; ترجمات .. أذربيجان: استمرار الحرب.. والمطامع الخارجية | مجلة المجتمع

العنوان ترجمات .. أذربيجان: استمرار الحرب.. والمطامع الخارجية

الكاتب عمر ديوب

تاريخ النشر الثلاثاء 27-أبريل-1993

مشاهدات 17

نشر في العدد 1047

نشر في الصفحة 41

الثلاثاء 27-أبريل-1993

 

إن الوضع المتفاقم في أذربيجان وتجدد القتال يومًا بعد يوم بين السكان الآذريين والقوات الأرمنية يدعو إلى الحيرة والتشاؤم حول مصير هذا البلد الذي هو أول جمهورية إسلامية أعلنت استقلالها عن الاتحاد السوفياتي، وإذا كان إقليم ناغورنو كاراباخ المتنازع عليه والذي تقطنه أقلية أرمنية بؤرة القتال في السابق فإن عمليات القتال الطاحنة أخذت تشمل المدن الأخرى وبدأت المطامع الأرمنية تتبلور يومًا بعد يوم.

إن القوات الأرمنية ما انفكت تتوغل داخل الأراضي الآذرية حيث استولت الآن على 10% من أراضيها (4000كم2) كما أقدمت على طرد 60 ألفًا من المدنيين من منازلهم إلى جانب قتل وإصابة عدد كبير من العسكريين والمدنيين في أذربيجان.

والأدهى في الأمر أن المجتمع الدولي في غفلة عما يتكبده الشعب الآذري المسلم على يد الغزاة الأرمن الذين يتفوقون على الآذريين عددًا وعتادًا ويتلقون الدعم من كل صوب.. وقد وصف النقيب غزة عيسى زاد الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع في أذربيجان قائلًا: «إن وضعنا العسكري سيئ جدًّا ونحن ضعفاء أمام عدونا». 

وما زالت نيران الحرب مشتعلة سواء داخل إقليم ناغورنو کاراباخ أو خارجها ويبدو الغرض من تشدد وتوسع رقعة القتال هو ضم مزيد من الأراضي، وقد أدى فتح ممر ثان عبر إقليم كليباجار الغربي إلى تحول معظم الأراضي الآذرية الواقعة في الجزء الغربي إلى سيطرة القوات الأرمنية، وأن تقدم هذه القوات نحو منطقة فيزولي الإستراتيجية والمحاذية لإيران يلقي بظلال قاتمة على مستقبل البلاد.. وكما قال النقيب غزة: «إن الأمر لم يعد مسألة فتح ممرات إنما هو احتلال وضم أراض».. 

وتفيد الروايات بمقتل العشرات من أفراد الجيش الآذري واستيلاء القوات الأرمنية على عدد كبير من دبابات ومعدات عسكرية خلفها الجنود الآذريون أثناء انسحابهم قبل أسبوعين؛ مما حدا بالرئيس أبو الفضل التشي بيه بوصف ذلك الانسحاب بأنه مخز، كما وجه انتقادات شديدة إلى أفراد الجيش الآذري عبر شاشات التلفزيون إلى جانب وصف بعض ضباطه بعديمي الكفاءة.

ويروي السيد باتريك إسمث مدير المفوضية العليا لغوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة «أنه بعد احتدام عمليات القتال لاذ المدنيون بالفرار ولكن ثمن هروبهم كان باهظًا حيث كانت الطرق والمنافذ مغلقة ولم يكن أمل هؤلاء إلا تسلق الجبال العالية والمغطاة بالثلوج والتي يتجاوز ارتفاعها 3000 متر فقد رأيت بأم عيني أشلاء مبعثرة ومجمدة بفعل الثلج كما شاهدت نساء وأطفالًا في حالة سيئة جدًّا».

