; حصاد التجربة الوليدة في ضوء البرنامج السياسي المتكامل | مجلة المجتمع

العنوان حصاد التجربة الوليدة في ضوء البرنامج السياسي المتكامل

الكاتب محمد صادق أمين

تاريخ النشر الثلاثاء 27-فبراير-2001

مشاهدات 9

نشر في العدد 1440

نشر في الصفحة 30

الثلاثاء 27-فبراير-2001

الاتحاد الإسلامي الكردستاني في عامه السابع

  • العمل السياسي في مفهومنا هو نوع من الجهاد وجزء من العبودية لله والحكم وسيلة من وسائل تعبيد الناس لرب العالمين

  • نؤمن بالتعددية السياسية ونرى في الديمقراطية إيجابيات تنسجم مع توجهاتنا نقبلها وسلبيات نرفضها.

  • لم نأت بشيء جديد غير ما أتى الإسلام ولكن الإسلام يظل أكبر من أن يدعيه حزب إسلامي مهما كان.

بقلم: محمد صادق أمين(*)

يجسد شعبنا الكردي في كردستان العراق مثالًا حيًّا للتناغم والتعايش المثالي بين أطياف متنوعة من القوميات والمذاهب، فبالرغم مما تعرض له هذا الشعب من اضطهاد وتنكيل وبطش على أيدي الحكومات العراقية المتعاقبة، إلا أن ذلك لم يؤثر على العلاقات الشعبية بين الأكراد والعرب فظلت روح التفاهم والتجاور والتزاوج والتقارب قائمة بينهم، وتستنكر الغالبية العظمى من العرب كل ما وقع ضد شعبنا الكردي من قتل وتهجير وتنكيل، وكذا تفهم الغالبية العظمى من الشعب الكردي أن ما مورس ضده لا يعبر عن الضمير والحس العربي بل هو انعكاس طبيعي لشيفونية ودكتاتورية النظم التي لم يسلم من بطشها أحد، وهذا المستوى من التفاهم والتفاعل يعكس حيوية هذا الشعب العريق.

وتجربة شعبنا الكردي في كردستان العراق نابضة بالحياة، فبعد انتفاضة عام ١٩٩١م وبسبب الظروف الموضوعية للساحة الدولية والوضع الإقليمي استطاع الأكراد أن يحصلوا على حرية واستقلالية نسبية عن النظام العراقي ومارسوا نطاقًا واسعًا من الحكم الذاتي كرس الأكراد خلاله مبادئ الديمقراطية والتعددية والحرية في صورة تكاد تكون فريدة في المحيط الإقليمي، فبرزت تيارات سياسية عاملة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وفي هذا الإطار برز الاتحاد الإسلامي الكردستاني كحزب إسلامي وسطي مدني ذي قاعدة شعبية متنامية ليقدم الرؤية الإسلامية الحضارية المعتدلة دون غلو أو تميع.

والجدير بالذكر أن الاتحاد الإسلامي استطاع أن يمثل القوة الثالثة على الساحة الكردية في فترة وجيزة نسبيًّا من عمره في مجال الممارسة السياسية المعلنة والمنظمة. وأحاول في هذه السطور التعريف بهذا الحزب واتجاهاته الفكرية وأطروحاته على الساحة السياسية.

تجنبًا مني للرأي الشخصي البحث ومن باب تحري الموضوعية فإنني أعتمد في هذا الصدد على جملة من مختارات وأقوال ولقاءات صحفية للأمين العام للحزب أدلى بها خلال المناسبات المختلفة أو في لقاءاته مع مختلف الصحف المحلية والدولية وقد استوجب ذلك أن أقدم بين يدي مقالي هذا تعريفًا في سطور لهذا الرجل وهو صلاح الدين محمد بهاء الدين الذي ولد في كردستان العراق في مقاطعة "طويلة" في ناحية "خورمال" سنة ( ١٩٥٠م) في منطقة تتجلى فيها عظمة الخالق من خلال سحر الطبيعة الخلاب الذي لم تلوثه يد الإنسان حيث الجبال الشاهقة التي تنشق عن صخورها ينابيع المياه الطبيعية العذبة، وقد انحدر من عائلة متدينة علمية، فوالده أحد علماء الكرد المعروفين واحد المتعاونين مع الصحوة الإسلامية التي قادها في العراق الشيخ محمد محمود الصواف– يرحمه الله- قبل أكثر من أربعين عامًا، فجمع بذلك ثلاث مزايا التنشئة في أحضان الطبيعة، والانحدار من عائلة علمية، والنشوء على نهج الصحوة الصافي منذ نعومة أظفاره، دخل دار المعلمين في السليمانية وتخرج منها سنة ١٩٦٩م ليمارس مهنة التعليم إلى جانب الدعوة والترجمة والتأليف حيث صدر له أول كتاب مترجم بالكردية عام ۱۹۷۰م تحت عنوان على السنة الحيوانات" وقد أثار الكتاب ضجة كبيرة في الأوساط الثقافية بسبب ما حواه من نقد لاذع للواقع السياسي والاجتماعي، ثم توالت بعد ذلك الإصدارات المتنوعة في مختلف المجالات، بدأ نشاطه الفعلي المنظم في صفوف الحركة الإسلامية عام ١٩٦٥م زاول النشاط الدعوي في دار المعلمين وفي جامعة السليمانية بعد تأسيسها حيث ساهم مع ثلة من الشباب المسلم من مختلف أنحاء العراق في العمل والتخطيط الدعوي، كما ساهم في تجميع الأقلام الإسلامية الكردية تحت مظلة "جمعية الكتاب الإسلاميين" عام ۱۹۷۸م وله دور قيادي وبارز في مسألة تجميع الشباب وتنظيم عملهم في المخيمات الإيرانية بين عامي ۱۹۸۲- ۱۹۹۱م و إبان انتفاضة شعبنا الكردي عام ١٩٩١م تجمعت محاور العمل الإسلامي وشكل الاتحاد الإسلامي الكردستاني" وتم الإعلان عنه رسميًّا في ٦- ٢/1- ١٩٩٤م واختير السيد صلاح الدين أمينًا عامًّا في انتخابات حرة بنسبة ٩٣ وأعيد انتخابه في المؤتمر الثاني المنعقد بتاريخ ۲۰- ۸- ١٩٩٦م بنسبة ٩٦% وأعيد انتخابه في المؤتمر الثالث المنعقد في ٣- ٩- ١٩٩٩م بنسبة ٩١%.

تعريف الاتحاد

كان لابد من هذه التوطئة كمدخل لحديثنا عن الاتحاد الإسلامي الكردستاني الذي يحتفل في السادس من فبراير من كل عام بذكرى تأسيسه التي تصادف هذا العام الذكرى السابعة، وفي تعريف الحزب ورد في لائحته ما يلي:

"الاتحاد الإسلامي الكردستاني حزب إصلاحي سياسي إسلامي" إذن ثلاث كلمات أجملت وعرفت الاتحاد هي "الإصلاح" "السياسة" "الإسلام" ولعل العمل السياسي هو الجزء الجديد على الناس في الممارسة الإسلامية فكيف يمكن التوفيق بين العمل السياسي والإسلامي؟ 

يقول الأمين العام العمل السياسي حسب الضوابط والمفاهيم الإسلامية هو برنامج إصلاحي بالمفهوم الإسلامي القرآني لا بالمفهوم الغربي الذي يتخذ الإصلاح وسيلة لترقيع وزركشة الواقع، أما مفهوم الإصلاح في القرآن فإنه مفهوم عام وشامل، وهو بالمفاهيم الحديثة يعني التغيير بأساليب مدنية سياسية نحو الأفضل وعمل المعروف بكل مفاهيمه في كل المجالات بالنسبة للفرد والمجتمع والأسرة والمؤسسة السياسية والسلطة، وهذا بجملته يعني العمل السياسي، ومن الطبيعي أن تكون السياسة جزء من العمل والنضال الإسلامي، فالإسلام دين ودولة وخلال "١٤ قرنًا" من عمر الإسلام كان الإسلام سلطة وحكومة في "۱۳ قرنًا". وأن مصدر إلهامنا في عملنا السياسي الإصلاحي هو الإسلام "القرآن والسنة" نرجع إليهما في كل أمر حادث وجديد وكل تغير زماني ومكاني يطرأ يعامل حسب القواعد والأسس الإسلامية ويصدر له ما يناسبه من الأحكام، أي نزول الحكم على الواقع.

السياسة في دائرة المتغيرات

وعليه فإن الأحداث الجارية على الساحة العالمية والداخلية تحتاج إلى اجتهادات وطروحات وآراء جديدة، ومن الطبيعي أن يكون نضالنا السياسي من أجل الوصول إلى التمكين، ولكن متى وكيف وبأي وسيلة؟

نحن نؤمن بالتعددية وبتداول السلطة ونمارسها بالإقرار العملي، والتعددية تعني ممارسة العمل السياسي مع الناس والأحزاب الأخرى وهذا يطبق بشكل مفتوح.

وقد شهدت الأحزاب والجهات السياسية الموجودة في الإقليم في مناسبات عده بأن الاتحاد الإسلامي حزب موفق في انفتاحه على الساحة السياسية والوطنية، فالتعددية الفكرية والسياسية والمذهبية وممارسة الوسائل المعاصرة لتحقيقها كالانتخابات ونزع السلاح وسيادة القانون واحترام القيم العليا للمجتمع كل هذه أهداف نناضل من أجل تحقيقها على أرض الواقع في حياة مدنية سلمية بعيدة عن صوت السلاح وعن جبروت العقلية الدكتاتورية وندعو جميع القوى السياسية إلى انتهاج أسلوب الحوار والتفاهم.

العمل في دائرة الممكن

نعمل لتحقيق هذه الأهداف ضمن خطة متدرجة من خلال المؤسسات التي نمتلكها من محطات راديو وتلفاز وصحف ومطبوعات ومراكز فنية ورياضية ومنظمات مهنية وشعبية مثل الطلاب والأخوات والمهنيين أما إصلاح الحكومة فممكن بتذكيرها وتنبيهها ونصحها سواء من خارج الحكم كحزب معارض أو بالاشتراك معها في حكم ائتلافي، وكل هذه أمور نسبية ولا تتم كلها مائة بالمئة لأن التنفيذ قد يختلف عن «التخطيط».

إن الاتحاد الإسلامي حزب ديمقراطي الممارسة، فعلى المستوى الداخلي يتم اختيار كوادر الحزب وقياداته بالانتخاب الحر، ولا تتعارض هذه الممارسة مع قيم الإسلام وعقائده ومفاهيمه السامية حيث يقول الأمين العام: «نحن نرى الديمقراطية- كنظام أو كأسلوب من أساليب ممارسة الحياة السياسية- لا تتعارض في شيء مع التوجهات الإسلامية أو مع المبادئ العامة للاجتهاد السياسي الإسلامي، وهي في صالح الشعب بشكل عام، فالديمقراطية باعتبارها الفلسفي والفكري شيء وباعتبارها ممارسة عملية شيء آخر، وفي الديمقراطية إيجابيات تنسجم مع توجهاتنا نقبلها، وأخرى سلبية نرفضها، فحرية الفكر وحرية التعبير واختيار الممثلين وفق ضوابط جيدة نقبلها ونضيف عليها تحسينات تنفي السلبيات عنها، ولكن الطرح الفلسفي الذي يكرس حكم الشعب منهاجًا وشريعة نخالفه، فحكم الله هو الأصل، وشريعته هي الأساس، والشعب يمارس السلطة باستناده إلى شريعة الله ودون خروج عليها والعمل السياسي في مفهومنا هو جهاد سياسي وهو جزء من العبودية التي نمارسها، والحزب السياسي عندنا جهاد سياسي جماعي يتولى المشروع السياسي المعاصر، تكملة للأبعاد الأخرى من الحياة الإسلامية والحكم الإسلامي وهو وسيلة من وسائل تعبيد الناس لرب العالمين هو في الوقت نفسه ثمرة من ثمار نضالات الجهاد السياسي الجماعي الذي يمارسه الحزب هذه الممارسة السياسية المتميزة تتناغم وتتماشى مع ممارسة دعوية وتربوية لا تقل عنها تميزًا، نتلمس معالمها في قول الأمين العام: «إننا دعوه إسلامية وجماعة داعية إلى الخير، ننظر إلى الحياة والكون والإنسان بمنظار الإسلام...

نزنها بميزانه، وندرك مدى عمق الحاجة البشرية إلى فاطر السماوات والأرض وما فيهما، وندرك خطورة الموقف عندما ينسى الإنسان سر خلقه ومهامه في الكون ويغفل عن بعثه بعد موته وما يؤول إليه أمره في الحياة الأبدية، فنحن بينا فكرنا، وحركتنا على أساس أن الحياة الدنيا متاع وأن الآخرة هي دار القرار، وتنطلق من هذا المنطلق، وتنتهي آفاقنا مع الأبد ولا يمكننا تغافل الآخرة وما بعد الموت، أما الآخرون فيعكس ذلك فمدى حركتهم هو إعمارهم في الدنيا وهمهم هو الحصول على ما يبغون من المتاع في حياتهم الدنيا.

دنيانا دين

فدنيانا بهذا الفهم دين محض وخندق نضالنا السياسي خندق جهاد مبارك، ومتاع الدنيا الذي بين أيدينا يبقى زائلًا وعليه لا نتسارع في الخطى والخطوات، لأن الأصل عندنا العمل والجهاد بإخلاص وإتقان وليس جني الثمار بأيدينا من مستلزمات وشروط عملنا ولا نبالي متى وعلى يد من يتحقق النصر، فالحكم والسياسة وكل ما يتعلق بهما جزء من برنامجنا التعبدي وهو ليس إلا وسيلة في مسيرة عبوديتنا وليس غاية. 

إننا سرج منيرة وإننا أدلاء خير، وإننا على أمر أكبر من حزب سياسي متعارف عليه لأن ما نحن بصدده هو مهمة الرسل عليهم الصلاة والسلام الذين كانوا على رأس كل عطاء وكل خدمة وكل إتقان وكل نفع وكل إيثار وكل حكمة وشموخ وهمة وكان السلطان عندهم تعبدًا والحكم عندهم صلاة وذكرًا، وهكذا يجب أن يكون اتباعهم وعلى المنهج نفسه يجب أن يسير ورثتهم، وبهذا الفهم تسير نحو الهدف واهتمامنا بقضايا القبر والحشر والنشر والجنة والنار لا يعني إهمال الحياة الدنيا، واهتمامنا بالفرد لا يعني إهمال المجتمع، فالكل متكامل ببعضه ولا تفصل بين الدين والسياسة، وإنما العلاقة بينهما عام وخاص، فالدين عام والسياسة خاص. وعلى نهج الإمام الشهيد حسن البنا- يرحمه الله- التجديدي الشامل الذي جاء حقًا بما هو أكبر من حزب سياسي أو جمعية خيرية أو هيئة معينة وإنما كما صرح بنفسه روح جديد يسري في قلب هذه الأمة فيحييه بالقرآن، ونور يبدد ظلام المادة بمعرفة الله، وصوت داو يردد دعوة الرسول ﷺ  فمنهجنا فكري تربوي دعوي يربي الفرد علميًّا وتربويًّا وحركيًّا، ويصنع منه الرجل الذي يمارس الفروسية نهارًا والرهبانية ليلًا ويبيع ما عنده لمرضاة الله ويحمل هم الأمة ويذود عن حياض الدين ويخدم شعبه ووطنه بصدق وعمل.

الوسطية لا إفراط ولا تفريط : من المعروف أن الأحزاب السياسية التي تتبنى الإسلام السياسي كمرجعية في عالمنا الإسلامي عمومًا والعربي خصوصًا تواجه من قبل الحكومات بعنف وشدة وتحرم من العمل والممارسة السياسية بتهمة التطرف والعنف والخروج على النظام العام، ورغم أنني أقر بأن العنف والتطرف موجود في ممارسات البعض إلا أن الحكومات تتخذ من ممارسات ذلك البعض ذريعة لمواجهة الحركة الإسلامية في كل أنحاء العالم الإسلامي ولا تقتصر تلك المواجهة على الممارسة البوليسية بل تتعداها إلى المواجهة الثقافية والفكرية، ففي الوقت الذي يحتج فيه المسلمون على صناعة السينما في هوليود بسبب تشويه صورة الإسلام والمسلمين نجد أن البلدان الإسلامية تمارس تشويهًا أشنع واشد في حق الإسلام والإسلاميين ويتبنى بعض الحكومات نشر المطبوعات والكتابات الأدبية التي تسيء إلى الإسلام وإلى العمل السياسي الإسلامي وتنشر بأسعار زهيدة جدًّا، وهنا نجد أن للاتحاد الإسلامي الكردستاني موقفًا متميزًا يوازن بين الواقع والشرع، وبين العقل والمنطق، وبين الحكمة والمبدئية حيث يقول الأمين العام: ظاهرة التطرف ظاهرة إنسانية وقضية بشرية قبل أن تكون مسألة فكرية يترتب عليها ممارسة وعمل، فهناك من يتطرف، أي يأخذ الطرف من المسألة سلبًا كان أم إيجابًا إفراطًا أو تفريطًا زيادة أو نقصانًا فهو لا يدرك الاتزان المطلوب بسبب داخلي أو ظرف خارجي مؤثر، وهناك من يعادي هذا الدين ويريد بأهله سوءًا فيطلق تهمة التطرف على من يسعى لإعادة الحياة الإسلامية وقد يسميها اصولية أو اصطلاحات أخرى، ومع ذلك فهناك حالات تطرف في التوجهات والممارسات، ولكن ينبغي ألا ننسى أن هناك تطرفات في المعالجة أيضًا، وهي حالة تتبعها الحكومة أو الجهات أو الأحزاب أو الأشخاص تجاه بعض الممارسات الخاطئة، ونحن نرى كلتا الحالتين مرضيتين غير صحيتين والمطلوب معالجة المسألة بتوازن ومنهجية ومن خلال الحوار والمنطق وأن يترك العنف والتطرف ونحن نرى الوسطية حالة صحية وتوازنًا فكريًّا ومنهجيًّا وأمتنا هي الأمة الوسط والمنهج الوسط هو المقبول والأقرب إلى الصواب ونحن نريد أن نكون في موقع الوسطية والاعتدال في الفكر والسلوك ونرفض التطرف لأنه حالة غير طبيعية وديننا الإسلامي يأباها ونحن كحزب لا توجد لدينا مليشيات ولا مكتب عسكري ولا نحتاج إليها وإن عدم امتلاكنا للسلاح هو أحد أسرار قوتنا . . إن الناس قد تعبوا من السلاح ومن استعمالاته الخاطئة أو تحت ستارات مختلفة.

فضلًا عن البعد عن الأساس في الموضوع، إذ إننا نحن الإسلاميين لسنا دعاة حرب مع أبناء جلدتنا وبني قومنا مهما ارتكبوا من أخطاء ووقعوا في معاص، وإن حرصنا على هدايتهم وطمعنا في توبتهم علاوة على ما يقتضيه السلاح من الاضطرار إلى الاعتماد على أصحاب السلاح والتوسل لدى تجار الحرب وإرضائهم على حساب المبادئ، لأن هؤلاء لهم مصالحهم وأطماعهم، علمًا أنه لا يوجد في كردستان معمل لصناعة السلاح. ونحن الآن جهة سياسية ولسنا سلطة، والجهة التي لم تصل إلى السلطة يطلق عليها اسم المعارضة في المصطلح السياسي وهذه المعارضة نمارسها بأسلوب مدني سياسي يحترم القانون، وفي حالة مواجهة أي مشكلة قانونية فإننا نواجهها عن طريق القانون، وإذا كانت حزبية نحلها عن طريق الحوار مع الأحزاب، فكل حالة لها أسلوبها الخاص في التعامل ونتعامل معها بصبر وتحمل ونحن نفضل أن نكون عاملًا إيجابيًّا وألا نزيد مشكلات شعبنا، ولذلك نتنازل عن بعض حقوقنا الحزبية وأحيانًا الشخصية.

حالة صحية

قد يتفق معي الكثيرون على أن أهم وأكبر معوق واجه الحركات الإسلامية على مدار التاريخ هو الاعتداد بالذات وحصر الإسلام في إطارها الفكري وفهمها الأيديولوجي، وبعض الحركات تعتبر الإسلام يجتمع فيها حصريًّا دون غيرها، أما طروحات الاتحاد الإسلامي فقد تسامت على مثل هذا الجمود الفكري بطرح حضاري يؤمن بالتعددية السياسية الإسلامية ويعتبرها ظاهرة صحية في إطار الرأي والرأي الآخر وعلى قاعدة رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، وبيان ذلك فيما قاله الأمين العام في ساحتنا جميع الشعب مسلمون، ولكن يجوز أن يكون البعض منهم إسلاميون، وذلك مفهوم من حيث إن لهم مشروعهم السياسي الإسلامي، ولكن الجميع مسلمون، ولهم التزاماتهم الإسلامية، وتختلف درجة هذا الالتزام بين الناس، كما أن الإيمان تختلف درجاته فيزيد وينقص عند الفرد الواحد والمجموع، ولكن بشكل عام فإن شعبنا شعب مسلم ونحن نخدم وطننا وشعبنا بتوجه إسلامي نرى أن التعددية بمعنى تعددية الأحزاب حالة صحية، بمعنى أن هناك فريقًا من الناس له توجهاته ورؤاه ويناضل من أجل تحقيق أهداف هي في النهاية تهدف إلى خدمة الشعب، والبعض يتصور أن التعددية الإسلامية غير جائزة على اعتبار أن الإسلام إسلام واحد، ولكن هذا خطأ بالطبع، لأنه كما أن هناك تعددية فقهية فهناك ايضًا تعددية سياسية، وكما أن هناك مذاهب فقهية وهي مشروعة وطبيعية، وقد خدمت الأمة الإسلامية، فكذلك هناك تعددية سياسية واجتهادات سياسية متنوعة للعمل الإسلامي، أما الادعاء بامتلاك الإسلام والصحوة الإسلامية فهذه النظرة تنبع من النظرة التي ترفض التعددية وتراها غير صحية، لذلك يرفض الآخر أو يرى نفسه صوابًا مطلقًا وغيره خطأ مطلقًا، وهذا طبعًا غير صحيح لأنه طالما إننا قلنا إنه اجتهاد سياسي فيجوز أن يكون بعض اجتهادي خطأ وبعضه صوابًا، أو أن اعتبره أنا صوابًا وتراه أنت خطأ، فمادام الاجتهاد رأيًّا وليس وحيًا بل هو فهمنا واستنتاجنا من الوحي، فيجوز أن تختلف تصوراتنا حول نص معين كما هو حادث في القضايا الفقهية وهو أمر طبيعي. 

إن الاتحاد الإسلامي لا يأتي بشيء جديد غير ما أتى به الإسلام، ولكن الإسلام يظل أكبر بكثير من أن يستطيع الاتحاد الإسلامي وحده ادعاء تمثيله، فالإسلام أكبر من أن يدعيه حزب إسلامي مهما كان، فكل المسلمين هم أصحاب الإسلام، والاتحاد الإسلامي يسعى لأن يغرس هذه الروح في أفراده ليكونوا خدامًا للإسلام وخدامًا للمسلمين لا ملاكًا له، فهناك فرق كبير بين الخادم والمالك، ومن هنا يأتي مفهوم التعددية في الإسلام نعم إن وحدة "الوجود الإسلامي" أمنية عزيزة ولكن لابد أن نعرف أن الاختلاف والتباين في أساليب العمل ليس منكرًا في ذاته، أما المنكر والمذموم فهو التعصب وحصر الحق في اجتهاد معين أو جماعة معينة، فالإسلام أكبر من جميع الأحزاب والجماعات.

