العنوان تحليل سياسي: أوروبا تنافس أمريكا علي النفوذ في المنطقة العربية
الكاتب عاطف الجولاني
تاريخ النشر الثلاثاء 21-فبراير-1995
مشاهدات 40
نشر في العدد 1139
نشر في الصفحة 38
الثلاثاء 21-فبراير-1995
سعت المجموعة الأوروبية منذ البداية إلى لعب دور نشط وفعال في عملية التسوية العربية الإسرائيلية، ولكن هذه الرغبة الأوروبية اصطدمت برفض إسرائيلي شديد في حينه لأي دور للمجموعة الأوروبية أو الأمم المتحدة في التسوية، وهو ما حظى آنذاك برضا وترحيب الولايات المتحدة التي حرصت على الاستئثار برعاية العملية التفاوضية، وقد قبلت المجموعة الأوروبية على مضض الدور الهامشي الذي حدد لها فى مؤتمر مدريد، ولكنها لم تكن راضية أبدًا عن ذلك، وكانت تنتظر الفرصة المناسبة للدخول على خط التسوية والحصول على دور يتناسب والدور الذي تطمح به.
وقد جاءت زيارة وفد الترويكا الأوروبية للمنطقة خلال الفترة من ۷ - ۱۰ فبراير (شباط) الحالي وشملت منطقة قطاع غزة والكيان الصهيوني وسوريا ولبنان والأردن لتلفت أنظار المراقبين الذين رأوا فيها محاولة أوروبية لاختراق الاحتكار الأمريكي للإشراف على العملية التفاوضية، وبداية لمنافسة أوروبية أمريكية على النفوذ في المنطقة عبر بوابة التسوية السياسية، ولعل اختيار المجموعة الأوروبية للتوقيت الحالي للدخول بقوة على خط التسوية مسألة تثير التساؤلات. فالعملية التفاوضية تشهد في هذه المرحلة حالة من الفتور والتأزم على مختلف المسارات التفاوضية باستثناء المسار الأردني الإسرائيلي الذي قطع بتوقيع المعاهدة والبدء بتنفيذ بنودها شوطا واسعًا، وقد جاء تعثر المفاوضات ووصولها إلى طريق شبه مسدود في ظل انشغال راعيي المفاوضات بقضايا داخلية كانت على حساب الاهتمام بمتابعة ودفع عملية التسوية، فبعد خسارة الحزب الديمقراطية لانتخابات الكونجرس ومجلس النواب الأمريكي استفادته كثيرًا في الانتخابات من ورقة المعاهدة الأردنية واتفاق أوسلو، باتت الإدارة أكثر اهتمامًا بشئونها الداخلية وفرص الفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة ، وهو ما أضعف فاعلية الدور الأمريكي في إعطاء دفع للمفاوضات المتعثرة أما روسيا فقد كانت مشاركتها في رعاية المفاوضات ومتابعة الإشراف عليها ضعيفة وشكلية منذ البداية وازدادت تراجعًا في ظل أزماتها الداخلية وانشغالها بالحرب مع الشيشان هذه الظروف مثلت الفرصة المناسبة التي كانت المجموعة الأوروبية تتحينها للدخول إلى واجهة الأحداث في المنطقة، وقد صرح وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه الذى رأس وفد الترويكا الأوروبية للمنطقة، بأن الهدف من زيارة الوفد للدول المعنية بالمفاوضات تهدف إلى التأكيد على أن أوروبا عازمة أكثر من أي وقت مضى على دعم عملية السلام ومساعدتكم نحن مستعدون لمساعدتكم بتأييد سياسي له وزنه مثل الوزن المالي، ونشعر بأننا نصل اليوم إلى لحظة حرجة للغاية في مسيرة السلام.
هل فشلت مهمة الوفد الأوروبي حقا؟
فقد ساد انطباع لدى كثير من الأوساط بفشل مهمة وفد الترويكا الأوروبية في زيارته للمنطقة، والذي دفع للخروج بهذا الاستنتاج تصريح رئيس وفد الترويكا آلان جوبيه في نهاية الجولة، حيث اعترف بفشل وفد الترويكا في إحياء عملية التسوية المتعثرة وقال: «من الواضح أننا لم نستطع في مناسبة هذه المباحثات أن نجد السبيل والوسائل لإعادة إطلاق هذه العملية» فهل فشلت حقا مهمة الوفد كما صرح جوبيه ؟ وهل كانت المجموعة الأوروبية لا تدرك تمامًا حجم العقبات التي تواجه انطلاقة المفاوضات؟
إن المجموعة الأوروبية كانت تعرف مسبقًا بحكم متابعتها واهتمامها الحثيث بمجريات الأوضاع في المنطقة، أنها لن تستطيع من خلال جولة سريعة كهذه إزالة حالة الاحتقان والتأزم في العملية التفاوضية ولا نستبعد أن يكون الهدف من مثل هذه التصريحات التي أطلقها جوبيه هو تقليل حجم المخاوف الأمريكية من الدور الأوروبي الجديد، وإعطاء انطباعات متشائمة تطمئن الجانب الأمريكي فمجرد قيام وفد أوروبي رفيع بمثل هذه الزيارة للمنطقة يشكل في حد ذاته مبادرة، كما أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية الذي قال إن مهمة الترويكا في بحث العلاقات الثنائية بين دول الوحدة الأوروبية وبين المعنية بالمفاوضات، وكذلك بحث المساعدات المالية التي يمكن أن تقدمها أوروبا للفلسطينيين في مناطق الحكم الذاتي ودول المناطق المعنية بالعملية السلمية.
ومن متابعة تفاصيل زيارة وفد الترويكا الأوروبية نلاحظ أن التركيز الأوروبي كان منصبًا بدرجة أساسية على إقناع الأطراف العربية المعنية بالمفاوضات بحيوية الدور الذي يمكن أن يلعب الاتحاد الأوروبي في دعم العملية التفاوضية وفى تهيئة المناخات الاستثمارية في المنطقة، وقد أشار السفير الفرنسي في الأردن إلى أن الاتحاد الأوروبي يربى باستثمار حوالي خمسة مليارات وحدة نقد أوروبية «حوالي سبعة مليارات دولار أمريكي» في المنطقة نصفها على شكل منح، والنصف الآخر على شكل قروض.
وقد حرص وفد الترويكا الأوروبية أثناء زيارته لمنطقة الحكم الذاتي على إعلان موقفه المعارض لفرض الطوق الأمني الإسرائيلي على قطاع غزة، كما ذكر بأهمية المساعدات المالية التي قدمها الاتحاد الأوروبي لمنطقة الحكم الذاتي ووصلت عام ١٩٩٤ نحو ۱۱۷ ملیون دولار، ورغم المعارضة والاحتجاج الإسرائيلي الشديد، فقد قام وفد الترويكا بزيارة بيت الشرق في القدس الشرقية، والتقى مع وفد فلسطيني برئاسة فيصل الحسيني، وكان الاتحاد الأوروبي قد أصدر مؤخرًا بيانًا أدان فيه المشاريع الاستيطانية التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية، وفي بيروت أكد جوبيه على أن السلام على المسار اللبناني الإسرائيلي يجب أن يقوم على أساس قرار مجلس الأمن رقم ٤٢٥، ودعا إلى انسحاب إسرائيلي من جنوب لبنان وقال تعلمون مقدار ما يعلقه الاتحاد الأوروبي على سيادة لبنان ووحدة أراضيه وهذه رسالة تكرر إعلانها وسنعيدها باستمرار وتصميم كذلك دعا جويبه الحكومة اللبنانية لحضور اجتماع لمجلس تعاون يعقد في بروكسل في شهر مارس (آذار) المقبل، والمشاركة في المؤتمر الأوروبي الأوسطي المقرر عقده في برشلونة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) القادم.
وفي الأردن ناقش الوفد مع المسئولين الأردنيين عملية التحضير لقمة عمان الاقتصادية التي من المقرر عقدها في شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل وأبدى استعداد المجموعة الأوروبية للتحضير للقمة مؤكدًا أن لدى المجموعة نفس توجه وأفكار الأردن فيما يخص القمة، كما أكد الوفد استعداد الاتحاد الأوروبي لتدعيم علاقات التعاون مع الأردن وإبرام اتفاقيات بهذا الشأن في شتى المجالات، وتحدثت مصادر مطلعة عن نية الاتحاد الأوروبي تقديم مساعدات للأردن تقدر بنحو ۲۰ مليون وحدة نقد أوروبية للعالم الحالي، وقدم الوفد خلال زيارته دعوة للحكومة الأردنية للمشاركة فى مؤتمر برشلونة لدول حوض البحر المتوسط وأوروبا.
ومما تقدم نلاحظ أن وفد المجموعة الأوروبية قد ركز بشكل كبير على تعزيز العلاقات الثنائية مع الدول المعنية بالمفاوضات تمهيدًا لاستثمار ذلك في لعب دور سياسي واقتصادي مباشر في هذه المنطقة الحيوية وعمل على إقناع الأطراف العربية بجدوى وأهمية هذا الدور من خلال إعلان التضامن مع مواقف ومطالب هذه الأطراف والتنبيه لأهمية الدور الأوروبي في دعم اقتصاديات المنطقة، ومن خلال عقد لقاءات ومؤتمرات ثنائية أوروبية أوسطية تمهد لسحب البساط من تحت أقدام الولايات المتحدة.
هل بدأ التنافس الأوروبي الأمريكي؟
حجم حرص وفد المجموعة الأوروبية الذي يدرك المخاوف الأمريكية من مثل هذا التحرك الأوروبي النشط في المنطقة، على طمأنة الجانب الأمريكي عبر التأكيد على أن المجموعة الأوروبية لا تهدف من وراء هذا التحرك إلى منافسة الدور الأمريكي فى المنطقة، فقد صرح آلان جوبيه أن لا رغبة في المنافسة في المعنى السلبي للكلمة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأضاف نحن لا نأتي إلى هنا ليكون بديلًا من الأمريكان ولكن من أجل الحل بشكل كامل لمشكلة هي جد شديدة التعقيد، فنحن في حاجة إلى الجميع.
