; الديمقراطية: سلاح الغرب القادم ضد الإسلام. | مجلة المجتمع

العنوان الديمقراطية: سلاح الغرب القادم ضد الإسلام.

الكاتب نادر عبدالغفور أحمد

تاريخ النشر الثلاثاء 22-أغسطس-1995

مشاهدات 59

نشر في العدد 1163

نشر في الصفحة 44

الثلاثاء 22-أغسطس-1995

  • الأنظمة تستخدم القوة المسلحة لوقف تيار المد الإسلامي

  • وسائل الإعلام الغربية تتعمد ربط الإسلام بالإرهاب لتعميق ذلك عند الجماهير

مما لاشك فيه أن المفهوم الغربي للإسلام هو المفهوم الذي عكسته وسائل الإعلام الغربي والدوائر الرسمية الغربية-  كان ولايزال منحصرًا في دائرة الإرهاب والتخريب والأعمال المنافية للإنسانية، وتقوم هذه الوسائل بتعميق هذا المفهوم وخلق الذرائع باستمرار عند وقوع أى عمل مسلح لا يتناسب والمصالح الغربية عمومًا، وبدأت وسائل الإعلام هذه بقرع نواقيس الخطر والتحذير من المد الإسلامي القادم بعد محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أثيويبا، وعكست وسائل الإعلام الغربية حقدها على الإسلام في الكثير من المناسبات متهمة الدين الحنيف بأنه دين تطرف وعنف، بل إنها لا تزال تثير الرأي العام العالمي يوميًا مدعية أن الإسلام المسلح في طريقه للازدهار، وهو موجة لا يمكن وقفها في العالم الإسلامي، ومن الواضح هنا أن مصطلح الأصولية الذي كان يطلق على المطالبين بتطبيق الإسلام في المجتمع –وهو المصطلح الذي ازدهر تكراره في فترة الثمانينيات، وأستخدم أساسًا ليضيف مفهوم التعصب الديني– بدا الأن يستبدل به مصطلح الأسلمة، وهو المصطلح الذي يشير إلى تطبيق الإسلام كمفهوم سياسي، وحركة سياسية في المجتمع وفي الشئون الدولية وقد لمح إلى المصطلح الجديد مايكل فيلد - وهو مستشار الشئون الشرق الأوسط ومؤلف كتاب «في داخل العالم العربي» في مقال نشرته صحيفة الهيرالد تربيون في عددها الصادر في  5 يوليو «تموز» ١٩٩٥م.

وجهتا نظر مختلفتان

ويبدو أن التطورات التي تجرى حاليًا في العالم الإسلامي أدت إلى تشكيل وجهتي نظر مختلفتين في الدوائر الغربية.

تقول وجهة النظر الأولى: إن الغرب يجب أن يقتنع بإمكانية التكيف للعيش مع هذه المنطقة من العالم أي العالم الإسلامي، والتي تسير نحو طريق الأسلمة «أي تطبيق الإسلام كحركة سياسية بحال اللسان الغربي» التي تعتبر غير موالية للغرب، بل تقول وجهة النظر هذه بإمكانية التعامل التجاري مع هذه المنطقة في ظل هذه الظروف. 

وعلى العموم فإن مزاج الرأي العام الغربي بصورة عامة، وبفضل وسائل الإعلام التي تسيطر على الصهيونية بات مهيئًا ضد الإسلام، وغير مستعد لتقبل المعيشة مع هذا الدين السمح، ولهذا فإن وجهة النظر الأولى غير ممكنة التطبيق عمليًا وواقعيًا في الحالة الحاضرة من قبل الدوائر الغربية، إذ إنها تعنى القبول بالأمر الواقع

