العنوان ثقافة وفنون (العدد 1040)
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 02-مارس-1993
مشاهدات 10
نشر في العدد 1040
نشر في الصفحة 48
الثلاثاء 02-مارس-1993
قراءة في عقل علماني (٤)
جدل عقيم
بقلم: كمال درويش
قال لي: لا أظنك -اليوم- تستطيع أن ترد بشيء على موضوع «النظريات الفلكية» التي يتناولها الشيخ في أحاديثه، لماذا يعرج على هذه المسائل، وهو موضوع حسمته العلوم الفلكية والطبيعية منذ عهد بعيد؟!
قلت: يا أخي .. أما حديث الشيخ عن النظريات الفلكية، فهو شيء طبيعي أن يتعرض له أي متحدث إسلامي خلال تناوله بالشرح والبيان لآيات القرآن الكريم المتعلقة بخلق السماوات والأرض، فإن كنت أيها الجهبيذ، لا يروق لك سماع هذا الحديث، فإن أحدًا لن يكرهك على سماع ما لا تحب، لكن عليك أن تترك من شاء أن يسمع ليستفيد من علم الشيخ ويتعرف على عظمة الخالق سبحانه وتعالى في آياته الإعجازية في الأنفس والآفاق ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ (فُصلت: 53) لكن العجب العجاب أن تتهم الشيخ إنه يقلل من شأن العقل والعلم الإنساني ولن أدخل معك في مهاترات، فبوسعي أن أتحداك.. أيها العالم العلّامة والحبر الفهامة.. أن تأتي ولو بعبارة واحدة من عبارات الشيخ، تدلل على هذا الفهم العقيم، لكني فقط سأنبهك إلى شيء، قد يخفى عليك وهو أن العقل ضلَّ كثيرًا على امتداد التاريخ، قديمهِ وحديثهِ، كما وأن العلم ليس محمودًا في ذاته، ولكن بحسب ما يصحبه من أعمال ويقدر نفعه لصاحبه وللبشرية فهناك علم نافع، وآخر غير نافع، واسمع أن شئت إلى قول المعصوم صلى الله عليه وسلم في دعائه: «وأعوذ بك من علم لا ينفع» أعاذنا الله من عِلمك.
إنني لن أرد على سيادتك في جدلك العقيم، وشطحاتك الفلسفية السفسطائية، التي لن يكون من ورائها أي جدوى اللهم إلا مضيعة الوقت سُدى وإلا العناء فيما لا طائل من ورائه، لماذا تلوي ذراع عبارات الشيخ لتضع مقدمات ثم تبني عليها نتائج، ليست مُرادة إطلاقًا من كلام الشيخ؟!! إن مثلك كمثل من لا صلة له بالطب ويقوم بإجراء عملية ولادة قيصرية بل وبلا مبضع مضحيًا بالأم والجنين في سبيل أن تنجح العملية! لكن ماذا تقول لحقد دفين أخرج صاحبه عن عقله، فجعله يتخبط ذات الشمال وذات اليمين انظر.. إنك تنفي عن نفسك تهمة التفسير التعسفي لكلام الشيخ.. ويكاد المريب يقول خذوني، ومن نُقرة لدحديرة يا قلبي لا تحزن.
إن كل مآخذك يا عزيزي العبقري، على الشيخ، غير موضوعية بالمرة، وأنصحك – من باب «الدين النصيحة» أن تجلس أمام أحاديث الشيخ جلسة المتأدب أمام مؤدِّبِهِ وبالتأكيد فسوف تستفيد.. أما أن تجلس أمامه «للسقطة واللقطة» وتتصيد ما تتوهم أنها أخطاء ثم «تعمل من الحبة قُبة» وتسود الصفحات الطوال في هراء متهافت، فأقول لك بثقة المؤمن وإيمان الواثق أن المؤمنين بالله رَبًّا وبالإسلام دينًا وبسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولًا، والمؤمنين بضرورة أن تسود أخلاق الإسلام ومعاملاته دنيا الناس، والمؤمنين بحياة إسلامية تغمرها روعة الصدق وشفافية الإيمان، إن هؤلاء جميعًا لن يعيروا كلامك أدنى اهتمام، وسيظلون يتابعون سماع الحق ومعرفة دينهم وسيرة نبيهم وصحابته الكرام، وسيزيدون يومًا بعد يوم، وستمتد الصحوة الإسلامية لتشمل كل أرجاء المعمورة، رضيت أم أبيت لأن الحق أبلج والباطل لجلج.
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت
أتاح لها لسان حقود
شِعر
دمعة شجاعة إلى الذين مازالوا يبكون بصوت عالٍ
شِعر: أبو بكر – الرياض
وأصبحت قديمة رواية العويل والبكاء..
رواية النحيب والأحزان.. إلى متى الهوان؟!
إلى متى نظل نرفع احتجاجنا.. من تحت جزمة السلطان..
إلى متى نظل نطلب السماء..
ودونما عناء.. ونقرأ القرآن.. لكننا.. نغض طرفنا..
عن سورة الأنفال.. إلى متى نظل نُسمِع الزمان..
حكاية قديمة.. عنوانها قد كان ياما كان..
نمثل الأدوار فوق مسرح حزين.. أمام كل العالمين..
ودونما خجل.. ولا نزال دائمًا نُعيد قولنا
في الصبح والمساء.. ودونما ملل..
وكلنا قد قال ما يفتق الكتب.. عن إنه سينشر الضياء..
ويقلب الإناء.. ويحكم البلاد تحت شرعة السماء..
لكن واحدًا من الذين قد تكلموا..
والله ما فعل ونركب القطار..
نقود قاطراته التي من الوراء..
لكن أولى القاطرات..
يقودها الأعداء.. ألم يئن بأن نثور من «كوالس» الستار..
ونقطع التمثيل.. ألم يئن بأن ندوس بؤسنا..
وأن نرى طريقنا.. وأن نخط دربنا وأن نحطم الجدار.. ونفصل القطار عن أعدائنا
ونعكس القطار.. ونحرف التيار..
وإنني على استطاعتي.. لأحمل الأحجار..
كي أرفع البناء.. لكن على جميع هذه الخرائب الكبار..
هل يرفع البناء؟!
وإنني لأضرب الرصاص وإنني أجدف السفين
نحو شاطئ الخلاص..
وإنني لأكره البكاء.. وأكره الأحزان..
لكنني.. لكنني إذا اختليت تحت ظلمة المساء..
أجهشت بالبكاء.. أجهشت بالبكاء..
وأمسح الدموع قبل مطلع الصباح..
كي لا ترى مدامع الشجعان..
یا سادتي يا معشر القرَّاء..
هل تعلمون سر شقوتي؟!
هل تعلمون سر دمعتي؟!
والله يا أحبتي..
بأنها تفيض فوق طاقتي..
وتجرف الفؤاد في مهالك الأحزان
لأنني برغم كل قوتي.. ورغم كل ثورتي
أقل من.. فصيلة الإنسان..
من قصص الجهاد في فلسطين العصابات الخطرة
أخذت الإصابات تتوالى في صفوف اليهود العاملين في شركة البوتاس قرب البحر الميت في فلسطين، وأخذت الصحف اليهودية تتحدث من عصابات خطرة تصطاد اليهود عند العين البيضاء فسارعت القيادة اليهودية بإرسال التعزيزات للقضاء على تلك العصابات الخطرة، ووصل قائد رفيع المستوى مع ثلة من الجنود إلى المنطقة التي تتركز فيها العصابات الخطرة وبينما هم يفتشون المنطقة إذ سمعوا عدة طلقات من مكان قريب ويسقط على إثرها أحد الجنود قتيلًا، انبطح الجميع على الأرض فورًا والرعب يجمدهم، وعندما تأكدوا بعد فترة أنه لا يوجد مزيد من الطلقات أخذوا في البحث عن مصدرها فيما كان قائدهم يطلب المزيد من التعزيزات.
ذهب اليهود إلى الجهة التي أطلقت منها الرصاصات فوجدوا آثارًا تدل على أن المهاجم كان شخصًا واحدًا، وبحثوا عن الخراطيش الفارغة فلم يجدوا شيئًا، فقرروا نصْب كمين محكم في تلك المنطقة وبعد أيام من نصب الكمين فوجئ الجنود اليهود بأعرابي من بدو فلسطين يحمل بندقية وقد أخذ يقترب في حذر حتى وصل إلى مكان يشرف على العين البيضاء، فكمن فيه ينتظر قدوم اليهود لطلب الماء فيصطادهم.
هجم اليهود على الأعرابي فبادرهم بإطلاق النار وصمم ألَّا يكون فريسة سهلة، كان اليهود كثرة وهو بمفرده فأصابوه في جسمه فولَّي متراجعًا حتى لا يظفروا بجثته، وظل يركض بعيدًا عنهم حتى سقط من كثرة النزف ومات.
قام اليهود بتحقيقات كبيرة في شأنه فوجدوا أن العصابات الخطرة التي كانوا يخافونها لم تكن إلا هذا الأعرابي المجاهد واسمه «سليمان بن خميس» ولم تكن لديه إلا بندقية قديمة وعشرون طلقة كان يعبئها كل يوم بيده ويذهب إلى العين البيضاء، فيكمن لليهود عندها ويصطادهم حين يأتون لطلب الماء، ثم يأخذ الخراطيش الفارغة معه لتعبئتها ثانية ثم يعود ليعيد اليهود مرة أخرى.
بعد استشهاد «سليمان بن خميس» سكنت الصحف اليهودية عن الشكوى من العصابات الخطرة.
أخوكم
يوسف مصطفى عبد الله
المدينة المنورة
إصدارات
أول وثيقة مكتوبة من الأزهر للرد على العلمانيين
«الإسلام والسياسة»
للدكتور: محمد عمارة
القاهرة - شعبان عبد الرحمن
للمرة الأولى يصدر الأزهر الشريف كتابًا للرد على شبهات العلمانيين والرد على افتراءاتهم ضد الإسلام.. وللمرة الأولى أيضًا يقوم شيخ الأزهر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق بكتابة مقدمة كتاب صادر عن الأزهر.
الكتاب هو «الإسلام والسياسة» ومؤلفه هو المفكر الإسلامي المعروف الدكتور محمد عمارة وقام بإصداره مجمع البحوث الإسلامية «الهيئة التي تضم كبار العلماء ويرأسها شيخ الأزهر».
يقع هذا الكتاب في ٢٦٥ صفحة، ويبدأ بتمهيد عن الإسلام والسياسة، عارضًا للآيات القرآنية التي تجعل علاقة الحكام بالمحكومين تعاقدًا دستوريًّا على الحُكام فيه أداء الأمانات والحكم بالعدل في نظير طاعة المحكومين والتأكيد على أن المرجعية عند التنازع في أي شيء من شئون الاجتماع البشري إنما هي لله وللرسول «الكتاب والسُنة» وأن هذا شرط الإيمان بالله واليوم الآخر فحاكمية الشريعة الإسلامية للدولة الإسلامية هي شرط لاكتمال الإيمان الديني بالعقيدة الإسلامية.
يتناول الفصل الأول إسلامية الدولة في الحضارة الإسلامية وكيف تميزت علاقة الدين بالدولة عن النموذج الكهنوتي الغربي وأيضًا عن النموذج العلماني الغربي، ويتناول الفصل الثاني تاريخ وكيفية اختراق العلمانية للمجتمعات الإسلامية وكيف ارتبط ذلك بزيادة النفوذ الأجنبي في بلادنا منذ القرن التاسع عشر بواسطة المحاكم القنصلية والمحاكم المختلطة إلى سُلطة الاحتلال الإنجليزي في مصر.. وكرومر الذي عمم القانون الأجنبي من المحاكم الأهلية المصرية.
كما يتناول هذا الفصل المقاومة الإسلامية لهذا الاختراق العلماني من رفاعة الطهطاوي إلى قدري باشا «من تلاميذ الطهطاوي وقنن القوانين على المذهب الحنفي» إلى الإمام محمد عبده.
