; المجتمع الثقافي العدد1246 | مجلة المجتمع

العنوان المجتمع الثقافي العدد1246

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 15-أبريل-1997

مشاهدات 15

نشر في العدد 1246

نشر في الصفحة 52

الثلاثاء 15-أبريل-1997

ومضة

الحديث عن الاستنساخ هو «موضة» هذه السنة، الكل يفكر بالاستنساخ، والكل يناقش، والكل يقترح الحلول، والكل أيضًا لا يفقه شيئًا عن هذا الاستنساخ!!، مهما ادعى أنه يشجعه، ويقف في صف الداعين له، والناظرين إليه ببلاهة شديدة، لعل مصدرها الإعجاب اللامتناهي، بكل ما يردنا من الغرب، بصرف النظر عن أهميته وقيمته وفائدته لمجتمعاتنا .

اللافت للنظر أن هؤلاء الذين هجموا على موضوع الاستنساخ يفرغونه في كتاباتهم وزواياهم الصحفية، أصدروا فتوى حرموا بموجبها على علماء الدين أن يدلوا بدلوهم في هذه المسألة الشائكة بدعوى أنها مسألة تخصص لا ينبغي لكل من هب ودب أن يتحدث عنها، ودعموا فتواهم بضرورة أن يتريث العلماء في إبداء رأيهم حتى تتجلى حقيقة هذا المستحدث الخطير، وبعدها يستطيعون الحكم له أو عليه، وهذه لعمري كلمة حق أريد بها أولًا: إبعاد علماء الدين وعزلهم عن كل المسائل والمواضيع المثارة بين الناس، على نفس الطريقة التي يحاولون فيها عزلهم ومنعهم من الحديث في القضايا السياسية والاقتصادية، وقضايا السلم والحرب، فلا شأن لهؤلاء العلماء بالسياسة؛ لأنهم رجال دين، ولا دخل لهم في الاقتصاد؛ لأنه ليس من تخصصهم، ولا علاقة لهم بالسلم أو الحرب؛ لأن لكل ميدان فرسانه ولكل فن أهله وذويه. 

ثانيًا: بعد عزل علماء الدين ينفسح المجال أمام كتاب الزوايا ومتعالمي الصحافة؛ ليقولوا ما يشاؤون من غير رقيب ولا حسيب، فهم يتكلمون عن الاستنساخ، وكأنهم قد شاركوا في دراساته وتركيباته، وسهروا طويلًا حتى ظهرت نتائجه الأخيرة!!، وهم يتكلمون في السياسة، ويهرفون بما يعرفون وما لا يعرفون!!، ويغوصون في أدق المشاكل الاقتصادية، بأسلوب لا يتسم بالعمق والخبرة، بقدر ما يطغى عليه التسطيح والفهلوة!!، ويتحدثون عن السلم والحرب، من غير أن يدركوا أبعادها أو الأخطار المترتبة عليها!!!، مع العلم أنهم ليسوا مؤهلين للبحث في هذه القضايا، ولا من ذوي الاختصاص في دراساتها، لكنهم يقحمون أنفسهم فيما لا يعلمون ولا يفقهون، ويتباهون في تبجح مفضوح قائلين: قل لي ماذا اخترعت، أقل لك مَن أنت، ولأني أعرف حصيلتهم العلمية، فلن أقول لهم: ما الذي اخترعتموه أنتم يا أصحاب الزوايا المظلمة؟!.

