; مناهج التربية الوضعية ومصادرها.. (الحلقة الأولى) | مجلة المجتمع

العنوان مناهج التربية الوضعية ومصادرها.. (الحلقة الأولى)

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 12-فبراير-1980

مشاهدات 12

نشر في العدد 469

نشر في الصفحة 44

الثلاثاء 12-فبراير-1980

•كل منهج لا يستند في أصوله إلى الكتاب والسنة وما جاء به السلف يعتبر منهجًا وضعيًا

•كلمة الجهاد هي الكلمة التي ترعب الكفرة والملحدين

•هل القومية العربية هي الأصل والتراث العربي الإسلامي هو الفرع؟!

لست بصدد تعريف المنهج التربوي، فبطون كتب التربية الوضعية زاخرة بذلك. ومع هذا يمكننا أن نورد تعريفًا نقلته من كتاب المناهج للدكتور الدمرداش سرحان وزميله الدكتور منير كامل ص ٧ حيث يقول: «المنهج هو: مجموع الخبرات- التربوية- والاجتماعية والرياضية والفنية- والتي تهيئها المدرسة لتلاميذها داخل المدرسة وخارجها، بقصد مساعدتهم على النمو الشامل في جميع النواحي وتعديل سلوكهم طبقًا لأهدافها التربوية».

هذا هو تعريف المنهج بمفهومه الواسع كما يقول كتاب الدكتور الدمرداش «والذي يعمل الآن كخبير تربوي بوزارة التربية لتنفيذ خطة نظام المقررات في المدارس بمراحلها المختلفة على المدى البعيد».. فإذا ما تفحصنا هذا التعريف نجده لا يأتي على أي ذكر للمنهج الرباني أبدًا.. بل بالعكس فإنه يعطي الحرية لكل أمة أو دولة أو جماعة أن تربي ناشئتها وتعدل من سلوكهم طبقًا لأهدافها التربوية. ولا يغيب عن البال أن لكل أمة أهدافًا قد تتعارض وتتناقض مع الأمم الأخرى.. بل أحيانا مع جيرانها من شقيقاتها! والأمثلة الحية لا حصر لها. ولهذا نطلق على مثل هذه المناهج «الوضعية» أي مناهج التربية التي يقوم بوضع أسسها وأطرها العامة من يوكل إليهم الأمر.. معتمدين في ذلك على النقل والاقتباس من الغير- إن كانوا تابعين- أو الاعتماد على الخبرة والتجربة المادية التي تعتبر العقل رأس سنام التربية وآخر ما تحتكم إليه في مشاكلها أو حسب الأهداف التي ترمي إلى تحقيقها السلطة الحاكمة.

وبعبارة أخرى: كل منهاج لا يستند في أصوله إلى الكتاب والسنة المطهرة وما جاء به البعض من السلف الصالح كنماذج حية- وضحت لنا بعض المفاهيم التربوية التي وردت في الكتاب والسنة- يعتبر منهجًا وضعيًا- أي من وضع أصحابه- بغض النظر عن كونه صوابًا أم خطأ. ويجب أن أوضح من البداية أنه ليس كل منهج وضعي خطأ في حد ذاته.. فقد يكون صحيحًا في نظر جميع من يطلق عليهم «رجال التربية» وقد يكون صحيحًا في نظر أصحابه على الأقل.

كما أنه في المقابل.. ليس كل منهج وضعي صحيحًا على إطلاقه.. في جميع الأحوال والأزمان والبيئات، فقد يكون خطأ في نظر رجال التربية البارزين وقد يكون خطأ في بعضه. ولكن المنهج الوضعي- صحيحًا كان أم خطأ- ليس هو المنهج الذي ارتضاه الله تعالى لعباده، وليس هو المنهج الذي يؤدي بنا إلى سعادة الدنيا ونعيم الآخرة معا! فقد يؤدي إلى سعادة الدنيا، ولكن قد لا يكون لمتبعيه أو مطبقيه نصيب في الآخرة.

وبعد أن أوضحنا ما قصدنا إليه من عبارة «التربية الوضعية» فلننتقل إلى مصادرها والأسس التي تقوم عليها.

المصادر التي تعتمد عليها مناهج التربية الوضعية

۱- رجال التربية المتخصصون: تعتمد مناهج التربية على رجال متخصصين في هذا المجال، وهؤلاء يقع عليهم العبء الأساسي في وضع مناهج التربية التي تلائم -من وجهة نظرهم- العنصر البشري الذي يضعون من أجله مناهجهم، وهؤلاء بطبيعة الحال يتفاوتون في درجة ثقافتهم ومدى اطلاعهم على النظم التربوية في العالم، وقد تجد من بينهم ذا الأفق الواسع والعقل المرن، المتجاوب مع الأفضل، وقد تجد من بينهم ذا الأفق الضيق والعقل الجامد الذي لا يتزحزح قيد أنملة -كما يقول المثل- عما يعتقده أو يراه أفضل «وهذا من وجهة نظره هو».

وهؤلاء وهؤلاء أي المتطورون والجامدون يجمعهم قاسم مشترك، وهو أنهم لا يضعون منهج الله تبارك وتعالى نصب أعينهم، وعلى أساسه يضعون خططهم بل نجد بعضهم يكتفي بالقشور والجزئيات المشتتة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وتكون النتيجة أننا بهذه الطريقة لم نوجد الإنسان المسلم النموذج، بل أوجدنا فردًا مسلمًا بالوراثة، ضائعًا بين هذا التيار وذاك، تتجاذبه الأنواء وقد لا يصمد لأقل العواصف فينساق مع التيار الذي يقع فريسة له. وهذا هو حال عشرات الآلاف من شبابنا اليوم والذين التبس عليهم الأمر فاعتقدوا أن منهج الإسلام هو فقط ما تعلموه في المدارس، واعتبروا مدرسي التربية الإسلامية قدوة لهم، مع أن الكثيرين منهم عالة على التربية الإسلامية.

