; تداعيات المجزرة.. ومواقف الأطراف المختلفة | مجلة المجتمع

العنوان تداعيات المجزرة.. ومواقف الأطراف المختلفة

الكاتب د. عصام العريان

تاريخ النشر السبت 03-يناير-2009

مشاهدات 17

نشر في العدد 1833

نشر في الصفحة 18

السبت 03-يناير-2009

ما يقرب من ٤٠٠ شهيد و۱۷۰۰ جريح لم يُشبعوا نَهم الصهاينة إلى الدم الفلسطيني حتى الآن، فمازالت الهجمات البشعة بالطائرات تدمر وتقتل وبموافقة أمريكية صريحة، وصمت عربي مخجل ومخز، أو قل: «بموافقة ومباركة عربية رسمية».

 أعلن أركان الحرب الصهيونيون مجتمعين في مشهد قليل الحدوث أن العمليات ستستمر، وأن هدفها ليس مجرد وقف إطلاق الصواريخ كما كان الأمر أثناء التهدئة السابقة؛ بل هدفها هو إنهاء حكم «حماس».. والحشود العسكرية على الحدود مع القطاع المحاصر - الذي انفرد به الصهاينة، وتركه العرب وحيدًا في مواجهة آلة الحرب الصهيونية، ثم يلومون فصائل المقاومة على تلقيها دعمًا سياسيًّا وماليًا من «إيران».

لم يقبل الفلسطينيون بيانات الشجب والإدانة، وطالبوا على الأقل بكسر الحصار وفتح معبر «رفح» نهائيًا، وليس بصورة متقطعة.. تراجعت مطالب الفلسطينيين، فلم يرتفع سقف مطالبهم إلى المطالبة بمواجهة صريحة مع العدو الصهيوني، أو تلقي دعم عسكري ليستطيعوا المقاومة به، بل تدنت المطالب إلى الحد الأدنى، وهو: أن يتركوا الفلسطينيين يقاومون، ولا يلوموهم على التصدي للعدوان الصهيوني، ويدعموا صمودهم، أو على الأقل يتركون الشعوب العربية والإسلامية تدعمهم بحرية دون إعاقة أو ترهيب.

الموقف الفلسطيني توحد ضد جريمة الحرب، وتظاهر الفلسطينيون في الضفة الغربية لأول مرة دعمًا لغزة وللمقاومة، وتنادى الجميع في أرض ١٩٤٨م المحتلة ليوم إضراب تزامنًا مع الإضراب المتوقع في الضفة الذي دعت إليه «حماس».

أسْهُم «محمود عباس» وفريق المفاوضات تراجعت تمامًا رغم إدانته للعدوان، إلا أن مشاركتهم كسلطة في حصار غزة وعدم قبولهم باقتراحات مصرية بفتح معبر رفح والتنسيق مع «حماس»، وقيامهم بإقناع القيادة المصرية بالمشاركة النشطة في حصار غزة وتجويع أهلها، بذريعة أن «حماس» ذراع للإخوان المسلمين وصرنا نسمع تصريحات غريبة مثل: إن «مصر» لن تسمح بقيام إمارة إسلامية على حدودها الشرقية، في الوقت الذي سمحت بقيام دولة عبرية يهودية صهيونية عنصرية وأقامت معها علاقات متميزة واتفاقيات اقتصادية وأمنية، واختفت تصريحات قوية مثل: إن «مصر» لن تسمح بتجويع أهل غزة، فقد شاركت فعليًّا في تجويعهم وقتلهم قتلًا بطيئًا عندما لم تنفذ اتفاقية «جنيف» التي توجب على الدول جميعًا تقديم العون والمساعدة للشعوب الخاضعة للاحتلال، ولم تفتح معبر رفح بصورة طبيعية.

الموقف العربي الرسمي تراجع، ووزراء الخارجية العرب يجتمعون بعد العدوان بخمسة أيام، ولم يبلوروا موقفًا موحدًا، والمطلوب منهم في مثل ذلك الوقت عدة أمور: 

- السعي بجد لوقف العدوان تمامًا، وقد فشل مجلس الأمن في عقد اجتماع رسمي بسبب موقف أمريكا الذي يلقي اللوم على الضحية ويدافع عن الجلاد، واكتفى ببيان.

 - إعلان الدعم الرسمي للمقاومة الفلسطينية وكفاحها المسلح ضد الاحتلال. 

- سحب تأييدهم السابق للرئيس محمود عباس وإعلان انتهاء ولايته في 9 يناير ٢٠٠٩م، وفق القانون الأساسي الفلسطيني، ومطالبته بإعلان ما توصل إليه في المفاوضات المستمرة منذ أوسلو ۱۹۹۳م وحتى الآن، وإعادة تقييم الموقف تمامًا.

- في ضوء تقييمهم الجاد لمجرى التسوية الجارية عليهم إعلان سحب المبادرة العربية، أو تجميدها على الأقل، والتوقف عن اللهاث خلف العدو، وعليهم أن يدركوا أن العدوان لن يقضي على المقاومة، وإن نجح هذا العدوان في شل قدرة «حماس» والفصائل على إطلاق الصواريخ، أو حتى نجح في اجتياح غزة، فستخرج قوى مقاومة جديدة مثلما حدث عندما اندلعت انتفاضة الحجارة في ۱۹۸۷م بعد تراجع «منظمة التحرير» و«فتح» عن الكفاح المسلح ثم تحولت إلى انتفاضة الشهداء والعمليات الفدائية.

- كسر الحصار الظالم عمليًا بإرسال سفن تحميها قوات إلى ميناء غزة، وإقناع «مصر» بضرورة فتح معبر رفح للمساعدات والدعم بصورة طبيعية، وبغطاء عربي، ومنع أي لوم أوروبي أو أمريكي إذا تم فتح المعبر.

- وقف كل عمليات التطبيع التجارية، وإغلاق كافة المكاتب التجارية في المدن العربية، وتجميد أو قطع العلاقات الدبلوماسية مع العدو الصهيوني وكل من مصر والأردن وموريتانيا.

 كان رد الفعل الشعبي العربي مباشرًا وسريعًا، فائد لعت المظاهرات في غالبية العواصم العربية، وأبرزها «عمان»، و«القاهرة» و«بيروت» وصنعاء، ثم امتدت إلى عدد من العواصم العالمية. 

وتدفقت التبرعات على لجان الإغاثة بنقابة أطباء مصر واتحاد الأطباء العرب الذين يقومون بالتنسيق مع الهلال الأحمر المصري لوضع ملصقات «استيكرز» على المعونات لتسهيل مرورها، حيث يشترط النظام المصري أن تمر المساعدات والتبرعات من أنبوبة ضيقة غير مهيأة لذلك وتتمتع ببيروقراطية مصرية عريقة، وتخضع لتعليمات أمنية وسيادية مشددة.

استمرار المظاهرات وتصاعدها مع استمرار العدوان ومشاهد المجزرة سيجبر الحكام العرب المتهمين بالتواطؤ والتخاذل والرضا إلى اتخاذ موقف ينقذهم من غضب الشعب، أو سيدفع قوى مغامرة بتكرار ما حدث في أعقاب نكبة ١٩٤٨م التي حلت بالعرب وبفلسطين، وكان الاتهام وقتها أن الحكام لم ينتبهوا ويستعدوا للهجرة اليهودية إلى فلسطين، وفشلوا في تنفيذ وعود بريطانيا لهم أثناء الحربين الأولى والثانية، ولم يجهزوا جيوشهم ويعدّوا أسلحتهم، بل عقدوا صفقات فاسدة وأثروا منها على حساب إعداد الجيوش، وانهزموا في النهاية أمام العصابات الصهيونية، وتأمروا على الفدائيين المقاتلين من الإخوان المسلمين الذين أبلوا بلاء حسنًا وساقوهم من ساحات القتال إلى زنازين السجون، ثم حل جماعة الإخوان بقرار عسكري من رئيس وزراء مدني، ثم قتل حسن البنا مؤسس الجماعة في سن (٤٢) سن التألق والازدهار والنضج، الذي لقي ربه شهيدًا لفلسطين.

اليوم هل تكون الغلبة للشعوب المنتفضة وليس للجيوش التي تكدست في مخازنها الأسلحة الحديثة، ولكنها لم تستخدمها منذ حرب رمضان أكتوبر سنة ١٩٧٣م، لمواجهة العدو، بل استخدمتها لمواجهة شعوبها، كما حدث في «حماة» و«حلبجة» والجزائر واليمن.. وغيرها.

الجميع متواطئون، فالجميع أعلن الاستسلام والقبول بالحلول السلمية، وسقف المطالبات من العدو الصهيوني للمانحين انخفض إلى حد مجرد طلب وقف العدوان وعدم البدء بعدوان جديد، أو التخفيف من المجازر، كي لا تتألب الشعوب على الحكام، اتضح الموقف الصهيوني بعد عدة أيام بصورة أكثر تحديدًا كما نقلته «نيويورك تايمز» فلم يعد الاجتياح واردًا؛ لأن أحد أهم الأهداف هو رد الاعتبار لهيبة الجيش الإسرائيلي الصهيوني التي ضاعت مع حرب «يوليو ٢٠٠٦م»، وكذلك للطاقم السياسي الذي يحكم الآن قبل رحيله في الانتخابات القادمة.

والهدف الثاني: هو إجبار «حماس» على القبول بتهدئة بشروط صهيونية، وعدم تغيير قواعد اللعبة أو تغييرها لصالح العدو.

