي وسائل المواصلات، ودور العبادة وفي الأندية ومن خلال الجيرة، والأقارب والأصدقاء.
ثم تأتي المدرسة كمؤسسة متخصصة أنشأها المجتمع لتعاونه تنشئة الأجيال بطريقة مرتب لها ترتيبًا علميًا الاجتماعي، والتفاعل الإنساني، والاستمرار الثقافي؟
ومعنى ذلك أن عملية التربية وعملية الاستمرار الثقافي تتم في المجتمع خلال قناتين قناة مدرسية، وقناة لا مدرسية متناقضتان إلى حد كبير أو صغير، وذلك بسبب اختلاف الأهداف وتناقض المناهج في كل من القناتين، ويتسبب ذلك في تمزق الأجيال، وتشتتهم، ووقوعهم فريسة للاضطرابات القيمية وللصراعات الثقافية، وبالتالي للتمزق الداخلي والصراع النفسي، وربما للضياع الخلقي والروحي، ومعنى ذلك في النهاية تمزق التماسك الاجتماعي في المجتمع، وتشويه صورة البقاء والاستمرار التي يجب أن تكون قوية الملامح حتى يحدث التقدم الاجتماعي بمعدلات سريعة وراقية.
ولذلك فإنني أرى أن يخطط لكل من النوعين من التربية المدرسية واللامدرسية حتى يتكاملا في نسق واضح وفي إطار فكري متكامل حتى نجنب الأجيال التمزق والضياع.
كما أرى أيضًا أن تخضع الأسرة لخطط علمية تتربى من خلالها، بحيث تتغير فيها كثير من المفاهيم والقيم والعادات إلى ما هو أفضل شريطة أن يتمشى هذا التغير مع ما يخضع له التعليم المدرسي من إطار فكري تربوي، وأرى كذلك أن تسير الأعمال الثقافية والتربوية في وسائل الإعلام المختلفة، وفقًا لخطة علمية مدروسة تتمشى مع الإطار الفكري التربوي الذي تخضع له مراحل التعليم المختلفة.
وأرى أن تنوع برامج التربية والتنشئة التي يمارسها الشباب في المؤسسات التربوية المختلفة كالأندية والمساجد؛ بحيث يكون بها تربية روحية واجتماعية وعلمية، إلى جانب نشاطاتها الأساسية، ويكون ذلك كله أيضًا في كل الإطار الفكري التربوي المشار إليه سابقًا، وفي النهاية يمكن القول بأن كثيرًا من الصعوبات المختلفة للمجتمع، يمكن اختيارها إذا ما حققنا تناسقًا وتكاملًا بين جميع القوى التربوية في المجتمع، في ظل إطار فكري نستوحيه من تراثنا، ومن الاتجاهات الإيجابية في عصرنا، حتى يعانق أجيالنا العصر، في إطار القيم الإيجابية فيه، والقيم الخالدة، في تراثنا الإسلامي الخالد.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل