; تقييد الحريات والقناعة المفقودة | مجلة المجتمع

العنوان تقييد الحريات والقناعة المفقودة

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 17-نوفمبر-1981

مشاهدات 20

نشر في العدد 551

نشر في الصفحة 4

الثلاثاء 17-نوفمبر-1981

ما كاد الناس يستبشرون خيرًا بعودة مجلس الأمة، ورجوع القيادة السياسية في هذا البلد عن إجراءاتها التي اتخذتها في رمضان ١٣٩٦، حتى فوجئوا بمشاريع قوانين جديدة تجعل المستبشرين لا يمضون طويلًا في استبشارهم، والمتفائلين بعودة الحريات ينكمشون ولا ينطلقون في تفاؤلاتهم.

وجاءت القوانين الجديدة، كقانون التجمعات، وقانون المطبوعات؛ لتحد من الحريات، التي يمتلكها الشعب منذ الاستقلال، ولتجعل من الديمقراطية التي تميزت بها هذا البلد صورة شكلية لا تتجاوز مجلس الأمة، الذي تحاول الحكومة أيضًا أن توجهه حيث تريد.

وأدركت الحكومة أن هذه القوانين تتعارض مع إعلانها المستمر عن حرصها على الحريات العامة والتمسك بها، فأوضحت أنها لم تصدر مثل هذه القوانين إلا لمبررات منطقية، وظروف حرجة تمر بها المنطقة، وللمحافظة على الأمن والاستقرار الداخليين، ولتجنب إثارة نقمة بعض الأنظمة القمعية، التي لها جاليات كبيرة هنا.

وكان آخر هذه القوانين، التي تقدمت الحكومة بمشروعات لها قانون المطبوعات، الذي يقيد من حرية الصحافة تقييدًا واضحًا، وبررت الحكومة أيضًا هذه القيود بالمبررات السابقة، وأضافت إليها بأن معظم العاملين في الصحافة الكويتية هم من غير الكويتيين، وأن لهؤلاء ولاءات سياسية خارجية.

ولا ندري لماذا انتبهت الحكومة إلى انخفاض نسبة الكويتيين العاملين في الصحافة المحلية، ولم تنتبه إلى انخفاض نسبتهم في المؤسسات الإعلامية الأخرى، التي تديرها الحكومة نفسها.

ثم إذا كانت الحكومة حريصة على تكويت الصحافة، فقد كان عليها أن تعمل لذلك بفتح كليات الإعلام والصحافة منذ سنوات عدة، منذ بدأت تمنح الترخيصات بإنشاء صحف ومجلات في البلاد.

كما علينا أن نذكر أن نسبة العاملين في مختلف قطاعات ومؤسسات الدولة وغيرها من الكويتيين لا يتجاوز عشر مجموع السكان الكويتيين، وبالتالي فقطاع الصحافة واحد من القطاعات الأخرى، الذي لا بد أن تظهر فيه هذه النسبة.

أما القول: بأن للصحفيين العاملين في الصحف الكويتية ولاءات خارجية، فحجة على الدولة وليس لها؛ لأن الدولة استطاعت أن تجعل ولاءهم الأول للسلطة المحلية، فلا عجب إذا جعلوا لهم ولاءات أخرى خارجية بعد أن استسهلوا «بيع الولاء». 

ثم إذا كانت الدولة حريصة على أن لا تكون الصحف دكاكين للخارج، فليس أسهل من تسفير الذين يفعلون ذلك، خيرًا من أن يبقوا، ويكونوا مبررًا للتضييق على حريات الناس.

وبالنسبة إلى حرص الحكومة على علاقاتها ببعض الأنظمة القمعية، وعلى عدم إثارتها علينا، فقد نجحت في جعل رؤساء تحرير الصحف والمجلات الكويتية يتفهمون ذلك، ويساعدون الدولة في عدم إقحامها بأزمات في علاقاتها الخارجية، في حدود المعقول.

وفي إمكان السلطة الاستمرار في هذا، وستجد الجميع متجاوبًا معها.

ومن مبررات الحكومة أيضًا أن تقييد بعض الحريات، يحول دون إثارة الفتن والاضطرابات الداخلية، ويوفر للبلاد الأمن والاستقرار، ولا نحسب أن الصحفي الوطني الملتزم أقل حرصًا في هذا المجال على الأمن والاستقرار. 

ثم إنه من الخطأ الظن بأن تقييد الحريات يضمن الاستقرار،فهذه الأنظمة المستبدة تتهاوى واحدًا بعد الآخر، وهذه هي تنظيمات العنف تنشط وتقوى في البيئات، التي تخنق فيها الحريات.

فليس من حامٍ إذن للبلاد غير الحرية، وليس هناك من وقاية من الفتنة خير من حفاظنا على الحريات العامة.

وعلى أية حال، فإن أية فتنة ترى الدولة نذرها تقترب، فليس هناك مايمنعها من كبتها في مهدها، وحمل مثيريها بعيدًا، دون أن تحتاج إلى قانون التجمعات أو غيره، ففي غياب هذا القانون نجحت الدولة في معالجة قضية مسجد «شعبان»، على سبيل المثال، ولم تمنعها الحريات المكفولة للشعب من اتخاذ أي إجراء؛ لأن الحريات العامة شيء واستغلالها لأمور أخرى شيء آخر.

ولهذا يبقى حق التظاهر السلمي، مثلًا، وسيلة للتعبير عن الاحتجاج في أية قضية، بعد طلب حماية قوات الأمن لها.

وهكذا، فإننا نقول إن المبررات التي طرحتها الحكومة لإصدار هذه القوانين المقيدة للحريات العامة، لا تشكل قناعة لدينا، ونرى أنها يجب أن لا تشكل قناعة لدى الحكومة أيضًا.

وعلينا أن ندرك أن وجود عناصر مسيئة يجب تقييدها والحجر عليها، لا يوجب تقييد الآخرين والحجر عليهم، ثم إن المحب للإساءة لن ينتظر حتى يسمح له بارتكاب إساءته، فهو سيسيء، أعطي فرصة أم لم يعط، في أجواء الحرية، وفي أجواء فقدانها.

الرابط المختصر :