; تحية إلى قضاء مصر | مجلة المجتمع

العنوان تحية إلى قضاء مصر

الكاتب محمد حمزة

تاريخ النشر الثلاثاء 31-أكتوبر-2000

مشاهدات 49

نشر في العدد 1424

نشر في الصفحة 34

الثلاثاء 31-أكتوبر-2000

تتعلق قلوب الملايين من المظلومين والباحثين عن نافذة ضوء في ليل الأمة -الذي طال- بالقضاء المصري.

ولم لا وقد أثبتت المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية أن القضاء شامخ وإن أراد البعض تصوير الأمر عكس ذلك، أو النيل من صحة ذلك.

تحية له، لأنه تفاعل مع نبض الشارع وشعر بما يشعر به كل مواطن من ظلم وغبن، فأبى إلا أن يكون لبنة في صرح الديمقراطية لا معولًا يهدم ما تبقى من بنيان مصر المحروسة.

تحية له وقد وقف وقفة محارب في الوقت الذي تشهد الدنيا كيف يقف أطفال الحجارة في وجه المستعمر المحتل.

هل كانت مصادفة أن تتزامن هذه الوقفة مع ثورة الشارع العربي الرافض للاستكانة والخضوع؟

لا أعتقد ذلك، فالقضاء صرح لا كبقية الصروح الوهمية التي سرعان ما تتهاوى عند أول ريح ولو كانت غير عاتية.

كنت أتحدث إلى زميل لي قرر ترشيح نفسه في الانتخابات الراهنة، وقبل أن أسأله فاجأني بقوله: حسبنا الله ونعم الوكيل، فعلمت على الفور أنه يتعرض لابتلاء وليس مقدمًا على انتخابات برلمانية قد يصبح بعدها عضوًا بارزًا في البرلمان.

ومرة أخرى وقبل أن أسأله عن أحواله قال لي: تصور لقد اعتقلوا أفراد عائلتي وحتى أصهاري، وذلك حتى أقدم على التنازل والانسحاب!

وعند أول فرصة سنحت لي بعد أن استفاض في شرح ما يعانيه هو وأهله من جراء إقدامه على الترشح سألته: كيف كانت ردة فعلكم تجاه فوز اثنين من مرشحي التيار الإسلامي في الإسكندرية؟

قال: هذا الفوز جعل الحكومة تزيد في مضايقاتها لنا، لكن -والكلام ما زال لصديقي المرشح-: لقد أثبتت هذه الجولة من الانتخابات أن الشعب يريد الخلاص من نواب الكيف والفساد ونواب الحكومة، وأن القضاء يساعد الشعب على أن يقرر مصيره بنفسه.

شعرت ولأول مرة بنسمة تفاؤل مرت على قلبي وعقلي،وتساءلت: هل يمكن أن يفعلها المصريون ويرسلون رسالة قوية إلى من يهمه الأمر؟

هل ينتفض المصريون وتعود إليهم ثقتهم في أنفسهم؟

والحق أنني وجدت نفسي تهتف بي:

ما لك تشكك في قدرة شعب مصر؟ لماذا لا تقرأ التاريخ؟ لماذا لا تجيد ربط الأحداث وتفهم ما يدور من حولك؟

وخرجت بما يلي:

  1. إن إشراف القضاء فرصة وعلى المصريين من كل التيارات استثمارها.

  2. قضاء مصر موضع ثقة لأنه في الجولة الأولى أسقط غالبية مرشحي الحزب الحاكم أو اضطرهم لخوض انتخابات الإعادة، وهم الذين تعودوا على نسبة الثلاث تسعات.

  3. كان لانتفاضة الأقصى أثرها البالغ في تحريك الجماهير والفضل لله ثم لأطفال فلسطين، فهل نحن في حاجة إلى انتفاضة كل خمس سنوات حتى يستعيد الشعب المصري وعيه ويفيق ويشارك؟

  4. أشاع فوز اثنين من مرشحي التيار الإسلامي جوًّا من التفاؤل رغم أن الجو العام لم يكن يعطي هذا الانطباع، فلماذا لا تستمر المسيرة؟

  5. كيف يمكن أن تقوم ديمقراطية بدون أطراف متنافسة؟ هل يعقل أن تظل المنافسة بين الحزب الحاكم ونفسه؟أليس من الأجدى أن تكون المعارضة تحت قبة البرلمان بدلًا من استنساخ معارضة من تحت عباءة الحزبالحاكم؟

  6. ليس في فوز اثنين من مرشحي التيار الإسلامي ما يخيف العالم ولا مصر ولا الحزب الحاكم، ولا يمكن حتى لو فاز كل مرشحي التيار الإسلامي أن يكون في ذلك خطر على أحد، فالتيار الإسلامي راشد واعد، يفقه الواقع، ويفهم ما يدور من حوله، والعصر الحالي هو عصر الشراكة وليس عصر الانفراد.

أعتقد أن من يحاولون تضخيم الأمر لا تخلو نفوسهم من سوء طوية وخبث نية، فليس هناك من خطر على أي جزء من العالم إن فاز مرشحو التيار الإسلامي، وهذا الخوف ليس له وجود إلا في مخيلة أصحاب المصالح الضيقة الآنية، أما من لديهم نظرة استراتيجية واعية متبصرة لحقيقة ما يراد لهذه الأمة، فيعلمون أن نجاح المعارضة بما فيها التيار الإسلامي في مصر هو رصيد حقيقي لهذا البلد المسلم، الذي يمثل نبض الأمة والذي ينظر لتجربته بقية العالم الإسلامي.

قراءة سريعة لما أفرزته الجولة الأولى نجدأنها تحمل رسالة بالغة الأهمية رغم الحصار والتضييق، رغم إنكار وجود التيار الإسلامي، ها هم مرشحوه يفوزون، وعلى الجانب الآخر فبعض الأحزاب التي سعت الحكومة لاستقطابها -وربما وعدتها خيرًا- لم ينجح منها أحد في الجولة الأولى.

وأخيرًا فهذه كلمة إلى أخي المرشح الذي يعاني ولا يزال، والذي أعلم أن فوزه لن يفرحه بقدر حزنه أن يوجد في مصر من يتربص بمرشح حتى لا يفوز، أقول له:

إن تاريخ الأمم يمر عبر أنابيب ضيقة وسراديب مظلمة يكون الضوء في آخرها:

﴿حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ (يوسف: ١١٠).

 

الرابط المختصر :