واحة الشعر

شعر: وليد جاسم القلاف 

أدوارنا

معروفة وَمُوزعة 

أَدْوَارُنَا الْمُتَنَوِّعَةِ 

فُرِضَتْ عَلَيْنَا بَعَدَما 

طبعَتْ بِأَخْبَث مَطْبَعة 

وَفُصُولُهَا لا تَنْتَهي 

قَبْلَ انتهاء الْمَنْفَعَةُ 

مشهورة بجمالها 

وَجَمَالُهَا مَا أَبْشَعَهُ 

وَجَمِيعُنَا مِنْ خَمْرها 

نحسو الْكُؤُوسَ الْمُتْرَعَةْ 

هي صُبْحنا هي لَيْلنا 

هي كُلُّ مَا فِي الْمَعْمَعَة 

هي في توددها أخ 

وبكرهها هي زوبعة 

وبها شهادة موتنا 

رَغْمَ الْحَيَاةِ مُوَقّعَة

* * * 

أدوارنا مفزوعة 

طَوْرًا... وَطَوْرًا مفزعة 

أسماؤها مجموعة 

لكنها متفرعة

مثل الزروع تكاثرت 

ولها الخيانة مزرعة 

وَوُجُوهُهَا مَعْرُوفَة 

رغم ارتداء الأقنعة

تَأْتِي إِلَيْنَا مِثْلَما 

تَمْضَي بِنا مُتَسَكعَة 

لا تَنْثَنِي أَبَدًا وَلَا 

تَرْضَى بِغَيْرِ الْمَضْيَعَةَ 

ولحالنا هي دائمًا

من قبلنا متتبعة

شرقية غربية 

وعقالُها كَالْقُبَّعَة

* * * 

أَدْوَارُنَا مَصْنوعةٌ 

وَدُعاتُها مُتَصَنّعَةٌ 

دَوْمًا تَقولُ... وَقَوْلُها 

وَيْلٌ لِمَنْ قَدْ شَنّعَهُ 

تعلو بسفك دمائنا 

وبمالنا متبرعة 

وَلَكُلِّ أَمْرٍ تَرْتَدِي 

ثَوْبًا يُؤَيِّدُ مَنْ مَعَهُ 

تَسْبِي الْقُلُوب بنظرة 

وتُعيدها متوجعة 

مَحْبُوبَةً وَبِحُبُّنا 

هي دائمًا مُتَذَرّعَة 

مثل الوباء تزورنا 

وتجيد فن الإمعة

عَجَبًا لَنَا نَشْتَاقُها 

وَالْوَجْهُ مِثْلُ الضَّفْدَعَة.

 

وفاة الشيخ: محمد محمي سيلا

باماكو: عبد الله يوسف نوري: فقدت الدعوة الإسلامية في مالي الشيخ محمد محمي سيلا. 

-خريج الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ١٤٠٣هـ- ١٤٠٤هـ.

-مبعوث دار الإفتاء في مالي. 

-مدير تعليم المعهد الإسلامي في باماكو.

-مدرس في المعهد الإسلامي.

-عضو جمعية الدعاة في مالي.

-رئيس الجمعية الإسلامية للإصلاح في مالي «Aislam».

-الإمام الثاني في مسجد «كنز نبوغو» السني بباماكو، وقد وفقه الله – تعالى - منذ عقد للقيام بمهمة التعليم والتربية وبث الوعي الإسلامي في بلده مالي.

وكان يتميز - رحمه الله - بنشر العلم الشرعي بين أبناء بلده، وقد توفي في منتصف العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك عن عمر يناهز الـ ٤٣ سنة، داعين الله العلي القدير أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته، ويلهم أهله وذويه وطلابه وزملاءه في العالم الإسلامي الصبر والسلوان. 

و«إنا لله وإنا إليه راجعون».

 

القصة الشعرية في قصيدة «عندما يحزن العيد»

بقلم: أحمد الخاني

قرأت في العدد (۱۲۳۸) من أعداد مجلة المجتمع الغراء قصيدة الشاعر المبدع أحمد حسبو فرأيت أنها قصيدة نسجت على منوال قصصي، فهذه القصيدة قصة شعرية، وأرى أن أعرف القصة الشعرية فأقول: «أسلوب إبداعي من أساليب القريض ينهج فيه الشاعر منهج الأسلوب القصصي؛ بحيث يتوفر فيه من العناصر الفنية ما للقصة الشعرية) (1).

«والقصة في الأدب أسلوب ممتع شيق جذاب، وإذا كان هذا في النثر، فكيف به في الشعر» (۲)، يبدأ الشاعر أحمد حسبو قصته الشعرية بتفجير الحدث:

ولدي رآني مطرقًا في العيد 

           مستغرقًا في الصمت والتنهيد

وبعد تفجير الحدث قام الشاعر بـ «الحركة» لدفع الحدث وتطويره فجعل من ابنه الشخصية المحاورة:

فرنا إليّ بمقلتيه محدقًا

           وجرى عليّ بفطرة المولود 

وقف الصغير مسائلًا ببراءة: «مالي أراك مكدرًا في العيد»؟، ويبدأ الصغير يسأل أباه سؤال المستغرب بل المنكر لهذا الحزن، فالعيد في عرف الصغار كما قال الشاعر: سرور ورضى وأنس: 

فعلام تبدو يا أبي متجهمًا

               ومخالفًا للعرف والتقليد؟ 

سارت القصة سيرًا متأنيًا «فالموضوع» هو حزن الشاعر في العيد والشخصيات، الشاعر وولده الصغير، والآن يبدأ الحوار: 

صوبت لابني نظرة أودعتها

            ردي وفيض مشاعري لوليدي

لا زلت غضًا يا صغيري ناشئًا 

          فاسعد بيومك والغد المنشود 

فأجابني: ماعدت غرًّا يا أبي

           فاروِ الغليلَ وقل بلا تمهيد

وهكذا تسير القصة إلى أن نتساءل: ترى ما سبب هذا الحزن لدى الشاعر؟، نعم لقد سارت القصة عن طريق الحوار إلى نقطة لا تدري ما سيكون حلها، وصلت الحركة بالحدث إلى «العقدة»، فكيف يأتي «الحل»؟، يقول الشاعر ممهدًا لحل العقدة: 

قلت: استمع فلقد أثرت مشاعري 

                                        ونكأت جرحًا نازفًا بوريدي 

كيف السرور ومسجد الأقصى اشتكى

                                    من حال أمتنا وكيد يهود؟

إن الشاعر أطلع ولده على سر حزنه، وهو اغتصاب المسجد الأقصى من قبل أعداء الله اليهود، وهذا الحزن لا يدعو الشاعر إلى اليأس والاستسلام والذل، وإنما يدعو الشاعر إلى الجهاد لتحرير القدس، وبهذا وصل الشاعر إلى حل العقدة. 

العيد إن عاد الجهاد وكلنا

                                         مستبشرون بعودة المحمود 

والشاعر موقن بوعد الله وبالنصر من الله – تعالى -: 

سيعود حتمًا لا محالة يا فتي

                                         بمشيئة المولى ورغم حسود

وسنطلق الأقصى الأسير وعندها 

                                  سيكون حقًّا ذاك يوم العيد

العناصر القصصية في هذه القصيدة متكاملة إلا أنها هشة، فالموضوع هو حزن الشاعر في العيد لما آلت إليه حال المسلمين من التردي والتهاون في الدفاع عن القدس واسترداده، وهو موضوع جلل يتفجر عطاء.

الشخصيات: الشاعر وولده الصغير، ولا يضر القصيدة ولا يضر القصة فيها إذا لم يتوسع الشاعر بالأشخاص إذا كان الحوار متقنًا. 

الحوار: لم يجر الحوار على لسان الصغير بلغته الطفلية؛ إذ أنطق الشاعر الطفل بما يلي:

والعيد يوم في ظلال خميلة 

             أو روضة محفوفة بورود

والعيد في سمع الورى ترنيمة 

           هو فرحة كبرى بلا تنكيد

فهل كان ابن الشاعر الطفل الصغير فيلسوفًا؟ حكيمًا؟، كان يحسن بالشاعر أن ينطق ابنه بلغة سنه وعقله، والحوار على لسان الطفل طال؛ حيث بلغ تسعة أبيات في بداية القصيدة والوالد يستمع إليه، ولو أن الحوار كان مناوبة بين بيت من الشاعر وبيت من ولده لكان أقرب إلى طبيعة الأمور. 

والحبكة في القصة واهية، والعقدة ليست واضحة الوضوح الكافي، أما أدوات الشعر الفنية في هذه القصيدة: فالقصيدة من البحر الكامل «متفاعلن»، والمطلع مصرع، إلا أن التفعيلة الثالثة في الصدر جاء فيها الإضمار فأصبحت «مفعولن» (۳)، وهو وإن كان سائغًا لكن الأفضل عدم الإضمار، ولأمر ما كان شوقي يعني بمطلع قصيدة عناية ربما عادلت القصيدة نفسها، وقد استخدم الشاعر الوحدة اللغوية استخدامًا ينقصه الشفافية والإيحاء، والأسلوب أقرب إلى التقرير منه إلى أساليب الإنشاء، وإن وردت فيه بعض التساؤلات الإنكارية:

كيف السرور ومسجد الأقصى اشتكى. 

أما التصوير فحظه أيضًا قليل في هذا النص الشعري، لكن شيئًا واحدًا مهمًّا غطى هذه الملاحظات، وهو أن القصيدة ليست فنًّا إنشائيًّا بمقدار ما هي قطعة وجدان، صحيح أن هذه القصيدة ليس فيها من أساليب البيان وفنونه الشيء الكثير، لكن الشاعر استطاع أن ينقل إلينا إحساسه عبر الكلمات، فالألفاظ مشحونة بالوجدان صادقة العاطفة قد صورت لنا حزن الشاعر في العيد، بينما بعض الغافلين من المسلمين لا يحسون هذه المعاني، التي طرحها الشاعر، فالقصيدة قصة شعرية تكامل فيها الفن الشعري وعناصر القصة، فأنجبا هذا العطاء الجديد، فإذا اتجه شاعرنا إلى هذا الأسلوب فربما يبدع أكثر مما أبدع .

الهوامش

  1. جريدة الجزيرة أدب وثقافة ١٤١٠هـ. 

  2. مجلة المجتمع العدد ١١٤٤.

  3. انظر المعيار في أوزان الأشعار للأعلم الشنتريني، بتحقيق د. محمد رضوان الداية.

 

الاعتراف بالتقصير بداية التحول

تتقاطع مفاهيم الإعلام الهادف، أيًّا كان مصدره مع أهواء صانعي الشر؛ حتى بات الواحد منا لا يأمن على نفسه، فضلًا عن أهله وأسرته، فالقول بأننا أصبحنا نعيش في عصر زالت منه المسافات، وأننا نقطن في عالم هو عبارة عن قرية صغيرة أو مدينة صاخبة، أصبح شيئًا من الماضي. 

ففي الوقت الذي لم يزل أبناء أمتنا صرعى البث الفضائي، باغتهم الإنترنت، فهتك أستارهم أو ما تبقى منها، وفتّ فوق أدمغتهم صراع الدنيا، في حروب أقل ما يقال فيها أنها حروب غير متكافئة. 

إن استعادة الهوية والاعتبار ونشر الوعي بين أبناء الأمة لا يمكن أن يكونا من خارج الإطار الذي وضعه الله – تعالى -، وأخبر به نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فالشمس إن لم تشرق من الأعماق وإن لم تشعل حرارة الإيمان الحقيقي في النفوس، فلن تجد إلا أمة ضائعة تائهة لا يربطها بدينها سوى خيوط وهمية واهية لن تلبث حتى تزول عند أول اختبار وتمحيص، ولا شك أننا نعيش مرحلة تاريخية ومصيرية قاسية، ولا شك أن هناك غزوًا فكريًّا منظمًا تقوده المنظمات والمؤسسات التي ترى في الإسلام منافسًا خطيرًا ومقاومًا شرسًا لطموحاتها وأهدافها. 

إن انبعاث الأمة ونهوضها من عثرتها ليس حلمًا يستحيل تحقيقه، ولكنه أمل ألهب القلوب، وأحيا في نفوس المخلصين حقيقة الانتماء، وقد يكون الاعتراف بالتقصير بداية التحول، وقد يكون الإقرار بواقعنا مرحلة الانطلاق، والإفلات من التبعية عوضًا عن البحث عن مبررات، وأعذار تضمد الجراح التي أثخنت جسد أمتنا. 

إن التجارب المريرة التي عشناها ونعيشها تتطلب منا تقويمًا شاملًا وعودة إلى ينابيع الخير والرشاد الخالدة إلى يوم القيامة، قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (سورة الحجر: 9).

طارق البكري

تغريب الأمة.. آفاقه وكيفية مواجهته

بقلم: غازي التوبة «*»

  • خطر التغريب الآن أشد على الأمة الإسلامية من التغريب السابق، وذلك لتنوع وسائل الاتصال والإعلام، وتوقف الثقافة الدينية عن النمو.

عندما ضعفت الأمة في نهاية الحكم العثماني، وبدأ الغرب -في المقابل- يتقوّى، وحضارته تشق طريقها إلى الأمام، انعكس هذا الموقف على أمتنا ولاح خطر التغريب، وتجلى في صورتين:

الأولى: تقليد أنماط سلوك الحياة الغربية: قلد بعض المسلمين الغربيين، وتأثروا ببعض عاداتهم في الطعام والشراب واللباس إلخ، ونقلوا بعض أنماط سلوكهم، وكان هؤلاء المقلدون كلما ازدادوا انغماسًا في الحياة الغربية، وتفاعلًا مع صورها، وتكيفًا مع اهتماماتها، ازدادوا بعدًا عن أمتهم، وانسلاخًا عن قيمها، وقد نفذت العادات والتقاليد الغربية إلى عموم الناس بالتدريج، وما زالت مستمرة إلى الآن. 

الثانية: نسخ الحضارة الغربية: دعا بعض المسلمين إلى أخذ الحضارة الغربية بكل تفصيلاتها، واعتماد فلسفتها، وقيمها، كما دعوا إلى تعميم فنونها، والانحياز إلى ثقافتها، ونموذج تفكيرها الذي يقوم على تناقض العلم مع الدين، والأخذ بأساليب تربيتها وبكل نظمها في الحكم والسياسة والقانون والدستور، والأخذ بنموذجها الاقتصادي.

الخلاصة: نادى دعاة الصورة الثانية بنقل الحضارة الغربية بكل جمالها وقبحها بكل حلوها ومرها، وقد قام على هذه الدعوة أحاد من الناس، وأبرزهم: الخديوي إسماعيل باشا، وخير الدين باشا التونسي في القرن التاسع عشر، وطه حسين عميد الأدب العربي في القرن العشرين!!.

وللحقيقة فإن دعاة الصورة الثانية كان يقابلهم دعاة آخرون يتعاملون مع الحضارة الغربية تعاملًا متوازنًا، فيدعون إلى الحرص على ثوابت الأمة وأصولها والاستفادة في الوقت نفسه من ميزات الحضارة الغربية وإيجابياتها، وأبرز هؤلاء الدعاة العلماء المتخرجون في صروح المعاهد العلمية العريقة كالأزهر والزيتونة.

هذا تلخيص سريع ومختصر لوضع الأمة إزاء التغريب في القرنين التاسع عشر والعشرين، لكن خطر التغريب الآن أشد من السابق بكثير، وذلك لعدة عوامل:

أولها: تنوع وسائل الاتصال والإعلام من: سينما وإذاعة وتلفزيون وفيديو وكمبيوتر وإنترنت إلخ..، وسرعة انتشارها، وسطوة تأثيرها، وضخامة الانجذاب إليها.

ثانيها: اتساع القطاع الذي تخاطبه تلك الوسائل، وهو معظم الناس إن لم يكن كلهم: متعلمهم وجاهلهم، غنيهم وفقيرهم، صغيرهم وكبيرهم.

ثالثها: توقف الثقافة الدينية عن النمو منذ قرن ونصف تقريبًا. 

لقد توقفت ثقافتنا الدينية عن النمو وعلومنا الشرعية عن الازدهار، وذلك لعدة أسباب منها:

  1. إنشاء تعليم منافس للتعليم الشرعي: استحدثت الخلافة العثمانية وزارة المعارف العمومية عام ١٨٤٧م، لتدرس المناهج الغربية، ولتعمل وفق النسق الغربي وبالذات فرنسا، وبالفعل فقد أنشئت مدارس في كل أنحاء الخلافة لتقوم بهذه المهمة.

وكان محمد علي باشا في مصر قد سبق الخلافة العثمانية بقليل عندما أنشأ تعليمًا على غرار التعليم الأوروبي في عام ۱۸۲۰م أشرف عليه أتباع سان سيمون الفرنسيون، وقد التزمت الحكومتان في كل من إسطنبول ومصر ألا توظف -في حدود عام ١٨٥٠م- إلا المتخرجين من المدارس غير الشرعية فقط، وقد جاءت ضربة أخرى لنظم التعليم الدينية الشرعية على يد محمد علي باشا في مصر عندما أنشأ مدرسة القضاء الشرعي، التي تخرج قضاة للمحاكم الشرعية في مصر، مما اعتبر سحبًا نهائيًّا للبساط من تحت التعليم الشرعي.