ولكن هذه التطمينات لم تكن كافية لإزالة المخاوف الأمريكية التي نظرت بحساسية بالغة إلى أية محاولة أوروبية للدخول على خط التسوية التي ترى الولايات المتحدة أنها صاحبة الحق في رعايتها، فقد انزعجت الولايات المتحدة بشدة من الدور النرويجي على المسار الفلسطيني الإسرائيلي، والذي أدى إلى التوصل لاتفاق أوسلو الشهير بعد مفاوضات سرية رعتها النرويج ووصفها وزير الخارجية الأمريكي السابق جيمس بيكر بأنها كانت مفاجئة للولايات المتحدة. ومما يضاعف من مخاوف الولايات المتحدة من التحرك الأوروبي الجديد في المنطقة، هو أن فرنسا هي التي تتزعم هذا التحرك بشكل قوي وهنا لابد من الإشارة إلى التنافس القوي الذي لم يعد خافيًا بين الولايات المتحدة وفرنسا، حيث اختلف الجانبان وتناقضت مواقفهما في عدد من القضايا الدولية، مثل الخلاف حول طريقة التعامل مع الأزمة الجزائرية ومع مسألة رفع الحصار عن العراق، ولإدراك الولايات المتحدة لحجم الأضرار التي قد تلحق بالدور والنفوذ الأمريكي في المنطقة مستقبلًا نتيجة التحرك الأوروبي، فقد سارعت الإدارة الأمريكية للرد على هذا التحرك بمجموعة خطوات، كان أهمها قيام وزير التجارة الأمريكي براون بزيارة إلى المنطقة شملت الأردن والكيان الصهيوني ومنطقة الحكم الذاتي والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة، وناقش خلالها عقود بعدة مليارات من الدولارات مع تلك الدول، كما قام الرئيس الأمريكي كلينتون وبشكل مفاجئ فى ١٢ فبراير (شباط) الحالي باستقبال الاجتماع الرباعي لوزارة خارجية الأردن ومصر والكيان الصهيوني وممثل عن سلطة الحكم الذاتي والذي عقد في واشنطن، في إشارة هامة إلى أن الولايات المتحدة لن ترضى بأن يفلت زمام الأمور من يدها.
وهناك تساؤل يطرح حول الموقف الإسرائيلي من المحاولة الأوروبية للدخول في دائرة الضوء في المنطقة، خاصة في ظل الإصرار الإسرائيلي السابق على أن لا يكون للاتحاد الأوروبى أى دور حقيقي في رعاية التسوية في المنطقة، فلا شك أن ثمة متغيرات جديدة ربما تؤثر على الموقف الإسرائيلي وأهمها الخشية الإسرائيلية من تقلص المساعدات الأمريكية بعد فوز الجمهوريين في انتخابات الكونجرس ومجلس النواب، خاصة وأن استطلاعًا للرأي أجري مؤخرًا في الولايات المتحدة أظهر أن53% من الشعب الأمريكي يؤيدون وقف المساعدات المقدمة للكيان الصهيوني، لذلك فمن المتوقع أن يتعامل الكيان الصهيوني مع هذه المعطيات وفق مصالحه الخاصة، مع الإشارة إلى أن الرفض الإسرائيلي لدور أوروبي لم يكن مطلقًا ودور النرويج في رعاية المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية من وراء ظهر الإدارة الأمريكية مؤشرا على ذلك.
الغياب العربي والإسلامي
والسؤال المطروح هو هل تستفيد الشعوب والدول العربية والإسلامية من هذا التنافس الأوروبي الأمريكي، أم أنها ستكون الطرف الخاسر كما هو الحال في كل مرة؟
إن التنافس الأوروبي الأمريكي هو تنافس على مصالح الطرفين السياسية والاقتصادية وليس واردًا في حسابات الطرفين مصالح شعوب المنطقة.
إن مثل هذه التناقضات بين القوى الدولية كان يمكن استثمارها والاستفادة منها عربيًا وإسلاميًا لو أحسنت الأطراف العربية والإسلامية التعامل معها، ولكن حالة الضعف والتفكك وانعدام الوزن تجعل هذه الأطراف فاقدة للوزن وعاجزة عن التأثير في مجريات الأحداث أو الاستفادة من التغيرات والتناقضات وفى الوقت الذى نرى فيها جهودًا دولية لبناء تحالفات وتكتلات سياسية واقتصادية رغم العوامل المشتركة الهشة بين أطراف تلك التكتلات والتي لا تتعدى الطموح بالهيمنة وتحقيق المصالح، نجد الأمة العربية والإسلامية ورغم جميع عوامل الوحدة من دين ولغة وتاريخ مشترك تتجه نحو مزيد من التشرذم والانقسام!