ويسلط الفصل الثالث الضوء على محاولة علمنة الإسلام من الداخل والتي بدأت بكتاب «الإسلام وأصول الحكم» الشيخ علي عبد الرازق عندما زعم أن الرسول لم يقم دولة ولم يرأس حكومة وأن الإسلام ليس دولة.. ولكن الدكتور عبد الرازق السنهوري أبو القانون المدني الحديث رد عليه في كتابه «فقه الخلافة» كما يتضمن «الفصل» رد الزعيم السياسي سعد زغلول على علِي عبد الرازق إلى غير ذلك من الوثائق التي مثلت تيارًا إسلاميًّا معاديًا لعلمنة الإسلام، وأيضًا يعرض هذا الفصل لحركة تراجع رموز العلمانية المصرية عن موقفهم.. فعلي عبد الرازق نفسه الذي تبنَّى العلمانية عام ١٩٢٥ عاد فكتب في مجلة «رسالة الإسلام» عدد مايو ١٩٥١ مقالًا قال فيه: إن كلمة «الإسلام مجرد رسالة روحية» هي كلمة ألقاها الشيطان على لساني.. والكتاب ينشر النَص الكامل لمقال على عبد الرازق.. وكذلك تراجع طه حسين عن العلمانية فبعد أن كان يدافع عن كتاب علي عبد الرازق عام ١٩٢٥ قال عندما كان عضوًا في لجنة وضع الدستور عام ١٩٥٣: يجب أن ينُص الدستور على ألا يصدر قانون مخالف للقرآن.. والدكتور محمد حسين هيكل الذي كان رئيسًا لتحرير جريدة السياسة التي دافعت عن علِي عبد الرازق عاد فكتب في كتابيْهِ «حياة محمد» وفي منزل الوحي» عن الإسلام كدين ودولة وعن محمد صلى الله عليه وسلم السياسي الذي رأس حكومة وأقام دولة وتحدث عن تميز حضارتنا عن حضارة الغرب، وتميز الخلافة الإسلامية عن الدولة البابوية الغربية.
أما الفصل الأخير فيعرض فيه الدكتور عمارة للشبهات العلمانية ويرد عليها واحدة واحدة.
إسلامية الأدب.. لماذا وكيف؟
بقلم: عبد الرحمن صالح العشماوي
تثار شبهة تكفير الأديب المسلم في مجالس أدبية كثيرة حيث يثار السؤال التالي: عندما نُصنف الأدباء المسلمين بناء على مصطلح الأدب الإسلامي فإننا سنقول: هذا أديب إسلامي وهذا غير إسلامي، ومعنى ذلك أنا قد أخرجنا أديبًا مسلمًا من دينه بهذا الحكم، وذلك ما يدخلنا في مشكلة «تكفير المسلم» التي تُعد من أعقد المشكلات وأخطرها وقد سمعت في مواقف متعددة من يقول: تريدون يا دعاة الأدب الإسلامي أن نحكم على أدباء المسلمين الكبار بالكفر إذا لم يتحقق في شِعرهم وأدبهم ما تريدون؟؟؟ هكذا تُثار هذه الشبهة، فكيف نردها، وبماذا نجيب عن أسئلة السائلين؟! أقول بدءًا: إن مصطلح الأدب الإسلامي لا يكفر أحدا بهذه الصورة المنصوص عليها في السؤال، وإن الناقد الإسلامي لا يقول عن أديب مسلم إنه كافر لأنه قال كذا وهذه كتب الأدب الإسلامي مطروحة بين يدي الناس وبإمكان من يحمل مثل هذه الشبهة أن يرجع إليها فإن رأى فيها تكفيرًا لمسلم بعينه فله أن يثير شبهته بين الناس بيانًا للحق، وحرصًا عليه.
إذن فهناك قاعدة نعتمد عليها هنا - قبل مناقشة شبهة التكفير، ألَا وهي عدم وجود هذه الشبهة أصلًا في مصطلح الأدب الإسلامي.. فما حقيقة الأمر إذن؟؟
سبق أن ذكرنا في حلقة ماضية أن الأدب الإسلامي ينبثق من «التصور الإسلامي لهذا الوجود» فهو يعبر عن خلجات النفوس، ويجسد أمالها وآلامها، ويصور قضايا الأمة الكبرى والصغرى، والهموم العامة والخاصة من خلال «التصور الإسلامي للكون والحياة والإنسان».
فما انبثق من هذا التصور الشامل فهو أدب إسلامي، وما وافقه فهو أدب موافق للأدب
الإسلامي، وما خالفه فهو أدب غير إسلامي.
فقاعدة الحكم على الأدب والأديب هي «التصور الإسلامي» وهذا التصور قد يكون مفقودًا عند أديب مسلم، ودليلنا على ذلك عدد غير قليل من أدباء مسلمين «بهويتهم» ولكن تصورهم للحياة وما يجري فيها ليس إسلاميًّا، فمنهم من قاعدة التصور عنده يسارية، ومنهم من قاعدته وجودية، ومنهم من قاعدة تصوره علمانية، فهو بهذا أديب غير إسلامي، ونحن بهذا ننفي عنه إسلامية التصور ولا نقول إنه كافر أو خارج عن الإسلام، لأن هذا الحكم ليس موكولًا إلينا.
ونتساءل هنا: ما الذي جعلنا نقول عن فلان من الأدباء إنه «واقعي اشتراكي» وعن فلان إنه «علماني» وعن الآخر إنه «يساري» مع أنهم جميعًا يحملون بطاقات قد سجل فيها أمام الديانة «مسلم»؟؟
أليس هو التصور الذي حمله كل واحد منهم وانبثق منه أدبه، إن الأديب المسلم الذي يحمل فكرًا إلحاديًّا، لا يسمى «أديبًا إسلاميًّا» لأن صفة الإسلامية المبنية على التصور الإسلامي ليست موجودة عنده.
وأمثل على ذلك بأبي نواس الشاعر العباسي «المسلم» الذي كان يحمل تصورًا إباحيًّا بعيدًا عن «التصور الإسلامي» هل أسميه أديبًا إسلاميًّا؟
الجواب الصحيح كلَّا.. لأن تصوره ليس إسلاميًّا، أي إنه شاعر غير إسلامي.. فهل يعني قولي هذا تكفير أبي نواس؟؟ كلَّا ليس الأمر كذلك، فإني هنا أنفي عنه صفة «التصور الإسلامي» ولا أنفي عنه «المِلة والدين» ولا أظن عاقلًا منصفًا سيقول إن أبا نواس كان أديبًا إسلاميًّا، وأين الإسلامية، من شاعر قضى حياته في اللهو والمجون.
قد يقول قائل هنا.. فما تقول في القصائد المعدودة المحدودة التي قالها أبو نواس بعد أن طوح به الشيب، وغمرته الشيخوخة، وفيها صور من «الزهد والتوبة إلى الله»؟؟
وأقول: هذه قصائد جميلة تحظى من الأدب الإسلامي بالعناية والقبول، ونرجو أن ينال بها الشاعر مغفرة من ربه، وهي في مضمونها تتفق مع التصور الإسلامي للأدب، ولكنها لا تجعل من أبي نواس «أديبًا أو شاعرًا إسلاميًّا» لأنها قد جاءت شذوذًا عن قاعدة تصوره الكبرى القائمة على رؤية غير إسلامية، جعلت أبا نواس يستحل في شِعره الماجن ما يتعارض مع التصور الإسلامي، ومادام هذا التصور مفقودًا -في الأصل- عند الشاعر فلا ضير أن يوصف بأنه شاعر غير إسلامي، وأضرب مثالًا آخر بالشاعر «محمد إقبال» الذي أطرب الوجود بشعره الإسلامي الرائع ماذا نقول عنه؟؟
نقول إنه أديب إسلامي لأن شِعره ونثره انبثقا من التصور الإسلامي فهذا التصور هو القاعدة الكبرى التي يقوم عليها بناء أدبه الشامخ.
وقد يسأل سائل: أليس في شعر محمد إقبال ما قد يخرج به عن إطار هذا التصور، فإذا حدث ذلك فكيف نطلق عليه صفة الإسلامية؟
وأقول: إذا كان التصور الإسلامي هو الأساس عند الشاعر فإنه شاعر إسلامي، وما يحدث عنده من خلل إنما هو من الخطأ الذي ينبه عليه ولكنه لا ينفي عنه الصفة، لأن الخطأ هنا جاء شذوذًا عن القاعدة الصحيحة التي يقوم عليها إنتاج الشاعر والحكم -كما أشرنا- يتم من خلال القاعدة الكبرى للتصور عند الأديب وليس من خلال العثرات والأخطاء التي يقع فيها، مما يخالف قاعدة التصور عنده.
ويمكن أن أُلخص هذا الموضوع في النقاط التالية:
1- الأدب الإسلامي لا يكفر أديبًا مسلمًا -كما أوضحنا- وإنما يحكم على إنتاجه من خلال الرؤية الإسلامية المبنية على التصور الإسلامي للكون والحياة والإنسان والخالق عز وجل.
2-يمكن أن نقول عن أديب مسلم منحرف التصور والتفكير، إنه أديب غير إسلامي.
3-الأديب المسلم الملتزم سلوكًا وفكرًا، والذي يكتب من خلال تصور إسلامي سليم هو الأديب الإسلامي بحق، شريطة أن يكون مقتدرًا من الناحية الفنية.