الأهداف نفسها التي شنت من أجلها الحكومة الصهيونية حربها على «حزب الله»، فكانت النتيجة أن انقلب السحر على الساحر، وضاعت هيبة الصهاينة رغم الدعم الأمريكي الذي منع - كما يمنع الآن - صدور قرار من مجلس الأمن حتى انقضاء ۳۳ يومًا وهي مدة الحرب ولولا استمرار هذا الدعم لـ «أولمرت» لكان مصيره الإقصاء بعد تقرير «فينوجراد».. وكان التحريض العربي على «حزب الله» أقوى بسبب ارتباطه الوثيق وولائه العميق لـ «الولي الفقيه» في «طهران» وترسانته المسلحة التي هددت اتزان القوى ومازالت في لبنان.

 فهل ينقلب السحر على الساحر أيضاً هذه المرة؟!

من الواضح الآن أن المقاومة في «غزة» صامدة بعد عدة أيام، وأن الصواريخ لم تتوقف، وقد سقط ٤.٣ قتلى من اليهود، وحوالي ١٥ جريحًا في «أشدود» و «عسقلان» والضفة، ومن الواضح أن الضفة الغربية تنتفض وتتململ من القبضة الأمنية، وفي طريقها إلى صب جام غضبها على المستوطنين، وأنها قادرة على امتلاك زمام المبادرة من جديد، وهذا يقض مضاجع الصهاينة، و«عباس»، و«فياض». ومن الواضح أن أسهم عباس وفريقه تتراجع، وقد تصل إلى الحضيض، ويتساءل الناس: لماذا لا يذهب فورًا إلى غزة وعندها سيتوقف القصف والقتل العشوائي وتبدأ المصالحة الوطنية عمليًا؟! 

ومن الواضح أن السيناريو الأممي والعربي الرسمي يتكرر دون أخذ درس أو عبرة مما حدث منذ سنتين، وأدى إلى الإبقاء على معادلة «لا غالب ولا مغلوب» في لبنان، الذي بدأت سورية تستعيد دورها فيه وتسترد علاقتها الدولية ومع أنها أوقفت المفاوضات غير المباشرة عبر الوسيط التركي، إلا أن محور الاعتدال العربي يفقد أوراقه في لبنان وغيرها، ومحور الممانعة - ومع قدوم إدارة أمريكية جديدة بعد أسابيع أو أيام - يسترد عافيته، وقد يكون هو المرشح للتفاهم مع تلك الإدارة ويتعرض محور الاعتدال إلى ضغوط متزايدة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان وغياب الديمقراطية والحريات.

المراقب يشعر أن هناك سباقًا مع الزمن لأطراف محور العدوان:

- «أولمرت» وفريقه يغادرون بعد شهور في فبراير، ويريدون تسجيل نقاط لصالحهم في الانتخابات الصهيونية التي من المرجح أن يخسروها، ولو كسبوا جولة في الحرب العدوانية بتدمير غزة وإزهاق مئات الأرواح، فسيخسرون الحرب بصمود «حماس» وأهل غزة والإبقاء على بعض قدراتهم الدفاعية لمرحلة قادمة.

- «عباس» باق بعد 9 يناير دون غطاء دستوري أو قانوني ولا حتى رضا شعبي، وأين أنت يا حمرة الخجل؟!

- بوش، وإدارته يغادرون في 19 يناير بعد فشل ذريع على الأصعدة كافة أصاب العالم كله بدوار الأزمة الاقتصادية، والخسائر المتتالية على الجبهات العسكرية في «العراق» و «أفغانستان» و«الصومال»، وسوء السمعة بسبب معتقلات «جوانتانامو»، و «أبو غريب»، بل وانتهاك الحقوق الأساسية للمواطن الأمريكي.

 أما «حماس» والشعب الفلسطيني، والفصائل المقاومة، وأهل غزة فهم في رباط والوقت في صالحهم.

وسؤال أخير إلى منظمات حقوق الإنسان وهيئات المجتمع المدني التي تداعت لإنشاء تحالف من أجل دارفور أين تحالفهم الآن من أهل غزة المذبوحين على الشاشات؟! 

وسؤال آخر إلى «أوكامبو» المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية: هل يحتاج إلى وثائق وشهادات أكثر مما يراه ويسمعه ليقدم كل المتواطئين على تلك الحرب ضد الإنسانية وهي أبشع جرائم الحرب إلى المحكمة والعدالة؟!

 وسؤال إلى السيد عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية: لماذا لا يعيد إحياء الهيئة العربية العليا لإنقاذ فلسطين، وهي هيئة شعبية بعد أن اكتشفنا جميعًا تواطؤ الحكام؟!!

الرابط المختصر :