العنوان جماعة التأصيل: انظر أمامك في ثقة
الكاتب أ.د. حلمي محمد القاعود
تاريخ النشر الثلاثاء 22-ديسمبر-1998
مشاهدات 14
نشر في العدد 1331
نشر في الصفحة 49
الثلاثاء 22-ديسمبر-1998
تكونت جماعة التأصيل من قوم يؤمنون بتراثهم المضيء، ويتفاعلون مع حضارات الأرض تفاعلًا واعيًّا؛ حريصًا على الهوية والخصوصية، دون ذوبان في الآخر أو تعصب ضده، وطرح الحوار الجاد بدلًا عن الصراع المتوحش.
انطلقت الجماعة من منطلقات نبيلة ترفض اليأس وعدم المبالاة، وتدين الاستسلام للظواهر الاجتماعية المرضية السائدة، وتفتح بابًا للأمل يقوم على العمل و الحمد والجد.
في إصدارها الأول «جمادى الآخرة ١٤١٨هـ أكتوبر ۱۹۹۷م» قدمت جماعة التأصيل مجموعة من الموضوعات الفكرية والأدبية والفنية، تصب في دائرة التأصيل، بناء وحوارًا وتصورًا، وقد عبر الدكتور عبد الحميد إبراهيم في إيجاز بليغ عن جماعة التأصيل في افتتاحية الإصدار فقال: «جماعة التأصيل هم جماعة الغضب، وهو غضب لا يستمد أصوله من مسرحية «جون أسبورن»، فقد مللنا الحديث عنها أو كدنا، ولكنه غضب ناشئ عن اللحظة الاستثنائية التي نعيش فيه».
القضاء على حضارة..
وهي لحظة تتوالى فيها الضربات للقضاء على حضارة المنطقة. إن الخطوة التي بدأت في الأندلس قد واصلت طريقها، حتى وصلت إلى ديار الإسلام، ومواطن العروبة...».
إن استيعاب درس الأندلس أمر حتمي، وإلا فإن آلاف القصائد لن تجدي فتيلا، ومن ثم فإن هدف الجماعة هو بناء القصور من الأنقاض، والعمائر فوق الخرائب، وترك الأرض السبخة والبحث عن أخرى تنبت الزرع وتسقي الضرع.
لا شك أن الهدف النبيل لجماعة التأصيل، هو الذي يجعلها تقبض على الجمر في عصر «العولمة» و«الإذابة» و«الاستسلام»، وهناك في الإصدار الأول أكثر من موضوع يدور حول التأصيل، منها ما كتبه «محمد جبريل» تحت عنوان «نكون أو يكونون»، وصبحي الشاروني عن «الفن التشكيلي وتوظيف الخط العربي»، وحامد أبو أحمد، عن المجموعة القصصية «زينة الحياة»، ومحمد نجيب التلاوي عن «المعرفة والأيديولوجيا من منظور التأصيل»، وجميل عبد الحميد حول «حيوية مصر وجيل ياسمينة»، وماهر شفيق عن «مصر في الشعر الإنجليزي الحديث»، وحسن الشافعي عن «تجديد الفكر الإسلامي»، ومحمد زكريا عناني عن «التأصيل: اتجاه لا مواجهة»، وعادل النادي حول «التأصيل للفن الإسلامي في الدراما»، بالإضافة إلى نصوص إبداعية في الشعر والقصة، وترجمات ودراسات حول الأدب الشعبي، وحوارات فكرية وغير ذلك.
وجماعة التأصيل تتيح للمخالفين فرصة التعبير والنشر ضمن إصداراتها، ولا تصادر مايكتبونه، وتعلن في صدر مطبوعتها أن ما تنشره يعبر عن آراء أصحابه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الجماعة، مما يعني أننا أمام فكر جديد يتسامح مع فكر الغير ولا يقمعه بمقامع من حديد، كما نرى في الحياة الفكرية والأدبية الراهنة؛ إذ إننا نادرًا ما نجد فريقًا يسمح لغيره من المخالفين بالتعبير فوق منبره، وخطوة التأصيل في هذا السياق نمط جديد من التفكير الناضج والسلوك المتحضر الذي عاشته حضارتنا الإسلامية في أوج ازدهارها وقوتها، حين سمحت للآراء المختلفة والمذاهب المتباينة أن تتعايش وتتحاور وتتفاعل دون خوف أو قمع، مما جعل الثمار يانعة عند الحصاد، ولا شك أن التسامح الفكري يعبر عن قوة المتسامحين وليس عن ضعفهم، فهم بالضرورة أكثر ثقة بما يعتقدون، وأقدر على الحوار من عشاق القمع والاستبداد.
أشفقت عليه
لا أخفي أنني أشفقت على صاحب الفكرة الدكتور «عبد الحميد إبراهيم» أول الأمر، وقلت في نفسي: هل يستطيع الرجل أن يحرك المياه الأسنة، وقد تشبعت باليأس والإحباط وآلاعيب الحواة، الذين يخدمون مصالحهم، ويروجون للأجنبي الغريب، ويبشرون بأفكاره وتصوراته دون وعي وتمحيص؟، ولكن الرجل ثابر، وقدم للجمهور إصدار الجماعة الأول يحمل برنامجها، ويقدم في الوقت ذاته تقويمًا له من جانب أحد النقاد، ويعد بتقديم آراء أخرى ناقدة في الإصدارات القادمة، مما يشي بأنه لا يحتكر الحقيقة، ولا يستبد بتصوره الشخصي، وهو سلوك فكري متحضر نحتاج إليه في أيامنا أكثر من أي وقت مضى.
هناك صعوبات ستقابل الجماعة، على رأسها الصعوبات المادية، ولكن الإصرار والمثابرة والحلم والأمل والبذل والتضحية والتكاتف كلها قادرة- إن شاء الله- على تجاوز الصعوبات، ووضع لبنة جديدة في البناء الفكري لأمتنا، والأهم من ذلك أنها لبنة في الاتجاه الصحيح، أي الاتجاه الذي يسمو بالمجتمع ویرقی به.
تحية لجماعة التأصيل التي تنظر إلى الأمام ثقة، وتفتح بابا للأمل.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل