العنوان آسيا الوسطى: حروب الغاز بين الغرب وروسيا في آسيا الوسطى.. فوائد اقتصادية وجرائم سياسية
الكاتب فاطمة إبراهيم المنوفي
تاريخ النشر السبت 11-أغسطس-2007
مشاهدات 19
نشر في العدد 1764
نشر في الصفحة 32
السبت 11-أغسطس-2007
■ "اتفاقية الغاز" وضعت يد روسيا على غاز تركمانستان حتى عام ٢٠٢٨م.
■ التكلفة السياسية العالية للنفط العربي زادت حدة الصراعات الغربية الروسية في أسيا الوسطى.
■ من أجل النفط.. واشنطن غضت الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان.
■ نقل الغاز من آسيا الوسطى إلى أوروبا عن طريق خط الأنابيب «باكو التوسط - تيبليسي – جيهان» رهان أمريكي أفشلته روسيا.
في إطار محاولتها استعادة السيطرة على خطوط القوى الاقتصادية والسياسية في دول الاتحاد السوفييتي السابق وقعت روسيا اتفاقية الغاز، مع تركمانستان وكازاخستان في ١٢/٥/٢٠٠٧م، بموجبها احتكرت روسيا غاز تركمانستان حتى عام ٢٠٢٨م، الأمر الذي يحمل الكثير من التداعيات السياسية والاقتصادية عالميًا.
وبدت أولى تلك التداعيات خلال قمة الثماني الصناعية الأخيرة التي عقدت بألمانيا؛ حيث تحدث الرئيس بوتين إلى قادتها بنبرة المنتصر، وأيضاً خلال قمة الطاقة التي عقدت في زغرب عاصمة كرواتيا مؤخراً؛ حيث كشف النقاب عن مشاريع روسية إيطالية مشتركة لبناء خطوط أنابيب جديدة في قاع البحر الأسود لنقل الغاز من روسيا إلى بلغاريا.
وكذلك خلال قمة منظمة التعاون الاقتصادي للدول المطلة على البحر الأسود بإسطنبول منذ أيام قليلة.
ورقة سياسية
وتراهن روسيا على استخدام صفقة الغاز مع تركمانستان وكازاخستان كسلاح سياسي، يمكن إشهاره في وجه القوى الغربية في القضايا الإستراتيجية المهمة وتدشن الصفقة العودة القوية لروسيا إلى آسيا الوسطى مرة أخرى موجهة صفعة قوية للمشاريع الأمريكية الغربية الطامحة لنقل غاز تركمانستان والموارد النفطية الهائلة في آسيا الوسطى إلى أوروبا، دون المرور بروسيا، عن طريق خط الأنابيب "باكو - تيبليسي - جيهان."
بديل للطاقة العربية
ويسعى الغرب وأمريكا للسيطرة على موارد الطاقة في دول آسيا الوسطى كبديل للطاقة العربية من ناحية، ومن ناحية أخرى لتحجيم الدور الروسي المهيمن على الموارد النفطية في آسيا الوسطى، وكذلك لتطويق الطموحات الإيرانية بالتوغل في آسيا الوسطى.
وزاد هذا الاهتمام منذ أن قامت روسيا بوقف إمدادات الغاز للغرب عبر أوكرانيا في العام الماضي، وكذلك قيامها بزيادة أسعار الغاز في بداية هذا العام.
مفتاح السيطرة على العالم وقد كان، "زبيجينو بريجنسكي"، مستشار الأمن القومي السابق في إدارة الرئيس جيمي کارتر (۱۹۷۷- ۱۹۸۱م) أول من دعا الولايات المتحدة لبناء خط أنابيب لنقل النفط من بحر قزوين إلى البحر المتوسط ومنه إلى أسواق أوروبا وأمريكا، كما وصف آسيا الوسطى في كتابه: (رقعة الشطرنج الكبيرة: التفوق الأمريكي وأولوياته الجيوسياسية) بأنها مفتاح السيطرة على العالم، وعلى أمريكا إذا كانت تريد ضمان استمرار تفوقها أن تسيطر على هذه المنطقة.
وقد بذلت الولايات المتحدة قصارى جهدها لكسب ود قادة دول آسيا الوسطى الغنية بمواردها النفطية والمعدنية ودول سوفييتية سابقة على رأسها أذربيجان التي تمتلك ثروات نفطية هائلة في بحر قزوين، فغضت الولايات المتحدة بصرها بالكامل عن انتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث في هذه الدول، وكثيراً ما يداهن المسؤولون في البيت الأبيض قادة هذه الدول، وأقوى دليل على ذلك ما صرح به نائب الرئيس الأمريكي «ديك تشيني» أثناء زيارته لكازاخستان في ٤/٥/٢٠٠٧م، حين سئل عن رأيه في النهج الديمقراطي في كازاخستان فأجاب قائلاً: «لقد عبرت عن إعجابي بنهج الحكومة الكازاخية على الصعيدين الاقتصادي والسياسي في مرات عديدة».