  1. سحب الأوقاف التي كانت تمد التعليم الديني بالأموال اللازمة. 

لقد بدأ ذلك محمد علي باشا، فقد استولى على الأراضي الوقفية التي كانت تمد المساجد ومدارسها بالأموال اللازمة لها، وكانت تلك الأوقاف تبلغ خمس الأرض المزروعة في مصر آنذاك، استولى عليها بحجة أنه سينفق عليها بعد ذلك من أموال الدولة، وكان قد حدث الشيء نفسه في كل من تونس ومركز الخلافة العثمانية والجزائر، علمًا بأن الأوقاف كانت تمثل ربع ثروات العالم الإسلامي، وأن ثلث منازل العاصمة الجزائرية كانت حبوسًا عند الاحتلال الفرنسي لها عام ۱۸۳۰م، وأن ربع الأرض الزراعية في تونس كانت أوقافًا كذلك عشية احتلالها .

إن سحب الأوقاف أضعف التعليم الديني، وأفقده مصدر الإنفاق عليه مما أضعف مؤسساته التعليمية: المدارس والمعاهد والكتاتيب التي كانت تمد المدارس والمعاهد بما تحتاج إليه من دارسين. 

جـ- ضعف حيوية المدارس والجامعات الشرعية وغياب تطويرها. 

نتج عن الأمرين السابقين وهما: إنشاء تعليم منافس للتعليم الديني، وسحب الأوقاف التي كانت تموله وتغذيه أن أصبحت المدارس والمعاهد والجامعات الملحقة بالمساجد كالأزهر والزيتونة ضعيفة الحيوية، وذلك لعدم إقبال الناس عليها نتيجة عدم أخذ متخرجيها موظفين في الحكومة من جهة، وفقيرة لسحب الأوقاف التي كانت تمولها وتجعلها تستغني عن الحكومات من جهة ثانية. 

إن هذا الضعف الذي كانت أسبابه ما ذكرناه سابقًا وغيره، جعل هذه الجوامع الإسلامية لا تستفيد من طفرة العلوم التي شهدتها الحضارة الغربية، لتلاحق الغرب، وتستكشف آفاق تطوره، وتستفيد من بعض الأمور الحقة التي توصل إليها، وتطور نفسها بناء على ذلك، ولم تقم بكل هذا نتيجة ضعف حيويتها، لذلك بقيت العلوم الإسلامية في كل المجالات، كما كانت عليه قبل قرنين أو أكثر دون أي تغير. 

ومما يؤكد ضعف حيوية هذه الجامعات الإسلامية أن معظم الإبداع، الذي شهدناه في القرنين الماضيين كان خارج نطاق هذه الجوامع الإسلامية.

على ضوء الصورة السابقة، فما أبرز مخاطر التغريب؟

  1. ضياع قسم من أبناء الأمة: سيؤدي اصطراع القيم الوافدة والقيم الموروثة إلى ضياع قسم كبير من أبناء الأمة لعدم استطاعتهم حل هذه الإشكالية بشكل صحيح من جهة، ولعدم تلاؤمهم مع القيم الوافدة من جهة ثانية، ولعدم استطاعتهم الاحتفاظ بقيمهم الموروثة من جهة ثالثة، وليس من شك بأن ضياع قسم من أبناء الأمة خسارة لنا في كل الموازين. 

  2. فقدان الهوية قد يؤدي التغريب ونجاحه ضمن الصورة التي عرضناها إلى فقدان أمتنا لهويتها، وتصبح مجرد تابع للغرب يدور في فلكه، وهذا خطر حقيقي يهدد أمتنا ما لم تستدرك ذلك بزيادة عوامل مناعتها، وليس أدل على ذلك من قلة حجم الإبداع الثقافي المساهم في الحضارة الإنسانية بالمقارنة مع دول وشعوب أخرى. 

والسؤال الآن على ضوء المخاطر السابقة ما سبل مواجهة التغريب والتغلب عليه؟ 

إن أفضل سبل مواجهة التغريب والتغلب عليه هي: 

  1. تعميق انتماء المسلمين إلى أمتهم: السبيل الأجدى هو تعميق انتماء المسلمين إلى أمتهم الإسلامية بزيادة معرفتهم بدينهم، وتمتين ارتباطهم بإسلامهم في كل مجال: في التربية والاقتصاد، والاجتماع، والشارع، والنادي، والمعهد... إلخ.

إن هذا التمتين للارتباط بالإسلام له حكمة أبعد من المحافظة على هوية الأمة فقط، هي إعطاء فرصة لأمتنا للمساهمة في إغناء الحضارة المعاصرة في أقل الأحوال إن لم يكن المساهمة في إنقاذها من أزمتها التي تحدث عنها: كولن ويلسون، وشبنجلر، وتوينبي، وغارودي، وألكسيس كاريل، إلخ، فهي مرشحة لهذا بحكم الأصول والثوابت التي ورثتها من خلال رسالة الإسلام والتي لا مجال للتفصيل فيها، فلهذا مقام آخر.

  1. زيادة حجم الأوقاف: كما كان فقدان الأوقاف سببًا في ضعف العلوم والجوامع والمعاهد الإسلامية، كذلك يجب أن يكون شعارنا في المرحلة القادمة إحياء هذه السنة، والإكثار من الأوقاف التي توقف على العلم والعلماء والأبحاث العلمية والمعاهد العلمية، والجوامع التي تعتني بالعلوم الشرعية.

  2. إنهاء ازدواجية العلوم في حياتنا الاجتماعية: كما كان إيجاد المدرسة العصرية منافسة للمدرسة الشرعية سببًا في ضعف العلوم الشرعية، وإيجاد نموذجين في حياتنا الاجتماعية: مسلم يعرف الكثير عن العلوم العصرية جاهل بأمور دينه، ومسلم يعرف الكثير عن العلوم الشرعية وجاهل بعلوم عصره، علينا أن يكون هدفنا الذي تسعى إليه هو إلغاء هذه الازدواجية وإعطاء المتعلم المسلم حصيلة متوازنة من العلوم العصرية والشرعية، وسيكون انتشار العلوم الشرعية فاتحة لتلاقح كثير من العقول وتفاعلها معها، وبالتالي يصبح بالإمكان إعادة الحيوية إليها من خلال اتساع رقعة المتعاملين معها، وأن يكون هذا الاتساع معطيًا الفرصة لمزيد من الإبداع، والمساهمة في حل الإشكالات المحيطة بالأمة حلًّا مناسبًا.

هذا هو الخطر الداهم الذي يهدد أمتنا أكثر من غيره، وهذه بعض وسائل مواجهته التي قد تكون أكثر جدوى وفائدة، والمجال مفتوح لمزيد من الرصد والمتابعة وإقتراح الحلول والعلاجات المناسبة.

 

إصدارات مختارة

أوراق في الفقه السياسي 

لم يكن ماركس وإنجلز يدريان أن الصحوة الإسلامية المعاصرة سوف تفرض على كل مؤسسات البحث، ووزارات الخارجية في النظم الحاكمة دراسة الإسلام، وظاهرة التوجه إليه من الأجيال المعاصرة؛ إذ آمن كل منهما بأن الدين سوف ينقرض، وقامت نظرية انقراض الدين لديهما - أو في المنظور الماركسي عامة - على شكل إقصاء متدرج ومعقد».

كانت هذه الكلمات المعبرة في بداية تقديم الأستاذ حسن علي دبا لكتابه «أوراق في الفقه السياسي» تذكيرًا بالمدى الذي وصلت إليه اهتمامات الدول والمؤسسات والباحثين بالظاهرة الإسلامية الحديثة، وإعلانًا مفاجئًا لوفاة النبوءة الماركسية التي طالما تغنى مروجوها بانقراض الدين على اعتبار أنه جزء من أساطير الأولين، وبما أن الظاهرة الدينية وصلت إلى هذه المرحلة من المتابعة والأهمية في كل الدوائر والمؤتمرات، فقد بات من الأمور الحتمية الرجوع إلى العلماء من أهل الرأي والفتوى لاستطلاع آرائهم في مجمل القضايا المصيرية، والتعرف على اجتهاداتهم في كل ما استمد من مسائل ومشاكل ترتبط بالظاهرة الإسلامية الحديثة ارتباط تفاعل وانفعال. 

