العنوان تساؤلات عن التأمينات واستثماراتها : لماذا لا تكون للتأمينات هيئة رقابة شرعية لضمان حل أموال المواطنين
الكاتب بدر القناعي
تاريخ النشر السبت 23-فبراير-2002
مشاهدات 14
نشر في العدد 1490
نشر في الصفحة 10
السبت 23-فبراير-2002
هناك طريق أراده لنا الخالق رب العالمين القوي العزيز، وطريق آخر أراده لنا المخلوق الضعيف المحتاج في كل أحواله دوماً لرب العالمين. فأيهما نسلك إذا تعارض أمر الخالق وأمر المخلوق؟
لا شك أن الفطرة بداخلنا تقول كما يقول الله تعالى عن نفسه: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: 14] وتقول أيضاً كما يقول الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾[الأحزاب: 36] وتقول الفطرة أيضاً كما يقول الله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾[الحشر: 7]
ولكن هناك تشويشات على الفطرة توسوس للإنسان أفكاراً، وأراء تجعل المسلم الضعيف يختار طريقاً لم يختره له رب العالمين، ولم يسلكه سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وموضوعنا عن التكافل الاجتماعي (المسمى بالتأمينات الاجتماعية).
لا شك أن التكافل الاجتماعي مطلوب شرعاً بين المسلمين لقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2] فمؤسسة التأمينات الاجتماعية مؤسسة عامة استثمارية للتكافل الاجتماعي مرخصة من الحكومة برخصة مقننة، فهي تأخذ اشتراكات إجبارية من جميع فئات وقطاعات العمل الوظيفي الحكومي أو الحرفي المرخص (برخص من وزارة التجارة)، أو عن طريق الاستقطاع الشهري من رواتب الموظفين وأصحاب الحرف الأخرى وتقوم باستثماره في مجالات الاستثمار المباحة، فيعود بالريح الكبير على كل مشترك حسب مقدار اشتراكه حين التقاعد، أما بخصوص من ليس له وظيفة ولا حرفة من الفقراء، فلو أن الحكومة أجبرت كل تاجر وكل صاحب مال حال عليه الحول، على أن يدفع الزكاة السنوية، كما كان يفعل رسول الله صلي الله عليه وسلم وخلفاؤه والتابعون من بعده لكان في ذلك نفع وتكافل اجتماعي عظيم وخاصة للفقراء والعاجزين والأرامل والأيتام وذوي العاهات المقعدين العاجزين عن الكسب وغيرهم من مستحقي الزكاة
أما بالنسبة للتكافل الاجتماعي في "مؤسسة التأمينات الاجتماعية، فهو خاص فقط بالمشتركين فيه، وغالباً ما تتردد تساؤلات عنه:
أولاً: كيف تستثمر مؤسسة التأمينات الاجتماعية هذه الاشتراكات؟ هل تستثمرها حسب مراد الله الخالق بالطريق المباح أم تستثمرها دونما اعتبار لأمر الخالق فيما حرم وأباح؟
سؤال آخر: هل إدارة مؤسسة التأمينات الاجتماعية توجد فيها هيئة شرعية (تضم علماء أتقياء محايدين، ورواتبهم ليست من المؤسسة ولا تفرض المؤسسة قوانينها عليهم)، وذلك لينظروا في تسيير الاستثمارات في الطرق المباحة ويقوموا بتعديل وتصحيح مسار هذه الاستثمارات إلى الوجهة الشرعية التي لا يدخل فيها أي وجه محرم؟
وهناك أيضاً سؤال ثالث: إن كانت مؤسسة التأمينات الاجتماعية تستثمر حالياً تلك الاشتراكات باستثمارات مخلوطة بالحرام، فماذا يفعل المشتركون في هذه الحالة؟ وهل هذا الاشتراك الإجباري يبيح لهم أكل ما يحرم عليهم من عائد الاستثمارات التي يختلط فيها الحرام بالحلال الذي يعطونه كمعاش تقاعدي أم لا يبيح لهم ذلك؟
وأيضاً يتساءل من يريد أن يتقي الله بالنسبة لما يعطى من معاش التقاعد الملوث: هل يتبع مراد الخالق بقوله: ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾[البقرة: 279]، فلا يأخذ إلا رأس ماله؟ ماذا يفعل فيما زاد على رأس ماله؟ هل ينفقه على الفقراء "والصدقة من محرم منهي عنها" أم ماذا يفعل؟ هل يردها على مؤسسة التأمينات الاجتماعية، أم يخالف أمر الله ويأكلها؟ (نرجو مشاركة القراء الكرام في الموضوع وهناك أيضاً سؤال يطرح نفسه بالنسبة لمن يريد أن يتقي الله في ذريته وأولاده من بعده، ولا يريدهم أن يأكلوا من السحت (الأموال الملوثة بالربا أو غيره من أوجه الكسب المحرمة) الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم ما معناه «أيما لحم ودم نبتا من سحت فالنار أولى بهما» أو كما قال ما معناه : «أيما جسم نبت من سحت فالنار أولى به» وغيرها من الأحاديث مثل قوله صلى الله عليه وسلم بما معناه: «درهم من ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية» رواه أحمد بسند صحيح، فكم يتعذب هذا ويعاني من الألم؟ هذا لو أقيمت عليه العقوبة في الدنيا، فما بالك بعقوبة الآخرة؟
والسؤال ماذا يفعل هذا المتقي الذي يخاف على ذريته بل ويخاف على الأجيال القادمة من الاستثمارات الملوثة؟ وماذا يفعل وكيف يتصرف وهو مجبر على الاشتراك في مؤسسة التأمينات الاجتماعية غير مخير؟ هل يترك وظيفته أو حرفته ليتخلص من الإجبار؟ هل يغادر بلده بحثاً عن بلد يطلب فيه الرزق النظيف ولبس فيه إجبار على الاشتراك في مؤسسة التأمينات ملوثة في استثمارها؟ أم ماذا يفعل؟ نحن في زمن صار الحليم فيه حيران كل هذه التساؤلات تدور في فكر بعض الناس، فنرجو إجابة الإخوة القراء الكرام عليها؟
وهناك أيضاً من يقولون: حتى رواتبنا التي نأخذها من الوظيفة هي أيضاً من أموال ربوية والمعاش التقاعدي مثلها فلا فرق بينهما، وهم بكلامهم هذا يقصدون إباحة أكل ما دخل في المعاش التقاعدي من شبهة محرمة، وهذا الكلام يجاب عليه باختصار للتفريق بين الراتب الشهري وبين المعاش التقاعدي.