كما روى الناجون من هذه الرحلة أن «هناك مئات من المدنيين قد لاقوا حتفهم أثناء هذه الرحلة الشاقة من جراء الإرهاق والتعرض للبرد القارس»، كما تفيد الروايات بإقدام ثماني أمهات على الانتحار بعد أن شاهدن أطفالهن يموتون من شدة البرد وأن هناك أربع طائرات مروحية قد سقطت أثناء نقل حوالي 3 آلاف لاجئ هربوا من شدة الحرب في أذربيجان.

إن شراسة هجمات القوات الأرمنية على أذربيجان دفعت المجتمع الدولي أخيرًا إلى توجيه انتقادات إلى أرمينيا. وقد أعربت كل من الولايات المتحدة والدول الأوروبية وكثير من بلدان المنطقة عن قلقها إزاء تخوفها من احتمال تدخل تركي في هذا النزاع.

ومن المعروف أن هناك أطرافًا خارجية لها مطامع توسعية واقتصادية في هذا البلد الغني بالنفط وأن هذه الأطراف لها دور كبير في تأجيج نيران الحرب الدائرة في أذربيجان وفي داخل إقلیم ناغورنو کارباخ المزروع داخلها، وإذا لبست باكو «العاصمة» رداءً جديدًا بعد نيل الاستقلال عن الاتحاد السوفياتي...

فمن البديهي أن يتساءل كل من يتابع شؤون أذربيجان عما إذا كان هذا الرداء تركي الطراز أم إيراني التفصيل أم روسي الملمح؟ لقوة تأثير هذه البلدان التي يتألف معظم سكانها من الأقلية التركية المسلمة حيث يبلغ عدد سكانه ملايين نسمة «35% منهم سنة و65% منهم شيعة». 

ومما زاد من مطامع الأطراف الخارجية في أذربيجان هو أنها تزخر بحقول النفط وأن احتياطيها النفطي يعادل في ضخامته نظيره البريطاني في بحر الشمال.

إن مخاوف البلدان العربية بشأن التدخل العسكري التركي في محله، ذلك أن الشعب التركي متعاطف إلى حد كبير مع الشعب الآذري الذي يتكلم معظمه باللغة التركية. وإذا كان رئيس الوزراء التركي سليمان ديميريل غير متحمس لمثل ذلك التدخل فإن الرئيس الراحل تورغوت أوزال كان له موقف مغاير تمامًا حيث كان أكثر ميلًا للتدخل العسكري لحسم قضية ناغورنو كاراباخ.

وجدير بالذكر أنه وفقًا لمعاهدة كارس لعام 1921 الموقعة بين روسيا وتركيا وجورجيا وأذربيجان يتوجب استشارة العاصمة التركية أنقرة قبل إجراء أي تغيير في وضع الجيب الذي يعتبر رسميًّا جزءًا من أذربيجان حتى مع أرمينيا بين الطرفين.

وفي أعقاب سقوط كلباجار ووصول الجنود المصابين إلى المستشفيات في باكو، خيم الحزن على أطراف العاصمة التي يسوء فيها حظر التجول الليلي. وهناك مخاوف من نشوب حرب أهلية مع تزايد نفور الشعب عن الحكومة الحالية التي يتهمها بالنكوص عن وعودها الانتخابية والمتمثلة في حسم عمليات القتال لصالح أذربیجان حيث يبدو أنها قد أخفقت في تحقيق ذلك الهدف مما أفقدها مصداقيتها. 

وإذا لم تصل الحرب في القوقاز إلى الضراوة التي وصلت إليها الحرب الدائرة في يوغوسلافيا بدافع «التطهير العرقي» فإنها قد أودت بحياة أكثر من 3 آلاف شخص كما تسببت في تشريد أكثر من مليون شخص. وإذا أرسلت هيئة الأمم المتحدة 600 مراقب دولي إلى باكو لمراقبة الوضع فإن وجود هؤلاء لن يغير الموقف فهناك عمل كبير ينتظر المجتمع الدولي حيث يأمل الشعب الآذري إلى عودة الاستقرار بعد طرد الغزاة لكي ينعموا بثمار المشاريع النفطية المقامة على أراضي أذربيجان الإسلامية.

الرابط المختصر :