أما وجهة النظر الأخرى فتقول: إن البديل الأساسي لانتشار الإسلام «كحركة سياسية دينية» في العالم الإسلامي عمومًا والعالم العربي بوجه الخصوص هو إعادة بناء الديمقراطية في هذه المنطقة من العالم  التي لا تعرف شيئًا عن الديمقراطية ما عدا بعض التطبيقات الهامشية في بعض البلدان الإسلامية أو العربية، ويبدو أن هناك تيارًا في الإدارة الأمريكية يدعو لتأييد وجهة النظر هذه، وتقول وجهة النظر الثانية إن الانتصار الذي حققه الغرب في القرن العشرين تمركز في الدفاع عن مفهوم الديمقراطية ضد موجتين: الأولى فاشية، والأخرى شيوعية؛ ولذلك يجب على الغرب نشر فكرة الديمقراطية إلى من يحتاج إليها من شعوب العالم، وإن عدم التشجيع على نشر الديمقراطية معناه خسارة فرصة ثمينة للغرب، بل إن هذه الخسارة قد تهدد مستقبل الغرب في البقاء والاستمرار، وطبقًاً لوجهة النظر هذه فإن الدفاع عن فكرة الديمقراطية هي التي ساعدت على تماسك الدول الغربية واتحادها ضد العدو المشترك الذي تغير حسب الفترة التاريخية.

ولكن ما سبب الاندفاع نحو تطبيق الديمقراطية في الدول التي تحتاج إليها، والجميع يعلم أن ذلك قد يغير الموازين ضد الغرب مستقبلًا؟ وجهة النظر هذه تبين أهداف التطبيق التي تنحصر بإمكانية الديمقراطية في محاربة الإسلام المسلح السياسي، والحد من انتشار الصحوة الإسلامية، وفي نفس الوقت خلق الظروف لتطوير الحكومات العربية وتشجيعها على احترام حقوق الإنسان وتطبيق الديمقراطية مما يصب في مصالح الغرب عمومًا.

حرمان الإسلاميين: في هذا الصدد يقول مايكل فيلد في مقاله «إن الوضع السياسي في العالم الإسلامي عمومًا لا يسمح للأحزاب الإسلامية المشاركة في السلطة أو تسلم السلطة عن طريق الانتخابات الحرة، وقد منعت الأحزاب والحركات السياسية في العالم الإسلامي من المشاركة في الانتخابات، بينما لم يؤد الاندفاع المتحمس «حسب قول فيلد» نحو تطبيق الديمقراطية في الجزائر إلى تسلم جبهة الإنقاذ الإسلامي دفة الحكم بعد فوزها بالانتخابات، بل أدى ذلك إلى مردود عكسي أثمر عن مواجهات مسلحة مريرة بين أبناء الشعب الواحد.

وواضح من هدف الدعوة إلى تطبيق الديمقراطية هو ضمان عدم تكرار تلك التجربة في العالم الإسلامي مرة أخرى، خصوصًا وأن الغرب عانى كثيرًا من تجربة الثورة في إيران وانهيار حكم الشاه السابق، وتعزو بعض المصادر الغربية عوامل نجاح تلك الثورة ونجاح الحركات الإسلامية في استقطاب الجماهير إلى اندفاع الطبقة الوسطى المتمثلة بالمثقفين وأصحاب السوق، وتأييدها لعملية التغيير لأسباب شتى، منها غياب الحريات وضعف الاقتصاد، وتدَّعي هذه المصادر أن الطبقة الوسطى في العالم الإسلامي عمومًا لا تميل إلى تأييد الحركات والأحزاب الإسلامية.

 وإن ما حدث من تأييد تم بسبب غياب تطبيق بعض جوانب الديمقراطية، لكن ضعف تأييد الطبقة المتوسطة حاليًا بسبب الاصطدامات الدموية بين الإسلاميين والجهات الرسمية أدى «حسب الادعاءات الغربية» إلى شل حركة التطرف الإسلامي في مصر والجزائر، لكن ذلك مغاير تمامًا للواقع الذي يشهد استخدام القوة المسلحة الرسمية لوقف انتشار الصحوة الإسلامية بدعوى أن تلك الصحوة ما هي إلا تطرف مسلح يهدف إلى الإطاحة بالسلطة، ويستدل مايكل فيلد في مقاله على أن نجاح الحكومة الأردنية مثلًا في استيعاب الأحزاب والحركات الإسلامية أدى إلى خفض شعبيتها في الشارع الأردني، وذلك بسبب سياسة الانفتاح والمشاركة السياسية عن طريق البرلمان.