قضية القضايا التي سجلها كتاب «أوراق في الفقه السياسي» هو موضوع الصلح مع اليهود، وفيه نقرأ رأي الشيخ عبد العزيز بن باز، ثم نقرأ الرأي الآخر على لسان د. يوسف القرضاوي، الذي يذهب إلى عدم جواز الصلح مع اليهود ما داموا يغتصبون البلاد ويذلون العباد، بعدها نطالع تعقيب الشيخ ابن باز ثم تعقيب د. القرضاوي على التعقيب، وهكذا يستمتع القارئ بالتعرف على الرأي والرأي المخالف مما يوسع المدارك، ويزيد شحنة التفاعل مع الحدث، ويقرب الموضوع إلى متناول الفهم، لا يتسع المجال لذكر كل الفتاوى والأقوال والحوارات والمواضيع الشائكة التي دار حولها الجدل، ولعل القارئ يطلع وهو يتصفح الكتاب على ما لم نشر إليه في هذا العرض الموجز .

الكتاب: أوراق في الفقه السياسي. 

المؤلف: حسن علي دبا.

الناشر: دار البشير، طنطا- مصر. 

هاتف ٣٢٢٤٠٤ فاکس ۲۲۸۲۷۷

«طفولتنا الجميلة» سلسلة قصصية للأطفال

ضمن سلسلة طفولتنا الجميلة صدرت حتى الآن ثلاث قصص تناولت الأولى التي عنونتها الكاتبة بـ «هل سنصوم رمضان كله؟» موضوع التنافس بين الإخوة من الأطفال، وركزت على حالة الغرور التي تصيب بعض الإخوة وتدعوهم إلى التكبر والاستعلاء على الآخرين، وفي القصة الثانية «أسنان أحمد» يدور الحوار حول قضية الرضا بقضاء الله، أما «الكذبة الأخيرة»، فهي القصة الثالثة، وتعالج موضوع الكذب عند الأطفال، وتركز على الاعتبار من نتيجة الكذب.

أسلوب القصص الثلاث كان مشوقًا وبعبارة سهلة تتناسب مع أعمار الأطفال وأفهامهم، وأهم من ذلك وصول رسائلها وتأثيرها في عقول الأطفال الصغار وقلوبهم .

المؤلفة: فاطمة محمد أديب الصالح.

الناشر: دار الهدى للنشر والتوزيع.

هاتف: ٤١٢١٩٧٤ فاكس: ٤٧٧٦١٣٩

ص.ب: ٢٥٥٩٠- الرياض ١١٤٧٦.

 

حواء والدواء

وهو الكتاب الثاني من سلسلة «نحن والدواء»، والتي تتناول الثقافة الدوائية باللغة العربية بهدف توعية جمهور المتعاملين مع الدواء؛ لتجنب الأضرار الناتجة عن سوء الاستخدام والمساهمة في ترشيد استهلاك الدواء بعد أن زادت معدلات استهلاكه بصورة كبيرة، وهذا الكتاب يتناول كل ما يهم «حواء»، وما تريد معرفته عن الأدوية وتأثيراتها في مراحل عمرها المختلفة مثل المراهقة والحمل والرضاعة وسن اليأس.. إلخ، بالإضافة إلى دور الأدوية في علاج العقم، كما تطرق الكتاب إلى ما يهم «حواء» مثل البدانة وأسبابها وطرق الوصول إلى الرشاقة.. إلخ.

ويأتي هذا الكتاب بعد الكتاب الأول «الدواء شفاء وداء»، والذي لاقى استحسانًا بحمد الله وتوفيقه من عامة القراء ومن بعض المسؤولين في الحقل الصحي بعد نشره وتوزيعه في كل من المملكة العربية السعودية ومصر، وهذا العمل يعتبر أول عمل يتناول الأدوية وأضرار سوء استخدامها، وكيفية الاستخدام الأمثل لها.. إلخ، في المكتبة العربية غير مترجم .

الكتاب: حواء والدواء.

المؤلف: حسام الدين أبو السعود.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

هوية الأمة

نشر في العدد 45

13

الثلاثاء 26-يناير-1971

من يهب للإنقاذ أو يشمر للنهضة؟!

نشر في العدد 1114

11

الثلاثاء 30-أغسطس-1994