ونضرب على ذلك مثالاً: عامل "نجار أو حداد أو صباغ" حين يقوم بعمله لصاحب المنزل مثلاً يأخذ أجرة على عمله، وهذه الأجرة مباحة لا شك في ذلك، سواء كان صاحب المنزل يعمل بالربا أم لا، وذلك مثل قصة علي بن أبي طالب رضي الله عنه- حين عمل عند يهودي بأجرة مقدارها تمرة واحدة مقابل كل دلو من الماء ينزعه من البئر في بستان هذا اليهودي واليهود معروفون منذ أيام الرسول وحتى قيام الساعة بأكلهم الربا والسحت، فلو كانت أجرة على بن أبي طالب- رضي الله عنه - فيها شبهة محرمة لما أخذها علي من اليهودي، أما لو كان نوع العمل الذي قام به علي رضي الله عند اليهودي فيه معاونة له على عمل محرم أو معاونة على الربا ككاتب أو شاهد على أوراق الربا لكان هذا العمل محرماً لا شك في ذلك؛ فالحل والحرمة تلحقان نوع العمل لا من يعمل عنده أو يتعامل معه، لذلك لا مانع من العمل عند أي جهة أو التعامل معها، ما دام هذا العمل مباحاً حتى لو كان التعامل مع مشرك أو يهودي، وقد مات الرسول صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي، مما يدل على جواز التعامل معهم وذلك في "دار السلام" لا في "دار الحرب" مع أن اليهود والمشركين يأكلون الربا، فجواز التعامل والعمل والوظيفة مع المسلمين أولي مادام العمل الذي يقوم به الموظف مباحاً شرعاً، وليس فيه معاونة على محرم أو ربا.
لكن إذا رضع العامل أو الموظف جزءاً من راتبه أو جزءاً من أجرته مع صاحب عمل أو مؤسسة أو شركة تستثمر الأموال بأعمال محرمة کالربا وغيره، أو اقتطع صاحب العمل من هذا العامل أو الموظف بعض أجرته إجباراً وقال له سوف استثمر لك الاستقطاع من أجرتك وأعطيتك الربح مستقبلاً وكان استثماره وعمله فيه حراماً، فإن أرباح هذا العمل من الاستثمار المحرم محرمة، لا يحق للموظف أن يأخذ منها إلا رأس ماله، لأن ما حرم أكله وشربه حرم ثمنه وكذلك باقي المحرمات مثلها، وبهذا التفريق يتضح الفرق بين راتب الوظيفة البعيدة عن مباشرة الموظف الربا المحرم، وبين اشتراك هذا الموظف في مؤسسة أو شركة تعمل وتستثمر الاشتراكات في أمور محرمة أو مخلوطة بالحرام.
نسأل الله تعالى أن يوفق المسؤولين في هذا البلد الطيب لتصحيح موضوع التأمينات بأن يوجه الاستثمار فيها الوجه الشرعي المباح أو يجعلوا الاشتراك في مؤسسة التأمينات الاجتماعية اختيارياً كأخف الضررين، لأن الإجبار على فعل محرم أو أكل محرم لا يجوز والله تعالى يقول: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ [البقرة: 256]، وبذلك لا يحق لنا أن نكره اليهودي والنصراني على الصلاة والطاعات في ديننا، فمن باب أولى ألا نجبر ولا نكره المسلم على أكل أو فعل ما فيه محرم أو فيه معصية، قال تعالى ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾[الشمس: 7 - 10]
والله الموفق والهادي إلى صراط العزيز الحميد .
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلمن أحفاد الرسول صلى الله عليه وسلم: الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما
نشر في العدد 10
25
الثلاثاء 19-مايو-1970