رغم ممارسات الرئيس الكازاخي «نازارباييف» التي لا تمت للديمقراطية بصلة من تصفية خصومه ومعارضيه.
ومع كل هذا، باءت الجهود الأمريكية بالفشل، ونجحت روسيا بإبرام اتفاق مع كل من كازاخستان وتركمانستان لبناء خط أنابيب جديد بالإضافة إلى خط الأنابيب القديم لنقل الغاز من تركمانستان مروراً بكازاخستان إلى روسيا؛ حيث لم يتم بناء أي أنبوب غاز في تركمانستان منذ السبعينيات، ويمتد أنبوب الغاز القديم على طول سواحل تركمانستان وكازاخستان على بحر قزوين حتى روسيا، وبإمكانه حالياً نقل خمسة مليارات متر مكعب سنوياً أي نصف طاقته الأصلية.
وبهذا الاتفاق احتكرت روسيا غاز ترکمانستان حتى عام ۲۰۲۸م، التي تمتلك أكبر احتياطي من الغاز في دول الاتحاد السوفييتي السابق بعد روسيا، وضمنت مصادر الغاز، وطرق إمداداته وبأسعار زهيدة، ويوزع الإنتاج بواسطة أنابيب شركة غاز بروم الروسية التي بنت الأنابيب قبل تفكك الاتحاد السوفييتي.
مكاسب اقتصادية: وقد صرح بوتين بعد اجتماعه بنظرائه في مدينة تركما نبشي الواقعة على بحر قزوين بأن هذا الاتفاق يمثل انتصاراً لروسيا، التي تشتري الغاز من تركمانستان بسعر أقل مما هو مطروح في الأسواق، فتشتريه بسعر ١٠٠ دولار أمريكي لكل ۱۰۰۰ متر مكعب، ثم تبيعه للغرب مقابل ٢٥٠ دولاراً.
يذكر أنه خلال العقدين الماضيين، لم يسمح رئيس تركمانستان الراحل صبر مراد نيازوف لأي طرف غير روسيا بالاستثمار في مجال النفط إلا أن وفاته نهاية العام الماضي جعلت لعاب القوى العظمى يسيل أمام كنوز آسيا الوسطى، فكان السباق محموماً حتى أطاحت به هذه اتفاقية الغاز الأخيرة.
إستراتيجيات الهيمنة: وهكذا تسابقت قوى الشرق والغرب للاستيلاء على الثروات النفطية في آسيا الوسطى فيما عرف باللعبة الكبرى الجديدة، وبات من المؤكد أن روسيا ما زالت تحظى بود قادة وشعوب آسيا الوسطى التي لم تجد أمامها سوى الكنف الروسي، بعد أن تخلى عنها العرب والمسلمون.
ويبدو هذا جلياً في تصريحات الرئيس الكازاخي "نور سلطان نزارباييف" الذي رفض فكرة التنافس حول أنابيب الغاز، قائلاً: «إذا تحدثنا عن مشاريع الالتفاف على الشرق أو الغرب، فنحن وتركمانستان لدينا مقاربة برجماتية».
ولم تتوقف روسيا عند هذا النجاح فحسب بل تمكنت من إقناع الرئيس الكازاخي "نور سلطان نزارباييف" بعدم المشاركة في قمة وارسو، التي تزامنت مع لقاء بوتين ورئيسا ترکمانستان وكازاخستان في مايو الماضي؛ حيث بحث رؤساء بولندا وأوكرانيا وليتوانيا وجورجيا وأذربيجان إمكانية نقل الموارد النفطية من الدول السوفييتية السابقة، دون المرور بروسيا بهدف التخفيف من تبعية أوروبا لروسيا في مجال الطاقة.
علاوة على ذلك، أصدر الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» مع الرئيس الأوزبكي «إسلام كريموف» ورئيسي کازاخستان و ترکمانستان بياناً مشتركاً حول إعادة بناء أنابيب غاز أخرى قائمة وزيادة قدراتها في آسيا الوسطى.
والأهم من ذلك هو موافقة بوتين على إشراك كازاخستان في خط الأنابيب الذي تسيطر عليه روسيا بين ميناء «بورغاز» البلغاري الذي يقع على البحر الأسود وميناء «ألكسندروبولس» في شمال اليونان على البحر الأبيض المتوسط...
ومن المتوقع أن يؤثر هذان الاتفاقان بين روسيا وكازاخستان سلبا على اهتمام كازاخستان بخط الأنابيب «باكو - تيبليسي – جيهان» الذي يسعى الغرب لاستغلال موارد الطاقة في آسيا الوسطي عن طريقه. وتهدف روسيا إلى الحد من النفوذ الأمريكي والأوروبي المتزايد بشكل كبير في هذه المنطقة.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
عقب التصديق عليه.. خبراء ينتقدون قانون الجمعيات الأهلية بمصر ويعتبرونه عقاباً للفقراء
نشر في العدد 2109
27
السبت 01-يوليو-2017