أهداف المواجهة بين السلطة والإسلامين

ومن الواضح أن بعض أهداف المواجهة بين السلطات الرسمية والحركات الإسلامية هو صبغ الأخيرة بالصبغة الدموية غير الإنسانية المعادية للبشر، لإبعاد التأييد الشعبي خصوصًا الطبقة المتوسطة بدعوى أن تسلم الإسلاميين للسلطة أو تطبيق الإسلام في الواقع العملي لا يعني سوى الدمار والتخريب، وهو توجه مخطط له لضرب الصحوة الإسلامية عن طريق تشويه توجهاتها الحقيقية، ومن الواضح أن هناك بعض القناعات الغربية القائلة بإن إعطاء مزيد من الحريات، وتطبيق نوع من الديمقراطية بل مجئ حكومات براجماتية واقعية يمكن أن يقلل من التوجه والالتحام من المد الإسلامي، وهي أي الديمقراطية بديل عن الاشتراكية التي فشلت في العالم العربي، وجهة النظر هذه تدعم رأيها بالإشارة إلى زيادة عدد المنظمات العاملة في الدول العربية بين أوساط الطبقة المثقفة والداعية إلى مزيد من الانفتاح والحريات وتطبيق الديمقراطية ورفض التطرف الديني، وتقول وجهة النظر هذه أن تحسين ظروف الاقتصاد في الدول الإسلامية، والقضاء على البطالة والتضخم المعيشي، ووجود البرلمان وحرية الصحافة، والانتخابات الحرة، واستقلال نظام القضاء، كلها من العوامل التي يمكن أن تقلل الاندفاع نحو الإسلاميين، وتحد بالتالي من انتشار الصحوة الإسلامية في هذه الدول.

أما تطبيق هذا التوجه فيتركز في التطبيق المرحلي، إذ لا يمكن للولايات المتحدة وحليفاتها من الضغط المباشر على الحكومات العربية لتطبيق الديمقراطية مرة واحدة، وإنما يمكن تطبيقها على مراحل، ويجب أن يكون الضغط سريًا غير واضح للعيان ؛حتى لا تتعرض حكومات الدول الإسلامية للحرج أمام أبناء شعبها، وتدعو وجهة النظر هذه حكومة الرئيس الأمريكي كلينتون إلى زيادة مساعداتها الإنسانية للدول الإسلامية الفقيرة، والتخلى عن بعض الديون في سبيل هذا الهدف، وحسب هذا الافتراض فإن تحسين الوضع الاقتصادي والضغط الأمريكي المستمر لإعطاء مزيد من الحريات سيشكلان أهم دعائم الحد من انتشار التيار الإسلامي في الدول العربية والإسلامية، ولذلك يقول التيار المعارض لهذا التوجه: إن ذلك ما هو إلا نوع من الاستعمار والإمبريالية الجديدة، أما المؤيدون فيقولون إن الإمبريالية هي فرض قوة وسيطرة دولة على دولة أخرى أو إزالة الحرية من الضحية، أما الديمقراطية فتعني التأكيد على أن شعوب الدول لهم حق اختيار أو إزالة حكوماتهم بصورة حرة غير مقيدة، ويقول المؤيدون لوجهة النظر هذه إن مساعدات شعب على نيل حريته لا تعني سوى إزالة الدكتاتورية، ولا يوجد في هذا المصطلح ما یعني فرض السيطرة بالقوة، وعلى الشعب المتحرر في هذه الحالة اختيار حكومته بنفسه عن طريق الانتخابات، أو البرلمان الحر، السؤال هنا ماذا سيكون موقف الغرب لو طبقت وجهة النظر هذه واختارت الشعوب الإسلامية حكومات تطبق الإسلام ولا تسير في مصالح الغرب؟ هل سيسعد ذلك أصحاب هذه الفكرة أم أنها ستعيد حساباتهم إلى الوراء، الواضح من الأمر هو أن تطبيق الديمقراطية لا يعني سوى شيء واحد لا علاقة له بسعادة ورخاء شعوب العالم الإسلامي، ألا وهو وقف انتشار الصحوة الإسلامية التي يعتبرها الغرب الآن العدو الأساسي الذي يجب محاربته وإزالته من الميدان.

الرابط المختصر :