; تركيا و الشرق الأوسط الكبير | مجلة المجتمع

العنوان تركيا و الشرق الأوسط الكبير

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر السبت 28-فبراير-2004

مشاهدات 16

نشر في العدد 1590

نشر في الصفحة 36

السبت 28-فبراير-2004

في الماضي كانت تركيا تتبنى حساسية كبيرة إزاء الإمبرياليين والقوى الإمبريالية، حساسية تتفاوت عند البعض والبعض الآخر طبقًا للأيديولوجية التي ينتسبون إليها، ولكن بالمجمل كانت هناك حساسية تركية وكانت هناك مكافحة ضدها، أما اليوم فلا ندري ماذا حصل حتى تنقلب الآراء التركية كلها رأسًا على عقب، وكأن شيئًا ثقيلًا قد داس على الرؤوس التركية فعطل المنطق وغير المفاهيم، بحيث وصل الأمر إلى درجة أنهم بدءوا مناقشة كل المسائل التركية الداخلية والخارجية متجنبين الحديث عن الحسابات والخطط الإمبريالية، وباتوا يجسدون مفاهيم التسليم التركي التام روحًا وجسدًا للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وكأنهما مخرج «الحرية» و«الديمقراطية» الوحيد أمام تركيا، علمًا بأن الحسابات والخطط الإمبريالية في منطقتنا ومطامعها في أرضنا لا تزال قائمة.

 في الفترة الأخيرة بدأنا نسمع الكثير عما يسمى بـ«الشرق الأوسط الكبير»، ودول «شرق أوسطية متحدة» و «الديمقراطية العصرية»، وهم عندما يتحدثون عن مساعي تطبيق هذه الخطة، بل يتجنبون ذكر حقيقة أن دول المنطقة سوف تتقلص ولا يجري تحذير الشعوب من هذا الخطر، علمًا بأن قوى الإمبريالية لم تعد تذكر حقيقة خططها في تقسيم العراق بعد احتلاله، بل إن تقسيم مصر وإيران وارد أيضًا.

هذا التوجه يأتي في إطار الإستراتيجية الأمريكية للسيطرة على دول الشرق الأوسط من خلال تحكمها بشكل مباشر في زمام الأمور في تلك البلدان وتشكيل إدارات أمريكية تدير العمل السياسي داخل كل دولة بالتعاون مع رموز يعملون لصالحها.

وفي هذا الإطار بدأت الولايات المتحدة تسويق سلعتها من خلال إرسال الوفود إلى هذه الدول أو استقبالها وفودًا منها لتحويل مجتمعات الشرق الأوسط إلى معسكرات تخدم المصالح والمطامع الأمريكية.

لقد تم رصد (٣٠) مليون دولار لتشجيع برامج الديمقراطية في العالم العربي ثم (٢٥) مليون دولار من أجل تغيير الهياكل السياسية في بعض الدول للتوافق مع التوجه الأمريكي الجديد.

وهناك ألاعيب كثيرة تدور حول تركيا ومنها تقسيمها بغض النظر عما إذا كانوا سينجحون في ذلك أم لا، وهناك من يحاول التحذير من هذه الخطط بصوت عال، إلا أن هذه الفئة القليلة تواجه دومًا من يعتم عليها ويقف حائلًا بينها وبين إيصال كلمتها إلى الشعب تحت اعتقاد بأن الالتصاق بذيل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هو الخلاص الوحيد أمام تركيا، وهذه ليست الحقيقة، وإذا عدنا إلى ما قبل بضع سنوات رأينا أن تركيا بينما كانت تكافح حزب العمال الكردستاني فإن الولايات المتحدة كانت تزود هذه المنظمة بمختلف أنواع الدعم المادي والمعنوي، بل إن معظم الأسلحة التي كانت تحارب بها هذه المنظمة تركيا وتقتل أبناءها كانت من صنع أمريكي.

وفي ضوء ذلك هل يصعب علينا فهم حقيقة أن التوجهات التركية للولايات المتحدة خطأ كبير، وأن ذلك لن يفيدها، بل على العكس سيضرها بشكل مطلق؟ 

منذ سنين طويلة يمارس الإعلام التركي حملة التنويم المغناطيسي على الشعب، فهو يقلب الحقائق من جهة، ويبرز ما يراه مناسبًا للحملة الدعائية الإمبريالية من جهة أخرى، بل إنهم وصلوا إلى درجة نجحوا معها بإعاقة التفكير الشعبي بهذه المواضيع، فمثلًا: لماذا لا يفكر الأتراك في الهدف من الاستعجال الأمريكي لانضمام جزيرة قبرص إلى الاتحاد الأوروبي؟ وهل لهذا الأمر علاقة بخطط الشرق الأوسط الكبير، علمًا بأن الأحداث التي تدور حولنا ليست نتيجة مصادفات عابرة، بل هي خطط وحسابات منسقة تقوم على في حلقات متصلة وصولًا إلى الهدف المنشود وهو أن تقسيم الشرق الأوسط؟

المنظر العام في تركيا يمكن إيجازه كالتالي: شعب تائه بين سندان عملية التخدير الإعلامي، ومطرقة ضيق المعيشة، وإذا لم يصح الشعب التركي من نومه الطويل قبل أن يفوت الأوان فإن القوى الإمبريالية سوف تنفذ خططها في أرضه. 

نعم، لقد أصبح على عاتق الوطنيين من الشعب التركي مسؤولية كبيرة ومهمة لا تقبل التأجيل، والدور الكبير المسند لتركيا ضمن خطط الاستسلام لأمريكا تحت اسم تعزيز الديمقراطية في الشرق الأوسط- يضاعف من مسؤولية الوطنيين الأتراك أمام شعوبهم وشعوب العالم.

تركيا دولة «نموذجية»: لقد استعادت تركيا مكانتها كدولة كبرى في عيون الأمريكيين، ورغم حقيقة أن الرفض التركي لطلب واشنطن تمرير قواتها من الأراضي التركية إلى العراق قد يبقى دائمًا في عقول الناس، إلا أن المستجدات كافة تؤكد أن مكانة تركيا في الشرق الأوسط الكبير مازالت محفوظة ومهمة جدًا بالنسبة للأمريكيين.

فتركيا العلمانية التي تتبنى الديمقراطية والإسلام بعضويتها في الاتحاد الأوروبي يمكن أن تكون النموذج الأفضل لما يراد تطبيقه على البلدان الأخرى في المنطقة.

الرابط المختصر :