المرأة إنسان مكلف ومكرم

المرأة في العالم الثالث والدول الشرقية عمومًا والإسلامية خصوصًا قد وقع عليها من الظلم الشيء الكثير وقد هضمت حقوقها على مستوى الدول وعلى مستوى الأحزاب أحيانًا فكيف ينظر الاتحاد الإسلامي إلى المرأة يقول الأمين العام كان ينظر إلى المرأة قبل الإسلام على أنها من الجن أو أنها شيء منحط وكان الاستعباد نصيبها دائمًا، وكانت تؤذى وتهان بكل الطرق وينظر إليها باستصغار، وعندما جاء الإسلام كرمها عمليًّا لا عن طريق الشعارات فالمسألة أعمق من مجرد شعارات فكرمها عمليًّا وتعامل معها باحترام وإنسانية، ولم يكن ذلك منطلقًا من مسألة المصالح وما شابه ذلك، بل كانت أمرًا مبدئيًّا، ولذلك نرى في القرآن الكريم والسنة النبوية العديد من النصوص التي تؤكد أن المرأة مكلفة مثل الرجل لأنها إنسان يتوجه إليها التكليف الشرعي مثل الرجل، وهكذا وجدنا أن أول من آمنت من النساء كانت "خديجة" وهي التي ساندت النبي ﷺ في بداية دعوته، ثم أول شهيدة في الإسلام امرأة وهي "سمية" وهذا يدل على أن المرأة كانت على رأس النضال وفي مقدمة كل حضور، وكانت حاضرة في الحياة السياسية والاجتماعية كإنسان، أما النظرة التي تنقص من حقوق المرأة وتنظر إليها بمنظار آخر فهي نظرة غير إسلامية، فالمرأة جزء من المجتمع بل جزء فعال، لذلك فنحن قد حاولنا أن يكون للمرأة مشاركتها وأن يكون لها حضور في كل المجالات وقد عملنا حسب الضوابط والموازين الشرعية للقضاء على تغيب دور المرأة الذي تم بسبب التقاليد ونتيجة البعد عن الإسلام الأصيل.

خلاصة

لعلي أكون قد أطلت في البيان، لكنني لم أحط هذه التجربة الفتية من كل نواحيها، ولم أعطها حقها من الاستقراء، فذلك يتطلب بحثًا مستقلًا وهو ما أدعو إليه الباحثين في مجال العمل السياسي الإسلامي لبحث هذه التجربة التي تحمل التميز في كل ممارساتها العملية وتوجهاتها الدعوية والفكرية وخلاصة ذلك في نقاط عدة.

  1. التركيز من حيث الممارسة السياسية على احترام التعددية الحزبية والإسلامية والعمل ضمن دائرة القانون واحترامه وبناء مؤسسات سياسية فاعلة قادرة على العمل السياسي والدعوة في آن واحد.

  2. الاستقلال الكامل في رسم سياسات الحزب والثبات على المواقف المبدئية دون الخضوع أو التأثر بالدول والقوى الإقليمية رغم وقوع الإقليم تحت تأثير قوى دولية وإقليمية مختلفة.

  3. التميز من الناحية الفكرية بتبني الاعتدال الفكري والمنهج الوسطي وقبول الرأي والرأي الآخر وعدم حصر الإسلام في إطار الحزب فقط والاعتراف بدور الآخرين والمشاركة معهم في بناء المجتمع.

  4. عدم اعتماد التسلح أو العمل المليشيوي رغم توافر السلاح بكثرة، ورغم أنه الحزب الوحيد في الإقليم الذي لا يملك مكتبًا عسكريًّا أو مليشيات مسلحة.

  5. التميز في الجانب الإغاثي والعمراني فحيث ما ذهبت في المدن والقرى والقصبات تجد مسجدًا أو مستوصفًا أو مدرسة أو مشروعًا نافعًا ولو في قمة جبل شاهقة لا يتصور إنسان أن يصل إليها العمل الإغاثي الإنساني وهو ما وجدت آثاره الكبيرة في الأوساط الشعبية والسياسية عمومًا.

  6. التميز في النظرة إلى المرأة واحترام حقوقها وإشراكها في عملية البناء الاجتماعي والسياسي والتنموي والاقتصادي.

  7. التميز في البناء الداخلي باعتماد حرية الرأي والاستماع بسعة صدر إلى الرأي الآخر واعتماد الانتخاب مبدأ لاختيار القيادات بدءًا من قاعدة الهرم وحتى القمة..

محمد صادق أمين: صحفي عراقي مقيم في كردستان العراق 

جمعت مفاصل هذا المقال من جملة توجيهات للأمين العام إلى كوادر الاتحاد الإسلامي الكردستاني والصادرة عن مكتب إعلام الاتحاد الإسلامي، بالإضافة إلى جملة لقاءات صحفية مع صحف ومجلات محلية ودولية.

الرابط المختصر :