ومن الناس من هو جاهز لتفصيل ما يريد الحاكم أو طغمته أو السلطة الحاكمة جماعة كانت أم فردًا، فهو كالخياط يفصل مناهجه التربوية حسب الزبون/ وكثير منهم يحرص على لقمة العيش قبل أي شيء آخر، ولو كان في ذلك ضياع دينه وخسارته لآخرته، فضلًا عن ذله في دنياه.

وإذا كان هذا بعض ما دار من نقاش في إحدى جلسات المؤتمر، فإن ما صدر عن هذا المؤتمر في المؤتمر الثالث لوزراء التربية لدليل قاطع على الاتجاه الذي تسير فيه الأمة ففي ص ٤٩ يبدأ الحديث عن الأمة العربية الواحدة في التاريخ والأرض والبيئة والثقافة واللغة والمصالح.. إلخ ثم يقول «والقومية العربية هي الواقع الإنساني والحضاري والثقافي والاجتماعي والتاريخي للأمة العربية والأفكار والمبادئ والأهداف التي تنبع من هذا الواقع وتعبرعنه».

ثم يشير إلى هدف التربية في الوطن العربي كما جاء في ميثاق الوحدة الثقافية العربية الذي أقره المؤتمر الثاني لوزراء المعارف والتربية والتعليم العرب المنعقد في بغداد سنة ١٩٦٤ بما يلي:

«تنشئة جيل عربي مستنير، مؤمن بالله مخلص للوطن العربي، يثق بنفسه وبأمته ويدرك رسالته القومية والإنسانية ويستمسك بمبادئ الحق والخير والجمال ويستهدف المثل العليا الإنسانية في السلوك الفردي والجماعي..» وهكذا إلى أن يصل إلى عبارة «جيل يملك إرادة النضال المشترك».. والمتفحص لهذه العبارات التي وردت في ميثاق الوحدة الثقافية العربية تجدها قد تکرمت فوضعت عبارة «مؤمن بالله» أما الباقي فكلمات تدعو إلى القومية والإنسانية والذوقية والمزاجية والنسبية، فكيف نتفق على تفسير مبادئ الحق والخير والجمال! وكيف نتفق على مفهوم المثل العليا الإنسانية في السلوك الفردي والجماعي.. أهي حسب ما وضعها جان جاك روسو الشاذ أم فرويد الذي يدعو إلى الشذوذ ويربط كل تصرف بالجنس أم غيرهم وغيرهم من ملة الكفر الذين يختلفون عنا عقيدة ومنهاجًا وسلوكًا! ثم تلاحظون أن الميثاق يشير إلى عبارة «جيل يملك إرادة النضال المشترك..» فهو تحاشى كلمة الجهاد، والتي حدث النقاش بسببها كما أوردنا في القصة الآنفة.. لأن كلمة الجهاد هي الكلمة التي ترعب الكفرة والملحدين وتجمع الأمة فورًا وتوحد صفوفها، وهذا ما لا يخطط له أسياد الذين تسيطر عليهم النزعة اللا إسلامية، ولهذا لا نجد لكلمة الجهاد أثرًا في جميع مؤتمراتهم ومواثيقهم، رغم أنهم يتمسحون أحيانًا ببعض الكلمات التي يشتم منها أنهم حريصون على التراث العربي الإسلامي وتطويعه من أجل خدمة أهدافهم «الشيطانية» فانظر مثلًا في ص ٥٠ من نفس المصدر تحت عنوان «الأسس القومية للمناهج»:

يقول في رقم ۲ «التراث العربي الإسلامي من أبرز مقومات القومية العربية.. لإسهامه في بناء الحضارة الإنسانية... إلخ» وهنا نقول: هل القومية العربية هي الأصل والتراث العربي الإسلامي هو الفرع! وهل جاء الإسلام من أجل إبراز مقومات القومية العربية! ثم أليس من الجهل بالإسلام أن نقول إنه أسهم في بناء الحضارة الإنسانية... فهل قرأنا آية واحدة في القرآن الكريم تشير إلى الحضارة الإنسانية! أو ليس من الظلم أن نقول بأن الإسلام جاء ليسهم في بناء الحضارة الإنسانية.. فهل جاء الإسلام ليسهم في حضارة الجاهلية- سواء كانت عن علم وتكنولوجيا أم جهل- ويصبح لبنة من لبناتها... أم أنه منهج متميز وحضارة نسيج وحدها متفردة عن كل حضارة، وعن كل جهل أو مادية لا ترتبط بعبوديتها لله الواحد القهار.

 إن الذي يصوغ مثل هذه العبارات جاهل بدينه أو متجاهل لإسلامه، وكلاهما شر على نفسه وعلى أمته، ولو عقلوا لأدركوا أن الخير كل الخير فيما أنزل الله تعالى.. وعندئذ لن يختاروا له بديلًا..!!

يتبع

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

مجليات 4

نشر في العدد 4

37

الثلاثاء 07-أبريل-1970

كيف ربّى النبي جنده؟

نشر في العدد 10

38

الثلاثاء 19-مايو-1970

لعقلك وقلبك - العدد 17

نشر في العدد 17

48

الثلاثاء 07-يوليو-1970