4-الأديب غير المسلم الذي كتب أدبًا متفقًا مع التصور الإسلامي لا يسمى أديبًا إسلاميًّا والأدب الإسلامي يفتح صدره لما يكتبه هذا الأديب غير المسلم من أدب متفق مع التصور الإسلامي ويرحب به والقدوة في ذلك الرسول عليه الصلاة والسلام الذي استنشد شِعر أُمية بن أبي الصلت مع أنه مات كافرًا وقال بعد سماع شِعره «إن كاد ليسلم» فقبل شعر أُمية المتفق مع التصور الإسلامي ولكنه لم يقُل عن أُمية إنه شاعر إسلامي.
5-هنالك ترابط قوي بين فكر الأديب وعقيدته وبين سلوكه وأدبه حيث يندر أن ترى أديبًا مسلمًا منحرفًا في فكره وعقيدته ملتزمًا في سلوكه وأدبه، إذ لابد من تأثير هذه الأشياء في بعضها.
ونضرب مثلًا بأحمد شوقي، فإن له قصائد رائعة في بعض قضايا الإسلام وفي مقدمتها مدح النبي عليه الصلاة والسلام، وقضية سقوط الخلافة الإسلامية، ولكن له مقابل ذلك، قصائد فيها انحراف عن التصور الإسلامي الصحيح حيث إن له خمريات، وأبياتًا فيها انحراف عقدي كالذي حدث في قصيدته التي عارض بها نهج البردة وديوانه يحوي هذا وذاك والأدب الإسلامي يقيس مثل هذا الشِعر بمقياس التصور الإسلامي كما أسلفنا ويحسب القُرب أو البعد عن هذا التصور ويكون الحكم له أو عليه.
وهنا يتضح للباحث عن الحقيقة أن مصطلح الأدب الإسلامي قائم على أسس ثابتة لا يستمدها من فلان وعلان من البشر وإنما يستمدها من كتاب الله وسُنة رسوله عليه الصلاة والسلام ولذلك فهو لا يتجنَّى على أحد ولا يكفِّر مسلمًا ولا يلقي أحكامه جزافًا وهو يحث الأديب المسلم على الالتزام بالرؤية الإسلامية، ولكنه لا يلزم أحدًا بهذه الرؤية أو يسوقه إليها
بالعصا، إذا لم يكن الأديب نفسه مهيأ لهذا الالتزام مقتنعًا به.
إصدارات
الكتاب: أعطر السِّيَر.
المؤلف: د عبد الرزاق حسين.
الناشر: مكتبة الظلال - السعودية - الإحساء ص. ب ۱۰۷۹۷ هاتف ٥٨٦٠١٤٨
الصفحات: ١٩ صفحة من القطع المتوسط.
كان حلمًا أن يردد الأطفال أناشيد تحكي سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم لتنغرس في نفوسهم المُثل، ويتحلَّوْا بمكارم الأخلاق، وينشئوا على حُب نبيهم عليه الصلاة والسلام، ومعرفة حياته والتمسك بسنته.
أما أن يظهر ديوان أعطر السيرة مستوعبًا السيرة النبوية من الولادة وحتى الوفاة في شعر سلس عذب، وكلمات سهلة واضحة فذلك إيذان بتحقق الحلم، وقرب موعود الله بعودة الأمة إلى سابق أمجادها وانتصاراتها.
إذ إنه عندما تجري على ألسنة الصغار الأعزاء معاني السيرة الشريفة وتتشرب أرواحهم ما فيها من سمو وينهلون من نبعها الصافي، ويتتلمذون في المدرسة التي ربت الرجال وشادت أرحم وأعدل وأعظم حضارة عرفها التاريخ.. عندها نكون على موعد مع حقوقنا السليبة وفتوحاتنا الغابرة، وعزنا السالف، كما نكون على موعد مع فجرنا الصادق الذي يواكب نهضة هذه الأمة وانبعاثها من جديد.. خير أمة أُخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، وتقيم العدل وتحارب الظلم بكل صوره وأشكاله.. أترككم الآن أحبائي الأطفال لأنعم بسماع ترانيمكم، وحماستكم وأنتم تتذكرون البطولات، وترددون أناشيد «أعطر السير» أدعو الله أن تلقوا فيها أطيب الأثر، وتستخلصوا منها أجمل الِعبر.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
الإسلام في مجال السياسة والقوة: التصدي للتحديث: الأصول العقدية لحركة النهوض الإسلامي
نشر في العدد 1253
15
الثلاثاء 10-يونيو-1997