العنوان عندما يتطاول الأقزام!!
الكاتب عبدالقادر بن محمد العماري
تاريخ النشر الثلاثاء 06-ديسمبر-1988
مشاهدات 28
نشر في العدد 894
نشر في الصفحة 66
الثلاثاء 06-ديسمبر-1988
هناك نوعان من السقوط, سقوط أخلاقي، وسقوط فكري، وأصحاب السقوط الفكري هم المغرورون بالثقافة الضئيلة التي عندهم يؤدي بهم غرورهم إلى التطاول على المقدسات ومولعون بتحدي مشاعر الناس، والسقوط الفكري يؤدي أيضًا إلى السقوط الأخلاقي، ولذلك ترى هؤلاء أيضًا بلا أخلاق، فإذا رأيت أحدًا من المنحرفين يطعن في مقدمات الإسلام كان يعترض مثلًا على زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من تسع نسوة فأعلم أنه من هذا النوع الساقط، وهو منافق بلغ به النفاق مبلغه.
ولا تعجب إذا رأيت هذ المنافق قد أحيط بهالة من الحفاوة والتكريم، وأرتقى إلى أعلى الدرجات في سلم الوظائف، فإن أمثال هؤلاء يعدون إعدادًا خاصًا من قبل الجهات المعادية للإسلام حتى يتمكن أن ينفث سمومه، ويعمل على إضعاف الثقة في المقدسات التي لها في نفوس المسلمين حب وتقدير لما تمثله من مبادئ تبعث في نفس المسلم العزة والكرامة التي تحول دون تسلط الأعداء على مقدرات الشعوب، ولا تبقى في حالة خضوع وتبعية للغرب، والصهيونية العالمية.
فالمستشرقون الذين كانوا يمهدون للاستعمار والصهيونية عن طريق الثقافة، هم الذين قالوا أن تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم دليل على شهوانيته، وميوله الجنسية، وعلى رأس هؤلاء «جولد تسهير» اليهودي، وقد سبقه في ذلك في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم اليهود، ورد عليهم القرآن بقوله ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً﴾ (الرعد:38) فتعدد الزوجات للأنبياء والمرسلين له حكمة فهو يعينهم على أداء واجبات النبوة والرسالة، فإبراهيم وداود وسليمان تزوجوا بعدد من الزوجات، ورسولنا عليه الصلاة والسلام معظم اللاتي اقترن بهن ثيبات قد تجاوزن أعمار الشبيبة، ولبعضهن أولاد كأم سلمة «رضي الله عنها» وبعضهن غير جميلات كالسيدة زينب أم المساكين «رضي الله عنها» فزواجه لم يكن دافعه الرغبة الجنسية كما زعم المغرضون.
فقد كان عليه الصلاة والسلام في أوج شبابه في مكة لا يساويه في شبابه وجماله وحيويته أي من فتيان مكة وتتمنى كل فتاة أن يكون زوجًا لها، ولم يعرف عند قريش باللهو والحب والهوى والمجون، بل عرف بالشرف والترفع عن الدنايا، وقد تزوج السيدة خديجة «رضي الله عنها» وعمرها أربعون عامًا وهو لم يتجاوز الخامسة والعشرين، ولو كان لاهيًا شهوانيًا لاستغلت ذلك قريش ضده، وهي في أشد عدائها له فلم يستطع أحد أن يتهمه بما يخل بالشرف، بل يعترف أعداؤه قبل أصدقائه بسمو خلقه ونزاهته وحياته وصدقه وأمانته.
إذن هناك حكمة إلهية من تعدد زوجاته عليه الصلاة والسلام في نطاق إبلاغ الرسالة عن طريق زوجاته فيما يتعلق بحياته الزوجية ونشر تعاليم الإسلام فيما يخص الأسرة والعلاقات الزوجية، والدليل على أن ذلك هو الهدف أنهن قبلن الزواج منه على ضيق الرزق، وقلة النفقة.
إن الأقزام الذين يحاولون أن ينالوا من عظمته لن يصلوا إلى غرضهم الدنيء وإن ظنوا أنهم واصلون، لأن الله قد عصمه من الناس، وما هؤلاء إلا حشرات أرادت أن ترتفع وتطير وتنسى أنها ستظل حشرات يقضي عليها المبيد لأن هذا هو مصيرها باعتبارها حشرات ضارة.
إن المسلمين لن يقبلوا العبث بمقدساتهم من المنحرفين والمنحرفات وإذا كانت الشعوب الإسلامية قد فجعت في بعض أبنائها الذين ذهبوا إلى الخارج ليتعلموا على حسابها وتتكلف الشعوب من أجلهم المبالغ الكثيرة، ثم يعودون وقد تنكروا لمقدساتهم، ويسيئون إليها، ولا يقدمون لشعوبهم وأوطانهم شيئًا غير التشدق بالكلام، والثرثرة في المكاتب بما لا يفيد، فقد سقطوا في حمأة الأفكار العفنة، وإذا كانوا قد وجدوا من يلتقطهم جريًا على عادة -لكل ساقط لاقط– فإن معبد الوثنية سينهدم على رؤوس الساقطين واللاقطين على السواء.
لقد مضى ذلك العهد الذي كانت فيه الشعوب الإسلامية في غفوة ويبهرها من يأت من الغرب يحمل أفكار الضلال الخادعة، بعد أن يهيأ هناك ليقوم بالدور المرسوم فيردد أقوال المستشرقين من أعداء الإسلام، ويجعل من نفسه بوقًا لصوت سيده.
لقد انتهى ذلك العصر بعد أن انكشف أولئك، ووضحت عمالتهم، وتبين أنهم لا يزيدون عن كونهم ضحايا الغزو الفكري، وفشلوا في أن يقدموا لأوطانهم ما يفيدها في تقدمها الحضاري لأنهم لا يملكون إلا الثرثرة والكلام الفارغ، والغرور بالكلمات المحدودة من لغة الخواجات، أن أولئك يخدعون أنفسهم إذا ظنوا أنهم سيكون لهم مستقبل بعد اليوم في الحياة المعاصرة في أوطانهم، لأنه لم يعد لهم مكان بعد أن وعت الشعوب، وتبينت مكائد الأعداء، ولقد جاء اليوم شباب جادون نهلوا من العلوم في الغرب ولكنهم احتفظوا بأصالتهم وثقافاتهم، واستعصوا على الأفكار الخادعة من أن تتسرب إليهم فكانوا مثلًا في الأخلاق والالتزام، فهؤلاء الذين سيخدمون أوطانهم وأمتهم بغزارة وسيرفعونها من هوة التخلف، فهم الوطنيون الحقيقيون الذين ربحوا في دنياهم وأخراهم.
إن الذين يطعنون في مقدسات الإسلام وعقائده إنما يلعبون بالنار، وإننا نحذرهم من غضب الله قبل غضب خلقه، والله غالب على أمره ولو كره الكافرون.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل